المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من بصائر التعريف بالقرآن


روح أنثى
02-12-2019, 07:02 PM
من بصائر التعريف بالقرآن
موضوعات سور القرآن من حيث الموضع


نظم الموضوعات القرآنية من حيث الموضع على ضربين:
الأول: نظم الموضوعات القرآنية في السورة الواحدة.
الثاني: نظم الموضوعات القرآنية في السور المتوالية.


وبالمثال يتضح المقال:
المثال الأول للموضوعات القرآنية في السورة الواحدة: سورة الكهف:
هذه السورة ذاتُ فكرةٍ واحدة وموضوعات متعددة تَخدمُ تلك الفكرة، ففكرتُها أو هدفها هو التحذيرُ مِن فتن الحياة الدنيا، وجاءتِ الموضوعاتُ والقصص في السورة خادمةً لهذا الهدف وتلك الفكرة ومقرِّرةً لهما.


فجاءت قصة أصحاب الكهف وما يتعلق بها مصوِّرةً ومحذِّرةً من الفتنة في الدين في ثماني عشرة آية (269) من آيات السورة التي تصل إلى مائة وعشر (110) آيات.


وجاءت قصة صاحب الجنتينِ وما يتعلَّق بها مصوِّرة ومحذِّرة من فتنة المال في ثلاثَ عشرةَ آية (32 44) من آيات السورة.


وجاءت قصة الخضر وموسى عليه السلام مصوِّرة ومحذرة من فتنة العلم في أربعٍ وعشرين آية (59 82) من آيات السورة.


وجاءت قصة ذي القرنينِ ورحلاته الثلاث - (مغرب الأرض، ومشرقها، وبين السَّدينِ) - وما يتعلَّق بها في سبعَ عشرةَ آية (83 99) من آيات السورة مصورة ومحذرة من فتنة السلطان.
فكما ترى هذا القصص وتلك الموضوعات، تفصيلٌ لفتن الحياة الدنيا، وهذا هو الرابط الذي يربطها جميعًا.


مثال آخر: سورة المطفِّفين تجدُ أن أغراضها (موضوعاتها) كالآتي:
أولًا: تحذيرٌ مِن تطفيف الكيل والوزن، وربطه بالجزاء الأخروي، وأن ذلك مما سيحاسب الله عليه: ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [المطففين: 4، 5]، وكأن هاتين الآيتينِ بمثابة التمهيدِ للانتقال إلى الحديث عن الغرض الثاني من أغراض السورة، ألا وهو:
ثانيًا: الجزاء الأخروي يوم القيامة لله رب العالمين، والحديث عن جزاء الكفار المكذِّبين، ومقابلة حالهم بضدِّه من حال الأبرار المؤمنين في اثنتينِ وعشرينَ آيةً من آيات السورة (286).


ثالثًا: ثم ربطَتِ السورةُ هذا الجزاء الأخرويَّ بالسلوكِ الدنيويِّ؛ حيث أبانَتْ عن حال أهل الكفر مع أهل الإيمان؛ إذ كانوا يَسْخَرون منهم، ويَلمزونهم ويستضعفونهم، وكيف انقَلَبِ الحال في العالَم الأبدي[1]، كان هذا الغرض الثالثُ علةً للغرض الثاني.


فانظر كيف ترابطَتْ موضوعات السورة الكريمة، وقد سبق عند الحديثِ عن خصائص النظم التي يغلُبُ عليها جانبُ المعنى عند الحديث عن اختلاف الأغراض - بيانٌ لترابط أغراض وموضوعات سورة (الليل).


وقد كتب الدكتور محمد بن عبدالله دراز[2] رحمه الله في كتابه الماتع (النبأ العظيم) عن مقاصد سورة البقرة إجمالًا وتفصيلًا، وأبان عن وحدتِها وترابط مقاصدها بالرغم من طولها، فليراجعه من شاء[3].


قلت: ومما هو جديرٌ بالذكر ونحن نتحدَّث عن الموضوعات القرآنية ونظمِها في السورة الواحدة - أن السورة القرآنية قد تشتملُ على غرضٍ وموضوع واحد لا تزيد عليه؛ كسورة الكوثر موضُوعها وغرضها الامتنانُ على رسولنا صلى الله عليه وسلم، وكسورةِ الإخلاص موضوعُها وغرضُها الذات الإلهية وصفاتها، وكسورةِ القارعة موضُوعها وغرضها بيانُ بعضِ أهوال وأحوال القيامة، وسيتضح ذلك في المبحث القادم إن شاء الله (نظم السور القرآنية)، المطلب الرابع (أنماط البناء النظمي للسور القرآنية من حيث الموضوعات).
أمثلة ونماذج للموضوعات القرآنية في السور المتوالية:
أولًا: نموذج للتآلف والتعاضد والتكامل بين سورة (ق) و(الذاريات) و(الطور): سورة (ق) وهي السورة الخمسون في الترتيب المصحفي للسور؛ من أغراضها:
أولًا: الحديث بشيء من التفصيل عن مظاهر القدرة الإلهية من بناء السماء وإحكامها، ورفعها وتزيينها، والأرض ومدها وإرسائها بالجبال، وإنبات مختلف الزروع والثمار بها عن طريق إنزال المطر... إلخ، والاستدلال بذلك على إثبات البعث؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 6 - 11].


كذلك جاءت سورة الذاريات وأشارت مرة أخرى بإيجاز إلى هذه المظاهر؛ كالتأكيد لها والتذكير بها، فقال تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 20 - 23].


ثانيًا: سورة (ق) تحدَّثت عن تكذيبِ بعضِ الأمم السابقة بما جاء به الأنبياءُ والمرسَلون، وأشارت إلى إنزال العذاب بهم؛ قال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [ق: 12 - 14].


كذلك جاءت سورة الذاريات وتحدَّثت عن تكذيب هذه الأمم، وفصَّلت الوعيد الذي حق عليهم، فقال تعالى: ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ * وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ * وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الذاريات: 31 - 46].


ثالثًا: سورة (ق) تحدَّثت عن يوم القيامة، وبعض ما يقع فيه من أهوال وأحوال؛ قال تعالى: ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾ [ق: 41، 42].


وجاءت سورة (الذاريات) مُقسِمة على ذلك ومؤكِّدة، فقال تعالى: ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ﴾ [الذاريات: 1 - 6]، وقال تعالى: ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 23].


ثم تأتي سورة (والطور) مِن بعدهما، وتسير على نفس النهج، وتشدد النكير على المكذِّبين، وتغلظ لهم في القول، وتبالغ في التهديد والوعيد، وتُؤكِّد مُقسِمة أن العذاب الأليم سيَحِيقُ بهم في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴾ [الطور: 1 - 8]، وقال تعالى: ﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الطور: 45 - 47].


وهو نفس ما ختمت به سورة الذاريات من قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 59، 60].


رابعًا: وإذا كانت سورة (الذاريات) أشارت إلى نعيمِ أهل الجنة، وذكرت أهم الطاعات التي أدَّت بهم إلى هذا النعيم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 15 - 19].


فقد جاءت سورة (الطور) وفصَّلت بعضًا من هذا النعيم، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [الطور: 17 - 25].


خامسًا: وإذا كانت سورة (الذاريات) عرَضت لبيانِ افتراءات مكذِّبي الأمم السابقة على أنبياء الله ورسله، في قوله تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ﴾ [الطور: 38، 39]، وقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].


فقد جاءت سورة (الطور) وتعرَّضت لبيان افتراءات المشركين على نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن، وزادت الردَّ عليهم؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ [الطور: 29 - 34].


قلت: وهكذا يتشابَكُ ويتعاضدُ ويتآلفُ ويتكاملُ ويتكاتف نَظْم الموضوعات القرآنية في السور المتوالية، وهذه السمة تسري في جميع سور القرآن لمَن أمعن نظره، وأعمل فكره، وتدبَّر في سور القرآن الكريم.


وأعجب من ذلك أن هذا التعاضد والتآلف والتكامل بين نظمِ الموضوعات القرآنية، حتى بين السور بحسب ترتيب النزول، وليس الترتيب المصحفي فقط، وإليك مثالًا على ذلك:
سورتَي (العلق) و(المدثر)، نزلت (المدثر) بعد صدر سورة (العلق)، وهذا لا شك فيه، فكما حمَلَت سورة (العلق) أمرًا محددًا وتكليفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بَدْء الوحي؛ حيث قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].


كذلك جاءت سورة (المدثر) بتكليفاتٍ وتوجيهات محدَّدة للمصطفى صلى الله عليه وسلم في بَدْء الدعوة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 1 - 7].سورة (العلق) أشارت إلى الغِنى الطاغي، وقدَّمت نموذجًا لصدِّه عن سبيل الله بالنهي عن الصلاة، وحذَّرته من النار وزبانيتها؛ حيث قالت: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإنسان لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 6 - 19].


كذلك جاءت سورة (المدثر)، وقدَّمت لنا نموذجًا للغِنى المُطغِي وصده عن سبيل الله بالافتراء على القرآن، وهدَّدته وتوعَّدته بعذاب النار؛ حيث قالت: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [المدثر: 11 - 30].


سورة (العلق) أشارت إلى أن الرجوع والمآل إلى الله؛ حيث قالت: ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [العلق: 8]، وجاءت سورة (المدثر) وبيَّنت صفة هذا اليوم الذي يكون فيه الرجوع والمآل، فقالت: ﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾ [المدثر: 8 - 10].


كذلك بيَّنت وفصَّلت ما يحدث في هذا اليوم، فقالت: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 38 - 48].


سورة (العلق) أشارت إلى خَزَنة النار، فقالت: ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ [العلق: 18]، وسورة (المدثر) تحدَّثت عن عِدَّتِهم وعن جنسهم والحكمة في ذلك، فقالت: ﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 30، 31].


سورة (العلق) حثَّتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ألا يخشى الكافرَ المعاند، ولا يترك صلاته، ويتقرَّب بها من المولى تبارك وتعالى؛ حيث قالت: ﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19]، وجاءت سورة (المدثر) وحثَّتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على الصبر على الأذى وما يلاقيه في سبيل الدعوة؛ حيث قالت: ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 7].


وهكذا فإن روح التعاضد والتآلف والتكامل تسري بين نظم الموضوعات القرآنية حتى بين السور التي علم يقينًا[4] ترتيب نزولها، وإن اختلف ترتيب هذه الموضوعات داخل السورة.


ثانيًا: نموذج للتقابل والتضاد بين نظم الموضوعات القرآنية في السور المتوالية مصحفيًّا في سورتَي الماعون والكوثر:
سورة الماعون وصَف المولى تبارك وتعالى الكافرَ فيها بأربعة أمور:
أولًا: البخل فقال تعالى: ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون: 2، 3].
ثانيًا: ترك الصلاة فقال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5].
ثالثًا: الرياء فقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ﴾ [الماعون: 6].
رابعًا: منع الماعون (ما يكون في البيت كالإبرة والفأس والماء والنار)[5]، فقال تعالى: ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 7].


وجاءت سورة الكوثر وأغراضها مقابلةً ومضادَّة لأوصاف المنافق في سورة الماعون، فذكر في مقابلة البخلِ الكثرةَ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1]، وذكر في مقابلة ترك الصلاةِ الصلاةَ، فقال تعالى: ﴿ فَصَلِّ ﴾ [الكوثر: 2]، وذكر في مقابلة الرياء الإخلاصَ، فقال تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴾ [الكوثر: 2]، وذكر في مقابلة منعِ الماعون التصدُّقَ، فقال تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2][6].
وبعد:
فهذا نظم الموضوعات القرآنية وبعض أسباب ودواعي ترتيبه وارتباطه وأنواعه وأمثلة لهذه الأنواع.
والله أعلم


[1] انظر: "التحرير والتنوير"، (30/ 188، 189).

[2] دراز: محمد بن عبدالله دراز العالم الأزهري، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، وُلِد سنة 1312هـ - 1894م، حصل على شهادة العالَمية النظامية سنة 1916م، حصل على شهادة الليسانس مِن السوربون سنة1940م إثر عودتِه إلى مصر في مارس 1948 م، انتدب لتدريس علم تاريخ الأديان بجامعة القاهرة، حصل على عضوية جماعة كبار علماء الأزهر في مصر سنة 1949 م، نُدِب لتدريس التفسير بكلية دار العلوم واللغة العربية بالأزهر، وتدريس فلسفة الأخلاق في قسم التخصص بجامعة الأزهر، كان جريئًا صلبًا قائمًا بالحق، توفي رحمه الله سنة (1958هـ - 1377م)؛ انظر: "الأعلام" (6/ 246)، "معجم المؤلفين" (10/ 213، 212)، "أوراق الدكتور دراز" (9 25).

[3] "النبأ العظيم"، (ص163 - 211) ختام الكتاب.

[4] ردَّ شيخُنا وشيخ أشياخنا ومشرفُنا الأسبق في هذه الرسالة، الأستاذ الدكتور إبراهيم عبدالرحمن خليفة رحمه الله - الترتيبَ النزوليَّ لسور القرآن الذي ذكره السيوطي وغيرُه، ردَّه شيخنا في كتابه الماتع "بحثان حول سور القرآن"، فليراجعه مَن أراد أن يقف على كلام الشيخ، والباحث يوافقه على ذلك.

[5] "زاد المسير"، (4/ 496)، وفيه أقوال أخرى.

[6] انظر: "البرهان"، (1/ 39)، و"الإتقان"، (3/ 381) بتصرف وزيادة.

