reda laby
15-01-2020, 06:48 PM
من فِطْنَة النَّبي صلى الله عليه وسلم الفِطْرِيَّة ما كان في غزوة بدر وأخبر به
علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قدمنا المدينة، أصبنا من ثمارها فاجتَوَيناها
(أي كرهنا المقام بها)، وأصابنا بها وَعْكٌ، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يتخبَّر عن بدر،
فلمَّا بلغنا أنَّ المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر -وبدر بئر-،
فسبقنا المشركون إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم، رجلًا من قريش،
ومولى لعقبة بن أبي مُعَيط، فأمَّا القرشي: فانفلت، وأمَّا مولى عقبة: فأخذناه،
فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم،
فجعل المسلمون -إذ قال ذلك- ضربوه حتى انتهوا به إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم،
فقال له: "كم القوم؟" قال: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم.
فجهد النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره كم هم؟ فأبَى، ثمَّ إنَّ النَّبي صلى الله عليه
وسلم سأله: "كم ينحرون من الجُزر؟" فقال: عشرًا كلَّ يوم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ألف، كلُّ جَزُور لمائة وتبعها".
ومن أمثلة الفطنة ما كان من عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-
حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من الشَّجر شجرة لا يسقط ورقها،
وإنَّها مَثَل المسلم، فحدِّثوني ما هي؟" فوقع النَّاس في شجر البوادي، قال عبد الله:
ووقع في نفسي أنَّها النَّخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال:
فقال: "هي النَّخلة". قال: فذكرت ذلك لعمر. قال: لأن تكون قلت: هي النَّخلة،
أحبُّ إليَّ من كذا وكذا. (رواه مسلم).
من فوائد الفِطْنَة
1- أنَّها تدلُّ العبد على حكم الله وسننه الشَّرعية والكونيَّة، فتبصِّره بها،
كما أنَّها تدعوه إلى التَّفكر في آلاء الله، فيزداد خشوعًا لله وتعظيمًا له،
وإيمانًا ويقينًا به.
قال علي رضي الله عنه: (اليقين على أربع شعب: تبصرة الفِطْنَة، وتأويل الحِكْمة،
ومعرفة العبرة، وسنَّة الأولين، فمن تبصَّر الفِطْنَة، تأوَّل الحِكْمة،
ومن تأوَّل الحِكْمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنَّما كان في الأوَّلين).
2- الفطنة من أسباب السلامة والخروج من المآزق.
3- أنَّها تدعو إلى فعل صنائع المعروف، وتقديم الفضل إلى محتاجيه:
قال الأبشيهي: (يُستدلُّ على عقل الرَّجل بأمور متعدِّدة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق،
وإعراضه عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنُّبه ما يكسبه عارًا،
ويورثه سوء السُّمعة).
ويقول الرَّازي: (العقل يدعو إلى الله تعالى، والهوى يدعو إلى الشَّيطان، ...
فالفِطْنَة توقفك على معايب الدُّنْيا، والشَّهوة تحركك إلى لذات الدُّنْيا،
ثمَّ إنَّ الرُّوح أمدَّ الفِطْنَة بالفكرة لتقوى الفِطْنَة بالفكرة).
4- الفطن ينتفع بفطنته، وينتفع بها غيره، ويفيدون منها.
5- ومن فوائدها وفضائلها -في نفس الوقت-: أنَّها ميَّزت هذه الأمَّة عن سواها،
قال ابن الجوزي: (اعلم أنَّ فضيلة هذه الأمَّة على الأمم المتقدِّمة،
وإنْ كان ذلك باختيار الحقِّ لها وتقديمه إيَّاها، إلَّا أنَّه جعل لذلك سببًا،
كما جعل سبب سجود الملائكة لآدم علمه بما جهلوا،
فكذلك جعل لتقديم هذه الأمَّة سببًا هو الفِطْنَة والفهم واليقين وتسليم النُّفوس).
ولا يعني هذا أنَّ هذه الأمَّة اختصت بالفِطْنَة دون غيرها من الأمم، وإنَّما المقصود هو:
أنَّ الله حباهم من الفِطْنَة ما يميِّزون به بين الحقِّ والباطل، والخير والشَّرِّ، والهداية والضَّلال.
7- هي مقوِّم من مقوِّمات الشَّخصية النَّاجحة، فقد يتمتَّع الرَّجل بالقوَّة والأمانة،
إلَّا أنَّه لا يتمتَّع بالفِطْنَة، وفي هذه الحالة قد لا يستطيع أن يسيِّر أعماله بالطَّريقة المطلوبة،
قال الرَّازي: (القُوَّة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضمَّ إليهما الفِطْنَة والكَيَاسة).
أقسام الفِطْنَة
تنقسم الفِطْنَة إلى قسمين:
1- فِطْنَة موهوبة من الله -تبارك وتعالى-، يهبها الله من يشاء من عباده، فينير بصيرته،
ويُفَهِّمه ما لا يفهم غيره، فتراه قويَّ الملاحظة، سريع الفهم، نافذ البصيرة، ذكيَّ القلب،
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
2- فِطْنَة مكتسبة تجريبيَّة تتحصَّل للمرء باجتهاده، وكثرة تجاربه، ومعاشرته لأهل العلم
والذَّكاء والفِطْنَة والاستفادة منهم ومن تجاربهم، فيتولَّد عنده من الذَّكاء والفِطْنَة
ومعرفة الأمور ما لم يكن لديه. ولعلَّنا نستشهد بقول الإبشيهي عن العقل الغريزيِّ
والعقل المكتسب قال الإبشيهي: (العقل: ينقسم إلى قسمين: قسم لا يقبل الزِّيادة
والنُّقصان، وقسم يقبلهما، فأمَّا الأوَّل: فهو العقل الغريزيُّ المشترك بين العقلاء
، وأما الثَّاني: فهو العقل التجريبيُّ، وهو مكتسب، وتحصل زيادته بكثرة التَّجارب والوقائع،
وباعتبار هذه الحالة، يقال: إنَّ الشَّيخ أكمل عقلًا، وأتمُّ دِرَاية، وإنَّ صاحب التَّجارب،
أكثر فهمًا وأرجح معرفة).
علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قدمنا المدينة، أصبنا من ثمارها فاجتَوَيناها
(أي كرهنا المقام بها)، وأصابنا بها وَعْكٌ، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يتخبَّر عن بدر،
فلمَّا بلغنا أنَّ المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر -وبدر بئر-،
فسبقنا المشركون إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم، رجلًا من قريش،
ومولى لعقبة بن أبي مُعَيط، فأمَّا القرشي: فانفلت، وأمَّا مولى عقبة: فأخذناه،
فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم،
فجعل المسلمون -إذ قال ذلك- ضربوه حتى انتهوا به إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم،
فقال له: "كم القوم؟" قال: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم.
فجهد النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره كم هم؟ فأبَى، ثمَّ إنَّ النَّبي صلى الله عليه
وسلم سأله: "كم ينحرون من الجُزر؟" فقال: عشرًا كلَّ يوم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ألف، كلُّ جَزُور لمائة وتبعها".
ومن أمثلة الفطنة ما كان من عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-
حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من الشَّجر شجرة لا يسقط ورقها،
وإنَّها مَثَل المسلم، فحدِّثوني ما هي؟" فوقع النَّاس في شجر البوادي، قال عبد الله:
ووقع في نفسي أنَّها النَّخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال:
فقال: "هي النَّخلة". قال: فذكرت ذلك لعمر. قال: لأن تكون قلت: هي النَّخلة،
أحبُّ إليَّ من كذا وكذا. (رواه مسلم).
من فوائد الفِطْنَة
1- أنَّها تدلُّ العبد على حكم الله وسننه الشَّرعية والكونيَّة، فتبصِّره بها،
كما أنَّها تدعوه إلى التَّفكر في آلاء الله، فيزداد خشوعًا لله وتعظيمًا له،
وإيمانًا ويقينًا به.
قال علي رضي الله عنه: (اليقين على أربع شعب: تبصرة الفِطْنَة، وتأويل الحِكْمة،
ومعرفة العبرة، وسنَّة الأولين، فمن تبصَّر الفِطْنَة، تأوَّل الحِكْمة،
ومن تأوَّل الحِكْمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنَّما كان في الأوَّلين).
2- الفطنة من أسباب السلامة والخروج من المآزق.
3- أنَّها تدعو إلى فعل صنائع المعروف، وتقديم الفضل إلى محتاجيه:
قال الأبشيهي: (يُستدلُّ على عقل الرَّجل بأمور متعدِّدة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق،
وإعراضه عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنُّبه ما يكسبه عارًا،
ويورثه سوء السُّمعة).
ويقول الرَّازي: (العقل يدعو إلى الله تعالى، والهوى يدعو إلى الشَّيطان، ...
فالفِطْنَة توقفك على معايب الدُّنْيا، والشَّهوة تحركك إلى لذات الدُّنْيا،
ثمَّ إنَّ الرُّوح أمدَّ الفِطْنَة بالفكرة لتقوى الفِطْنَة بالفكرة).
4- الفطن ينتفع بفطنته، وينتفع بها غيره، ويفيدون منها.
5- ومن فوائدها وفضائلها -في نفس الوقت-: أنَّها ميَّزت هذه الأمَّة عن سواها،
قال ابن الجوزي: (اعلم أنَّ فضيلة هذه الأمَّة على الأمم المتقدِّمة،
وإنْ كان ذلك باختيار الحقِّ لها وتقديمه إيَّاها، إلَّا أنَّه جعل لذلك سببًا،
كما جعل سبب سجود الملائكة لآدم علمه بما جهلوا،
فكذلك جعل لتقديم هذه الأمَّة سببًا هو الفِطْنَة والفهم واليقين وتسليم النُّفوس).
ولا يعني هذا أنَّ هذه الأمَّة اختصت بالفِطْنَة دون غيرها من الأمم، وإنَّما المقصود هو:
أنَّ الله حباهم من الفِطْنَة ما يميِّزون به بين الحقِّ والباطل، والخير والشَّرِّ، والهداية والضَّلال.
7- هي مقوِّم من مقوِّمات الشَّخصية النَّاجحة، فقد يتمتَّع الرَّجل بالقوَّة والأمانة،
إلَّا أنَّه لا يتمتَّع بالفِطْنَة، وفي هذه الحالة قد لا يستطيع أن يسيِّر أعماله بالطَّريقة المطلوبة،
قال الرَّازي: (القُوَّة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضمَّ إليهما الفِطْنَة والكَيَاسة).
أقسام الفِطْنَة
تنقسم الفِطْنَة إلى قسمين:
1- فِطْنَة موهوبة من الله -تبارك وتعالى-، يهبها الله من يشاء من عباده، فينير بصيرته،
ويُفَهِّمه ما لا يفهم غيره، فتراه قويَّ الملاحظة، سريع الفهم، نافذ البصيرة، ذكيَّ القلب،
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
2- فِطْنَة مكتسبة تجريبيَّة تتحصَّل للمرء باجتهاده، وكثرة تجاربه، ومعاشرته لأهل العلم
والذَّكاء والفِطْنَة والاستفادة منهم ومن تجاربهم، فيتولَّد عنده من الذَّكاء والفِطْنَة
ومعرفة الأمور ما لم يكن لديه. ولعلَّنا نستشهد بقول الإبشيهي عن العقل الغريزيِّ
والعقل المكتسب قال الإبشيهي: (العقل: ينقسم إلى قسمين: قسم لا يقبل الزِّيادة
والنُّقصان، وقسم يقبلهما، فأمَّا الأوَّل: فهو العقل الغريزيُّ المشترك بين العقلاء
، وأما الثَّاني: فهو العقل التجريبيُّ، وهو مكتسب، وتحصل زيادته بكثرة التَّجارب والوقائع،
وباعتبار هذه الحالة، يقال: إنَّ الشَّيخ أكمل عقلًا، وأتمُّ دِرَاية، وإنَّ صاحب التَّجارب،
أكثر فهمًا وأرجح معرفة).