تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لذة العبادة


نسر الشام
31-01-2020, 05:38 PM
لذة العبادة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد:
فإن من منح الله لعباده، منحة التلذذ بالعبادة، وأعني بها ما يجده المسلم من راحة النفس وسعادة القلب، وانشراح الصدر عند القيام بعبادة من العبادات، وهذه اللذة تتفاوت من شخص لآخر حسب قوة الإيمان وضعفه.

قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

ويجدر بالمسلم أن يسعى جاهدًا إلى تحصيل لذة العبادة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول لبلال: "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة" لما يجده فيها من اللذة والسعادة القلبية، وإطالته - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الليل دليل على ما يجده في الصلاة من الإنس والسرور بمناجاة ربه، وتصديق ذلك في كتاب الله، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45].

وبكى معاذ بن جبل عند موته فقيل له في ذلك قال: إنما أبكي على طمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.

ويقول ابن تيمية - رحمه الله - إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.

ويقول أحد السلف: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا.

وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن للطاعة حلاوة يجدها المؤمن.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار".

وفي رواية: "من كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع يهوديًا أو نصرانيًا".

وإن لتحصيل لذة العبادة أسبابًا منها:
أولًا: مجاهدة النفس على طاعة الله تعالى حتى تألفها وتعتادها، وقد تنفر النفس في بداية طريق المجاهدة، ولكن إذا شمر صاحبها عن ساعد الجد، وكانت عنده تلك الإرادة والعزيمة القوية، فسينالها بإذن الله، فالأمر يتطلب مصابرة وقوة تحمل، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

وقال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

روى الترمذي في سننه من حديث فضالة بن عبيدالله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المجاهد من جاهد نفسه".

قال أحد السلف: "ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك".

وقال ابن رجب: "واعلم أن نفسك بمنزلة دابتك، إن عرفت منك الجد جدت، وإن عرفت منك الكسل طمعت فيك وطلبت منك حظوظها وشهواتها".

قال الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فما انقادت الآمال إلا لصابر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ثانيًا: البعد عن الذنوب صغيرها وكبيرها، فإن المعاصي حجاب تمنع من الشعور بلذة العبادة لما تورثه من قسوة وغلظة وجفاء، قال بعض السلف: "ما ضرب الله عبدًا بعقوبة أعظم من قسوة القلب".

قال ابن القيم - رحمه الله -:
"وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة وأمر العيش عيش المستوحشين الخائفين وأطيب العيش عيش المستأنسين فلو نظر العاقل ووازن بين لذة المعصية وما تولد فيه من الخوف والوحشة لعلم سوء حاله وعظيم غبنه اذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية وما توجبه من الخوف والضرر الداعي له".


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
"إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا في صدرك فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور، يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه، وقوة انشراح صدر وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول".

قال سفيان الثوري: "حرمت قيام الليل بسب ذنب أذنبته".

وسئل وهيب ابن الورد فقيل له: "متى يفقد العبد لذة العبادة؟ إذا وقع في المعصية، أو إذا فرغ منها؟ قال: يفقد لذة العبادة إذا هم بالمعصية".

ثالثًا: ترك فضول الطعام والشراب والكلام والنظر، فيكفي المسلم أن يقتصر في طعامه وشرابه على ما يعينه على أداء عبادته وعمله، فلا يسرف في الأكل قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

روى الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".

قال أحد السلف: راحة القلب في قلة الآثام، وراحة البطن في قلة الطعام، وراحة اللسان في قلة الكلام.

وأختم بكلام ابن القيم - رحمه الله- قال: " ولا تظن أن قوله تعالى ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14] مختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تعالى ومحبته، والعمل على موافقته وهل عيش في الحقيقة الا عيش القلب السليم، وقد أثنى الله تعالى على خليله إبراهيم - عليه السلام - بسلامة القلب فقال: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 83، 84]، وقال حاكيًا عنه: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، والقلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله، فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفى جنة في البرزخ وفى جنة يوم المعاد".

رابعًا: أن يستحضر العبد أن هذه العبادة التي يقوم بها من صلاة أو صيام أو حج أو صدقة إنما هي طاعة لله وابتغاء مرضاته، وأن هذه العبادة يحبها الله ويرضى عنه بها، وهي التي تقربه من ربه سبحانه.

روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته".

خامسًا: أن يستحضر العبد أن هذه العبادات لا تضيع ولا تفنى كما تفنى كنوز الدنيا وأموالها ومناصبها ولذاتها بل يجدها العبد أحوج ما يكون إليها، بل إنه ليجد ثمراتها في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مما هو أجل وأعظم؛ فمن استحضر ذلك لم يبال بما فاته من الدنيا وسُرَّ بهذه العبادات ووجد حلاوتها ولذتها، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112]، روى مسلم في صحيحه من حديث العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ذاق طعم الإيمان من رضا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا". وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة" الحديث.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

❞اوركيد♡
31-01-2020, 05:43 PM
شكراً يَ ألق
لـِ جمال هذا الانتقاء وَ التقديم
دمتم بخير

غرآم الروح
31-01-2020, 05:45 PM
جزاك الله خير على الطرح
جعله في ميزان ح ــسناتكك
و اثابكك الجنــةة و نع ــيمهـآ

ابتسامة الزهر
31-01-2020, 10:47 PM
بارك الله فيك
وجزاك الله خير الْجزاء
شكرا لَطـرحك وإختيارِك الْقَيِم
جعله الله في ميزان حسناتك

وهج الكبرياء
01-02-2020, 12:56 PM
تسلم الايـآدي على روعه طرحك
وانتقائك المميز بالرقي
الله يعطيك العافية
وجزاك الله كل خير
بانتظـآر جــديدك القــآدم
لك ودي والجورري
:200 (1)::redroseplz:

قهوة المسا
01-02-2020, 01:50 PM
جميل ماطرحت ويسعدك ربي

البدر
02-02-2020, 12:51 AM
نسر الشام
جزاك الله خير على طرحك القيم
بارك الله فيك وكثر من امثالك
لاخلا ولا عدم

:200 (53)::200 (53)::200 (53):

دمعة حرمان
02-02-2020, 03:35 AM
جزاك الله كل الخير وأثابك
وأجزل الله لك العطاء
طرح تفرد بِ الفائدة
تحياتي لك

الامير سالم
02-02-2020, 10:55 AM
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه
جزاكم الله خيرا وبارك بكم
لهذا الجلب الطيب
وهذا العطاء المفعم بالخيرات ..
نفع الله بكم وجعله في موازين حسناتك يارب ..
تقديري لجهودك الدائمة ..
دمت بمرضاة الله ..

الشاهين
02-02-2020, 08:35 PM
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ

بـہۣۗـتـہۣۙول ❥ ·´¯)
05-02-2020, 05:17 PM
جزاك الله كل خير على ما قدمته لنا من فوائد
وبارك الله فيك وفي مجهوداتك الكبيرة
دمت في حفظ الرحمن

reda laby
06-02-2020, 12:57 PM
حتى نرضى الله :: و نسعد بعد الحياة
فى جنات الفردوس :: جائزة من الإله

بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى
https://c.top4top.net/p_844k81p81.png
https://d.top4top.net/p_844kfa1h2.gif
https://c.top4top.net/p_6337qp4o1.png
http://3b8-y.com/vb/uploaded/580_21536911659.gif

رفيق الالم
11-02-2020, 05:37 AM
..

جزَآك آللَه خَيِرآ
علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعله فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ
الفًردوسَ الأعلى
دمت بحفظ الله
http://www.nalwrd.com/vb/upload/4121nalwrd.gif

عيون الريم
12-02-2020, 05:33 PM
لاعدمتُ نوراً يبزغ من حروفكم
جعل الله أنـآملك كقنديل يهدي للخير دوماً
لـ آرواحكم أكاليل الياسمين
/،:261:

مـخـمـلـيـة
14-02-2020, 01:48 AM
الله ينور قلبك بالعلم والايمان
ويشرح صدرك بالهدى واليقين
وييسر امرك ويرفع مقامك فى العلين :red_rose_by_jasmine

روحي تبيك
14-02-2020, 05:52 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

سما الموج
17-02-2020, 08:52 PM
جزاك الله خيراً على طرحك القيم
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
تحايا الشكر والامتنان
:redroseplz:

♥..αмαℓ
23-12-2020, 02:28 PM
*,

جزاك الله خير على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردوس الاعلى من الجنة
الله لايحرمنا من جديدك
ودي وتقديري

:100 (103):

امير بكلمتى
09-05-2022, 02:29 PM
طرح رائـع

يعطيك آلف عافيه
وسلمت الأنآمـل المتألقه
على روعة طرحها وانتقائها الراقي
بإنتظار روائعك القادمه بشوووق
لـروحــك آلـــجوري
:w6w_20060309175028d

وتين
02-03-2023, 09:53 PM
جزاك الله الف خير
وجعله بموازين حسناتك

رهينة الماضي
13-02-2024, 12:04 AM
https://new-girls.ws/images/img_1/c6a221da9792d95dceef38d2c1660993.gif