تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فطرة الإيمان بالله والإهتداء إليه


نور
08-02-2024, 07:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


إن من رحمة الله بالإنسان أن جعل الإيمان بالله والاهتداء إليه من أيسر الأمور التي لا تحتاجُ إلى كبير عناء ولا غزارة علم، أو طول تفكير.

فالله أرحم بعباده أن يكلهم في مسألة الاهتداء إليه والإيمان به، إلى العلم الذي قد يتأخر الوصول إليه بالتعليم والتعلم، وقد يتعثر ولا يصل إليه، وإلى التفكير العميق الذي قد لا يتهيأ للبدائيين.

فمسألة إيمان الناس بالله والاهتداء إليه أمر حيوي لا تستغني عنه فطرتهم، ولا تستقيم بدونه حياتهم، ولا ينتظم مع فقدانه مجتمعهم... ولا يعرف الناس بدونه من أين يتلقون شريعتهم وقيمهم وآدابهم؛ لذلك فإن الله يكلهم في هذا الأمر إلى مجرد التقاء الفطرة بالحقائق الكونية المعروضة على الجميع، تلك الحقائق الكونية التي تفرض نفسها فرضا على الفطرة، فلا يحيد الإنسان عن إيحائها الملجئ إلا بعسرٍ ومشقة!

والشأن في مسألة الاعتقاد، هو الشأن في كل أمر حيوي تتوقف عليه حياة الكائن البشري. فالكائن الحي يبحث عن الطعام والشراب والهواء - كما يبحث عن التناسل والتكاثر - بحثا فطريًّا، ولا يترك الأمر في هذه الحيويات حتى يكمل التفكير وينضج، أو حتى ينمو العلم ويغزر... وإلا تعرضت حياة الكائن الحي إلى الدمار والبوار.

فالإيمان له أهمية حيوية للإنسان كحيوية الطعام والشراب والهواء سواء بسواء. ومن ثم يكله الله فيه إلى تلاقي الفطرة بآياته المبثوثة في صفحات الكون كله في الأنفس والآفاق.

لذلك جاءت كل الرسالات السماوية تخاطب فطرة الكائن البشري في أية مرحلة من مراحل نموه العقلي والثقافي والاجتماعي، لتأخذ بيده من الموضع الذي هو فيه.

ففي القرآن الكريم نجد قول الله عز وجل في كثير من الآيات ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ مخاطبًا الإنسان بفطرتِه ليرى الآيات الكونية المبثوثة حوله... مَنْ أوجدها، مَن خلقها، من سيرها، من المتحكم فيها؟

كما نجد أن إبراهيم عليه السلام قد استخدم نفس هذا الإسلوب في حواره مع النمرود ليبين له عجزه وافتراؤه على الله بأنه يحيى ويميت فقال له إبراهيم عليه السلام: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].

عند ذلك لم يرد إبراهيم - عليه السلام - أن يسترسل في جدل حول معنى الإحياء والإماتة معه، وعدل عن هذه السنة الكونية الخفية، إلى سنة أخرى ظاهرة مرئية تطالع الأنظار والمدارك كل يوم؛ ولا تتخلف مرة ولا تتأخر، وهي شاهد يخاطب الفطرة - حتى ولو لم يعرف الإنسان شيئًا عن تركيب هذا الكون، ولم يتعلم شيئًا من حقائق الفلك ونظرياته، ﴿ فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ ﴾ [البقرة: 258].

وهنا يستحضرني قول الجارية لرسول الله من حديث أبي هريرة، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ أَعْجَمِيَّةٍ، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَيَّ عِتْقَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ بِإِصْبَعِهَا السَّبَّابَةِ، فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنَا؟ فَأَشَارَتْ بِإِصْبَعِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَإِلَى السَّمَاءِ، أَيْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَعْتِقْهَا "؛ (رواه مسلم).

ويستحضرني أيضا قول الأصمعي: أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له، متقلدًا سيفه وبيده قوسه، فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني الأصمعي، قال: ومن أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن. قال: أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت: نعم، قال: فاتلُ عليّ منه شيئًا؟ فقرأت: ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴾ [الذاريات: 1] إلى قوله: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].

فقال: يا أصمعي حسبك، ثم قام إلى ناقته فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعنّي على توزيعها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما، ووضعهما تحت الرحل وولى نحو البادية وهو يقول: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ فمقت نفسي ولمتها، ثم حججتُ بعد مدة مع الرشيد، فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق، فالتفتُ فإذا بالأعرابي وهو ناحل مصفر مسلّم عليّ، وأخذ بيدي، وقال: اتلُ عليّ كلام الرحمن، وأجلسني من وراء المقام فقرأت: ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾، فقال: الأعرابي: لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقًا، هل غير ذلك؟ قلت: نعم يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 23]، فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدقوه في قوله حتى ألجأوه إلى اليمين؟ قال ذلك ثلاثًا، ثم خرجت بعدها روحه ومات.

وهنا أذكر موقفًا لي مع أحد الأساتذة الجامعيين وكان قد تولى منصبًا رفيعًا بالجامعة، وكان يشاع عنه تكبره واعتزازه بمكانته ومنصبه، ومرت السنين وكبر في السن، سألته: يا دكتور هل فهمت الدنيا الآن؟ فردَّ عليَّ ردًا سياسيًّا، فقلت له: أقصد الدنيا بفهومها الحقيقي. فنظر إلى شجرة أمامه وقال: ما يعني أنه كان عندما يقرأ في القرآن الآية: ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ [الرحمن: 6] فإن عقله لا يقبلها، أما الآن، عقلتُها تمامًا وفهمتُها. وذكر بعد ذلك أن كلَّ خلية حية خلق الله فيها برنامجًا هو المسئول عن بداية حياة الخلية وإماتتها. ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾.

أرأيت أيها المسلم الكريم كيف أن فطرة الإنسان تهتدي إلى خالقها، وتؤمن به، بمجرد رؤية آيات الله الكونية، أو سماع آياته القرآنية، إن عقيدة التوحيد في نفس الإنسان التي لم تتلوث فطرته بالفساد والظلم والتكبر عقيدة متجزرة فيه، هذا الإنسان الذي لم يتلق تعليمًا، ولم يتحير فكره بقول هذا أو ذاك: العلامة فلان، وشيخ مشايخ كذا، والمرجعية كذا، وشيخ كذا، والعارف بالله، والولى، ووو.

إن كثرة التأويلات، وانحراف المقاصد في الدعوة، إرضاء لغير الله، واتباعًا للهوى وتحقيق مآرب دنيوية قد أفسد على الناس دينهم، وقد نبهنا الله لمثل هذا في قوله: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].

إن الإنسان بفطرته السليمة يرى قدرة الله في كل شيء حوله، فهو في معية الله دائمًا، روي أن عمر بن عبد العزيز عندما كان ينازع سكرات الموت قالوا له: قل لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال: ومتى نسيت حتى تذكروني

سلسال ورد
08-02-2024, 07:54 AM
وَ فِي حَرمِ الجَمَال ليسَ أبلَغُ منَ الصّمتْ
إبدَاعٌ مِن أنَاملك ..!
بُورِكتْ الْأنَامِل وَ حُرّمتْ عنهَا النّارْ
لِـ روحِك الأورْكيدَا

امير بكلمتى
08-02-2024, 08:11 PM
مشاء الله
ابداع رسمته هنا وتألق

مكتمل الروعة والإبهار
اتمنى لك مزيداً
من الإبداع والتألق
بارك الله فيك ويسلم احساسك
تحياتي
:ezgif-5-df02f75a7a:

ابتسامة الزهر
09-02-2024, 12:27 AM
جزاك الله خير على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردوس الاعلى من الجنة
الله لايحرمنا من جديدك
ودي وتقديري

علياء
09-02-2024, 05:26 AM
طرح بغاية الروعه جزاك الله خيرا وبارك فيك
وسلمت اناملك على الانتقاء العذب والذوق الرائع
بـ إنتظآر جديدك الاجمل وعذب أطرٌوحآتك
كل الوووود و الووورد
:ezgif-2-422404efb1:

البدر
09-02-2024, 06:35 AM
جزاك الله خير على الطرح القيم
بارك الله فيك وكثر من امثالك
لاخلا ولا عدم
:ezgif-4-c8829dfcbe:

reda laby
09-02-2024, 08:04 PM
حتى نرضى الله :: و نسعد بعد الحياة
فى جنات الفردوس :: جائزة من الإله

بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى
https://c.top4top.net/p_844k81p81.png
https://d.top4top.net/p_844kfa1h2.gif
https://c.top4top.net/p_6337qp4o1.png
http://3b8-y.com/vb/uploaded/580_21536911659.gif

رهينة الماضي
09-02-2024, 09:10 PM
يعطيك العافيه
على الطرح الاكثر من رائع
يدوم الابداع والتميز
كل الود والتقدير


:ezgif-5-8b2d5590d4:

لَذة عِشّق♪♥
10-02-2024, 09:07 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

فرآشه ملآئكية
11-02-2024, 03:22 PM
~`
















جَمُيّـــلُ
يسلمو الايادي على المجهود الرائع
يعطيك الف عافيه
ودي

:ezgif-4-6eaa79c0d2:

وتين
11-02-2024, 11:16 PM
جزاك الله الف خير
وجعله بموازين حسناتك

قهوة المسا
12-02-2024, 12:53 AM
يعطيك العافيه
وكلك ذوق
ويسعدك ربي

- وهُــم .
12-02-2024, 09:19 AM
-

















حُرُوفٌ تَتَكَلَّمُ بِهُدُوءِ . .
مُعَتَّقَهُ بِرُوحَانِيَّاتِ بِفَضَاءِ آخَرَ مِنْ اَلْمَعَرَفَهَهْ . .
اِنْحِنَاءَةُ إِجْلَالِ لِرُوحِكَ ~
.
.
.
:100 (103):

♥..αмαℓ
13-02-2024, 09:00 AM
*,

جزاك الله خير على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردوس الاعلى من الجنة
الله لايحرمنا من جديدك
ودي وتقديري

:100 (103):

القبطان
13-02-2024, 06:50 PM
جزاك الله خيرا
وبارك فيـك علام الغيوب
ونفـــس عنــك كـل مكــروب
وثبـت قلبـك علـى دينـه
إنــه مقلـب القلـوب
دمت بحفظ الله ورعايته

حسن الوائلي
14-02-2024, 04:55 PM
جزاكم الله كل الخير واثابكم
بوركتم وجعل ما تقدمونه في
ميزان اعمالكم
دمتم بحفظ الرحمن وتوفيقه
:ezgif-5-d71d5d6243:

رحـابـه
08-08-2024, 01:30 PM
يعطِـــيكْ العَآفيَـــةْ
عَلَـــىْ روْعـــَــةْ طرْحِـــكْ’
بإآنْتظَـــآرْ الَمزيِــدْ منْ إبدَآعِكْ
لــكْ كثَيفَ وَد وبَتلةَة ياسَميَن

إرتواء
10-08-2024, 08:15 AM
موضوع جميل
الله يعطيك العافية
سلمت يداك ودام عطائك

:ezgif-1-9c86dcdc72:

سما الموج
02-02-2025, 09:23 PM
بارك الله فيك على طرحك القيم
جزيت جنة عرضها السماوات والارض
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
مع أطيب التحايا لـ جهودك القيمة
:ezgif-3-dc81ea9bb0:

محمد
28-05-2025, 09:21 PM
يعطيك العافيه على الطرح
دام التألق ودام عطاء نبضك
كل الشكر لهذا الإبداع,والتميز
لك مني كل التقديرشش
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق
ودي وعبق وردي
https://up6.cc/2025/05/174845640907762.gif