دلآل.•
03-12-2019, 08:22 AM
طرح في غايه آلروعه وآلجمال
سلمت آناملك على الانتقاء الاكثر من رائع
ولاحرمنا جديدك القادم والشيق
ونحن له بالإنتظار,,~

بـہۣۗـتـہۣۙول ❥ ·´¯)
03-12-2019, 11:56 AM
جزاك الله كل خير
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك

امير بكلمتى
04-12-2019, 07:38 PM
الله يعطيك العافيه يارب
ع حسن ذآئقتك وجميل جلبك
دمتي ودام عطائك مميز
:200 (50):

الاستاذ
04-12-2019, 08:09 PM
موضوع رائع ومميز
طرحت فابدعت دمت ودام عطائك
سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا
اعذب التحايا لك

reda laby
04-12-2019, 08:26 PM
حتى نرضى الله :: و نسعد بعد الحياة
فى جنات الفردوس :: جائزة من الإله

بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى
https://c.top4top.net/p_844k81p81.png
https://d.top4top.net/p_844kfa1h2.gif
https://c.top4top.net/p_6337qp4o1.png
http://3b8-y.com/vb/uploaded/580_21536911659.gif

عبير الليل
06-12-2019, 01:09 AM
جزاك الله خيراً على انتقائك القيم
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
وفي انتظار المزيد

:100 (108):

نسمة عليلة
06-12-2019, 02:04 AM
سلمت يدك وما جلبت
بارك الله فيك
وفي ميزان حسناتك إن شاء الله
:red_rose_by_jasmine

ابتسامة الزهر
06-12-2019, 05:20 AM
موضوع رائع ومميز
طرحت فابدعت دمت ودام عطائك
سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا
اعذب التحايا لك
لكـ خالص احترامي

♥..αмαℓ
06-12-2019, 07:00 AM
*,

جزاك الله جنة عرضها السموات والأرض
بارك الله فيك على الطرح القيم
في ميزان حسناتك ان شاء الله
اسأل الله ان يرزقك فسيح الجنات
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتك
وعمر الله قلبك بالايمان
على طرحك المحمل بنفحات إيمانيه
لك خالص ودي ..

:100 (103):

مانسيتك
06-12-2019, 01:34 PM
سلمت الايادي على الطرح القيم
جزاك الله خيرا*
وجعلة فى ميزان حسناتك
دمت بكل خير ..

:100 (109):

ذبحني غلاك
06-12-2019, 03:10 PM
جزاك الله خير وبارك الله فيك
:100 (105):

مـخـمـلـيـة
07-12-2019, 09:31 PM
الله ينور قلبك بالعلم والايمان
ويشرح صدرك بالهدى واليقين
وييسر امرك ويرفع مقامك فى العلين :red_rose_by_jasmine

الشاهين
08-12-2019, 12:11 AM
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ

سما الموج
08-12-2019, 12:54 PM
بارك الله فيك على الطرح
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
وفي انتظار المزيد

:w6w_20060309175028d

لَذة عِشّق♪♥
10-12-2019, 08:52 AM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

حنين الروح
11-12-2019, 09:43 PM
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز

وفي انتظار جديدك الأروع والمميز

لك مني أجمل التحيات

وكل التوفيق لك يا رب

همس الورد
11-12-2019, 10:04 PM
سلمت يدآك على روعة الطرح
وسلم لنآ ذوقك الراقي على جمال الاختيار
لك ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير
اسأل البآري لك سعآدة دائمة

وهج الكبرياء
12-12-2019, 11:23 AM
طرح فى قمة الروعة
جزاك المولى خير الجزاء
وجعله فى موازين حسناتك
دمت فى رضا الرحمن
:100 (109):

حكآية روح
12-12-2019, 10:06 PM
جزاك الله خيراً وبارك فيك ونفع بطرحك
وجعله في ميزان حسناتك
https://www.3b8-y.com/vb/images/smilies/100%20(103).gif

رفيق الالم
11-02-2020, 07:33 PM
..

جزاك الله خيرا
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك
دمت بكل خير
http://www.nalwrd.com/vb/upload/4183nalwrd.gif

عيون الريم
13-02-2020, 03:21 AM
لاعدمتُ نوراً يبزغ من حروفكم
جعل الله أنـآملك كقنديل يهدي للخير دوماً
لـ آرواحكم أكاليل الياسمين
/،:261:

روحي تبيك
14-02-2020, 07:12 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

عبق الياسمين
15-10-2020, 02:32 AM
طرح مفيد وذو اهمية
ومنه تؤخذ الفائدة
بالاضافة الى الاستمتاع بالقراءة
واكتساب ثقافة اخرى
سلم الله صاحبه
وسلمت يمناك على النقل الرائع
وسلم البنان
خالص المودة لسموك

العاشق الذى لم يتب
25-01-2022, 06:52 PM
:100 (20):
جزاكم الله خيرا
وبارك فيكم
طرح مفيد وجميل
دام حضوركم
لكم التحيات والدعوات
:100 (19):
رفعت احمد
:so_cute_by_vafiehya

رهينة الماضي
12-02-2024, 01:43 AM
https://new-girls.ws/images/img_1/c6a221da9792d95dceef38d2c1660993.gif

البدر
14-06-2024, 09:24 PM
جزاك الله خير على الطرح القيم
بارك الله فيك وكثر من امثالك
لاخلا ولا عدم
:ezgif-7-0cd46ffe77: