المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آيات من سورة النور بتفسير الزركشي


غرآم الروح
02-03-2020, 01:17 PM
آيات من سورة النور بتفسير الزركشي


د. جمال بن فرحان الريمي







قال الله عز وجل: ﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 1].



قوله تعالى: ﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ﴾ [النور: 1] إما أن يُقدر "فيما أوحينا إليك سورة" أو "هذه سورة"[1] ﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 1، 2].




قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ [النور: 2] عامٌ في الحرائر والإماء، ثم خصه بقوله: ﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [النساء: 25] [2] وقدم في الزنى "المرأة"؛ لأن الزنى فيهن أكثر[3].




قال ابن فارس:

كل عذاب في القرآن فهو: التعذيب إلا قوله عز وجل: ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ﴾ [النور: 2] فإنه يريد الضرب[4].




قال الزمخشري[5]: سيقت الآية: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ ﴾ [النور: 2] لعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة هي المادة التي نشأت منها الخيانة؛ لأنها لو لم تُطمِع الرجل [ولم تومِض له] وتُمكِّنه لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلاً وأولاً في ذلك بدأ بذكرها، وأما الآية: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾ [النور: 3] فمسوقة لذكر النكاح؛ والرجل أصلٌ [فيه] لأنه هو الراغب والخاطب يبدأ الطلب[6].






﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4].




قال رحمه الله: لقد جاءت آيات في مواضع اتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها، كنزول آية الظهار في سلمة بن صخر، وآية اللعان في شأن هلال بن أمية، ونزول حد القذف في رماة عائشةك، ثم تعدى إلى غيرهم، وإن كان قد قال سبحانه ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾[النور: 4] فجمعها مع غيرها؛ إما تعظيمًا لها إذ أنها أم المؤمنين، ومن رمى أمَّ قوم فقد رماهم، وإما للإشارة إلى التعميم، ولكن الرماة لها كانوا معلومين فتعدى الحكم إلى من سواهم، فمن يقول بمراعاة حكم اللفظ كان الاتفاق هاهنا هو مقتضى الأصل، ومن قال بالقصر على الأصل خرج عن الأصل في هذه الآية بدليل[7].



﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 6].



قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ﴾ [النور: 6]، لو كانت "إلا" للاستثناء لكان من غير الجنس؛ لأن أنفسهم ليس شهودًا على الزنا؛ لأن الشهداء على الزنا يعتبر فيهم العدد ولا يسقط الزنا المشهود به بيمين المشهود عليه.




وإذا جُعِل وصفًا فقد أمن فيه مخالفة الجنس، فـ "إلا" هي بمنزلة "غير" لا بمعنى الاستثناء؛ لأن الاستثناء إما من جنس المستثنى منه، أو من غير جنسه، ومن توهم في صفة الله واحدًا من الأمرين فقد أبطل[8].




﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 10].



قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 10]. فإن الذي يظهر في أول النظر أن الفاصلة "تواب رحيم"؛ لأن الرحمة مناسبة للتوبة وخصوصًا من هذا الذنب العظيم، ولكن هاهنا معنى دقيق من أجله قال: ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 10] وهو أن يُنَبِّه على فائدة مشروعية اللعان وهى: السِّتر عن هذه الفاحشة العظيمة وذلك من عظيم الحكم، فلهذا كان ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 10] بليغًا في هذا المقام دون "رحيم"[9].




وقال الواحدي: قال الفراء[10]: جواب "لو" محذوف؛ لأنه معلوم المعنى، وكل ما عُلِم فإن العرب تكتفي بترك جوابه، ألا ترى أن الرجل يشتم الرجل فيقول المشتوم: أما والله لولا أبوك... فيُعلم أنك تريد: لشتمتك.




وقال المبرِّد: تأويله - والله أعلم- لهلكتم، أو لم يبق لكم باقية، أو لم يصلح أمركم، ونحوه من الوعيد الموجع، فحذف لأنه لا يُشكل.




وقال الزَّجَّاج[11]: المعنى لنال الكاذب منكم أمر عظيم، وهذا أجود مما قدّره المبرِّد[12].




﴿ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور: 13].



قال رحمه الله: من معاني "لولا": التوبيخ والتنديم، فتختص بالماضي نحو: ﴿ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ [النور: 13] [13].




﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].



قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].أي: في حكمه تعالى[14].




﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16].



قال رحمه الله: من معاني "كان": ينبغي، كقوله: ﴿ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا ﴾ [النور: 16] أي: لم ينبغ لنا[15].




﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 20].



قال رحمه الله: "لولا" في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 20]، جوابها محذوف وقدره بعضهم: لعجل عذاب فاعل ذلك، وسوغ الحذف طول الكلام بالمعطوف، والطول داع للحذف[16].




﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].



قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ﴾ [النور: 22] خاطب بذلك أبا بكر الصديق[17]؛ لما حَرَم مسطحًا[18] رفده حين تكلم في حديث الإفك[19].




وقوله: ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [النور: 22]: أحبوا [20].




وقد يكون معنى "ألا": العرض وهو الطلب بلين[21].




من أسباب الإبهام: تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم كقوله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 22] والمراد: الصديق[22].






﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26].



قوله تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ﴾ [النور: 26] يريد الزناة[23].




قوله تعالى: ﴿ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾ [النور: 26] يعني: عائشة[24]م وصفوان[25] وقد أوقع ﴿ أُولَئِكَ ﴾ [النور: 26] وهو "جمع" على عائشة وصفوان بن المعطل؛ لأن الاثنين جمع في المعنى[26].




﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].



قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30]، حكى ابن فارس عن جماعة أن "من" هنا: للتبعيض؛ لأنهم أمروا بالغض عما يَحرُم النظر إليه[27] وقد تقدم الأمر بغض الأبصار على حفظ الفروج في قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور: 30]؛ لأن البصر داعية إلى الفرج، لقوله صلى الله عليه وسلم:«العينان تزنيان.. والفرج يصدق ذلك أو يكذبه»[28] وقال الزمخشري[29]: قدم غض البصر؛ لأن النظر بريد الزنى ورائد الفجور، والبلوى به أشد وأكثر، ولا يكاد يُقدر على الاحتراس منه[30].




وجوَّز الأخفش[31] زيادة "مِنْ" في الإثبات[32] كقوله: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30] أي: أبصارهم، وهذا ضعيف، بل هي للتبعيض؛ لأن النظر قد يكون عن تعمد وغير تعمد والنهي إنما يقع على نظر العمد فقط ولهذا عطف عليه قوله: ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور: 30] من غير إعادة "مِنْ"؛ لأن حفظ الفروج واجب مطلقًا، ولأنه يمكن التحرز منه، ولا يمكن في النظر؛ لجواز وقوعه اتفاقًا، وقد يباح للخطبة وللتعليم ونحوهما[33].




﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].






قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، فإنه لم يذكر الأعمام والأخوال وهم من المحارم وحكمهم حكم من سُمِّي في الآية، وقد سئل الشعبي[34] عن ذلك فقال: لئلا يضعها العم عند ابنه وهو ليس بمحرم لها، وكذا الخال، فيُفضيَ إلى الفتنة[35] والمعنى فيه أن كل من استثني مشترك بابنه في المحرمية إلا العم والخال، وهذا من الدلائل البليغة على وجوب الاحتياط في سترهن.




ولقائل أن يقول: هذه المفسدة محتملة في أبناء بعولتهن، لاحتمال أن يذرها أبو البعل عند ابنه الآخر، وهو ليس بمحرمٍ لها، وأبو البعل ينقض قولهم: إن من استثنى اشترك هو وابنه في المحرمية[36].




قوله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [النور: 31]قيل: يَرِدُ الخطاب بذلك باعتبار الظاهر عند المخاطب؛ وهم المنافقون، فإنهم كانوا يتظاهرون بالإيمان، كما قال سبحانه: ﴿ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [المائدة: 41] [37].




قوله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [النور: 31]، يدل على أنهم كل المؤمنين على العموم والاستغراق فيهم[38].




وقوله تعالى: ﴿ أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [النور: 31] أي: القوم المؤمنون[39].




﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 33].




قوله تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ﴾ [النور: 33] إنما أراد - والله أعلم - الشيء الذي يُنكَح به من مهرٍ ونفقةٍ وما لا بد للمتزوج منه[40].




