حكآية روح
04-05-2018, 01:27 AM
مواضع مهمه في حياة اﻹنسان ستعينة على التوبة
أذكار النوم:
يأتي موعد النوم بعد يوم كامل من المشقة والعمل، يتخللها بعض الذنوب التي تصيب جوارحنا، فنحتاج إلى التطهُّر منها بالوضوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طَهِّروا هذه الأجساد طهَّرَكم الله؛ فإنه ليس عبدٌ يَبيت طاهرًا إلا بات معه ملَكٌ في شِعاره لا ينقلب ساعةً من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك؛ فإنه بات طاهرًا))[50].
ثم تستعد للنوم فتنفض فراشك قبل أن تضطَجِع على شِقِّك الأيمن داعيًا الله عز وجل ومناجيًا إياه؛ ليغفر لك ذنبك ويحفظك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليأخُذ داخِلةَ إزاره، فليَنفُض بها فِراشه، وليُسمِّ الله؛ فإنه لا يَعلم ما خلَفَه بعده على فراشه، فإذا أراد أن يضطجع، فليضطجع على شقِّه الأيمن، وليَقُل: سبحانك اللهمَّ ربي، بك وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتَها فاحفَظْها بما تحفظُ به عبادك الصالحين))[51].
الاستغفار والدعاء:
ورغم وجود وسائلَ كثيرة في حياتنا اليومية للتوبة وتكفير الذنوب، ورغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أنقى القلوب وأطهر البشر - فإنَّه كان مهتمًّا جدًّا بترديد الاستغفار والدعاء والتوبة لله عز وجل؛ لجبر أيِّ تقصير صدر منه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليُغانُ على قلبي، وإني لأَستغفِر الله في اليوم مائةَ مرة))[52].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليِّ بن أبي طالب: ((ألاَ أُعلِّمك كلمات إذا قُلتَهن غفر الله لك وإن كنتَ مغفورًا لك؟ قل: لا إله إلا الله العليُّ العظيم، لا إله إلا الله الحكيم الكريم، لا إله إلا الله، سبحان الله ربِّ السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين))[53].
ورُوي أنَّ أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللهم إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يَغفر الذُّنوب إلاَّ أنت، فاغفر لي مِن عندك مغفرةً؛ إنَّك أنت الغفور الرَّحيم))[54].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيد الاستغفار أن تَقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرِّ ما صنَعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يَغفر الذنوبَ إلا أنت؛ مَن قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يُمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يُصبح فهو من أهل الجنة))[55].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأثير الرَّان على القلوب: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكِتَت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيدَ فيها حتى تَعلُوَ على قلبه، وهو الرَّان الذي ذكَر الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))[56].
وقال صلى الله عليه وسلم في عجَبِ الله من المستغفرين ويَقينهم بالله: ((إنَّ ربَّك ليَعجب من عبده إذا قال: ربِّ اغفر لي ذنوبي، وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري))[57].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: مَن علم أنِّي ذو قُدرة على مغفرة الذنوب غفرتُ له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئًا))[58].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: يا بن آدم، إنَّك ما دعَوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلَغَت ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتَني غفرتُ لك ولا أبالي، يا بن آدم، لو أنك أتيتَني بقُراب الأرض خطايا ثم لَقيتَني لا تُشرك بي شيئًا لأتيتُك بقُرابها مغفرة))[59].
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن صاحب الشِّمال وتأخُّره في تسجيل الذنوب: ((إن صاحب الشمال ليَرفع القَلم ستَّ ساعات عن العبد المسلم المخطِئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كُتِبَت واحدة))[60].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله كلَّ يوم أكثر من سبعين مرة: ((استغفروا ربَّكم؛ إني استغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة))[61].
ومن الأذكار التي تَمحو جميع الخطايا ولو كانت مثلَ زبَد البحر: قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))[62].
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما على الأرض أحدٌ يقول: لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله: إلا كُفِّرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر))[63].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوبة من الرياء: ((يا أيها الناس، اتَّقوا هذا الشِّرك؛ فإنه أخفى مِن دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتَّقِيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نُشرِك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نَعلمه))[64].
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اغفر لي خَطيئتي وجَهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جَدِّي وهَزْلي، وخَطئي وعَمْدي، وكل ذلك عِندي، اللهم اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني؛ أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، وأنت على كل شيء قدير)) [65].
((اللهم اغفر لي ذنبي ووَسِّع لي في داري وبارك لي في رزقي))[66].
((اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها، اللهم أنعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق؛ فإنه لا يَهدي لصالحها ولا يَصرف سيِّئَها إلا أنت))[67].
المدح:
ولأن المَدح يولِّد العُجْب والكِبْر في الممدوح فقد كان الرَّجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذا زُكِّي قال: (( اللهم لا تُؤاخذني بما يَقولون، واغفر لي ما لا يعلمون)) [68].
الصلاة على رسول الله:
ومما يَزيدنا قربةً لله عز وجل أن نتذكر رسولَه صلى الله عليه وسلم ونُصلِّي عليه في كل وقت وحين؛ فعن أُبيِّ بن كعب أنه قال: يا رسولَ الله، إنِّي أُكثِرُ الصَّلاةَ عليك فكَم أجعلُ لك مِن صلاتي؟ فقال: ((ما شِئتَ))، قال: قلتُ: الرُّبُعَ، قال: ((ما شئتَ، فإن زِدتَ فهو خيرٌ لك))، قُلتُ: النِّصفَ، قالَ: ((ما شِئتَ؛ فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ))، قالَ: قلتُ: فالثُّلُثَيْنِ، قالَ: ((ما شِئتَ؛ فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ))، قلتُ: أجعلُ لَكَ صلاتي كلَّها، قالَ: ((إذًا تُكْفَى هَمَّك، ويُغفرَ لَكَ ذنبُك))[69].
الصدقة:
للصدقة عظيمُ الأثر في حياة المسلمين؛ سواء كانت صدقة تجد أثرَها في حياتك فتُطفِئ الخطيئة؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تصدَّقوا ولو بتمرة؛ فإنها تَسدُّ من الجائع، وتطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماءُ النارَ))[70].
أو صدقةً يستمرُّ أجرُها بعد مماتك، ومنها ولدٌ يَستغفر لك بعد مماتك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سَبعٌ يَجري للعبد أجرُهن وهو في قبره بعد موته: مَن علم علمًا أو أجرى نهرًا أو حفر بئرًا أو غرس نخلاً أو بنى مسجدًا أو ورَّث مصحفًا أو ترَك ولدًا يستغفر له بعد موته))[71].
طلب العلم وتعليمه:
ولطلب العلم فضلٌ عظيم؛ يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
كيف لا والعلم هو ميراث الأنبياء وطريقٌ تسلكه إلى الجنة، فيُكرِمك الله بأن يَستغفر لك مَن في السَّموات ومَن في الأرض، وحتى الحيتان في جوف الماء؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سَلك الله به طريقًا من طُرق الجنة، وإن الملائكة لتَضع أجنحتَها لطالب العلم؛ رِضًا بما يصنع، وإن العالم ليَستغفر له مَن في السموات ومن في الأرض والحيتانُ في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا؛ إنما ورثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظ وافر))[72].
ولم يَقتصر هذا الفضل على طالب العلم، بل امتدَّ لمن طلب العلم وعلَّمَه لغيره، فيستمر استغفارُ كل شيء لك حتى الحيتان في البحار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معلِّم الخيرِ يستغفر له كلُّ شيء، حتى الحيتان في البحر))[73].
الشيب:
كثيرٌ منا يَحزن إذا ظهَر الشيب في رأسِه، لكن كيف يكون شعورهم لو عَلموا أن هذا الشيب سيَكون لهم نورًا يوم القيامة؟ يَقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شاب شيبةً في الإسلام، كانت له نورًا يوم القيامة))[74].
وكما أنَّ للشيب فضلاً يوم القيامة فله فضلٌ أيضًا في الدنيا؛ حيث يَكتب الله لك بكلِّ شيبة حسنة ويحطُّ عنك بها خطئية؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كَتب الله له بها حسنة وحطَّ عنه بها خطيئة))[75].
حسن تربية الأبناء:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها))[76].
ومِن رعيَّة المرأة أبناؤها وحسنُ تربيتهم، فمَن أحسن تربيةَ أبنائه كانوا له صدَقة جارية بعد مماته، ورُفعَت درجته بالجنة باستغفار أبنائه له؛ فعَن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((تُرفَع للميت بعد موته درجتُه، فيقول: أيْ ربِّ، أيُّ شيء هذه؟ فيُقال: ولَدُك استغفَر لك))[77].
إماطة الأذى عن الطريق:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه))[78].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((بينما رجلٌ يَمشي بطريق وجَد غُصنَ شوكٍ على الطريق فأخَّره، فشَكَر الله له فغَفَر له))[79].
الإحسان إلى الحيوان:
أمرنا الله عز وجل بالعدل والإحسان في كل شيء، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء))[80].
والعدل والإحسان يشمَلان الإنسانَ والحيوان، وكان مِن رحمته سبحانه وتعالى أن جَعل الإحسانَ للحيوان سببًا لمغفرة الذنوب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا رجلٌ يَمشي فاشتدَّ عليه العطش، فنَزل بئرًا فشرب منها ثمَّ خرج، فإذا هو بكلبٍ يلهَث؛ يأكل الثَّرى مِن العطش، فقال: لقد بلَغ هذا مثلُ الذي بلَغَ بي، فملأ خُفَّه ثم أمسَكه بفِيه، ثم رَقِي فسَقى الكلبَ، فشكَر الله له، فغفَر له))، قالوا: يا رسول الله، وإنَّ لنا في البهائم أجرًا؟ قال: ((في كلِّ كَبدٍ رطبةٍ أجرٌ))[81].
الخاتمة:
وما سبق هو قطرةٌ مِن غيثٍ في بحر الآيات والأحاديث التي تُعلِّمنا وسائل التوبة والاستغفار في حياتنا؛ مما يَجعلنا نتأمَّل: كيف لنا أن نَخرج من يومنا كلَّ ليلة مُحمَّلين بالذنوب وقد وهَبَنا الله عز وجل الكثيرَ من الوسائل المكفِّرة للخطايا، والرافعة للدرجات؟
فالصلاة وحدَها يَغفر الله لنا فيها ذُنوبَنا عدة مرات لو احتسَبْنا أجرَها الذي أخبرَنا به نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم، بدءًا من الدعاء بعد الأذان، ثم الوضوء، ثم الذَّهاب إلى الصلاة، ثم دعاء الاستفتاح، ثم الركوع والسجود، ثم أذكار بعد الصلاة، في كلِّ خَطوة من هذه تُغفَر جميع ذنوبنا.
وصلاتنا هذه نؤدِّيها خمس مرات في اليوم، فكيف لو احتسَبْنا الأجور المذكورةَ في الأعمال الأخرى التي نَقوم بها كلَّ يوم؛ لنخرج كلَّ ليلة وقد غُفرَت جميعُ ذنوبنا ولو كانت مثل زبَدِ البحر؟!
همسة أخيرة:
"إذا انطفَأت كلُّ الأنوار، فاعلم أنَّ هناك مصباحًا لا يَنطفئ حتى تَموت؛ هو مصباح التوبة"[82].
فالله أفرحُ بتوبة عبده من أيِّ مخلوق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((قال اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حيث ذكَرَني - واللهِ لَلَّهُ أفرحُ بتوبةِ عبدِه مِن أحدِكم يَجِدُ ضالَّتَه بالفلاةِ - ومَن تقرَّب إليَّ شِبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، ومن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلتُ إليه أهرولُ))[83].
وآخِر دَعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
منقول
أذكار النوم:
يأتي موعد النوم بعد يوم كامل من المشقة والعمل، يتخللها بعض الذنوب التي تصيب جوارحنا، فنحتاج إلى التطهُّر منها بالوضوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طَهِّروا هذه الأجساد طهَّرَكم الله؛ فإنه ليس عبدٌ يَبيت طاهرًا إلا بات معه ملَكٌ في شِعاره لا ينقلب ساعةً من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك؛ فإنه بات طاهرًا))[50].
ثم تستعد للنوم فتنفض فراشك قبل أن تضطَجِع على شِقِّك الأيمن داعيًا الله عز وجل ومناجيًا إياه؛ ليغفر لك ذنبك ويحفظك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليأخُذ داخِلةَ إزاره، فليَنفُض بها فِراشه، وليُسمِّ الله؛ فإنه لا يَعلم ما خلَفَه بعده على فراشه، فإذا أراد أن يضطجع، فليضطجع على شقِّه الأيمن، وليَقُل: سبحانك اللهمَّ ربي، بك وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتَها فاحفَظْها بما تحفظُ به عبادك الصالحين))[51].
الاستغفار والدعاء:
ورغم وجود وسائلَ كثيرة في حياتنا اليومية للتوبة وتكفير الذنوب، ورغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أنقى القلوب وأطهر البشر - فإنَّه كان مهتمًّا جدًّا بترديد الاستغفار والدعاء والتوبة لله عز وجل؛ لجبر أيِّ تقصير صدر منه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليُغانُ على قلبي، وإني لأَستغفِر الله في اليوم مائةَ مرة))[52].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليِّ بن أبي طالب: ((ألاَ أُعلِّمك كلمات إذا قُلتَهن غفر الله لك وإن كنتَ مغفورًا لك؟ قل: لا إله إلا الله العليُّ العظيم، لا إله إلا الله الحكيم الكريم، لا إله إلا الله، سبحان الله ربِّ السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين))[53].
ورُوي أنَّ أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللهم إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يَغفر الذُّنوب إلاَّ أنت، فاغفر لي مِن عندك مغفرةً؛ إنَّك أنت الغفور الرَّحيم))[54].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيد الاستغفار أن تَقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرِّ ما صنَعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يَغفر الذنوبَ إلا أنت؛ مَن قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يُمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يُصبح فهو من أهل الجنة))[55].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأثير الرَّان على القلوب: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكِتَت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيدَ فيها حتى تَعلُوَ على قلبه، وهو الرَّان الذي ذكَر الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))[56].
وقال صلى الله عليه وسلم في عجَبِ الله من المستغفرين ويَقينهم بالله: ((إنَّ ربَّك ليَعجب من عبده إذا قال: ربِّ اغفر لي ذنوبي، وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري))[57].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: مَن علم أنِّي ذو قُدرة على مغفرة الذنوب غفرتُ له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئًا))[58].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: يا بن آدم، إنَّك ما دعَوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلَغَت ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتَني غفرتُ لك ولا أبالي، يا بن آدم، لو أنك أتيتَني بقُراب الأرض خطايا ثم لَقيتَني لا تُشرك بي شيئًا لأتيتُك بقُرابها مغفرة))[59].
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن صاحب الشِّمال وتأخُّره في تسجيل الذنوب: ((إن صاحب الشمال ليَرفع القَلم ستَّ ساعات عن العبد المسلم المخطِئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كُتِبَت واحدة))[60].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله كلَّ يوم أكثر من سبعين مرة: ((استغفروا ربَّكم؛ إني استغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة))[61].
ومن الأذكار التي تَمحو جميع الخطايا ولو كانت مثلَ زبَد البحر: قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))[62].
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما على الأرض أحدٌ يقول: لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله: إلا كُفِّرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر))[63].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوبة من الرياء: ((يا أيها الناس، اتَّقوا هذا الشِّرك؛ فإنه أخفى مِن دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتَّقِيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نُشرِك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نَعلمه))[64].
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اغفر لي خَطيئتي وجَهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جَدِّي وهَزْلي، وخَطئي وعَمْدي، وكل ذلك عِندي، اللهم اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني؛ أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، وأنت على كل شيء قدير)) [65].
((اللهم اغفر لي ذنبي ووَسِّع لي في داري وبارك لي في رزقي))[66].
((اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها، اللهم أنعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق؛ فإنه لا يَهدي لصالحها ولا يَصرف سيِّئَها إلا أنت))[67].
المدح:
ولأن المَدح يولِّد العُجْب والكِبْر في الممدوح فقد كان الرَّجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذا زُكِّي قال: (( اللهم لا تُؤاخذني بما يَقولون، واغفر لي ما لا يعلمون)) [68].
الصلاة على رسول الله:
ومما يَزيدنا قربةً لله عز وجل أن نتذكر رسولَه صلى الله عليه وسلم ونُصلِّي عليه في كل وقت وحين؛ فعن أُبيِّ بن كعب أنه قال: يا رسولَ الله، إنِّي أُكثِرُ الصَّلاةَ عليك فكَم أجعلُ لك مِن صلاتي؟ فقال: ((ما شِئتَ))، قال: قلتُ: الرُّبُعَ، قال: ((ما شئتَ، فإن زِدتَ فهو خيرٌ لك))، قُلتُ: النِّصفَ، قالَ: ((ما شِئتَ؛ فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ))، قالَ: قلتُ: فالثُّلُثَيْنِ، قالَ: ((ما شِئتَ؛ فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ))، قلتُ: أجعلُ لَكَ صلاتي كلَّها، قالَ: ((إذًا تُكْفَى هَمَّك، ويُغفرَ لَكَ ذنبُك))[69].
الصدقة:
للصدقة عظيمُ الأثر في حياة المسلمين؛ سواء كانت صدقة تجد أثرَها في حياتك فتُطفِئ الخطيئة؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تصدَّقوا ولو بتمرة؛ فإنها تَسدُّ من الجائع، وتطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماءُ النارَ))[70].
أو صدقةً يستمرُّ أجرُها بعد مماتك، ومنها ولدٌ يَستغفر لك بعد مماتك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سَبعٌ يَجري للعبد أجرُهن وهو في قبره بعد موته: مَن علم علمًا أو أجرى نهرًا أو حفر بئرًا أو غرس نخلاً أو بنى مسجدًا أو ورَّث مصحفًا أو ترَك ولدًا يستغفر له بعد موته))[71].
طلب العلم وتعليمه:
ولطلب العلم فضلٌ عظيم؛ يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
كيف لا والعلم هو ميراث الأنبياء وطريقٌ تسلكه إلى الجنة، فيُكرِمك الله بأن يَستغفر لك مَن في السَّموات ومَن في الأرض، وحتى الحيتان في جوف الماء؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سَلك الله به طريقًا من طُرق الجنة، وإن الملائكة لتَضع أجنحتَها لطالب العلم؛ رِضًا بما يصنع، وإن العالم ليَستغفر له مَن في السموات ومن في الأرض والحيتانُ في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا؛ إنما ورثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظ وافر))[72].
ولم يَقتصر هذا الفضل على طالب العلم، بل امتدَّ لمن طلب العلم وعلَّمَه لغيره، فيستمر استغفارُ كل شيء لك حتى الحيتان في البحار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معلِّم الخيرِ يستغفر له كلُّ شيء، حتى الحيتان في البحر))[73].
الشيب:
كثيرٌ منا يَحزن إذا ظهَر الشيب في رأسِه، لكن كيف يكون شعورهم لو عَلموا أن هذا الشيب سيَكون لهم نورًا يوم القيامة؟ يَقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شاب شيبةً في الإسلام، كانت له نورًا يوم القيامة))[74].
وكما أنَّ للشيب فضلاً يوم القيامة فله فضلٌ أيضًا في الدنيا؛ حيث يَكتب الله لك بكلِّ شيبة حسنة ويحطُّ عنك بها خطئية؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كَتب الله له بها حسنة وحطَّ عنه بها خطيئة))[75].
حسن تربية الأبناء:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها))[76].
ومِن رعيَّة المرأة أبناؤها وحسنُ تربيتهم، فمَن أحسن تربيةَ أبنائه كانوا له صدَقة جارية بعد مماته، ورُفعَت درجته بالجنة باستغفار أبنائه له؛ فعَن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((تُرفَع للميت بعد موته درجتُه، فيقول: أيْ ربِّ، أيُّ شيء هذه؟ فيُقال: ولَدُك استغفَر لك))[77].
إماطة الأذى عن الطريق:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه))[78].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((بينما رجلٌ يَمشي بطريق وجَد غُصنَ شوكٍ على الطريق فأخَّره، فشَكَر الله له فغَفَر له))[79].
الإحسان إلى الحيوان:
أمرنا الله عز وجل بالعدل والإحسان في كل شيء، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء))[80].
والعدل والإحسان يشمَلان الإنسانَ والحيوان، وكان مِن رحمته سبحانه وتعالى أن جَعل الإحسانَ للحيوان سببًا لمغفرة الذنوب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا رجلٌ يَمشي فاشتدَّ عليه العطش، فنَزل بئرًا فشرب منها ثمَّ خرج، فإذا هو بكلبٍ يلهَث؛ يأكل الثَّرى مِن العطش، فقال: لقد بلَغ هذا مثلُ الذي بلَغَ بي، فملأ خُفَّه ثم أمسَكه بفِيه، ثم رَقِي فسَقى الكلبَ، فشكَر الله له، فغفَر له))، قالوا: يا رسول الله، وإنَّ لنا في البهائم أجرًا؟ قال: ((في كلِّ كَبدٍ رطبةٍ أجرