سما الموج
10-02-2022, 10:16 PM
https://www.alkhaleej.ae/sites/default/files/styles/d08_standard/public/migrated/496655e7-77de-4bd0-af23-42c3b28c8042.jpg?h=827069f2&itok=U4rerB0G
عبد الرحمن الكواكبي.. رائد الإصلاح في العصر الحديث
عبد الرحمن الكواكبي كاتب ومؤلف ومحام وفقيه سوري شهير، وهو أحد رواد التعليم والحركة الإصلاحية العربية.
ولد الكواكبي في مدينة حلب التي كان لعائلته شأن كبير فيها، ووالده هو أحمد بهائي بن محمد بن مسعود الكواكبي. أما والدته فهي السيدة عفيفة بنت مسعود آل نقيب وهي ابنة مفتي أنطاكية، وكان ميلاده سنة 1271 هجرية (1854 ميلادية)، وتشير بعض الأوراق إلى أنّ تاريخ ميلاد الكواكبي الحقيقي هو سنة 1848 وقيل في تبرير ذلك الأمر إنه قام بتغيير تاريخ ميلاده في الأوراق الرسمية، حتى يتاح له الترشح في الانتخابات في حلب ليتمكن من مقاومة العثمانيين.
توفيت والدته وعمره ست سنوات، فكفلته خالته صفية واصطحبته إلى بيتها في أنطاكية، حيث بقي هناك ثلاث سنوات عاد بعدها إلى حلب ليتعلم فيها على يد الشيخ «طاهر الكلزي» وبعد أن تعلم القراءة والكتابة، وأتم قراءة القرآن وحفظه، عاد إلى خالته، كي ترعى تنمية علومه، فاستعانت بقريبها «نجيب النقيب» (أصبح فيما بعد أستاذاً للخديوي عباس الذي كان على عرش مصر حين لجأ إليها الكواكبي).
في سن الثانية عشرة، انتظم عبد الرحمن في المدرسة الكواكبية، وكان يشرف عليها ويدرّس فيها والده مع نفر من كبار العلماء في حلب، ولم يكتفِ الكواكبي بالعلوم التي أتاحتها له بيئته كعلوم العربية والشريعة، بل سعى إلى تعلم المنطق والرياضيات والطبيعة، وكان لهذا أثر إيجابي في حياته وأفكاره فيما بعد، وقد اتسعت آفاقه أيضاً بالاطلاع على كنوز المكتبة الكواكبية التي تحتوي مخطوطات قديمة وحديثة، ومطبوعات أول عهد الطباعة في العالم، فاستطاع أن يطلع على علوم السياسة والمجتمع والتاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم.
صحيفة «الشهباء»
حين بلغ الكواكبي الثانية والعشرين عين محرراً في جريدة الفرات التي كانت تصدر في حلب، وعرف بمقالاته التي تفضح فساد الولاة، ويرجح حفيده (سعد زغلول الكواكبي) أن جده عمل في صحيفة «الفرات» الرسمية سنتين تقريباً، براتب شهري 800 قرش سوري. وقد شعر من خلال الممارسة أن العمل في صحيفة رسمية يعرقل طموحه في تنوير العامة وتزويدها بالأخبار الصحيحة، ولذلك رأى أن ينشئ صحيفة خاصة، فأصدر صحيفة «الشهباء» (عام 1877) بالاشتراك مع هاشم العطار، وهي أول صحيفة تصدر باللغة العربية وقد صدرت في حلب وسجلها باسم صديقه كي يفوز بموافقة السلطة العثمانية عبر موافقة والي حلب.
لم تستمر الشهباء طويلاً، إذ لم تستطع السلطة تحمل جرأته في النقد، ولم يتركها الأتراك الذين كانوا يحكمون البلاد في تلك الفترة لأكثر من 16 عدداً، بعدما ظهرت فيها مواهب الكواكبي في مقالاته النارية ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يستسلم الكواكبي فأصدر (عام 1879) باسم صديق آخر جريدة «الاعتدال» سار فيها على نهج «الشهباء» وواصل مقالاته النارية حتى أغلقت هي الأخرى.
أبو الضعفاء
بعد أن سدت منافذ التنوير عبر الكتابة في الصحف اتجه عبد الرحمن الكواكبي إلى دراسة الحقوق، وبرع فيها حتى نال الشهادة، وانصرف إلى العمل بعيداً عن السلطة محامياً فاتخذ مكتباً للمحاماة في حي (الفرافرة) أحد أحياء مدينة حلب بالقرب من بيته، وكان يستقبل فيه جميع الفئات من المواطنين، وعمل جاهداً لتحصيل حقوق المتظلمين عند المراجع العليا وسعى إلى مساعدتهم، وقد كان يؤدي عمله في معظم الأحيان من دون أي مقابل مادي، حتى اشتهر في جميع أنحاء حلب بلقب (أبي الضعفاء)، ومن بعد عيّن عضواً في لجنتي المالية والمعارف العمومية في حلب، والأشغال العامة (النافعة) ثم عضواً فخرياً في لجنة امتحان المحامين للمدينة، وحقق في عهده الكثير من المشاريع الهامة التي أفاد بها حلب والمناطق التابعة لها وفي 1892 عين رئيساً لبلدية حلب.
وعندما بلغت حدة الصراع بين الكواكبي والسلطة العثمانية بحلب ذروتها وبدأت المكائد ضده، لم يستطع تحمل ما وصل إليه الأمر من مضايقات سافر إلى الهند والصين وعاد به المطاف إلى سواحل إفريقيا ثم استقر به المقام في مصر، وذاع صيتة في مصر وتتلمذ على يديه الكثيرون وكان واحداً من أشهر العلماء.
الكواكبي بقلم العقاد
ألف الكواكبي العديد من الكتب وترك لنا تراثاً فكرياً مميزاً، وقد كتب عنه الأستاذ عباس محمود العقاد واحداً من أهم مؤلفاته تتبع فيه سيرة العَلَم التنويري والمفكر الكبير «عبد الرحمن الكواكبي»، ابن مدينة حلب، الذي عاش في فترة ثرية من التاريخ الإنساني بالقرن التاسع عشر الميلادي، وتابع الروافد التي سقت فكره، وتوقف عند القضايا الهامة التي تصدى لها الكواكبي في كتابيه «أم القرى» و«طبائع الاستبداد»؛ وأكد أن الكواكبي ظل طوال حياته، مهموماً ومهتماً بقضيتين رئيستين هما: الحرية ومقاومة الاستبداد؛ وحال الأمة الإسلامية. وتفرّعت عنهما بالطبع مجموعة مختلفة من القضايا الأخرى، الأمر الذي جعل الكواكبي يستحق أن يكون واحدًا من المجددين المشهودين.
يقول عن ذلك العقاد: «توفَّر الكواكبي على قضيتين اثنتين لم يشتغل زمناً طويلاً بقضية غيرهما، وهما: قضية البحث في أسباب تأخر الأمم ولا سيما أمم العالم الإسلامي، وقضية البحث في عوامل الاستبداد في حكم الدول، ولا سيما الدولة العثمانية، وأودع زبدة آرائه عن قضية العالم الإسلامي في كتابه «جمعية أم القرى»، وأودع زبدة آرائه عن الحُكم والاستبداد في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد».
ولا شك في أن هذين الكتابين (طبائع الاستبداد، وأم القرى) هما أهم ما تركه الكواكبي من تراث فكري استهدف من ورائه الإصلاح، وفصل فيهما أسباب التردي الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية».
في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» يقدم الكواكبي صورة عن تعريفه للاستبداد في بداية الكتاب، وكيف يظهر أو يؤثر في جوانب حياتنا المختلفة.
وفي الفصل الأخير من الكتاب يذكر الكواكبي الطريقة والوسائل التي تمكننا من القضاء على الاستبداد بخطوات عملية يمكن السير عليها.
«أم القرى»
ومرة أخرى وفي كتابه «أم القرى» يناقش الكواكبي كل القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية، من خلال عرضه لتصور تخيلي عن جمعية يحضرها العلماء من كل الدول الإسلامية، ويبدأون في تحليل أسباب الضعف التي واجهت الأمة الإسلامية، وعرض كلٌ منهم تصوره للحلول المناسبة لكل القضايا والمشاكل التي تواجه الأمة الإسلامية، وفي نهاية الكتاب يتفقون على إنشاء جمعية تكون مسؤوليتها البدء في تنفيذ الحلول في الواقع.