وقوله: ﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾ [النور: 33]أي: امتناعًا من الزنا، جيء بلفظ الماضي، ولم يقل "يردن" إظهارًا لتوفير رضا الله ورغبةً في إرادتهن التحصين[41].




وقوله: ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾ [النور: 33]، معلوم أنه لا إكراه على الفاحشة لمن لا يريد تحصنًا لأنها نزلت فيمن يفعل ذلك[42].




﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35].



قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النور: 35] الآية فإن فيها خمس تخلُّصات؛ وذلك أنه جاء بصفة النور وتمثيله، ثم تخَلَّص منه إلى ذكر الزجاجة وصفاتها، ثم رجع إلى ذكر النور والزيتُ يَسْتَمِد منه، ثم تخَلَّص منه إلى ذكر الشجرة، ثم تخَلَّص من ذكرها إلى صفة الزيت، ثم تخَلَّص من صفة الزيت إلى صفة النور وتضاعفه، ثم تخَلَّص منه إلى نعم الله بالهدى على من يشاء[43].




قوله تعالى: ﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ﴾ [النور: 35] فإنه سبحانه أراد تشبيه نوره الذي يُلقيه في قلبِ المؤمن، ثم مثله بمصباح، ثم لم يقنع بكلِّ مصباح، بل بمصباحٍ اجتمعت فيه أسباب الإضاءة؛ بوضعه في مشكاة؛ وهي الطاقة غير النافذة؛ وكونها لا تنفذ؛ لتكون أجمع للتبصّر، وقد جعل فيها مصباح في داخل زجاجة؛ فيه الكوكب الدري في صفائها، ودُهن المصباح من أصفى الأدهان وأقواها وقودًا؛ لأنه من زيت شجر في أوسط الزجاج لا شرقية ولا غربية، فلا تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار بل تصيبها أعدل إصابة، وهذا مثل ضربه الله للمؤمن[44] ويمكن أن يكون المشبه به في قوله ﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ﴾ [النور: 35] أقوى؛ لكونه في الذهن أوضح، إذ الإحاطة به أتم[45].
يتبع
8

غرآم الروح
02-03-2020, 01:18 PM
قال ابن فارس: كل "مصباح" في القرآن فهو: الكوكب، إلا الذي في سورة النور ï´؟ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ï´¾ [النور: 35]فإنه السراج نفسه[46].




قال الراغب[47]: قوله تعالى: ï´؟ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ï´¾ [النور: 35]، قيل معناه: أنها شرقية وغربية[48].




وقيل معناه: مصونة عن الإفراط والتفريط[49].




وأما قوله تعالى: ï´؟ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ï´¾ [النور: 35] فلم يثبت للزيت الضوء، وإنما أثبت له المقاربة من الضوء قبل أن تمسّه النار، ثم أثبت النور بقوله: ï´؟ نُورٌ عَلَى نُورٍ ï´¾ [النور: 35] فيؤخذ منه أن النور دون الضوء لا نفسه.




فإن قلت: ظاهرة أن المراد: يكاد يضيء؛ مسّته النار أو لم تمسّه، فيُعطى ذلك أنه مع أن مساس النار لا يضيء، ولكن يقارب الإضاءة، لكن الواقع أنه عند المساس يضيء قطعًا!




أجيب: بأن الواو ليست عاطفة، وإنما هي للحال، أي يكاد يضيء والحال أنه لم تمسه نار، فيفهم منه أنها لو مسته لأضاء قطعًا[50].




وأما"المشكوة" فقاعدة الهداية ومفتاح الولاية قال الله تعالى: ï´؟ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ï´¾ [النور: 35][51].




ï´؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ï´¾ [النور: 36].




قال رحمه الله: مما يحتَمِل الاتصال والانقطاع قوله تعالى: ï´؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ï´¾ [النور: 36].يحتمل أن يكون متصلاً بقوله: ï´؟ فِيهَا مِصْبَاحٌ ï´¾ [النور: 35][52]، أي: المصباح في بيوت، ويكون تمامه على قوله: ï´؟ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ï´¾ [النور: 36]ï´؟ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ï´¾ [النور: 36] صفة للبيوت، ويحتمل أن يكون منقطعًا خبرًا لقوله: ï´؟ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ ï´¾ [النور: 37] [53].




