reda laby
19-04-2020, 10:00 PM
إن الانتقام هو: إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حدِّ السَّخط.
لا شك قد تكون له لذة لما فيه من موافقة هوى النفس والتشفي ممن أساء،
لكن لذة العفو أعظم وأكبر، قال المنصور لولده المهديِّ:
(لذَّة العفو أطيب مِن لذَّة التَّشفِّي).
وقال ابن القيِّم رحمه الله: (وفي الصَّفح والعفو والحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة،
والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها ورفعتها عن تشفِّيها بالانتِقَام
ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام).
ويُحْكَى عن عنان بن خريم أنَّه دخل على المنصور،
وقد قدَّم بين يديه جماعةً -كانوا قد خرجوا عليه- ليقتلهم، فقال أحدهم:
يا أمير المؤمنين مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه، ومَن شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه
لم يجب شُكره، ولم يَحُسن في العالمين ذِكْرُه، وإنَّك إن انتقمت فقد انتصفت،
وإذا عفوت فقد تفضَّلت، على أنَّ إقالتك عِثَار عباد الله موجبة لإقالته عَثْرتك،
وعفوك عنهم موصولٌ بعفوه عنك، فقَبِل قوله، وعفا عنهم).
وقد مدح الله تعالى أهل العفو والغفران فقال تعالى:
{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشُّورى: 37).
قال الطَّبري: (وقوله: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} يقول تعالى ذكره:
وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جُرمًا، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه،
ويصفحون عنه عقوبة ذنبه).
وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم يقتلون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛
فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر).
وبيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ العفو عن المعتدي -والتَّغاضي عن خطئه- أفضل مِن الانتِقَام منه
قال تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} (المائدة: 28-29).
فهابيل كان أقوى وأقدر على الانتِقَام والبطش؛ لكن منعه خوف الله.
لزوم التقوى عند إنزال العقوبة:
قد لا تطاوع العبدَ نفسُه في ترك الانتقام فينزل العقوبة وعندئذ لابد من التزام ما أمر الله
تبارك وتعالى به حين قال:{ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 194).
قال السعدي: (ولما كانت النُّفوس -في الغالب- لا تقف على حدِّها إذا رُخِّص لها
في المعاقبة لطلبها التَّشفِّي -أي: الانتِقَام-، أمر تعالى بلزوم تقواه،
التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها
، وأخبر تعالى أنَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ ، أي: بالعون، والنَّصر، والتَّأييد، والتَّوفيق).
آثار الانتقام السيئة
للانتقام آثارٌ سيِّئةٌ تعود على المنتقم نفسه، ومِن هذه الآثار:
1- أنَّ صاحب هذه الصِّفة لا ينال السِّيادة والشَّرف:
عن داود بن رشيد قال: قالت حكماء الهند: (لا ظفر مع بغي... ولا سؤدد مع انتقام).
وعن ابن الكلبيِّ عن أبيه، قال: (كان سلم بن نوفل الدِّيليُّ سيِّد بني كِنَانة، فخرج عليه ذات
ليلة رجل مِن قومه، فضربه بالسَّيف، فأُخِذ بعد أيامٍ، فأُتِيَ به سلم بن نوفل، فقال:
ما الذي فعلت؟! أما خشيت انتقامي؟! قال له: فلِمَ سوَّدناك إلَّا أن تكَظْم الغَيْظ،
وتعفو عن الجاني، وتَحْلُم عن الجاهل، وتحتمل المكروه في النَّفس والمال. فخلَّى سبيله،
فقال فيه الشَّاعر:
يسود أقوام وليسوا بسادة بل السيد المعروف سلم بن نوفل
2- أنَّ الانتِقَام ليس مِن عادة الكرام:قال بعض البلغاء: (ليس مِن عادة الكِرَام سرعة الانتِقَام،
ولا مِن شروط الكَرَم إزالة النِّعم).
3- أنَّ المنتقم لا يجب شُكْرُه ولا يُحْمَد ذِكْرُه:قال الأبشيهي:
(قيل: مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكرُه، ولم يُحمَد في العالمين ذِكْرُه).
4- أنَّ الانتِقَام يعقبه النَّدامة:قال ابن القيِّم:
(فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة).
5- يُوَلِّد بين النَّاس الأحقاد والضَّغائن.
أولى الناس بترك الانتقام من كان قادرا:
قال معاوية رضي الله عنه لابنه -وقد رآه ضرب غلامًا له-: (إيَّاك -يا بُنيَّ- والتَّشفِّي ممَّن لا يمتنع منك
، فو الله قد حالت القُدْرة بين أبيك وبين ذوي تِرَاته، ولهذا قيل: القُدْرة تُذْهِب الحفيظة).
وعن الأصمعي قال: (أُتِي المنصور برجل يعاقبه، فقال: يا أمير المؤمنين، الانتِقَام عدلٌ،
و التَّجاوز فضلٌ، ونحن نُعِيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأَوْكَس النَّصيبين
دون أن يبلغ أرفع الدَّرجتين. فعفا عنه).
وقال أعرابي: (أقبح أعمال المقتدرين الانتِقام).
قال ابن حبَّان: (ولم يُقْرَن شيءٌ إلى شيءٍ أحسن مِن عفوٍ إلى مَقْدِرة.
والحِلْم أجمل ما يكون مِن المقتدر على الانتِقَام).
وما أحسن ما قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في ترك الانتِقَام
ممَّن تعدَّى عليك بالشَّتم:
وما قَتَلَ السَّفاهةَ مثلُ حِلْمٍ يعودُ به على الجهلِ الحليمُ
فلا تسفهْ وإن مُلِّيتَ غيظًا على أحدٍ فإنَّ الفحشَ لُومُ
ولا تقطعْ أخًا لك عندَ ذنبٍ فإنَّ الذَّنبَ يعفوه الكريمُ
لا شك قد تكون له لذة لما فيه من موافقة هوى النفس والتشفي ممن أساء،
لكن لذة العفو أعظم وأكبر، قال المنصور لولده المهديِّ:
(لذَّة العفو أطيب مِن لذَّة التَّشفِّي).
وقال ابن القيِّم رحمه الله: (وفي الصَّفح والعفو والحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة،
والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها ورفعتها عن تشفِّيها بالانتِقَام
ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام).
ويُحْكَى عن عنان بن خريم أنَّه دخل على المنصور،
وقد قدَّم بين يديه جماعةً -كانوا قد خرجوا عليه- ليقتلهم، فقال أحدهم:
يا أمير المؤمنين مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه، ومَن شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه
لم يجب شُكره، ولم يَحُسن في العالمين ذِكْرُه، وإنَّك إن انتقمت فقد انتصفت،
وإذا عفوت فقد تفضَّلت، على أنَّ إقالتك عِثَار عباد الله موجبة لإقالته عَثْرتك،
وعفوك عنهم موصولٌ بعفوه عنك، فقَبِل قوله، وعفا عنهم).
وقد مدح الله تعالى أهل العفو والغفران فقال تعالى:
{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشُّورى: 37).
قال الطَّبري: (وقوله: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} يقول تعالى ذكره:
وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جُرمًا، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه،
ويصفحون عنه عقوبة ذنبه).
وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم يقتلون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛
فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر).
وبيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ العفو عن المعتدي -والتَّغاضي عن خطئه- أفضل مِن الانتِقَام منه
قال تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} (المائدة: 28-29).
فهابيل كان أقوى وأقدر على الانتِقَام والبطش؛ لكن منعه خوف الله.
لزوم التقوى عند إنزال العقوبة:
قد لا تطاوع العبدَ نفسُه في ترك الانتقام فينزل العقوبة وعندئذ لابد من التزام ما أمر الله
تبارك وتعالى به حين قال:{ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 194).
قال السعدي: (ولما كانت النُّفوس -في الغالب- لا تقف على حدِّها إذا رُخِّص لها
في المعاقبة لطلبها التَّشفِّي -أي: الانتِقَام-، أمر تعالى بلزوم تقواه،
التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها
، وأخبر تعالى أنَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ ، أي: بالعون، والنَّصر، والتَّأييد، والتَّوفيق).
آثار الانتقام السيئة
للانتقام آثارٌ سيِّئةٌ تعود على المنتقم نفسه، ومِن هذه الآثار:
1- أنَّ صاحب هذه الصِّفة لا ينال السِّيادة والشَّرف:
عن داود بن رشيد قال: قالت حكماء الهند: (لا ظفر مع بغي... ولا سؤدد مع انتقام).
وعن ابن الكلبيِّ عن أبيه، قال: (كان سلم بن نوفل الدِّيليُّ سيِّد بني كِنَانة، فخرج عليه ذات
ليلة رجل مِن قومه، فضربه بالسَّيف، فأُخِذ بعد أيامٍ، فأُتِيَ به سلم بن نوفل، فقال:
ما الذي فعلت؟! أما خشيت انتقامي؟! قال له: فلِمَ سوَّدناك إلَّا أن تكَظْم الغَيْظ،
وتعفو عن الجاني، وتَحْلُم عن الجاهل، وتحتمل المكروه في النَّفس والمال. فخلَّى سبيله،
فقال فيه الشَّاعر:
يسود أقوام وليسوا بسادة بل السيد المعروف سلم بن نوفل
2- أنَّ الانتِقَام ليس مِن عادة الكرام:قال بعض البلغاء: (ليس مِن عادة الكِرَام سرعة الانتِقَام،
ولا مِن شروط الكَرَم إزالة النِّعم).
3- أنَّ المنتقم لا يجب شُكْرُه ولا يُحْمَد ذِكْرُه:قال الأبشيهي:
(قيل: مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكرُه، ولم يُحمَد في العالمين ذِكْرُه).
4- أنَّ الانتِقَام يعقبه النَّدامة:قال ابن القيِّم:
(فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة).
5- يُوَلِّد بين النَّاس الأحقاد والضَّغائن.
أولى الناس بترك الانتقام من كان قادرا:
قال معاوية رضي الله عنه لابنه -وقد رآه ضرب غلامًا له-: (إيَّاك -يا بُنيَّ- والتَّشفِّي ممَّن لا يمتنع منك
، فو الله قد حالت القُدْرة بين أبيك وبين ذوي تِرَاته، ولهذا قيل: القُدْرة تُذْهِب الحفيظة).
وعن الأصمعي قال: (أُتِي المنصور برجل يعاقبه، فقال: يا أمير المؤمنين، الانتِقَام عدلٌ،
و التَّجاوز فضلٌ، ونحن نُعِيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأَوْكَس النَّصيبين
دون أن يبلغ أرفع الدَّرجتين. فعفا عنه).
وقال أعرابي: (أقبح أعمال المقتدرين الانتِقام).
قال ابن حبَّان: (ولم يُقْرَن شيءٌ إلى شيءٍ أحسن مِن عفوٍ إلى مَقْدِرة.
والحِلْم أجمل ما يكون مِن المقتدر على الانتِقَام).
وما أحسن ما قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في ترك الانتِقَام
ممَّن تعدَّى عليك بالشَّتم:
وما قَتَلَ السَّفاهةَ مثلُ حِلْمٍ يعودُ به على الجهلِ الحليمُ
فلا تسفهْ وإن مُلِّيتَ غيظًا على أحدٍ فإنَّ الفحشَ لُومُ
ولا تقطعْ أخًا لك عندَ ذنبٍ فإنَّ الذَّنبَ يعفوه الكريمُ