سما الموج
20-10-2020, 09:23 PM
المرأة أديبة وشاعرة
لم يقتصر دور المرأة في المجتمع الإسلامي على العلم والفقه فقط؛ بل برعت المرأة في مجال الأدب والشعر، حتى فاق بعضهنَّ الرجال، مثل: الخنساء (تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد السلمية)، التي تُعدُّ من أشهر نساء العرب قبل الإسلام وبعده، وهي من المخضرمين، لأنَّها عاشت في عصرين؛ عصر الجاهلية وعصر الإسلام، وقد شهدت مجيء الدعوة الإسلامية، ووفدت مع قومها على رسول الله فأسلمت معهم في العام الثامن من الهجرة، وصارت صحابية جليلة ذات مكانة وفضل، وهي من أشهر شاعرات العرب، ولم تكن امرأة أشعر منها، وبعد أن أسلمت استطاعت بإيمانها أن تكون قدوةً طيِّبةً لنساء عصرها والعصور التالية لها، واشتهرت بشعر الرثاء في الجاهلية والإسلام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يُعجبه شعر الخنساء، وينشدها بقوله لها: (هيه يا خناس ويومي بيده).
وقد عُرِفت بحريَّة الرأي وقوَّة الشخصية؛ حيث نشأت في بيت عزٍّ وجاهٍ مع والدها وأخويها معاوية وصخر، وأجمع علماء الشعر على أنَّه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها، فقد قال بشار فيها: "لم تقل امرأةٌ قط شعرًا إلَّا تبيَّن الضعف فيه، فقيل له: أو كذلك الخنساء؟ قال: تلك فوق الرجال". وقال النابغة الذبياني: "الخنساء أشعر الجن والإنس"، وسُئِل جرير عن أشعر الناس فأجابهم: "أنا، لولا الخنساء، قيل فيم فَضُل شعرها عنك، قال بقولها:
إنَّ الزمانَ وما يفنى له عَجَبٌ
أبقى لنا ذنبًا واستؤصلَ الرَّاسُ
إن الجديدين في طول اختلافهما
لا يَفْسُدانِ ولكن يفسدُ الناسُ".
وقد كان للخنساء مواقف كثيرة في سوق عكاظ منها موقفها مع هند بنت عتبة بعد موقعة بدر الكبرى؛ إذ قُتِل فيها والدها عتبة بن ربيعة وعمها شيبة بن ربيعة وأخوها الوليد بن عتبة. فأقبلت هند ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخر ومعاوية، وأنَّها قد سوَّمت هودجها برايةٍ وجعلت تنشد الناس وتبكيهم، وأنَّها تقول: أنا أعظم العرب مصيبة، وأنَّ العرب قد عرفت لها بعض ذلك.
فلمَّا أُصيبت هند بما أُصيبت به وبلغها ذلك قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة، وأمرت بهودجها فسوم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، فقالت أقرنوا جملي بجمل الخنساء ففعلوا، فلما دنت منها قالت لها الخنساء: من أنت يا أخيَّة؟ فقالت: أنا هند بنت عتبة، أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك فيم تعاظمين؟
فقالت الخنساء: بعمرو بن الشريد، وصخر، ومعاوية، وابني عمرو، وبم تعاظمين أنت؟ قالت: بأبي عتبة بن ربيعة، وعمي شيبة، وأخي الوليد. قالت الخنساء: أو سواء عندك؟ ثم أنشأت تقول:
أبكي أبي عمرًا بعينٍ غزيرةٍ
قليلٍ إذا نام الخليُّ هجودها
وَصِنْوَيّ لا أنسى معاوية الذي
له من سراة الحَرّتَينِ وُفُودُها
وصخرًا ومن ذا مثلُ صخرٍ إذا
غدا بساحته الآطال قزمٌ يقودها
فذلك يا هند الرَّزيَّة ُ فاعلمي
ونيرانُ حَرْبٍ حينَ شبّ وقودها
فقالت هند تجيبها:
أبكي عميدَ الأبطحينِ كليهما
وحاميهما من كل باغ يريدها
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي
وشيبة والحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب
وفي العز منها حين ينمي عديدها
وللخنساء موقف آخر مع النابغة وكبار الشعراء، فقد كان النابغة تضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ، ويجلس الشعراء العرب على كرسي وتأتيه الشعراء فتنشده أشعارها فيفاضل بينهم، فأنشدت الخنساء في بعض المواسم قصيدتها الرائية التي ترثي فيها صخرًا، والتي مطلعها:
قذى بعينيك أم بالعين عوَّارُ
أمْ ذرفتْ إذ خلت من أهلها الدار
فأعجب بشعرها وقال لها: "اذهبي فأنت أشعر من كل ذات ثديين، ولولا أنَّ هذا الأعمى أنشدني قبلك (يقصد الأعشى) لفضلتك على شعراء هذا الموسم فإنَّك أشعر الجن والإنس".
فغضب حسان بن ثابت وقال: "أنا أشعر منك ومنها"، فقال: "ليس الأمر كما ظننت"، ثم التفت إلى الخنساء فقال: "يا خناس خاطبيه".
- فالتفتت إليه الخنساء فقالت: ما أجودُ ما قلته في قصيدتك التي عرضتها آنفًا؟
- قال قولي:
لنا الجفنات الغرُّ يلمعن بالضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
- فقالت: ضعفت من افتخارك في ثمانية مواضع في بيتك هذا.
- قال: وكيف؟
- قالت: قلت (لنا الجفنات) والجفنات ما دون العشرة، ولو قلت الجفان لكان أكثر، وقلت (الغر) والغرة بياض في الجبهة ولو قلت البيض لكان أكثر اتساعًا، وقلت (يلمعن) واللمع شيءٌ يأتي بعد شيء، ولو قلت يشرقن لكان أكثر لأنَّ الإشراق أدوم من اللمعان، وقلت (بالضحى) ولو قلت بالدجى كان أكثر طراقًا، وقلت (أسياف) والأسياف ما دون العشرة ولو قلت سيوف لكان أكثر، وقلت (يقطرن) ولو قلت سلن كان أكثر، وقلت (دما) والدماء أكثر من الدم.
فسكت حسان بن ثابت. فهذه المواقف تدلُّ على شاعرية الخنساء ومكانتها وسط الشعراء.
لم يقتصر دور المرأة في المجتمع الإسلامي على العلم والفقه فقط؛ بل برعت المرأة في مجال الأدب والشعر، حتى فاق بعضهنَّ الرجال، مثل: الخنساء (تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد السلمية)، التي تُعدُّ من أشهر نساء العرب قبل الإسلام وبعده، وهي من المخضرمين، لأنَّها عاشت في عصرين؛ عصر الجاهلية وعصر الإسلام، وقد شهدت مجيء الدعوة الإسلامية، ووفدت مع قومها على رسول الله فأسلمت معهم في العام الثامن من الهجرة، وصارت صحابية جليلة ذات مكانة وفضل، وهي من أشهر شاعرات العرب، ولم تكن امرأة أشعر منها، وبعد أن أسلمت استطاعت بإيمانها أن تكون قدوةً طيِّبةً لنساء عصرها والعصور التالية لها، واشتهرت بشعر الرثاء في الجاهلية والإسلام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يُعجبه شعر الخنساء، وينشدها بقوله لها: (هيه يا خناس ويومي بيده).
وقد عُرِفت بحريَّة الرأي وقوَّة الشخصية؛ حيث نشأت في بيت عزٍّ وجاهٍ مع والدها وأخويها معاوية وصخر، وأجمع علماء الشعر على أنَّه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها، فقد قال بشار فيها: "لم تقل امرأةٌ قط شعرًا إلَّا تبيَّن الضعف فيه، فقيل له: أو كذلك الخنساء؟ قال: تلك فوق الرجال". وقال النابغة الذبياني: "الخنساء أشعر الجن والإنس"، وسُئِل جرير عن أشعر الناس فأجابهم: "أنا، لولا الخنساء، قيل فيم فَضُل شعرها عنك، قال بقولها:
إنَّ الزمانَ وما يفنى له عَجَبٌ
أبقى لنا ذنبًا واستؤصلَ الرَّاسُ
إن الجديدين في طول اختلافهما
لا يَفْسُدانِ ولكن يفسدُ الناسُ".
وقد كان للخنساء مواقف كثيرة في سوق عكاظ منها موقفها مع هند بنت عتبة بعد موقعة بدر الكبرى؛ إذ قُتِل فيها والدها عتبة بن ربيعة وعمها شيبة بن ربيعة وأخوها الوليد بن عتبة. فأقبلت هند ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخر ومعاوية، وأنَّها قد سوَّمت هودجها برايةٍ وجعلت تنشد الناس وتبكيهم، وأنَّها تقول: أنا أعظم العرب مصيبة، وأنَّ العرب قد عرفت لها بعض ذلك.
فلمَّا أُصيبت هند بما أُصيبت به وبلغها ذلك قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة، وأمرت بهودجها فسوم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، فقالت أقرنوا جملي بجمل الخنساء ففعلوا، فلما دنت منها قالت لها الخنساء: من أنت يا أخيَّة؟ فقالت: أنا هند بنت عتبة، أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك فيم تعاظمين؟
فقالت الخنساء: بعمرو بن الشريد، وصخر، ومعاوية، وابني عمرو، وبم تعاظمين أنت؟ قالت: بأبي عتبة بن ربيعة، وعمي شيبة، وأخي الوليد. قالت الخنساء: أو سواء عندك؟ ثم أنشأت تقول:
أبكي أبي عمرًا بعينٍ غزيرةٍ
قليلٍ إذا نام الخليُّ هجودها
وَصِنْوَيّ لا أنسى معاوية الذي
له من سراة الحَرّتَينِ وُفُودُها
وصخرًا ومن ذا مثلُ صخرٍ إذا
غدا بساحته الآطال قزمٌ يقودها
فذلك يا هند الرَّزيَّة ُ فاعلمي
ونيرانُ حَرْبٍ حينَ شبّ وقودها
فقالت هند تجيبها:
أبكي عميدَ الأبطحينِ كليهما
وحاميهما من كل باغ يريدها
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي
وشيبة والحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب
وفي العز منها حين ينمي عديدها
وللخنساء موقف آخر مع النابغة وكبار الشعراء، فقد كان النابغة تضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ، ويجلس الشعراء العرب على كرسي وتأتيه الشعراء فتنشده أشعارها فيفاضل بينهم، فأنشدت الخنساء في بعض المواسم قصيدتها الرائية التي ترثي فيها صخرًا، والتي مطلعها:
قذى بعينيك أم بالعين عوَّارُ
أمْ ذرفتْ إذ خلت من أهلها الدار
فأعجب بشعرها وقال لها: "اذهبي فأنت أشعر من كل ذات ثديين، ولولا أنَّ هذا الأعمى أنشدني قبلك (يقصد الأعشى) لفضلتك على شعراء هذا الموسم فإنَّك أشعر الجن والإنس".
فغضب حسان بن ثابت وقال: "أنا أشعر منك ومنها"، فقال: "ليس الأمر كما ظننت"، ثم التفت إلى الخنساء فقال: "يا خناس خاطبيه".
- فالتفتت إليه الخنساء فقالت: ما أجودُ ما قلته في قصيدتك التي عرضتها آنفًا؟
- قال قولي:
لنا الجفنات الغرُّ يلمعن بالضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
- فقالت: ضعفت من افتخارك في ثمانية مواضع في بيتك هذا.
- قال: وكيف؟
- قالت: قلت (لنا الجفنات) والجفنات ما دون العشرة، ولو قلت الجفان لكان أكثر، وقلت (الغر) والغرة بياض في الجبهة ولو قلت البيض لكان أكثر اتساعًا، وقلت (يلمعن) واللمع شيءٌ يأتي بعد شيء، ولو قلت يشرقن لكان أكثر لأنَّ الإشراق أدوم من اللمعان، وقلت (بالضحى) ولو قلت بالدجى كان أكثر طراقًا، وقلت (أسياف) والأسياف ما دون العشرة ولو قلت سيوف لكان أكثر، وقلت (يقطرن) ولو قلت سلن كان أكثر، وقلت (دما) والدماء أكثر من الدم.
فسكت حسان بن ثابت. فهذه المواقف تدلُّ على شاعرية الخنساء ومكانتها وسط الشعراء.