ابتسامة الزهر
19-07-2024, 05:43 PM
الفَتَّاحُ
جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
الدِّلَالَاتُ اللُّغَويَّةُ لاسْمِ (الفَتَّاحِ):
الفَتَّاحُ في اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ المبَالَغَةِ عَلَى وَزْنِ فَعَّالٍ مِنَ اسْمِ الفَاعِلِ الفَاتِحِ، فِعْلُهُ فَتَحَ يَفْتَحُ فَتْحًا.
والفَتْحُ نَقِيضُ الإِغْلَاقِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ﴾ [الأعراف: 40]، والمعْنَى أَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُغْلَقُ أَمَامَ أَرْوَاحِهِمْ، فَلَا تَصْعَدُ أَرْوَاحُهم ولا أَعْمَالُهم، بِعَكْسِ المؤمِنينَ.
والِمفْتَاحُ كُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى اسْتِخْرَاجِ المُغْلَقَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ الوُصُولُ إِلَيْهَا.
وعِنْدَ البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ البَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي»[1]، فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ أُوتِيَ مَفَاتِيحَ الكَلِمِ، وَهُوَ مَا يَسَّر اللهُ لَهُ مِنَ البَلَاغَةِ والفَصَاحَةِ والوُصُولِ إِلَى غَوَامِضِ المَعَانِي، وَبَدَائعِ الحِكَمِ، ومَحَاسِنِ العِبَارَاتِ والأَلْفَاظِ الَّتِي أُغْلِقَتْ عَلَى غَيْرِهِ، ومَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَفَاتِيحُ شَيْءٍ سَهُلَ عَلْيهِ الوُصُولُ إليه.
والفَتَّاحُ فِي اللُّغَةِ أَيضًا هو الحاكِمُ، يُقَالُ للقَاضِي الذِي يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ: فَتَّاحٌ؛ لأَنَّهُ يَفْتَحُ مَوَاضِعَ الحَقِّ[2].
والفتَّاحُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ والرِّزْقِ لِعِبَادِهِ أَجْمَعِينَ، أَوْ يَفْتَحُ أَبْوَابَ البَلَاءِ لامْتِحَانِ المؤمِنِينَ الصَّادِقينَ...
فَمِنْ الأَوَّلِ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وَقَوْلِهِ: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]، قِيلَ: مَعْنَاهُ مَا يَأْتِيهم بِهِ اللهُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِزْقٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَمَا يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُرْسِلَهُ.
وَمِنَ الفَتْحِ بِمَعْنَى فَتْحِ البلاءِ والامْتِحَانِ مَا وَرَدَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44][3].
والفَتَّاحُ هُوَ الذِي يَحْكُمُ بَيْنَ العِبَادِ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، ومِنْهُ قُوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89].
وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَفْتَحُ خَزَائِنَ جُودِهِ وَكَرَمِهِ لِعِبَادِهِ الطَّائِعِينَ، وَيَفْتَحُ أَبْوَابَ البَلَاءِ والهَلَاكِ عَلَى الكَافِرِينَ الُمعَانِدِينَ.
وهو الذِي يَفْتَحُ عَلَى خَلْقِهِ مَا انْغَلَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِهِمْ فَيُيَسِّرُهَا لهم فَضْلًا مِنْهُ وَكَرَمًا؛ لأَنَّ خَزَائِنَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ بِيَدِهِ، يَفْتَحُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ، وعَلَى مَا قَضَاهُ في خَلْقِهِ بِمَشِيئَتِهِ[4].
وُرُودُه في القُرْآنِ العَظِيمِ[5]:
وَرَدَ الاسْمُ مُفْرَدًا مَرَّةً وَاحِدَةً في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26].
وَوَرَدَ بِصِيغَةِ الجَمْعِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْضًا فِي قَوْلِهِ عز وجل: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89].
مَعْنَى الاسْمِ في حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ قَتَادَةُ رحمه الله: «﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ﴾: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ»[6].
وَقَالَ ابنُ جَرِيرٍ رحمه الله في تَفْسِيرِ الآيةِ السَّابِقَةِ: «احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهم بِحُكْمِكَ الحَقِّ، الذِي لا جَوْرَ فيهِ، ولا حَيْفَ، ولا ظُلْمَ، وَلَكِنَّهُ عَدْلٌ وَحَقٌّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ يَعْنِي: خَيْرُ الحَاكِمِينَ».
وَقَالَ رحمه الله في مَوْضِعٍ آخَرَ: «﴿ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26]: القَاضِي العَلِيمُ بالقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ لأنَّهُ لا تَخْفَى عَنْهُ خَافِيةٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شُهُودٍ تُعَرِّفُهُ الُمحِقِّ مِنَ الُمبْطِلِ»[7].
وَقَالَ الزَجَّاجُ: «واللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَتَحَ بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ، فَأَوْضَحَ الَحقَّ وَبَيَّنَهُ، وَأَدْحَضَ البَاطِلَ وَأَبْطَلَهُ، فَهُوَ الفَتَّاحُ»[8].
وَقَالَ الخَطَّابِي رحمه الله: «(الفَتَّاحُ): هو الحَاكِمُ بَيْنَ عِبَادِهِ».
وَقَالَ: «وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى (الفَتَّاحِ) أَيْضًا: الذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ والرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ، وَيَفْتَحُ الُمنْغَلِقَ عليهم مِنْ أُمُورِهم وأَسْبَابِهم، وَيَفْتَحُ قُلُوبَهم وعُيونَ بَصَائِرِهم؛ لِيُبْصِرُوا الحَقَّ.
وَيَكُونُ الفَاتِحُ أَيْضًا بِمَعْنَى النَّاصِرِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾ [الأنفال: 19]»[9].
وبِنَحْوِهِ قَالَ السَّعْدِيُّ[10].
وَهُوَ مَا نَظَمَهُ ابنُ القَيِّم فِي (النُّونِيَّةِ):
وكَذَلِكَ الفَتَّاحُ مِنْ أَسْمَائِهِ
والفَتْحُ في أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ
فَتْحٌ بِحُكْمٍ وَهُوَ شَرْعُ إِلَهِنَا
والفَتْحُ بالأقْدارِ فَتْحٌ ثَانِ
والرَّبُّ فَتَّاحٌ بِذَينِ كِلَيْهِمَا
عَدْلًا وإحْسانًا مِنَ الرَّحْمَنِ[11]
وعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى الاسْمِ:
1- (الفَتَّاحُ): الحَاكِمَ الذِي يَقْضِي بَيْنَ عِبَادِهِ بِالحَقِّ والعَدْلِ بِأَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ والقَدَرِيَّةِ.
2- أَنَّهُ يَفْتَحُ لَهم أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ والرِّزْقِ وَمَا انْغَلَقَ عليهم مِنَ الأُمُورِ.
3- أَنَّهُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ لِعِبَادِهِ الُمؤْمِنِينَ، وللمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ، وَهَذَا يَعُودُ إلى الأَوَّلِ.
جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
الدِّلَالَاتُ اللُّغَويَّةُ لاسْمِ (الفَتَّاحِ):
الفَتَّاحُ في اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ المبَالَغَةِ عَلَى وَزْنِ فَعَّالٍ مِنَ اسْمِ الفَاعِلِ الفَاتِحِ، فِعْلُهُ فَتَحَ يَفْتَحُ فَتْحًا.
والفَتْحُ نَقِيضُ الإِغْلَاقِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ﴾ [الأعراف: 40]، والمعْنَى أَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُغْلَقُ أَمَامَ أَرْوَاحِهِمْ، فَلَا تَصْعَدُ أَرْوَاحُهم ولا أَعْمَالُهم، بِعَكْسِ المؤمِنينَ.
والِمفْتَاحُ كُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى اسْتِخْرَاجِ المُغْلَقَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ الوُصُولُ إِلَيْهَا.
وعِنْدَ البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ البَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي»[1]، فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ أُوتِيَ مَفَاتِيحَ الكَلِمِ، وَهُوَ مَا يَسَّر اللهُ لَهُ مِنَ البَلَاغَةِ والفَصَاحَةِ والوُصُولِ إِلَى غَوَامِضِ المَعَانِي، وَبَدَائعِ الحِكَمِ، ومَحَاسِنِ العِبَارَاتِ والأَلْفَاظِ الَّتِي أُغْلِقَتْ عَلَى غَيْرِهِ، ومَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَفَاتِيحُ شَيْءٍ سَهُلَ عَلْيهِ الوُصُولُ إليه.
والفَتَّاحُ فِي اللُّغَةِ أَيضًا هو الحاكِمُ، يُقَالُ للقَاضِي الذِي يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ: فَتَّاحٌ؛ لأَنَّهُ يَفْتَحُ مَوَاضِعَ الحَقِّ[2].
والفتَّاحُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ والرِّزْقِ لِعِبَادِهِ أَجْمَعِينَ، أَوْ يَفْتَحُ أَبْوَابَ البَلَاءِ لامْتِحَانِ المؤمِنِينَ الصَّادِقينَ...
فَمِنْ الأَوَّلِ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وَقَوْلِهِ: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]، قِيلَ: مَعْنَاهُ مَا يَأْتِيهم بِهِ اللهُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِزْقٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَمَا يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُرْسِلَهُ.
وَمِنَ الفَتْحِ بِمَعْنَى فَتْحِ البلاءِ والامْتِحَانِ مَا وَرَدَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44][3].
والفَتَّاحُ هُوَ الذِي يَحْكُمُ بَيْنَ العِبَادِ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، ومِنْهُ قُوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89].
وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَفْتَحُ خَزَائِنَ جُودِهِ وَكَرَمِهِ لِعِبَادِهِ الطَّائِعِينَ، وَيَفْتَحُ أَبْوَابَ البَلَاءِ والهَلَاكِ عَلَى الكَافِرِينَ الُمعَانِدِينَ.
وهو الذِي يَفْتَحُ عَلَى خَلْقِهِ مَا انْغَلَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِهِمْ فَيُيَسِّرُهَا لهم فَضْلًا مِنْهُ وَكَرَمًا؛ لأَنَّ خَزَائِنَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ بِيَدِهِ، يَفْتَحُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ، وعَلَى مَا قَضَاهُ في خَلْقِهِ بِمَشِيئَتِهِ[4].
وُرُودُه في القُرْآنِ العَظِيمِ[5]:
وَرَدَ الاسْمُ مُفْرَدًا مَرَّةً وَاحِدَةً في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26].
وَوَرَدَ بِصِيغَةِ الجَمْعِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْضًا فِي قَوْلِهِ عز وجل: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89].
مَعْنَى الاسْمِ في حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ قَتَادَةُ رحمه الله: «﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ﴾: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ»[6].
وَقَالَ ابنُ جَرِيرٍ رحمه الله في تَفْسِيرِ الآيةِ السَّابِقَةِ: «احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهم بِحُكْمِكَ الحَقِّ، الذِي لا جَوْرَ فيهِ، ولا حَيْفَ، ولا ظُلْمَ، وَلَكِنَّهُ عَدْلٌ وَحَقٌّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ يَعْنِي: خَيْرُ الحَاكِمِينَ».
وَقَالَ رحمه الله في مَوْضِعٍ آخَرَ: «﴿ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26]: القَاضِي العَلِيمُ بالقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ لأنَّهُ لا تَخْفَى عَنْهُ خَافِيةٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شُهُودٍ تُعَرِّفُهُ الُمحِقِّ مِنَ الُمبْطِلِ»[7].
وَقَالَ الزَجَّاجُ: «واللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَتَحَ بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ، فَأَوْضَحَ الَحقَّ وَبَيَّنَهُ، وَأَدْحَضَ البَاطِلَ وَأَبْطَلَهُ، فَهُوَ الفَتَّاحُ»[8].
وَقَالَ الخَطَّابِي رحمه الله: «(الفَتَّاحُ): هو الحَاكِمُ بَيْنَ عِبَادِهِ».
وَقَالَ: «وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى (الفَتَّاحِ) أَيْضًا: الذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ والرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ، وَيَفْتَحُ الُمنْغَلِقَ عليهم مِنْ أُمُورِهم وأَسْبَابِهم، وَيَفْتَحُ قُلُوبَهم وعُيونَ بَصَائِرِهم؛ لِيُبْصِرُوا الحَقَّ.
وَيَكُونُ الفَاتِحُ أَيْضًا بِمَعْنَى النَّاصِرِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾ [الأنفال: 19]»[9].
وبِنَحْوِهِ قَالَ السَّعْدِيُّ[10].
وَهُوَ مَا نَظَمَهُ ابنُ القَيِّم فِي (النُّونِيَّةِ):
وكَذَلِكَ الفَتَّاحُ مِنْ أَسْمَائِهِ
والفَتْحُ في أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ
فَتْحٌ بِحُكْمٍ وَهُوَ شَرْعُ إِلَهِنَا
والفَتْحُ بالأقْدارِ فَتْحٌ ثَانِ
والرَّبُّ فَتَّاحٌ بِذَينِ كِلَيْهِمَا
عَدْلًا وإحْسانًا مِنَ الرَّحْمَنِ[11]
وعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى الاسْمِ:
1- (الفَتَّاحُ): الحَاكِمَ الذِي يَقْضِي بَيْنَ عِبَادِهِ بِالحَقِّ والعَدْلِ بِأَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ والقَدَرِيَّةِ.
2- أَنَّهُ يَفْتَحُ لَهم أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ والرِّزْقِ وَمَا انْغَلَقَ عليهم مِنَ الأُمُورِ.
3- أَنَّهُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ لِعِبَادِهِ الُمؤْمِنِينَ، وللمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ، وَهَذَا يَعُودُ إلى الأَوَّلِ.