تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الاستقامة والثبات على الطاعات


يمك دروبي
27-06-2022, 09:47 PM
فعبادة الله تعالى لا تختص بوقتٍ دون وقتٍ، أو زمانٍ ومكانٍ دون آخر -وإن تأكد الاجتهاد في الطاعة والاستزادة منها في بعض الأزمنة والأمكنة الشريفة-، وليست العبادة مقتصِرة على مواسم أو أوقاتٍ، فإذا ما انقضت عاد الإنسان إلى سيرته السابقة مِن الغفلة والتقصير؛ فليس شأن المؤمن أن يعبدَ اللهَ في حالٍ دون حالٍ، أو وقتٍ دون وقتٍ؛ كأن يجتهد في طاعة الله في رمضان ثم يترك ذلك بعد انتهائه؛ فإن ربَّ رمضان هو رب شوال ورب سائر العام.

"قيل لبِشْر الحافي: إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: *بئس القوم لا يعرفون لله حقًّا إلا في شهر رمضان! إن الصالح الذي يتعبَّد ويجتهد السَّنة كلها.

وسُئِل الشبلي: أيما أفضل رجب أم شعبان؟ فقال: كن ربانيًّا، ولا تكن شعبانيًّا! كان النبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة" (لطائف المعارف).

وشأن المؤمن أنه يستقيم على طاعة الله، ويتقلب في مراحل عمره بيْن أنواع العبادات والقربات لله -عز وجل-، فما أن يفرغ مِن عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى، "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ".

ومِن علامات قبول الأعمال الصالحة: أن يَثبت العبد على الطاعة ويوفـَّق للمداومة عليها.

قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إن مِن جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومِن عقوبة السيئة السيئة بعدها".

والاستقامة من الكلمات الجامعة المانعة: كالبرِّ، والخير، والعبادة؛ فهي لها تعلُّق بالقول، والفعل، والاعتقاد.

والاستقامة في اللغة: ضد الاعوجاج والانحراف، فالشيء المستقيم هو المعتدل الذي لا اعوجاج فيه، وهذا يأتي في الحِسِّيَات؛ تقول: هذا طريق مستقيم، وهذا طريق مُعْوَجٌّ.

وهي في الشرع: الوفاء بالعهود كلها، وملازمة الصراط المستقيم برعاية حدِّ التوسط في كلِّ الأمور، من الطعام والشراب واللباس، وفي كل أمر ديني ودنيوي؛ فذلك هو الصراط المستقيم، كالصراط المستقيم في الآخرة (انظر: التعريفات للجرجاني).

والاستقامة تتضمن أمرين:

الأول: السَّير على الصراط المستقيم.

والثاني: الثبات والاستمرار على هذا الصراط القويم حتى الممات، كما قال الله تعالى: "وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، *فَلْتَأْتِهِ *مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" (رواه مسلم).

قال ابن كثير رحمه الله: "وَقَوْلُهُ: (وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أَيْ: حَافَظُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَالِ صِحَّتِكُمْ وَسَلَامَتِكُمْ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ قَدْ أَجْرَى عَادَتَهُ بِكَرَمِهِ أَنَّهُ مَنْ عَاشَ عَلَى شَيْءٍ مَاتَ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بُعث عَلَيْهِ، *فَعِيَاذًا *بِاللَّهِ *مِنْ *خِلَافِ ذَلِكَ" (تفسير ابن كثير).

وقال بعض السَّلَف الصالح -رضوان الله عليهم-: "المستقيم على الصراط المستقيم كالجبل لا تحرقه النار، ولا يتأثر بالبرد، ولا تزعزعه الأهواء، بل هو ثابت مستقر في مكانه، وهكذا المسلم المستقيم؛ لا تغره الدنيا بزخرفها، ولا يلين مع الهوى، ولا إلى المال، ولو راودته نفسه؛ فهو مستقيم لا يتزعزع، مستقر على الطريق السوي مِن دنياه إلى آخرته" (شرح الأربعين النووية للشيخ عطية سالم رحمه الله).

فالاستقامة يدور معناها على لزوم طاعة الله تعالى والثبات عليها، وهي مِنَّة عظيمة، وكرامة مِن الله تعالى لعبده المؤمن، بل "إن لزوم الاستقامة هو أعظم كرامة" كما قَرَّر ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: "وَإِنَّمَا غَايَةُ الْكَرَامَةِ *لُزُومُ *الِاسْتقامة فَلَمْ يُكْرِمْ اللَّهُ عَبْدًا بِمِثْلِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَيَزِيدُهُ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ، وَيَرْفَعُ بِهِ دَرَجَتَهُ" (مجموع الفتاوى).

والعاقل يعلم أنه إنما خُلِق لحكمةٍ عظيمةٍ وغايةٍ جليلةٍ، وهي عبادة الله تعالى وطاعته؛ قال لله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا *لِيَعْبُدُونِ"، وقال عز وجل: "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".

والله عز وجل لم يجعل نهاية وحدًّا لطاعة العبد وعبادته لربه إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله؛ قال الله جلَّ وعلا: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"، وقال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: "وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا".

وقد أمر الله عز وجل صفوةَ خَلْقِه وعبادِه بالاستقامة، فقال لنبيين ورسولين من رسله الكرام موسى وهارون عليهما السلام: "فَاسْتقيما وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ"، وأمر بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في غير ما آية في كتابه الكريم، كما في قوله تعالى: "فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ".

وقال صلى الله عليه وسلم: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا" (رواه أحمد، وصححه الألباني). (لَنْ تُحْصُوا): أي: لن تحصوا وجوه الاستقامة كاملة.

وإن مما يتأكد من الطاعات التي ينبغي أن لا يقلع عنها المسلم بعد رمضان: الاستمرار على تلاوة القرآن العظيم، والاستغفار، وكثرة ذكر الله تعالى، وقيام الليل، وبذل الصدقات، والتطوع بالصيام.

وعن أبي أيوب الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (رواه مسلم). أي: كصوم سنة في الأجر.

وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال: "صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ" (رواه أحمد، وصححه الألباني).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "إن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبْل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض مِن خللٍ ونقص؛ فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره مِن الأعمال".


نسأل الله أن يجعلنا من المستقيمين على طاعته ومرضاته، وأن يثبِّت قلوبنا على دينه.

محبه لربي
27-06-2022, 09:48 PM
جَزآكمـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـم وَفِي مِيزآنَ حَسنَآتكم

نبض الاحاسيس❁♩‏
27-06-2022, 09:52 PM
شكراً يَ ألق
لـِ جمال هذا الانتقاء وَ التقديم
دمتم بخير

بنت الخيال
27-06-2022, 10:04 PM
انتقائك جميــل
يعطيك العافيه يارب , ع الموضوع ! دمت ودام ابداعك
ودي

النجمة المضيئة
28-06-2022, 01:13 AM
جزاك الله خيـر
وبارك الله في جهودك
ونفعنا الله وإياك بما تقدمه

كبَرٍيآء أنثى
28-06-2022, 01:34 AM
طرح مميز وقمة في الجمال
تسلم الاياادي
الله لا يحرمنا جمال عطائك
عوافي..

امير بكلمتى
28-06-2022, 06:54 AM
جزاك خير ل طرحك النافع والقيم
وجعله ميزان حسناتك

سما الموج
28-06-2022, 07:16 AM
بارك الله فيك على طرحك القيم
جزيت جنة عرضها السماوات والارض
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
مع أطيب التحايا لـ جهودك القيمة
https://www.3b8-y.com/vb/images/smilies/100%20(109).gif

ماجد
28-06-2022, 07:44 AM
جزاك الله خير على اختيارك القيّم
وكل الشكر والتقدير لموضوعك الديني الهادف والمفيد
ونترقب المزيد من جديدك القادم
حفظك ربي ورعاك
***

- وهُــم .
28-06-2022, 05:30 PM
-

















حُرُوفٌ تَتَكَلَّمُ بِهُدُوءِ . .
مُعَتَّقَهُ بِرُوحَانِيَّاتِ بِفَضَاءِ آخَرَ مِنْ اَلْمَعَرَفَهَهْ . .
اِنْحِنَاءَةُ إِجْلَالِ لِرُوحِكَ ~
.
.
.
:100 (103):

وتين
28-06-2022, 07:44 PM
جزاك الله الف خير
وجعله بموازين حسناتك

رهينة الماضي
28-06-2022, 10:17 PM
شكر جزيلا للطرح القيم
ننتظر المزيد من ابداع مواضيعك الرائعه
تحيتي وتقديري لك
وددي قبل ردي
https://upload.3dlat.com/uploads/13605289777.gif

ابتسامة الزهر
29-06-2022, 02:47 AM
جزاك الله خير على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردوس الاعلى من الجنة
الله لايحرمنا من جديدك
ودي وتقديري

كريزما
30-06-2022, 07:12 PM
طًرّحٌ مٌخملَي ..,

كُلْ شَئَ مختلفْ هُنــا

يعطَيكـًم العآفية ..ولـآحرَمنآ منَكـًم

♥..αмαℓ
01-07-2022, 10:33 PM
*,

جزاك الله خير على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردوس الاعلى من الجنة
الله لايحرمنا من جديدك
ودي وتقديري

:100 (103):

عذبة المعاني
01-07-2022, 10:39 PM
[RIGHT][INDENT]























لكم من الابداع رونقه
ومن الاختيار جماله
دام لنا عطائكم المميز والجميل :200 (44):

غفران المحبه
02-07-2022, 12:48 AM
جزاك الله خير عالموضوع وتسلم يمينك
بانتظار جديدك المفيد

ودي ووردي :w6w_20060309175028d

عبير الليل
02-07-2022, 04:55 AM
‏ انتقاء بآذخ الجمآل ,
بِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
لك من الشكر وافره,~
|
‏:bright_flower_by_va

القبطان
03-07-2022, 02:01 PM
جزاك الله خيرا
وبارك فيـك علام الغيوب
ونفـــس عنــك كـل مكــروب
وثبـت قلبـك علـى دينـه
إنــه مقلـب القلـوب
دمت بحفظ الله ورعايته


:bright_flower_by_va

عيسى العنزي
16-07-2022, 01:28 AM
شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي

مانسيتك
29-07-2022, 04:28 AM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك

:100 (109):

مـخـمـلـيـة
20-08-2022, 02:43 AM
الله ينور قلبك بالعلم والايمان
ويشرح صدرك بالهدى واليقين
وييسر امرك ويرفع مقامك فى العلين :271:

امير بكلمتى
27-09-2022, 11:31 AM
يعطيگ العافية
ما ننحرم من جديدگ وابداعاتگ
تحيتي والياسمين ..!

:w6w_20060309175028d

البدر
05-06-2023, 12:41 PM
جزاك الله خير على الطرح القيم
بارك الله فيك وكثر من امثالك
لاخلا ولا عدم
:ezgif-4-05527f2575:

محمد
05-06-2025, 12:59 PM
يعطيك العافيه على الطرح
دام التألق ودام عطاء نبضك
كل الشكر لهذا الإبداع,والتميز
لك مني كل التقديرشش
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق
ودي وعبق وردي
https://up6.cc/2025/05/1748575873361.gif

روحي تبيك
02-08-2025, 04:41 PM
عطرالله قلبك ب الايمان
ونور دربك بالغفران
طرح ف غاية الروعة والجمال
جعله ف ميزان حسناتك يوم القيامة
وجزاك الله خير ع حسن اختيارك