توفي الكواكبي في القاهرة متأثراً بسمّ دسّ له في فنجان قهوة يوم الجمعة 6 ربيع الأول لعام 1320 ه الموافق 13 يونيو 1902 ودفن عند جبل المقطم.
عبد الرحمن الكواكبي.. رائد الإصلاح في العصر الحديث
عبد الرحمن الكواكبي كاتب ومؤلف ومحام وفقيه سوري شهير، وهو أحد رواد التعليم والحركة الإصلاحية العربية.
ولد الكواكبي في مدينة حلب التي كان لعائلته شأن كبير فيها، ووالده هو أحمد بهائي بن محمد بن مسعود الكواكبي. أما والدته فهي السيدة عفيفة بنت مسعود آل نقيب وهي ابنة مفتي أنطاكية، وكان ميلاده سنة 1271 هجرية (1854 ميلادية)، وتشير بعض الأوراق إلى أنّ تاريخ ميلاد الكواكبي الحقيقي هو سنة 1848 وقيل في تبرير ذلك الأمر إنه قام بتغيير تاريخ ميلاده في الأوراق الرسمية، حتى يتاح له الترشح في الانتخابات في حلب ليتمكن من مقاومة العثمانيين.
توفيت والدته وعمره ست سنوات، فكفلته خالته صفية واصطحبته إلى بيتها في أنطاكية، حيث بقي هناك ثلاث سنوات عاد بعدها إلى حلب ليتعلم فيها على يد الشيخ «طاهر الكلزي» وبعد أن تعلم القراءة والكتابة، وأتم قراءة القرآن وحفظه، عاد إلى خالته، كي ترعى تنمية علومه، فاستعانت بقريبها «نجيب النقيب» (أصبح فيما بعد أستاذاً للخديوي عباس الذي كان على عرش مصر حين لجأ إليها الكواكبي).
في سن الثانية عشرة، انتظم عبد الرحمن في المدرسة الكواكبية، وكان يشرف عليها ويدرّس فيها والده مع نفر من كبار العلماء في حلب، ولم يكتفِ الكواكبي بالعلوم التي أتاحتها له بيئته كعلوم العربية والشريعة، بل سعى إلى تعلم المنطق والرياضيات والطبيعة، وكان لهذا أثر إيجابي في حياته وأفكاره فيما بعد، وقد اتسعت آفاقه أيضاً بالاطلاع على كنوز المكتبة الكواكبية التي تحتوي مخطوطات قديمة وحديثة، ومطبوعات أول عهد الطباعة في العالم، فاستطاع أن يطلع على علوم السياسة والمجتمع والتاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم.
صحيفة «الشهباء»
حين بلغ الكواكبي الثانية والعشرين عين محرراً في جريدة الفرات التي كانت تصدر في حلب، وعرف بمقالاته التي تفضح فساد الولاة، ويرجح حفيده (سعد زغلول الكواكبي) أن جده عمل في صحيفة «الفرات» الرسمية سنتين تقريباً، براتب شهري 800 قرش سوري. وقد شعر من خلال الممارسة أن العمل في صحيفة رسمية يعرقل طموحه في تنوير العامة وتزويدها بالأخبار الصحيحة، ولذلك رأى أن ينشئ صحيفة خاصة، فأصدر صحيفة «الشهباء» (عام 1877) بالاشتراك مع هاشم العطار، وهي أول صحيفة تصدر باللغة العربية وقد صدرت في حلب وسجلها باسم صديقه كي يفوز بموافقة السلطة العثمانية عبر موافقة والي حلب.
لم تستمر الشهباء طويلاً، إذ لم تستطع السلطة تحمل جرأته في النقد، ولم يتركها الأتراك الذين كانوا يحكمون البلاد في تلك الفترة لأكثر من 16 عدداً، بعدما ظهرت فيها مواهب الكواكبي في مقالاته النارية ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يستسلم الكواكبي فأصدر (عام 1879) باسم صديق آخر جريدة «الاعتدال» سار فيها على نهج «الشهباء» وواصل مقالاته النارية حتى أغلقت هي الأخرى.
أبو الضعفاء
بعد أن سدت منافذ التنوير عبر الكتابة في الصحف اتجه عبد الرحمن الكواكبي إلى دراسة الحقوق، وبرع فيها حتى نال الشهادة، وانصرف إلى العمل بعيداً عن السلطة محامياً فاتخذ مكتباً للمحاماة في حي (الفرافرة) أحد أحياء مدينة حلب بالقرب من بيته، وكان يستقبل فيه جميع الفئات من المواطنين، وعمل جاهداً لتحصيل حقوق المتظلمين عند المراجع العليا وسعى إلى مساعدتهم، وقد كان يؤدي عمله في معظم الأحيان من دون أي مقابل مادي، حتى اشتهر في جميع أنحاء حلب بلقب (أبي الضعفاء)، ومن بعد عيّن عضواً في لجنتي المالية والمعارف العمومية في حلب، والأشغال العامة (النافعة) ثم عضواً فخرياً في لجنة امتحان المحامين للمدينة، وحقق في عهده الكثير من المشاريع الهامة التي أفاد بها حلب والمناطق التابعة لها وفي 1892 عين رئيساً لبلدية حلب.
وعندما بلغت حدة الصراع بين الكواكبي والسلطة العثمانية بحلب ذروتها وبدأت المكائد ضده، لم يستطع تحمل ما وصل إليه الأمر من مضايقات سافر إلى الهند والصين وعاد به المطاف إلى سواحل إفريقيا ثم استقر به المقام في مصر، وذاع صيتة في مصر وتتلمذ على يديه الكثيرون وكان واحداً من أشهر العلماء.
الكواكبي بقلم العقاد
ألف الكواكبي العديد من الكتب وترك لنا تراثاً فكرياً مميزاً، وقد كتب عنه الأستاذ عباس محمود العقاد واحداً من أهم مؤلفاته تتبع فيه سيرة العَلَم التنويري والمفكر الكبير «عبد الرحمن الكواكبي»، ابن مدينة حلب، الذي عاش في فترة ثرية من التاريخ الإنساني بالقرن التاسع عشر الميلادي، وتابع الروافد التي سقت فكره، وتوقف عند القضايا الهامة التي تصدى لها الكواكبي في كتابيه «أم القرى» و«طبائع الاستبداد»؛ وأكد أن الكواكبي ظل طوال حياته، مهموماً ومهتماً بقضيتين رئيستين هما: الحرية ومقاومة الاستبداد؛ وحال الأمة الإسلامية. وتفرّعت عنهما بالطبع مجموعة مختلفة من القضايا الأخرى، الأمر الذي جعل الكواكبي يستحق أن يكون واحدًا من المجددين المشهودين.
يقول عن ذلك العقاد: «توفَّر الكواكبي على قضيتين اثنتين لم يشتغل زمناً طويلاً بقضية غيرهما، وهما: قضية البحث في أسباب تأخر الأمم ولا سيما أمم العالم الإسلامي، وقضية البحث في عوامل الاستبداد في حكم الدول، ولا سيما الدولة العثمانية، وأودع زبدة آرائه عن قضية العالم الإسلامي في كتابه «جمعية أم القرى»، وأودع زبدة آرائه عن الحُكم والاستبداد في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد».
ولا شك في أن هذين الكتابين (طبائع الاستبداد، وأم القرى) هما أهم ما تركه الكواكبي من تراث فكري استهدف من ورائه الإصلاح، وفصل فيهما أسباب التردي الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية».
في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» يقدم الكواكبي صورة عن تعريفه للاستبداد في بداية الكتاب، وكيف يظهر أو يؤثر في جوانب حياتنا المختلفة.
وفي الفصل الأخير من الكتاب يذكر الكواكبي الطريقة والوسائل التي تمكننا من القضاء على الاستبداد بخطوات عملية يمكن السير عليها.
«أم القرى»
ومرة أخرى وفي كتابه «أم القرى» يناقش الكواكبي كل القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية، من خلال عرضه لتصور تخيلي عن جمعية يحضرها العلماء من كل الدول الإسلامية، ويبدأون في تحليل أسباب الضعف التي واجهت الأمة الإسلامية، وعرض كلٌ منهم تصوره للحلول المناسبة لكل القضايا والمشاكل التي تواجه الأمة الإسلامية، وفي نهاية الكتاب يتفقون على إنشاء جمعية تكون مسؤوليتها البدء في تنفيذ الحلول في الواقع.
توفي الكواكبي في القاهرة متأثراً بسمّ دسّ له في فنجان قهوة يوم الجمعة 6 ربيع الأول لعام 1320 ه الموافق 13 يونيو 1902 ودفن عند جبل المقطم.