سما الموج
01-08-2022, 12:48 PM
السلطان إينال.. والتربويات الهادئة
https://islamstory.com/images/upload/content/367549702اينال.gif
يعتبر السلطان إينال أحد السلاطين المتميِّزين لدولة المماليك، ودولة المماليك من الدول العظيمة التي حكمت مصر والشام والحجاز واليمن، وأجزاء من ليبيا والسودان وتركيا، ولها أمجاد كبيرة، وإسهامات لا تُنكر في أكثر من مجال.السلطان إينال أو الأشرف إينال (حكم 8 سنوات) (857 - 865 هـ=1453 - 1461 م) وهو أحد سلاطين دولة المماليك البرجية (الچركسية) (784 - 923 هـ=1382 - 1517 م)، ويُعَدُّ من أفضل سلاطينهم وأورعهم.
قال عنه ابن تغري بردي وهو مؤرِّخ مملوكي عاصر حكمه: "كان ملكًا جليلًا، عاقلًا.. كثير الاحتمال، عديم الشرِّ، غير سبَّابٍ ولا فحَّاشٍ في حال غضبه ورضاه.. عظيم التروِّي في أفعاله.. لا يحبُّ تحرُّك ساكنٍ ولا إثارة فتنة، وعنده تؤدة في كلامه واحتمالٍ زائد.
ووصفه المؤرِّخ المملوكي ابن إياس وهو قريب العهد من حكمه، بقوله: «كان الأشرف إينال خيار ملوك الچراكسة، في الحلم ولين الجانب، وكثرة الاحتمال، وقلَّة الغضب، وعدم البطش والجبروت والتكبُّر، وكان الغالب عليه الحلم»
الموقف:
بعد فتح القسطنطينية أرسل محمد الفاتح رسالة تبشير بالنصر إلى ملوك العالم الإسلامي، وأهمهم آنذاك السلطان إينال سلطان المماليك في مصر والشام.
كانت دولة المماليك أعرق من الدولة العثمانية في هذه المرحلة، وأكبر، وكذلك أهم حيث تحكم قطاعات مهمة جدًّا من العالم الإسلامي، وتتبعها مكة والمدينة والقدس، فضلًا عن المدن الكبرى، كالقاهرة، ودمشق، وعمان، وبيروت، وغيرها، بل لها جنوب الأناضول إلى جوار العثمانيين.
ذكرنا في خاطرة سابقة تواضع محمد الفاتح لله تعالى، ومع ذلك لا يُؤمن على إنسان من الفتنة، فظهرت في تعابيره في رسالته للسلطان إينال بعض مظاهر الغرور، وهذا أمر غير مستغرب، وهو يحدث مع كثير من العظماء.
ما الذي حدث بعد فتح مكة لقلوب الصحابة؟
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]
وماذا ينبغي أن نفعل إذا جاء نصر الله:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3]
ويكون من سعادة المرء أن يجد مَنْ يردُّه إلى التواضع، ونَسْبِ النجاح والتيسير إلى الله.
فبعد أن مدح السلطانُ الفاتحُ سلطانَ مصر بمدائح كثيرة، أظهر سعادته بأنَّ التعاون بين الدولتين -الدولة العثمانيَّة ودولة المماليك- قائمٌ ومستمر، وذكر كلمةً تُوحي بأنَّ الدولتين صارتا متساويتين في القدر والمكانة (هذا خطير، لأن الدولتين متجاورتان)، فقد قال: "هذا وإنَّ الولاء والمواصلة بين مَنْ تكفَّل بمؤنة إحياء نُسُك الحجِّ للعباد، وبين مَنْ تحمَّل بمشاقِّ تجهيز أهل الغزو والجهاد كما هو متوارثٌ من الآباء والأجداد...".
تعامل السلطان إينال مع الحدث بتربويات رائعة للغاية:
1- قدَّر السلطان ظرفية الحدث الاستثنائي، فلم يؤاخذ الفاتح بالمفهوم من كلامه، وذلك لضخامة الحدث، وتوقُّع أن تكون هناك لغة فخرٍ مقبولةٍ نتيجة النجاح الكبير،
2- لم يبالغ في رفع المخاوف، وذلك لاختلاف ساحة العمل لكلٍّ من الدولتين؛ فالدولة العثمانيَّة تُقاتل في أوروبَّا، ودولة المماليك تفرض سلطانها على شمال شرق إفريقيا وغرب آسيا بعيدًا عن ميادين عمل العثمانيِّين.
3- اجتهد السلطان إينال في إيصال إشارات تربوية تعيد وضع أقدام الفاتح على الطريق الصحيح:
a. كان ممَّا قاله في رسالته: «أصدرنا هذه المفاوضة إلى المقرِّ الكريم، مهنِّئةً له بهذا الفتح الذي ادَّخره الله لأيَّام سعده، وهذا النصر الذي مَنَّ اللهُ تعالى به على المسلمين، وما النصر إلَّا من عنده».
b. وقال: «وانتهينا إلى ما أشار إليه ممَّا يسَّره الله تعالى له من فتح القسطنطينيَّة العظمى، وما خصَّه اللهُ به من آيات النصر، ومنحه به من ألطافه الخفيَّة، وفهمنا ذلك مجملًا ومفصَّلًا، ومفرَّعًا ومؤصَّلًا، وكرَّرنا حمد الله تعالى على ما منَّ به من هذا الفتح المبين، وهذه النعمة التي تتضمَّن تثبيت قلوب المتَّقين على اليقين، وإعلاء كلمة التوحيد على الملحدين...»
ساعد على ذلك الهدوء من إينال أمران:
1- ورع السلطان إينال وعاطفته الإسلاميَّة الجيَّاشة،
2- تأدُّب السلطان الفاتح مع السلطان إينال وخطابه له بصفة الابن الذي يُخاطب والده.
الأروع من هذا هو رد الفعل العملي في القاهرة ذاتها:
1- إقامة الاحتفالات بفتح القسطنطينية عدة أيام
2- توزيع الصدقات شكرًا لله
التواضع لله مكرمة عظيمة:
عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ عز وجل".
وَعَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ".
https://islamstory.com/images/upload/content/367549702اينال.gif
يعتبر السلطان إينال أحد السلاطين المتميِّزين لدولة المماليك، ودولة المماليك من الدول العظيمة التي حكمت مصر والشام والحجاز واليمن، وأجزاء من ليبيا والسودان وتركيا، ولها أمجاد كبيرة، وإسهامات لا تُنكر في أكثر من مجال.السلطان إينال أو الأشرف إينال (حكم 8 سنوات) (857 - 865 هـ=1453 - 1461 م) وهو أحد سلاطين دولة المماليك البرجية (الچركسية) (784 - 923 هـ=1382 - 1517 م)، ويُعَدُّ من أفضل سلاطينهم وأورعهم.
قال عنه ابن تغري بردي وهو مؤرِّخ مملوكي عاصر حكمه: "كان ملكًا جليلًا، عاقلًا.. كثير الاحتمال، عديم الشرِّ، غير سبَّابٍ ولا فحَّاشٍ في حال غضبه ورضاه.. عظيم التروِّي في أفعاله.. لا يحبُّ تحرُّك ساكنٍ ولا إثارة فتنة، وعنده تؤدة في كلامه واحتمالٍ زائد.
ووصفه المؤرِّخ المملوكي ابن إياس وهو قريب العهد من حكمه، بقوله: «كان الأشرف إينال خيار ملوك الچراكسة، في الحلم ولين الجانب، وكثرة الاحتمال، وقلَّة الغضب، وعدم البطش والجبروت والتكبُّر، وكان الغالب عليه الحلم»
الموقف:
بعد فتح القسطنطينية أرسل محمد الفاتح رسالة تبشير بالنصر إلى ملوك العالم الإسلامي، وأهمهم آنذاك السلطان إينال سلطان المماليك في مصر والشام.
كانت دولة المماليك أعرق من الدولة العثمانية في هذه المرحلة، وأكبر، وكذلك أهم حيث تحكم قطاعات مهمة جدًّا من العالم الإسلامي، وتتبعها مكة والمدينة والقدس، فضلًا عن المدن الكبرى، كالقاهرة، ودمشق، وعمان، وبيروت، وغيرها، بل لها جنوب الأناضول إلى جوار العثمانيين.
ذكرنا في خاطرة سابقة تواضع محمد الفاتح لله تعالى، ومع ذلك لا يُؤمن على إنسان من الفتنة، فظهرت في تعابيره في رسالته للسلطان إينال بعض مظاهر الغرور، وهذا أمر غير مستغرب، وهو يحدث مع كثير من العظماء.
ما الذي حدث بعد فتح مكة لقلوب الصحابة؟
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]
وماذا ينبغي أن نفعل إذا جاء نصر الله:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3]
ويكون من سعادة المرء أن يجد مَنْ يردُّه إلى التواضع، ونَسْبِ النجاح والتيسير إلى الله.
فبعد أن مدح السلطانُ الفاتحُ سلطانَ مصر بمدائح كثيرة، أظهر سعادته بأنَّ التعاون بين الدولتين -الدولة العثمانيَّة ودولة المماليك- قائمٌ ومستمر، وذكر كلمةً تُوحي بأنَّ الدولتين صارتا متساويتين في القدر والمكانة (هذا خطير، لأن الدولتين متجاورتان)، فقد قال: "هذا وإنَّ الولاء والمواصلة بين مَنْ تكفَّل بمؤنة إحياء نُسُك الحجِّ للعباد، وبين مَنْ تحمَّل بمشاقِّ تجهيز أهل الغزو والجهاد كما هو متوارثٌ من الآباء والأجداد...".
تعامل السلطان إينال مع الحدث بتربويات رائعة للغاية:
1- قدَّر السلطان ظرفية الحدث الاستثنائي، فلم يؤاخذ الفاتح بالمفهوم من كلامه، وذلك لضخامة الحدث، وتوقُّع أن تكون هناك لغة فخرٍ مقبولةٍ نتيجة النجاح الكبير،
2- لم يبالغ في رفع المخاوف، وذلك لاختلاف ساحة العمل لكلٍّ من الدولتين؛ فالدولة العثمانيَّة تُقاتل في أوروبَّا، ودولة المماليك تفرض سلطانها على شمال شرق إفريقيا وغرب آسيا بعيدًا عن ميادين عمل العثمانيِّين.
3- اجتهد السلطان إينال في إيصال إشارات تربوية تعيد وضع أقدام الفاتح على الطريق الصحيح:
a. كان ممَّا قاله في رسالته: «أصدرنا هذه المفاوضة إلى المقرِّ الكريم، مهنِّئةً له بهذا الفتح الذي ادَّخره الله لأيَّام سعده، وهذا النصر الذي مَنَّ اللهُ تعالى به على المسلمين، وما النصر إلَّا من عنده».
b. وقال: «وانتهينا إلى ما أشار إليه ممَّا يسَّره الله تعالى له من فتح القسطنطينيَّة العظمى، وما خصَّه اللهُ به من آيات النصر، ومنحه به من ألطافه الخفيَّة، وفهمنا ذلك مجملًا ومفصَّلًا، ومفرَّعًا ومؤصَّلًا، وكرَّرنا حمد الله تعالى على ما منَّ به من هذا الفتح المبين، وهذه النعمة التي تتضمَّن تثبيت قلوب المتَّقين على اليقين، وإعلاء كلمة التوحيد على الملحدين...»
ساعد على ذلك الهدوء من إينال أمران:
1- ورع السلطان إينال وعاطفته الإسلاميَّة الجيَّاشة،
2- تأدُّب السلطان الفاتح مع السلطان إينال وخطابه له بصفة الابن الذي يُخاطب والده.
الأروع من هذا هو رد الفعل العملي في القاهرة ذاتها:
1- إقامة الاحتفالات بفتح القسطنطينية عدة أيام
2- توزيع الصدقات شكرًا لله
التواضع لله مكرمة عظيمة:
عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ عز وجل".
وَعَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ".