المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام وذم التعصب


غرآم الروح
14-01-2020, 02:44 PM
https://www.9ory.com/uploads-01-2020/9ory-com_157875660481951.gif




الإسلام وذم التعصب (1)


علاء بكر

إن التعَصُّب من المشكلات الاجتماعية التي عانتها وتعانيها المجتمعات قديمًا وحديثًا؛ لذا نال الكثير من الدراسات حول أسبابه ومظاهره وأساليب علاجه، ولاسيما وأنه يترتب عليه سلوكات -من المتعَصِّب- هي سيئات وأخطاء يتشابه فيها مع المجترئين على الظلم والمعاصي وهو لا يدري؛ إذ يتجرأ على مخالفيه ممن يخالفونه في الرأي أو الفكر أو الجماعة فيصفهم بما لا يستحقونه، رغم أنه في ظاهره من الصالحين، بل قد يظن أنه -بظُلْمِه وتَهَجُّمِه على الآخرين- ممن يُحسنون صنعًا ويُصلحون!؛ فيفسد في الأرض من حيث لا يدري، وهذا بحثٌ موجز في خمسة مطالب حول بيان معنى التعَصُّب عموما والتعَصُّب في الدين خصوصا، وموقف الشرع منه، وذكر بعض مظاهر التعصب في الدين، وإشارة إلى بعض وسائل علاج هذا التعَصُّب في الدين.

المراد بالتعَصُّب

جاء في المعجم الوجيز لمجمع اللغة العربية ص(420): «عَصَبَ الشيءَ عـصبًا: طَوَاه ولَوَاه وشَدَّه. يقال عصَبَ رأسَه بالعصابة. وعصَبَ الشجرةَ: ضَمَّ ما تفَرّق من أغصانها بحبل ثم خبَطَها ليسقط ورقها. عصَبَه: شَدًّه بالعصابة. اعتَصَبَ: شَدَّ العصابة. تعصب: شد العصابة. وتعصَّبَ القومُ عليهم: تجَمَّعُوا. تعصَّبَ فلانٌ: كان ذا عصبية. ويقال: تَعصَّبَ له، وتَعصَّبَ معه: نصره». «وعصبة الرجل: بنوه وقرابته لأبيه، أو قومه الذين يتعصبون له وينصرونه».

والعصابة: ما يُشَدُّ به الرأس من منديل ونحوه، والعصابة: العمامة. العصابة: الجماعة من الناس. وتَعصَّبَ القومُ: تجَمَّعوا وصاروا عصبة. والعصبة: جماعة مُتعصِّبة مُتعاضِدة. قال -تعالى-: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (القصص: 76)، قال -تعالى-: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} (يوسف: 14)، أي: مجتمعة الكلام متعاضدة، فالتعَصُّب لشيءٍ: اعتقاد الصواب في هذا الشيء، ونفي الصواب عن كل ما هو مغاير له، والتعَصُّب لمبدأ يعني الغلو في التعلق به والغيرة عليه. فالتعَصُّب ثَبَاتٌ وتَحَجُّرٌ على الشيء.

التعَصُّب لرأي

والتعَصُّب لرأي هو أخذ هذا الرأي بحُكْمٍ مسبق. والحكم المسبق: حكم يصدر على رأي أو موضوع مُعَيَّن بقبولٍ أو رفضٍ، بغير سندٍ، أو بسند مردود عليه، ويكون قبل القيام باختبار وفحص الحقائق المتاحة عن هذا الرأي أو الموضوع، أو بعدم التفات إلى -أو تجاهل، أو لإنكار- سند الآخرين؛ إذ ليس من السهل على المُتعَصِّب تغيير رأيه بالمعلومات المُناقِضة له؛ فرأيه بمثابة حُكْمٍ مُتعَجّل ومبتسر.

حالة انفعالية

والتعَصُّب يصاحبه حالة انفعالية -بقبول أو عدم قبول- لأمر أو لغيره بحسب الحكم المسبق الذي تَبَنَّاهُ المُتَعَصِّب؛ فيعامل المُخالِف له بطريقة فيها تمييز، فالتعَصُّب يقود غالبًا إلى سلوكٍ ضد المُخالِفين لا يوجد عند التحقيقِ ما يسوغه؛ فالتعَصُّب يجعل الإنسان مسبقًا ودون تقييم موضوعي يُكوِّن أحكاما موجبة أو سالبة بصدد جماعاتٍ أو أشياء أو مفاهيم؛ فالحكم الذي اتَّخَذَه المتعَصِّب يُصاغ مقدمًا دون تَوافُر أدلةٍ كافية، ويُهَيِّئُ المتعَصِّب سلفًا للسلوك أو التفكير بطريقة معينة تجاه المُخالِفين، ويجعله يقاوم المعلومات الصحيحة الجديدة عليه؛ فالتعصب صورة من التصَلُّب والتَّزَمُّت.

