ابتسامة الزهر
26-12-2020, 08:54 PM
قوله تعالى: ﴿ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾
(معناه وبلاغته في ضوء كلام العرب)
جاء ذكر جَعْلِ الجبال أوتادًا في الأرض، وإلقائها رواسي فيها في آيات عديدة للقرآن الكريم؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15]، وقال: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 31].
وستجد مثل هذه الإشارة حينما يعدِّد الله جلَّ شأنه نِعَمَهُ وكلماته، بشأن توفير كافة التسهيلات اللازمة لهذا المخلوق الحَسَنِ الجَهُول، الذي سوَّى خلقه فركَّبه في أحسن ما نتخيَّل من صورة مخلوق؛ فقال: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].
وفي هذه العُجالة نتحدث عن كلمة "الميد" التي أوردها القرآن الكريم بخصوص مَيْلِ الأرض وعُدُولِها؛ فقال ابن جرير الطبري في شرح هذه الكلمة: "والمَيْدُ هو الاضطراب والتكفُّؤ، يقال: مادتِ السفينة تميد ميدًا: إذا تكفَّأت بأهلها ومالت، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار"[1].
وقال العلامة جار الله الزمخشري:
"أنْ تميد بكم: كراهةَ أنْ تميل بكم وتضطرب، والمائد: الذي يُدار به إذا ركب البحر"[2].
وقال الراغب الأصفهاني:
"الميد اضطرابُ الشيء العظيم كاضطراب الأرض، قال: ﴿ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾، ومادت الأغصان تميد"[3].
وقبل أنْ نصوِّبَ رأيهم أو نفنِّده ونتوسَّع فيه، نودُّ أنْ نرجع إلى كلام العرب الذي هو خير وسيلة لفَهم معنى كلمة عربية وقرآنية، وتعيين مدى توسُّع نطاقها، وتحديد مختلف جهاتها. وقد اعترف بدوره هذا كلٌّ من المفسرين واللغويين الذين سردنا أقوالهم وآراءهم في مقالاتنا المنشورة على هذه الشبكة.
فاستخدم الشعراء الجاهليون والإسلاميون هذه الكلمة للعديد من المدلولات:
فقال عنترة بن شداد العبسي للجبال الراسيات:
يا عبلَ كم من جحفلٍ فرَّقتُه *** والجوُّ أسود والجبالُ تميدُ[4]
وقال تأبَّطَ شرًّا لميلان الآسي:
يظلُّ لها الآسي يميد كأنه *** نزيفٌ هَرَاقتْ لُبَّه الخمرُ ساكرُ[5]
وقال أبو جلدة اليشكري عن الصهباء وأثرها:
وتتركُ حاسي الكأس منها مُرنَّحًا *** يميد كما ماد الأثيمُ من السكرِ[6]
ويشبهه قول الأبَيرَد بن المُعَذِّر الرباحي:
فلمَّا نعى الناعي بُرَيْدًا تغوَّلتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بي الأرضُ فرطَ الحزن وانقطع الظهرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عساكرُ تغشى الناسَ حتى كأنني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أخو نشوةٍ دارتْ بهامته الخمرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلى الله أشكو في بريد مصيبتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وبثِّي وأحزانًا يجيش بها الصدرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وما زال في عينيَّ بعدُ غِشاوةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأذني عمَّا كنتُ أسمعه وقرُ[7] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال أمية بن أبي الصلت عن مَيْدِ الأرض:
تميد الأرضُ إنْ ركبتْ تميمٌ *** وإنْ نزلوا سمِعْتَ لها أنينا[8]
وقال ذو الرمة عمن غلبه النعاس فيميد:
ترى كلَّ مغلوبٍ يميد كأنه *** بحبلَينِ في مشطونةٍ يتبوَّعُ[9]
مغلوب: من غلبه النعاس، مشطونة: بئر فيها اعوجاج، لا يخرج الدلو منها إلا بشطنين؛ أي: حبلين.