قوله تعالى: ï´؟ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ ï´¾ [النور:37،36]ببناء الفعل للمفعول، فإن التقدير: يُسبِّحه رجال، وفيه فوائد: منها: الإخبار بالفعل مرتين، ومنها جعل الفضلة عمدة.




ومنها: أن الفاعل فُسِّر بعد إلياس منه كضالة وجدها بعد إلياس، ويصح أن يكون "يُسَبَّح" بدل من "يُذْكَر"على طريقة: ï´؟ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ï´¾ [الأعلى: 1][54] ï´؟ لَهُ فِيهَا ï´¾ [النور: 36]خبر مبتدأ هو "رجال"[55].




ï´؟ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ï´¾ [النور: 39].



قوله تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ ï´¾ [النور: 39]أخرج ما لا يُحَسّ - وهو الإيمان - إلى ما يُحَسّ - وهو السراب - والمعنى الجامع بطلان التوهم بين شدة الحاجة وعِظَم الفاقة[56].




ضرب الله للكافر مثلين:

أحدهما ï´؟ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ï´¾ [النور: 39]، والثاني: ï´؟ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ï´¾ [النور: 40][57] شبّه في الأول ما يعلمه مَن لا يقدّر الإيمان المعتبر بالأعمال التي يحسبها بقيعة، ثم يخيب أملُه، بسراب يراه الكافر بالساهرة، وقد غلبه عطش يوم القيامة، فيجيئه فلا يجده ماء، ويجد زبانية الله عنده، فيأخذونه فيلقونه إلى جهنم[58]، وقوله: ï´؟ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ï´¾ [النور: 39]أي: مما ظنه وقدره[59].




ï´؟ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ï´¾ [النور: 40].




قوله تعالى: ï´؟ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ï´¾ [النور: 40]، وهي: ظلمة البحر، وظلمة الموج فوقه، وظلمة السحاب فوق الموج [60].




ومن أساليب القرآن وفنونه البليغة: التوسع، ومنه: التوسع في ترادف الصفات، كقوله تعالى: ï´؟ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ï´¾ [النور: 40]، فإنه لو أريد اختصاره لكان: ï´؟ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ï´¾ [النور: 40]مظلم [61].




قال رحمه الله: من معاني "كاد": التفصيل في النفي بين المضارع والماضي، فنفي المضارع نفي، ونفي الماضي إثبات، بدليل قوله: ï´؟ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ï´¾ [البقرة: 71] [62] وقوله ï´؟ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ï´¾ [النور: 40]مع أنه لم يرَ شيئًا، وهذا حكاه ابن أبي الربيع[63] في "شرح الجمل"[64] وقال إنه الصحيح.




والمختار هو أن "كاد": إثباتها إثبات، ونفيها نفيٌ، كغيرها من الأفعال؛ وذلك لأن معناها المقاربة، فمعنى "كاد يفعل" قارب الفعل، ومعنى "ما كاد يفعل" لم يقاربه، فخبرها منفيٌّ دائمًا.




أما إذا كانت منفية فواضح؛ لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل اقتضى عقلاً عدم حصوله، ويدل له قوله تعالى ï´؟ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ï´¾ [النور: 40] ولهذا كان أبلغ من قوله "لم يرها" لأن مَن لم يَرَ قد يقارب الرؤية[65].




ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ï´¾ [النور: 43].




قوله تعالى: ï´؟ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ï´¾ [النور: 43] فـ "من" الأولى لابتداء الغاية، أي: ابتداء الإنزال من السماء، والثانية: للتبعيض، أي: بعض جبال منها، والثالثة: لبيان الجنس؛ لأن الجبال تكون بردًا وغير برد[66].




ï´؟ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [النور: 45].




قوله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ï´¾ [النور: 45]، فيها لطيفة حيث بدأ بالماشي على بطنه، فإنها سيقت لبيان القدرة، وهو أعجب من الذي بعده، وكذا ما يمشي على رجلين أعجب ممن يمشي على أربع [67].




ويجوز أن تكون من باب تقديم الأعجب لأن خلقها أغرب[68].




قوله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ï´¾ [النور: 45]، لما تقدم لفظ الدابة، والمراد بها عموم مَنْ يعقل ومَنْ لا يعقل غلّب من يعقل فقال: ï´؟ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي ï´¾ [النور: 45].