تعريف التعصب

في ضوء ما بَيَنَّاه يمكن تعريف التعصب بأنه: «تَبَنِّي حُكْمٍ مسبق لا ينبني على شواهد معرفية، ويصعب تغييره، ويصحبه مشاعر حب أو كراهية إزاء موضوع التعَصُّب، ويترتب عليه سلوك لصالح موضوع التعَصُّب أو ضده». أي أن للتعصب ثلاثة مُكَوِّنات: مُكوِّن معرفي، ومُكوِّن وجداني، ومُكوِّن سلوكي، أي أن للتعصب ثلاثة مُكَوِّنات: مُكوِّن معرفي، ومُكوِّن وجداني، ومُكوِّن سلوكي.

مفاهيم متداخلة

هناك بعض المفاهيم التي ترتبط بالتعصب بعلاقة توافقية لكن مع مخالفته في أحد مكوناته، أو بعلاقة تناقضية مع كل مكوناته، وبيانها يزيد من فهم المراد بالتعصب، فمن هذه المفاهيم:

- الغُلُوّ: وهو مُجاوَزَة الحد والقَدْر. يُقال: غلا غلاءً فهو غالٍ، وغلا في الأمر أي: جَاوَز حَدَّه، وغلا في الدين غُلُوًّا أي: تَشَدَّد وتَصَلَّب حتى جَاوَزَ الحَدَّ. ولكن الاتجاهات العصبية أعم من الغلو؛ لذا فكُلُّ غُلُوٍّ تَعَصُّب، وليس كُلّ تَعَصُّبٍ غُلُوّ.

- التطَرُّف: وهو مُجاوَزَة حَدّ الاعتدال، والطرف: حَدّ الشيء وحرفه. والمراد هنا: منتهى الشيء وغايته. وتَطرف تفعل من الطرف، تطَرَّف يتطرف فهو مُتَطرِّف، سواء قلنا بأن الطرف هو منتهى الشيء أم مطلق الطرف. يقال للناقة إذا رعت أطراف المرعى (طرفت الناقة).

جاء في المعجم الوسيط في معنى التطَرُّف «تجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط». فهو كالغلو؛ فمَن تجاوَز حد الاعتدال وغلا يصح لغويًا تسميته بالمُتَطَرِّف. وعليه أيضًا فكُلُّ تَطَرُّفٍ تَعَصُّب، وليس كُلُّ تَعَصُّبٍ تَطَرُّف.

- الوطنية: مذهب فكري يدعو إلى أن يشعر أبناء الوطن الواحد بالولاء لذلك الوطن، والتعصب له، أيًا كانت أصولهم التي ينتمون إليها وأجناسهم التي انحدروا منها؛ أي أن الولاء فيها للأرض بصرف النظر عن القوم أو اللغة أو الجنس أو الدين.

- القومية: حركة سياسية فكرية تدعو إلى ضرورة أن يكون أبناء الأصل الواحد واللغة الواحدة ولاءهم واحدا، وإن تعددت أرضهم وتفرقت أوطانهم.

والعلاقة بين القومية والوطنية: أن القومية من معناها أيضًا السعي في النهاية إلى توحيد الوطن بحيث تجتمع القومية الواحدة في وطن شامل؛ فيكون الولاء للقومية مصحوبًا بالولاء للأرض، ولكن الولاء للقومية يظل هو الأصل ولو لم تتحقق وحدة الأرض.

التعَصُّب العِرْقي

إحساس الفرد أن عِرْقَه أسمى مما عَدَاه، والعِرْقِيَّة: هي حال توحد الفرد مع الجماعة، إنه الشعور بالانتماء لجماعة مُتماسِكة يتجاوز حدودَ الأُسْرَة، وعادةً ما يكون لهذه الجماعة تاريخٌ واحدٌ ولُغَة واحدة ودينٌ واحد، ويعرف مصطلح العِرْق: بأنه عدد من الأنسال التي أنماطها المثالية في سلسلة من الخصائص المشتركة مثل اللغة والدين والقبيلة والجنس والجنسية، وهي مجموعة تُكَوِّن شعورًا بالانتماء لهوية واحدة مع باقي أعضاء الجماعة.

التمركز العِرْقِي

أما التمركز العِرْقِي: فيشير إلى الاعتقاد بأن جماعة الفرد هي الأفضل بين كل الجماعات، وأنها مركز كل شيء، بمعنى النظر إلى السلوكيات والأعراف والتقاليد التي تميز الجماعات الأخرى من خلال منظور التقاليد والقِيَم الثقافية لجماعة الفرد نفسه. بقول آخر: الحكم على الآخرين على أساس أن جماعة الفرد هي مرجع هذا الحكم؛ إيمانًا بالقيمة الفريدة والصواب التام للجماعة التي ينتمي إليها، والترَفُّع عن الجماعات الأخرى إلى حد اعتبارها من نوع غير نوع جماعته، ولا شك أن التمركز العِرْقِي -وفقًا لهذا التصور- عامل هام في نشأة الاتجاهات التعَصُّبية العِرْقِية وما يستتبعها من صراعات عِرْقِية تتخذ أشكالًا عديدة قد تصل إلى حد المذابح والإبادة والتمرد والثورة والإرهاب والحرب الأهلية وحروب التحرر ما بين الدول.

العُنْصُرِيَّة

وهي اعتقاد أن الإرث العُنْصُريّ (البيولوجي) أو الثقافي لجماعة الفرد يتفوق فطريًا على الإرث العنصري أو الثقافي لجماعة أو للجماعات الأخرى، وجعل ذلك مسوّغاً لمعاملة غير عادلة يصاحبها النظر بدُونِيَّةٍ إلى هذه الجماعة أو الجماعات الأدنى. فالعُنْصُرِيَّة ترى أن البشر ينتمون لسلالات، وهذه السلالات ليست متساوية في خصائصها، بل يتفوق بعضُها على بعض، ومظاهر الحضارة والرُّقِيّ فيها ترتبط بخصائص السلالات.
التسَامُح

نقيض التعَصُّب؛ بتَبَنِّي رأيٍ لا يصاحبه كراهية للمخالف أو سلوك عدواني تجاهه، فهو يقوم على تَبايُن الآراء والأفكار وحرية الاختلاف، ويقبل الحوار ومناقشة الآراء مهما اعتقد صاحبُها بصَوَابها. فالتسَامُح تَعَايُش مع الآخر بوصفه إنساناً وليس منتسباً إلى جماعةٍ مُغَايِرَة، والاتجاهات العصبية عديدة وكثيرة، فمنها: العصبية الدينية، والعصبية القومية، والعصبية الجنسية والعُنْصُرِيَّة، والعصبية الأيديولوجية، والعصبية الرياضية (في مجال الرياضة كالتعصب الكروي في لعبة كرة القدم)، وسنقتصر هنا على التعَصُّب في الدين الذي يكون بين (داخل) أبناء الدين الواحد، فهذا الذي يعنينا؛ لوجوده وآثاره السيئة داخل جماعات الصحوة الإسلامية، والذي تَفَشَّى بدرجة لا يمكن التغاضي عنها والتهاون فيها.


http://www.al-wed.com/pic/5874.gif

غرآم الروح
14-01-2020, 02:45 PM
الإسلام وذم التعصب (2)


علاء بكر



ذكرنا في المقال السابق أن التعَصُّب من المشكلات الاجتماعية التي عانت وتعاني منها المجتمعات قديمًا وحديثًا؛ لذا نال الكثير من الدراسات حول أسبابه ومظاهره وأساليب علاجه، ولاسيما وأنه يترتب عليه سلوكات -من المتعَصِّب- هي سيئات وأخطاء يتشابه بها مع المجترئين على الظلم والمعاصي وهو لا يدري، وذكرنا بيان معنى التعَصُّب عموما واليوم نتكلم عن التعَصُّب في الدين، وموقف الشرع منه، وذكر بعض مظاهر التعصب في الدين.

يمكن تعريف التعصب في الدين تعريفًا مُبسطًا بأنه: «تَبَنِّي -أو الأخذ بـ - رأي -أو فِكْر أو مُعْتقَد أو تَوَجُّه- بحُكْمٍ مُسبقٍ، دون دراسةٍ مُتَأنِّيَةٍ ومُناقَشةٍ لما سواه، مُتَابَعَةً لجماعةٍ -أو شيخٍ أو عالِمٍ أو مَتْبُوعٍ-، مع الموالاة والمعاداة وتقييم الآخرين بمُقْتَضاه؛ فَبِهِ تكون المَحَبَّة والمُنَاصَرَة، وعَلَيه يكون الكُرْه والمُعَادَاة».

ثلاثة أركان

فالتعَصُّب الديني مَبْنِيُّ على ثلاثة أركان مجتمعة: اعتناق رأيٍ أو فِكْرٍ أو مُعْتَقَد، وحُكْم مُسبق دون دراسةٍ وافيةٍ لمَوْضُوعه، والموالاة والمعاداة عليه.

- فإذا كان الرأي أو المُعْتَقَد الذي تَبَنَّاه الشخص وتَعصَّب له، خارجًا عن حد الاعتدال الذي عليه الأدلة الشرعية؛ فهو غُلُوٌّ وتَطَرُّف.

- وإذا كان الرأي أو المُعْتَقَد الذي تَبَنَّاه الشخص وتَعصَّب له في مسألة خلافية الخلاف فيها معتبر أو مسألة اجتهادية لا نَصّ صريح فيها؛ فهو تعَصُّب.

- وإذا كان الرأي أو المُعْتَقَد الذي تَبَنَّاه الشخص وتَعصَّب له موافقًا للإجماع والمخالف له فيها خلافه غير مُعتَبَر؛ فليس بغُلُوٍّ ولا تعَصُّب، مع مراعاته لحق الأخُوَّة الإسلامية لمن خالَفَه فيه.

موقف الشرع من التعَصُّب

ذم التعصب في القرآن الكريم: أبطَلَ القرآنُ في رَدِّه على المشركين تعَصُّبهم لآبائهم وكُبَرَائهم بدعوى أنهم أعلم عنهم وخيرٌ منهم، فاحتجوا على مُخالَفَة الحق والانصراف عنه بتلك الحجة، وظنوها كافية لتسويغ تَمَسُّكهم بما تَمَسَّكوا به ورَفْض الاستماع لما سواه، بحُكْمٍ مُسبق لا يقبل المناقشة والمراجعة، بل وعادوا المُخَالِف لهم بمقتضاه.

والآيات القرآنية في إبطال هذه الشبهة كثيرة: قال -تعالى-: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} (الزخرف:22-24)، فأخبر -تعالى- عن المشركين أنهم اعتذروا عن اتِّباع الحق بأنهم وجدوا آباءهم على طريقة وهم عليها مهتدون، ثم أخبر أن هذا المانع أجاب به أعداء الرسل في كل زمان ومكان.

الذم واضح من خلال التعجب من حال المُقَلِّدين؛ حيث يُقَلِّدون من لا يعلمون صِدق قوله، بل لو أمعنوا النظر لجزموا بكَذِبه، قال -تعالى-: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}.

التقليد بحكم مسبق

والتقليد بحكم مسبق في الكُفر كُفر، والتقليد فيما دون الكُفر معصية، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (البقرة:169-170)، والآية ذُكر أنها نزلت في اليهود، قال ابن عباس: «دعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - اليهودَ إلى الإسلام ورَغَّبَهُم فيه وحَذَّرَهُم عذابَ اللهِ ونِقْمَتَه، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه أباءنا فهم كانوا أعلم وخيرًا منا؛ فأنزل الله في ذلك: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}».

العبرة بعموم اللفظ

والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولاسيما وأن الآيات بدأت ب*{يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، فالضمير في {لَهُم} الأقرب أنه عائد إلى أقرب مذكور وهو الناس، فيكون الخطاب عامًّا أُرِيد به خاص، فتَعُمُّ الآيةُ كُلَّ من امتنع عن اتّباع الحق من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، قال -تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (المائدة: 104)، وقال -تعالى-: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} (يونس: 78)، وقال -تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} (لقمان: 21).

جَادَّة الصحابة والتابعين

قال الشاطبي في (الاعتصام: 534): «ولقد زَلَّ -بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال- أقوامٌ خرجوا بسبب ذلك عن جَادَّة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم؛ فَضَلُّوا عن سواء السبيل»، وذكر لذلك أمثلة، منها قوله: «وهو أشدها، قول مَن جَعَل اتِّباع الآباء في أصل الدين هو المرجع إليه دون غيره، حتى رَدُّوا بذلك براهين الرسالة وحُجَّة القرآن ودليل العقل، فقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (الزخرف: 23)، فحين نُبِّهوا على وجه الحُجَّة بقوله -تعالى-: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} (الزخرف: 24)، لم يكن لهم جوابٌ إلا الإنكار اعتمادًا على اتِّباع الآباء واطِّراحًا لما سواه، ولم يزل مثل هذا مذمومًا في الشرائع، كما حكى الله عن قوم نوح عليه السلام بقوله -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} (المؤمنون: 24)، وعن قوم إبراهيم - عليه السلام - بقوله -تعالى-: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (الشعراء: 72-74). إلى آخر ذلك مما في معناه، فكان الجميع مذمومين حين اعتقدوا أن الحق تابعٌ لهم، ولم يَلتَفِتوا إلى أن الحق هو المُقَدَّم».

شبهة عامة

وهذه الشبهة عامة في غير التعَصُّب للآباء، وإن كان التعَصُّب للآباء والرؤساء وما عليه المجتمع أَشَدّ، قال -تعالى-: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (الأحزاب: 67). قال عبدُ اللهِ بن مسعود - رضي الله عنه -: «أَلَا لَا يقلدنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلًا؛ إِنْ آمَنَ آمَنَ، وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ فِي الشَّرِّ»، وعن ابن مسعود أيضًا قال: «لَا تُقَلِّدُوا دِينَكُمُ الرِّجَالَ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَبِالأَمْوَاتِ لا بِالأَحْيَاءِ»، قال عَلِيّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «إِيَّاكُمْ وَالاسْتِنَانَ بِالرِّجَالِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ لَعِلْمِ اللَّهِ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَنْقَلِبُ لَعِلْمِ اللَّهِ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ كُنْتُمْ لا بُدَّ فَاعِلِينَ فَبِالأَمْوَاتِ لا بِالأَحْيَاءِ».

ذم التعصب في السنة

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن قاتَل تحت راية عمية، يَغضَب لعَصَبَةٍ أو يدعو إلى عَصَبَة أو يَنصُر عصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَتُه جاهلية، وفي صحيح الإمام مسلم: (باب مَن قاتَلَ لتكون كلمةُ الله هي العُليا فهو في سبيل الله) عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قال النووي في شرح مسلم: «قَوْلُهُ «وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً» هِيَ الْأَنَفَةُ وَالْغَيْرَةُ وَالْمُحَامَاةُ عَنْ عَشِيرَتِهِ».

دعوها فإنها منتنة

وفي السيرة: أنه في عودة جيش المسلمين من غزوة بني المصطلق اقتتل رجل من حلفاء الأنصار ورجل من المهاجرين، فقال حليف الأنصار: يا معشر الأنصار؛ فنصره رجال من الأنصار، وقال المهاجري: يا معشر المهاجرين؛ فنصره رجال من المهاجرين، حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين والرجال من الأنصار شيء من القتال، ثم حجز بينهما، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة»، ولما قال رأسُ المنافقين ابن أُبَيّ بن سلول بسبب ذلك ما قال؛ نَزَل قولُه -تعالى-: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (المنافقون: 8).

عطر المساء
14-01-2020, 02:50 PM
جداول الألق تنسابُ ب إنسيابك
وتزداد نورًا كثيفًا بك
عبقكِ مختلفٌ ي جميلة
وتحيةٌ عُظمى لجمآل آنتقآئك

روح أنثى
14-01-2020, 07:38 PM
جزاك الله خيراً على انتقائك القيم
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
وفي انتظار المزيد
:red_rose_by_jasmine:red_rose_by_jasmine

امير بكلمتى
15-01-2020, 03:01 AM
جزاك الله خيراً على انتقائك القيم
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
وفي انتظار المزيد

عذبة المعاني
15-01-2020, 02:00 PM
فيضَ مَنَ الجَمــالْ الَذي سكبتهْ
تِلَكَ الَـأنــاملْ الَاَلمَــاَسيَةَ ..!
طًرّحٌ مٌخملَي ..,
كُلْ شَئَ مختلفْ هُنــا
يعطَيكـًم العآفية ..ولـآحرَمنآ منَكـًم
بإنتظَآرَجَديِدكًـم بشغفَ


:100 (103):

بنت الاكابر
15-01-2020, 07:32 PM
يعـطيك العــآفية
‏ولآ عـدمنآ تميز انآملك الذهبية
‏دمت ودآم بحـر عطآئك بمآ يطرح متميزآ
‏بإنتظآر القآدم بشووق
‏فلآ تحــرمنآ من جديد تميزك
‏لروحــك بآقآت من الجوري
:100 (109)::100 (106):

الامير سالم
16-01-2020, 10:24 AM
تسلم الايــــــــــــادي ... على رووووعة الطرح ..
جعله الله لك في ميزان الحسنات ..
طرح رائع و وقيم ..
انار الله قلبكم بنور الايمان و رضى الرحمن ..
سلمتم على روووووعه طرحكم ..
لكم الود .. و باقات الو رد ..