وقال أيضًا عمن أغلقوا لسانه فيميد كما يميد الرجل الأميم:
ومعتقل اللسانِ بغير خَبَلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يميد كأنه رجلُ أميمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تبلَّغُ بَارِحِيُّ كَراهُ فيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وآخرُ قبلَه فله نئيمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أقمتُ له سَراهُ بمُدْلَهِمٍّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أمَقَّ إذا تخاوصتِ النجومُ[10] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نئيم: أنين، أمق: طويل، تخاوصت: مالت.
وقال أيضًا عمن أصابه الرمح فهو يميد فيه، ويلفظ أنفاسه الأخيرة:
التاركُ القِرنَ مصفرًّا أناملُه *** يميد في الرمح ميدَ المائح الأسِنِ[11]
وقال قيس بن ذريح عن اضطراب مَنْ لدغته الحية:
كأني من لُبْنَى سليمٌ مُسَهَّدٌ *** يظلُّ على أيدي الرجال يميدُ[12]
سليم: ملدوغ.
يبدو من دراسة هذه الشواهد أنَّ "الميد" يستخدم لكل من حالة الدُّوَارِ، وحالة أثر الخمر، وتمايل الأرض، وحالة غلبة النعاس، واضطراب الطعين[13] والسليم، وكلُّ هذه الحالات تشير إلى عدم قرار الشيء في مكان خاصٍّ، واضطرابه اضطرابًا لا مكانيًّا، أما بالنسبة للأرض فهذه الكلمة تعني عدمَ ثباتها على طريق مستقيم، بل مَيَلانها إلى اليمين والشمال في سيرها إلى الأمام، وهذا يسبِّب خروجها من نظامها، ومن فلكها الخاص، ويُوجِب اصطدامها مع السيَّارات الأخرى، ودمارها دمارًا جماعيًّا.
يرادفه لفظ "الميل"؛ كما قال زهير بن أبي سلمى:
حتى إذا ما التقى الجمعان واختلفوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضربًا كنحت جذوع النخل بالسَّفَنِ[14] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يغادر القرنَ مصفرًّا أنامله https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يميل في الرمح ميلَ المائح الأسِن[15]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأما قول النابغة الذبياني الآتي:
تخفُّ الأرضُ إن تفقدك يومًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتبقى ما بقيتَ بها ثقيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لأنك موضعُ القسطاس[16] منها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فتمنع جَانِبَيْها أن تميلا[17] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإما أنه منحول، أو مما استقاه من الصحف السماوية القديمة.
ولكنَّ الميل في غالب الأحيان يعني العدول إلى جانب، فهو لا يصوِّر غاية ما يصوِّره الميد كما قال المتلمس، والجبار هو العاتي من الملوك:
وكنًّا إذا الجبَّار صعَّر خَدَّه *** أقمنا له من مَيله فتقوَّما[18]
وقال حسان بن ثابت الأنصاري:
ولو وُزِنتْ رَضوى بِحِلمِ سَراتِنا *** لمال برضوى حِلمُنا ويَلَمْلَمِ[19]
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فتأهَّبتْ لها من خفية *** حين مال الليلُ واجتنَّ القمرُ[20]
وقال وضاح اليمن:
صبا قلبي ومال إليكِ ميلًا *** وأرَّقني خيالُكِ يا أثَيلا[21]
وقال حرِّيث بن عتَّاب:
ضربناكم حتى إذا قام ميلُكم *** ضربنا العِدا عنكم ببيضٍ صوارم[22]
وقال الفرزدق:
وغيدٍ من الإدلاج تحسب أنهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سُقُوا بنتَ أحوالٍ تُدار على الشربِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تميل بهم حينًا وحينًا تُقيمهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهنَّ بنا مثلُ القِداح من القُضبِ[23] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكذا كلمات "الحياد"، و"العُدُول"، و"الزَّوَر"، و"الأَوَد"، و"الصَّغْو"، و"الخُفُوق"، و"الهوى"، و"الركون"، وما شابهها ترادف "الميد"، إلا أنَّ كلها لا تجمع من جهات المعنى ما توجد في كلمة "الميد"، فإنَّ كلها تعني الميل إلى جانب خاص؛ فالكلمة التي اختارها القرآن الكريم مناسبة للتعبير عن هذه الصورة، وهذه بلاغة قرآنية بلاغة ملؤها سحر وإعجاز.
(معناه وبلاغته في ضوء كلام العرب)
جاء ذكر جَعْلِ الجبال أوتادًا في الأرض، وإلقائها رواسي فيها في آيات عديدة للقرآن الكريم؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15]، وقال: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 31].
وستجد مثل هذه الإشارة حينما يعدِّد الله جلَّ شأنه نِعَمَهُ وكلماته، بشأن توفير كافة التسهيلات اللازمة لهذا المخلوق الحَسَنِ الجَهُول، الذي سوَّى خلقه فركَّبه في أحسن ما نتخيَّل من صورة مخلوق؛ فقال: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].
وفي هذه العُجالة نتحدث عن كلمة "الميد" التي أوردها القرآن الكريم بخصوص مَيْلِ الأرض وعُدُولِها؛ فقال ابن جرير الطبري في شرح هذه الكلمة: "والمَيْدُ هو الاضطراب والتكفُّؤ، يقال: مادتِ السفينة تميد ميدًا: إذا تكفَّأت بأهلها ومالت، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار"[1].
وقال العلامة جار الله الزمخشري:
"أنْ تميد بكم: كراهةَ أنْ تميل بكم وتضطرب، والمائد: الذي يُدار به إذا ركب البحر"[2].
وقال الراغب الأصفهاني:
"الميد اضطرابُ الشيء العظيم كاضطراب الأرض، قال: ﴿ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾، ومادت الأغصان تميد"[3].
وقبل أنْ نصوِّبَ رأيهم أو نفنِّده ونتوسَّع فيه، نودُّ أنْ نرجع إلى كلام العرب الذي هو خير وسيلة لفَهم معنى كلمة عربية وقرآنية، وتعيين مدى توسُّع نطاقها، وتحديد مختلف جهاتها. وقد اعترف بدوره هذا كلٌّ من المفسرين واللغويين الذين سردنا أقوالهم وآراءهم في مقالاتنا المنشورة على هذه الشبكة.
فاستخدم الشعراء الجاهليون والإسلاميون هذه الكلمة للعديد من المدلولات:
فقال عنترة بن شداد العبسي للجبال الراسيات:
يا عبلَ كم من جحفلٍ فرَّقتُه *** والجوُّ أسود والجبالُ تميدُ[4]
وقال تأبَّطَ شرًّا لميلان الآسي:
يظلُّ لها الآسي يميد كأنه *** نزيفٌ هَرَاقتْ لُبَّه الخمرُ ساكرُ[5]
وقال أبو جلدة اليشكري عن الصهباء وأثرها:
وتتركُ حاسي الكأس منها مُرنَّحًا *** يميد كما ماد الأثيمُ من السكرِ[6]
ويشبهه قول الأبَيرَد بن المُعَذِّر الرباحي:
فلمَّا نعى الناعي بُرَيْدًا تغوَّلتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بي الأرضُ فرطَ الحزن وانقطع الظهرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عساكرُ تغشى الناسَ حتى كأنني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أخو نشوةٍ دارتْ بهامته الخمرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلى الله أشكو في بريد مصيبتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وبثِّي وأحزانًا يجيش بها الصدرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وما زال في عينيَّ بعدُ غِشاوةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأذني عمَّا كنتُ أسمعه وقرُ[7] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال أمية بن أبي الصلت عن مَيْدِ الأرض:
تميد الأرضُ إنْ ركبتْ تميمٌ *** وإنْ نزلوا سمِعْتَ لها أنينا[8]
وقال ذو الرمة عمن غلبه النعاس فيميد:
ترى كلَّ مغلوبٍ يميد كأنه *** بحبلَينِ في مشطونةٍ يتبوَّعُ[9]
مغلوب: من غلبه النعاس، مشطونة: بئر فيها اعوجاج، لا يخرج الدلو منها إلا بشطنين؛ أي: حبلين.
وقال أيضًا عمن أغلقوا لسانه فيميد كما يميد الرجل الأميم:
ومعتقل اللسانِ بغير خَبَلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يميد كأنه رجلُ أميمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تبلَّغُ بَارِحِيُّ كَراهُ فيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وآخرُ قبلَه فله نئيمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أقمتُ له سَراهُ بمُدْلَهِمٍّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أمَقَّ إذا تخاوصتِ النجومُ[10] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نئيم: أنين، أمق: طويل، تخاوصت: مالت.
وقال أيضًا عمن أصابه الرمح فهو يميد فيه، ويلفظ أنفاسه الأخيرة:
التاركُ القِرنَ مصفرًّا أناملُه *** يميد في الرمح ميدَ المائح الأسِنِ[11]
وقال قيس بن ذريح عن اضطراب مَنْ لدغته الحية:
كأني من لُبْنَى سليمٌ مُسَهَّدٌ *** يظلُّ على أيدي الرجال يميدُ[12]
سليم: ملدوغ.
يبدو من دراسة هذه الشواهد أنَّ "الميد" يستخدم لكل من حالة الدُّوَارِ، وحالة أثر الخمر، وتمايل الأرض، وحالة غلبة النعاس، واضطراب الطعين[13] والسليم، وكلُّ هذه الحالات تشير إلى عدم قرار الشيء في مكان خاصٍّ، واضطرابه اضطرابًا لا مكانيًّا، أما بالنسبة للأرض فهذه الكلمة تعني عدمَ ثباتها على طريق مستقيم، بل مَيَلانها إلى اليمين والشمال في سيرها إلى الأمام، وهذا يسبِّب خروجها من نظامها، ومن فلكها الخاص، ويُوجِب اصطدامها مع السيَّارات الأخرى، ودمارها دمارًا جماعيًّا.
يرادفه لفظ "الميل"؛ كما قال زهير بن أبي سلمى:
حتى إذا ما التقى الجمعان واختلفوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضربًا كنحت جذوع النخل بالسَّفَنِ[14] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يغادر القرنَ مصفرًّا أنامله https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يميل في الرمح ميلَ المائح الأسِن[15]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأما قول النابغة الذبياني الآتي:
تخفُّ الأرضُ إن تفقدك يومًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتبقى ما بقيتَ بها ثقيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لأنك موضعُ القسطاس[16] منها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فتمنع جَانِبَيْها أن تميلا[17] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإما أنه منحول، أو مما استقاه من الصحف السماوية القديمة.
ولكنَّ الميل في غالب الأحيان يعني العدول إلى جانب، فهو لا يصوِّر غاية ما يصوِّره الميد كما قال المتلمس، والجبار هو العاتي من الملوك:
وكنًّا إذا الجبَّار صعَّر خَدَّه *** أقمنا له من مَيله فتقوَّما[18]
وقال حسان بن ثابت الأنصاري:
ولو وُزِنتْ رَضوى بِحِلمِ سَراتِنا *** لمال برضوى حِلمُنا ويَلَمْلَمِ[19]
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فتأهَّبتْ لها من خفية *** حين مال الليلُ واجتنَّ القمرُ[20]
وقال وضاح اليمن:
صبا قلبي ومال إليكِ ميلًا *** وأرَّقني خيالُكِ يا أثَيلا[21]
وقال حرِّيث بن عتَّاب:
ضربناكم حتى إذا قام ميلُكم *** ضربنا العِدا عنكم ببيضٍ صوارم[22]
وقال الفرزدق:
وغيدٍ من الإدلاج تحسب أنهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سُقُوا بنتَ أحوالٍ تُدار على الشربِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تميل بهم حينًا وحينًا تُقيمهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهنَّ بنا مثلُ القِداح من القُضبِ[23] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكذا كلمات "الحياد"، و"العُدُول"، و"الزَّوَر"، و"الأَوَد"، و"الصَّغْو"، و"الخُفُوق"، و"الهوى"، و"الركون"، وما شابهها ترادف "الميد"، إلا أنَّ كلها لا تجمع من جهات المعنى ما توجد في كلمة "الميد"، فإنَّ كلها تعني الميل إلى جانب خاص؛ فالكلمة التي اختارها القرآن الكريم مناسبة للتعبير عن هذه الصورة، وهذه بلاغة قرآنية بلاغة ملؤها سحر وإعجاز.