بيــسان
16-01-2022, 06:50 AM
حكم الصلاة على الجنازة بعد دفنها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فصلاة الجنازة صلاة تُصلَّى على الميِّت عند المسلمين، وسيأتي تفصيلٌ لمَن يُصلَّى عليه، ومَن لا يُصلَّى عليه عندهم.
حكمها:
فرض كفاية؛ أي: إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، فإن تعيَّن بحيث لا يوجد غيرُه، كانت فرضًا على مَن تعيَّنت عليه[1].
وأما كيفية أدائها:
فيكبِّر أربع تكبيرات، يتعوَّذ ويسمِّي ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلِّي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي الصلاة الإبراهيمية التي يأتي بها في الجلسة الأخيرة من ذوات الأربع، وإذا كبَّر الثالثة يدعو للميت، ويستغفر له، كما في حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه -: أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة، فحفِظ من دعائه: ((اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُله، ووسِّع مُدخَلَه، واغسِلْه بالماء، والثلج، والبَرَد، ونَقِّه من الخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، وأبدِلْه دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخِلْه الجنة، وأعِذْه من عذاب القبر، وعذاب النار))[2]، قال عوفٌ: حتى تمنيتُ أن أكون أنا ذلك الميت، ثم يُكبِّر الرابعة، ويدعو أيضًا، فيقول: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ويقول: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، ثم يُسَلِّم[3].
والشخص الذي يموت نوعان:
النوع الأول: كافر، فتحرمُ الصلاة عليه بالإجماع.
النوع الثاني: مسلم، فيصلَّى على كلِّ مسلم مات بعد الولادة، صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا، إلا البغاةَ وقُطَّاع الطرق، ففيهم خلاف:
• فمنهم مَن قال: لا يُصلَّى عليهم، وهم الحنفية[4]، ودليلهم في عدم الصلاة على البغاة ومن بِمِثْل حالهم ما رُوِي عن علي - رضي الله عنه - أنه لم يُغسِّل أهل نهروان، ولم يصلِّ عليهم، فقيل له: أكفَّارٌ هم؟ فقال: لا، ولكنهم إخوانُنا بَغَوْا علينا؛ إشارة إلى أن ترك الغسل والصلاة عليهم إهانة لهم؛ ليكونَ زجْرًا لغيرهم، وكان ذلك بمحضَر من الصحابة - رضي الله عنهم - ولم يُنكِر عليه أحدٌ؛ فيكون ذلك إجماعًا[5].
• ومنهم من قال: يُصلَّى عليهم، وهم المالكية والشافعية[6]، ودليلهم: الأصل في وجوب الصلاة على المسلم[7]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((صلُّوا على كل بَرٍّ وفاجر))[8]، وقوله: ((للمسلم على المسلم سِتُّ حقوق))[9]، وذكر من جملتها أن يُصلَّى على جنازته، من غير فصلٍ إلا ما خُصَّ بدليل، وكذا لا يُصلَّى على مَن لم يستهِلَّ صارخًا بعد الولادة[10].
وأما إذا دُفنت الجنازة قبل أن يصلَّى عليها، صُلِّيَ عليها، ويكون ذلك عند القبر ما لم يتفسَّخ[11]، وقُيِّد بالدفن؛ لأنه لو وُضع في قبره ولم يُهَلْ عليه الترابُ، فإنه يُخرَج، ويُصلَّى عليه، فإن دُفن فلا يُخرَج؛ لأنه قد سُلِّم إلى الله -تعالى- وخرج من أيديهم، وقُيِّد بعدم التفسُّخ؛ لأنه لا يُصلَّى عليه بعد التفسُّخ؛ لأن الصلاة شُرِعت على بدن الميت، فإذا تفسَّخَ لم يبقَ بدنه قائمًا، واختُلِف في تحديد المدة:
• فمنهم مَن قال بشهر، وهم الحنابلة والشافعية[12].
• ومنهم مَن قال بثلاثة أيام، وهم الحنفية.
وسبب اختلافهم يعود لاختلاف الجو في الحر والبرد، ولاختلاف جسم الميت من الهزال والسمنة، واختلاف الأمكنة، فإن غلب على ظنه تفسُّخه، لم يُصَلِّ عليه، وإن شك بتفسخه صلَّى عليه[13].
فإن قيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على شهداء أُحُدٍ بعد ثماني سنين[14]؟ فهذا معناه: أنه دعا لهم؛ لقوله -تعالى-: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 103].
فقد قيل: إنهم كما دُفنوا لم تتفرَّق أعضاؤهم، وهكذا وُجدوا حين أراد معاوية أن يُحَوِّلهم، فتركهم[15].
فأما إذا حضر المسلمون الجنازة، وشهدوها، أو سمعوا بوجودها، وامتنعوا من الصلاة عليها، فقد أثم الكل.
[1] الموسوعة الفقهية الكويتية 1/ 36.
[2] صحيح مسلم 2/ 662 (الحديث 963).
[3] الموسوعة الفقهية الكويتية 16/ 28.
[4] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 1/ 312.
[5] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 1/ 311.
[6] المغني لابن قدامة 2/ 418، المجموع شرح المهذب 5/ 267.
[7] الموسوعة الفقهية الكويتية 16/ 38.
[8] سنن الدارقطني 2/ 404.
[9] سنن ابن ماجه 1/ 461.
[10] الموسوعة الفقهية الكويتية 16/ 37.
[11] المبسوط للسرخسي 2/ 62.
[12] المغني لابن قدامة 2/ 387، المجموع شرح المهذب 5/ 267.
[13] البحر الرائق شرح كنز الدقائق 2/ 196.
[14] صحيح البخاري 5/ 94 (الحديث 4042).
[15] المبسوط 2/ 62.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فصلاة الجنازة صلاة تُصلَّى على الميِّت عند المسلمين، وسيأتي تفصيلٌ لمَن يُصلَّى عليه، ومَن لا يُصلَّى عليه عندهم.
حكمها:
فرض كفاية؛ أي: إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، فإن تعيَّن بحيث لا يوجد غيرُه، كانت فرضًا على مَن تعيَّنت عليه[1].
وأما كيفية أدائها:
فيكبِّر أربع تكبيرات، يتعوَّذ ويسمِّي ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلِّي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي الصلاة الإبراهيمية التي يأتي بها في الجلسة الأخيرة من ذوات الأربع، وإذا كبَّر الثالثة يدعو للميت، ويستغفر له، كما في حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه -: أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة، فحفِظ من دعائه: ((اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُله، ووسِّع مُدخَلَه، واغسِلْه بالماء، والثلج، والبَرَد، ونَقِّه من الخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، وأبدِلْه دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخِلْه الجنة، وأعِذْه من عذاب القبر، وعذاب النار))[2]، قال عوفٌ: حتى تمنيتُ أن أكون أنا ذلك الميت، ثم يُكبِّر الرابعة، ويدعو أيضًا، فيقول: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ويقول: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، ثم يُسَلِّم[3].
والشخص الذي يموت نوعان:
النوع الأول: كافر، فتحرمُ الصلاة عليه بالإجماع.
النوع الثاني: مسلم، فيصلَّى على كلِّ مسلم مات بعد الولادة، صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا، إلا البغاةَ وقُطَّاع الطرق، ففيهم خلاف:
• فمنهم مَن قال: لا يُصلَّى عليهم، وهم الحنفية[4]، ودليلهم في عدم الصلاة على البغاة ومن بِمِثْل حالهم ما رُوِي عن علي - رضي الله عنه - أنه لم يُغسِّل أهل نهروان، ولم يصلِّ عليهم، فقيل له: أكفَّارٌ هم؟ فقال: لا، ولكنهم إخوانُنا بَغَوْا علينا؛ إشارة إلى أن ترك الغسل والصلاة عليهم إهانة لهم؛ ليكونَ زجْرًا لغيرهم، وكان ذلك بمحضَر من الصحابة - رضي الله عنهم - ولم يُنكِر عليه أحدٌ؛ فيكون ذلك إجماعًا[5].
• ومنهم من قال: يُصلَّى عليهم، وهم المالكية والشافعية[6]، ودليلهم: الأصل في وجوب الصلاة على المسلم[7]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((صلُّوا على كل بَرٍّ وفاجر))[8]، وقوله: ((للمسلم على المسلم سِتُّ حقوق))[9]، وذكر من جملتها أن يُصلَّى على جنازته، من غير فصلٍ إلا ما خُصَّ بدليل، وكذا لا يُصلَّى على مَن لم يستهِلَّ صارخًا بعد الولادة[10].
وأما إذا دُفنت الجنازة قبل أن يصلَّى عليها، صُلِّيَ عليها، ويكون ذلك عند القبر ما لم يتفسَّخ[11]، وقُيِّد بالدفن؛ لأنه لو وُضع في قبره ولم يُهَلْ عليه الترابُ، فإنه يُخرَج، ويُصلَّى عليه، فإن دُفن فلا يُخرَج؛ لأنه قد سُلِّم إلى الله -تعالى- وخرج من أيديهم، وقُيِّد بعدم التفسُّخ؛ لأنه لا يُصلَّى عليه بعد التفسُّخ؛ لأن الصلاة شُرِعت على بدن الميت، فإذا تفسَّخَ لم يبقَ بدنه قائمًا، واختُلِف في تحديد المدة:
• فمنهم مَن قال بشهر، وهم الحنابلة والشافعية[12].
• ومنهم مَن قال بثلاثة أيام، وهم الحنفية.
وسبب اختلافهم يعود لاختلاف الجو في الحر والبرد، ولاختلاف جسم الميت من الهزال والسمنة، واختلاف الأمكنة، فإن غلب على ظنه تفسُّخه، لم يُصَلِّ عليه، وإن شك بتفسخه صلَّى عليه[13].
فإن قيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على شهداء أُحُدٍ بعد ثماني سنين[14]؟ فهذا معناه: أنه دعا لهم؛ لقوله -تعالى-: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 103].
فقد قيل: إنهم كما دُفنوا لم تتفرَّق أعضاؤهم، وهكذا وُجدوا حين أراد معاوية أن يُحَوِّلهم، فتركهم[15].
فأما إذا حضر المسلمون الجنازة، وشهدوها، أو سمعوا بوجودها، وامتنعوا من الصلاة عليها، فقد أثم الكل.
[1] الموسوعة الفقهية الكويتية 1/ 36.
[2] صحيح مسلم 2/ 662 (الحديث 963).
[3] الموسوعة الفقهية الكويتية 16/ 28.
[4] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 1/ 312.
[5] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 1/ 311.
[6] المغني لابن قدامة 2/ 418، المجموع شرح المهذب 5/ 267.
[7] الموسوعة الفقهية الكويتية 16/ 38.
[8] سنن الدارقطني 2/ 404.
[9] سنن ابن ماجه 1/ 461.
[10] الموسوعة الفقهية الكويتية 16/ 37.
[11] المبسوط للسرخسي 2/ 62.
[12] المغني لابن قدامة 2/ 387، المجموع شرح المهذب 5/ 267.
[13] البحر الرائق شرح كنز الدقائق 2/ 196.
[14] صحيح البخاري 5/ 94 (الحديث 4042).
[15] المبسوط 2/ 62.