فإن قيل: هذا صحيح في ï´؟ فَمِنْهُمْ ï´¾ [النور: 45] لأنه لمن يعقل؛ وهو راجع إلى الجميع، فَلِمَ قال: "مَنْ" وهو لا يقع على العام، بل خاص بالعاقل؟




قلت: "مَنْ" هنا بعض "هُمْ" وهو ضمير من يعقل.




فإن قلت: فكيف يقع على بعضه لفظ ما لا يعقل؟




قلت: من هنا قال أبو عثمان[69]: إنه تغليبٌ من غير عموم لفظ متقدم، فهو بمنزله من يقول رأيت ثلاثة زيدًا وعمرًا وحمارًا.




وقال ابن الضائع: "هُمْ" لا تقع إلا على مَنْ يعقل، فلما أعاد الضمير على كل دابة غلّب مَنْ يعقل، فقال: "هُمْ"، و"مَنْ" بعضُ هذا الضمير؛ وهو للعاقل، فلزم أن يقول "مَنْ" فلما قال بوقوع التغليب في الضمير، صار ما يقع عليه حكمه حُكمَ العاقلين؛ فتمم ذلك بأن أوقع "مَنْ"[70].




قوله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ï´¾ [النور: 45]، فإنه سبحانه إنما اقتصر على ذكر الماء دون بقية العناصر؛ لأنه أتى بصيغة الاستغراق، وليس في العناصر الأربعة ما يعم جميع المخلوقات إلا الماء، ليدخل الحيوان البحري فيها[71].




قوله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ï´¾ [النور: 45]، فعبّر بـ"مَنْ" عمن يمشي على بطنه وهم الحيات، وعمن يمشي على أربع وهم البهائم، لاختلاطهم مع من يعقل في صدر الآية؛ لأن عموم الآية يشمل العقلاء وغيرهم فغلّب على الجميع حكم العاقل[72].




ï´؟ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ï´¾ [النور: 48].



قوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ï´¾ [النور: 48] فذكر الله تعظيمًا، والمعنى تام بذكر رسوله صلى الله عليه وسلم [73].




ï´؟ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾ [النور: 55].



قوله تعالى: ï´؟ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ï´¾ [النور: 55]، لم يُعَدَّ الفعل فيها إلا إلى واحد، ï´؟ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ï´¾ [النور: 55] تفسير للوعد ومبين له، كقوله تعالى: ï´؟ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ï´¾ [النساء: 11] [74] فالجملة الثانية تبيين للوصية لا مفعول ثان[75].




و"مِنْ" تأتي لعدة معانٍ، منها: بيان الجنس، ومن ذلك قوله تعالى: ï´؟ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ï´¾ [النور: 55]، أي: الذين هم أنتم؛ لأن الخطاب للمؤمنين، فلهذا لم يتصور في "مِنْ" التبعيض[76].




ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [النور: 58]



قوله تعالى: ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ï´¾ [النور: 58] ï´؟ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [النور: 58] ثم قال: ï´؟ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ï´¾ [النور: 59] ï´؟ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [النور: 59] [77]، قال ابن عبد السلام في تفسيره[78]: في الأولى: "عليم" بمصالح عباده، "حكيم" في بيان مراده، وقال في الثانية: "عليم" بمصالح الأنام، "حكيم" ببيان الأحكام، ولم يتعرض للجواب عن حكمة التكرار[79].




وقوله: ï´؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ï´¾ [النور: 58]، خص هذه الأوقات الثلاثة بالاستئذان؛ لأن الغالب تبدُّل البدن فيهن، وإن كان في غير هذه الأوقات ما يوجب الاستئذان فيجب[80].




ï´؟ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ï´¾ [النور: 61].



قوله تعالى: ï´؟ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ï´¾ [النور: 61]لم يذكر الأولاد؛ قيل لدخولهم في قوله: ï´؟ بُيُوتِكُمْ ï´¾ [النور: 61] [81].






ï´؟ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ï´¾ [النور: 63].



قال رحمه الله: إذا دخلت "قد" على المضارع فذلك الفعل يكون في حاله، نحو: ï´؟ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ ï´¾ [النور: 63]أي: قد يتسللون فيما علم الله[82].




وقال رحمه الله: "عن": تقتضي مجاوزة ما أضيف إليه كقوله تعالى: ï´؟ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ï´¾ [النور: 63]لأنهم إذا خالفوا أمره بعدوا عنه وتجاوزوه[83].

ï´؟ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ï´¾ [النور: 64].



قال ابن أبان[84]: تفيد "قد" مع المستقبل التعليل في وقوعه أو متعلقه، فالأولى كقولك: زيد قد يفعل كذا، وليس ذلك منه بالكثير، والثاني كقوله تعالى: ï´؟ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ï´¾ [النور: 64]المعنى - والله أعلم - : أقل معلوماته ما أنتم عليه[85].




وقال الزمخشري[86] في قوله تعالى: ï´؟ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ï´¾ [النور: 64]: "قد" للتأكيد، وقال: إن" قد" إن دخلت على المضارع كانت بمعنى "ربما"، فوافقت "ربما" في خروجها إلى معنى التكثير، والمعنى: إن جميع السموات والأرض مختصًا به خلقًا وملكًا وعلمًا، فكيف يخفى عليه أحوال المنافقين[87].






[1] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف الفاعل 3/ 94.



[2] سورة النساء:25.
البرهان: وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن - خطاب العام والمراد الخاص 2/ 141.



[3] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التقديم والتأخير 3/ 166.



[4] أفراد كلمات القرآن العزيز، لأحمد بن فارس ص/ 13. البرهان: جمع الوجوه والنظائر 1/ 88.



[5] الكشاف 4/ 267.



[6] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التقديم والتأخير 3/ 166.



[7] المصدر السابق: معرفة أسباب النزول 1/ 35.



[8] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - معاني إلا 4/ 151.



[9] المصدر السابق: معرفة الفواصل ورؤوس الآي 1/ 76.



[10] انظر قوله في: معاني القرآن للفرّاء، عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط/ 3 ت/ 1403هـ - 1983م، ج/ 2 ص/ 247.



[11] انظر قوله في: معاني القرآن وإعرابه، للزَّجَّاج 4/ 33.



[12] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف الأجوبة 3/ 121.



[13] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - لولا 4/ 230.



[14] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - عند 4/ 181.



[15] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - كان 4/ 192.



[16] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف الأجوبة 3/ 121.



[17] هو أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن كعب التيمي القرشي، أبو بكر: أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال، وأحد أعاظم العرب، ولد بمكة، ونشأ سيدًا من سادات قريش، وغنيًّا من كبار موسريهم، وعالمًا بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها، وكانت العرب تلقبه بعالم قريش، وحرم على نفسه الخمر في الجاهلية، فلم يشربها، ثم كانت له في عصر النبوة مواقف كبيرة، فشهد الحروب، واحتمل الشدائد، وبذل الأموال، وبويع بالخلافة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنة 11هـ فحارب المرتدين والممتنعين من دفع الزكاة، وافتتحت في أيامه بلاد الشام وقسم كبير من العراق، مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف شهر، وتوفي في المدينة سنة 13هـ. (الأعلام، للزركلي 4/ 102).



[18] هو مسطح بن أُثاثة بن عباد بن عبدالمطلب بن عبدمناف بن قصي، المطلبي المهاجري البدري، المذكور في قصة الإفك، كان فقيرًا ينفق عليه أبو بكر، توفي سنة أربع وثلاثين، ت. (تهذيب سير أعلام النبلاء 1/ 22 رقم الترجمة (23).



[19] البرهان: وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن الكريم - خطاب الواحد بلفظ الجمع 2/ 147.



[20] المصدر السابق: أقسام معنى الكلام - الاستفهام بمعنى الإنشاء 2/ 210.8

ليلونة
02-03-2020, 06:38 PM
بارك الله فيــــــــــك
وجعل ما كتبت في ميزان حسناتك يوم القيامة .
جزاك الله خير على هذه الأسطر والكلمات الإيمانيه القيمه
وجعل ماطرح في موازين حسناتك
وانار الله دربك بالإيمان وطاعة الرحمن
وأنار قلبك ودربك ورزقك بردعفوه وحلاوة حبه ..
حفظك المولى ورعاك وسدد بالخير خطاك ..
أمنياتي لك بدوام التوفيق والتألق والإبداع
ودمت بحفظ الله ورعايته
احتــــرامي وتــقديري...
لروحك تتدلى أغصان الجنه



https://upload.3dlat.com/uploads/13613793091.gif

همس الروح
03-03-2020, 01:51 AM
جزاك الله جنة عرضها السَموات و الأرض
وبارك الله فيك على الطَرح القيم و في ميزان حسناتك
واسأل الله أن يرزقـك كل خير :rose_gold_by_82bee-

دمعة حرمان
03-03-2020, 03:16 AM
جزاك الله خير الجزاء
ورفع قدرك في السماء
ولا حرمك اجر هذا العطاء

عذبة المعاني
03-03-2020, 09:03 AM
بارك الله فيك
جعل الله ما تكتبه في ميزان حسناتك
كل التقدير .
:100 (109):

reda laby
04-03-2020, 08:27 PM
حتى نرضى الله :: و نسعد بعد الحياة
فى جنات الفردوس :: جائزة من الإله

بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى
https://c.top4top.net/p_844k81p81.png
https://d.top4top.net/p_844kfa1h2.gif
https://c.top4top.net/p_6337qp4o1.png
http://3b8-y.com/vb/uploaded/580_21536911659.gif

رفيق الالم
04-03-2020, 09:37 PM
..

جزاك الله خيرا
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك
دمت بكل خير
http://www.nalwrd.com/vb/upload/4183nalwrd.gif

مانسيتك
06-03-2020, 02:59 AM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك

:100 (109):

فريال سليمي
06-03-2020, 07:16 PM
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه
سررت لتواجدي هنا في موضوعك
لا عدمناك

ابتسامة الزهر
08-03-2020, 09:17 PM
تسلم الايـآدي
على روعه طرحك
الله يعطيك العافيه يـآرب
بانتظـآر جــديدك القــآدم
تحياتي والورد

♥..αмαℓ
13-03-2020, 04:12 AM
*,

جزاك الله جنة عرضها السموات والأرض
بارك الله فيك على الطرح القيم
في ميزان حسناتك ان شاء الله
اسأل الله ان يرزقك فسيح الجنات
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتك
وعمر الله قلبك بالايمان
على طرحك المحمل بنفحات إيمانيه
لك خالص ودي ..

:100 (105):

روحي تبيك
14-03-2020, 05:09 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

ابتسامة الزهر
16-03-2020, 10:11 PM
جزاك الله خيراً
على الموضوع الرائع والمميز
دام لنا تميزك
لك مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام

مـخـمـلـيـة
27-03-2020, 10:48 AM
الله ينور قلبك بالعلم والايمان
ويشرح صدرك بالهدى واليقين
وييسر امرك ويرفع مقامك فى العلين :red_rose_by_jasmine

همس الروح
07-04-2020, 04:09 AM
جزاكِ الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الاجر يارب وانار الله قلبك بنور الايمان
والبسك الله لباس التقوى والمغفرة
دمت بخير وسعادة ..:rose_gold_by_82bee-

امير بكلمتى
11-04-2020, 06:21 AM
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
ودي
:pinklilyplz:

سما الموج
06-08-2020, 04:56 PM
بارك الله فيك على الطرح
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
وجزيتم جنة عرضها السماوات والارض
وفي انتظار المزيد من المواضيع

امير بكلمتى
31-10-2020, 10:32 AM
جزاك الله خيرا
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك
دمت بكل خير
:red_rose_by_jasmine

العاشق الذى لم يتب
27-01-2022, 03:37 PM
:100 (20):
جزاكم الله خيرا
وبارك فيكم
طرح مفيد وجميل
دام حضوركم
لكم التحيات والدعوات
:100 (19):
رفعت احمد
:so_cute_by_vafiehya

عيسى العنزي
23-05-2022, 06:37 PM
شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي

وتين
21-03-2023, 08:03 AM
جزاك الله الف خير
وجعله بموازين حسناتك

البدر
15-12-2023, 03:22 PM
جزاك الله خير على الطرح القيم
بارك الله فيك وكثر من امثالك
لاخلا ولا عدم
:ezgif-4-c8829dfcbe:

رهينة الماضي
13-02-2024, 02:28 PM
https://new-girls.ws/images/img_1/c6a221da9792d95dceef38d2c1660993.gif