الامير سالم
كنت هنا ..

reda laby
16-01-2020, 03:29 PM
حتى نرضى الله :: و نسعد بعد الحياة
فى جنات الفردوس :: جائزة من الإله

بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى
https://c.top4top.net/p_844k81p81.png
https://d.top4top.net/p_844kfa1h2.gif
https://c.top4top.net/p_6337qp4o1.png
http://3b8-y.com/vb/uploaded/580_21536911659.gif

تمر حنه
16-01-2020, 09:28 PM
بارك الله فيك
وجعل ما تقدمه من موضوعات
في ميزان حسناتك
ويجمعنا بك والمسلمين في جنات النعيم
دمت بخير .. اللهم آمين :200 (53):

قهوة المسا
17-01-2020, 12:11 PM
:100 (106):
يسعدك ربي
وكلك ذوووق
:100 (146):

بنت الاكابر
17-01-2020, 12:14 PM
رـآق لي مآتصفحت هُنآـا
سلمت يدـآك
وأجزل عليك من عظيم عطآيآه
بـإنتظار جديدك القآـادم . . .
بآقآت ـالشكر وـآالتقدير ـاإقدمهآ لك
http://www.karom.net/up/uploads/13280904693.gif

رفيق الالم
11-02-2020, 05:14 AM
..

جزَآك آللَه خَيِرآ
علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعله فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ
الفًردوسَ الأعلى
دمت بحفظ الله
http://www.nalwrd.com/vb/upload/4121nalwrd.gif

عيون الريم
12-02-2020, 05:57 PM
لاعدمتُ نوراً يبزغ من حروفكم
جعل الله أنـآملك كقنديل يهدي للخير دوماً
لـ آرواحكم أكاليل الياسمين
/،:261:

روحي تبيك
13-02-2020, 05:16 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

سما الموج
16-02-2020, 03:38 PM
جزاك الله خيراً على طرحك القيم
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
تحايا الشكر والامتنان
:redroseplz:

بـہۣۗـتـہۣۙول ❥ ·´¯)
13-03-2020, 01:18 AM
جزاك الله كل خير على ما قدمته لنا من فوائد
وبارك الله فيك وفي مجهوداتك الكبيرة
دمت في حفظ الرحمن

عبير الليل
18-03-2020, 05:34 PM
يعـطيك العــآفية
وجزاك الله خير جزاء جعله في ميزان حسناتك
‏ولآ عـدمنآ تميز انآملك الذهبية
‏دمت ودآم بحـر عطآئك بمآ يطرح متميزآ
‏بإنتظآر القآدم بشووق
‏فلآ تحــرمنآ من جديد تميزك
‏لروحــك بآقآت من الجوري

♥..αмαℓ
23-12-2020, 02:36 PM
*,

جزاك الله خير على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردوس الاعلى من الجنة
الله لايحرمنا من جديدك
ودي وتقديري

:100 (103):

امير بكلمتى
18-06-2021, 08:13 AM
طرح رائـع

يعطيك آلف عافيه
وسلمت الأنآمـل المتألقه
على روعة طرحها وانتقائها الراقي
بإنتظار روائعك القادمه بشوووق
لـروحــك آلـــجوري
:a_by_vafiehya-d8frf

مـخـمـلـيـة
24-02-2022, 06:43 PM
الله ينور قلبك بالعلم والايمان
ويشرح صدرك بالهدى واليقين
وييسر امرك ويرفع مقامك فى العلين :271:

وتين
12-09-2023, 11:22 PM
جزاك الله الف خير
وجعله بموازين حسناتك

البدر
26-12-2023, 09:54 PM
جزاك الله خير على الطرح القيم
بارك الله فيك وكثر من امثالك
لاخلا ولا عدم
:ezgif-4-c8829dfcbe:

رهينة الماضي
12-02-2024, 03:38 PM
https://new-girls.ws/images/img_1/c6a221da9792d95dceef38d2c1660993.gif

روزانا السعدى
30-09-2024, 08:30 PM
مجهود مبارك
ورضي الله عنكم
وطبتم وطاب ممشاكم
وجعل ربي الجنة بيتكم
دمتم في حفض الرحمن
:2388346810: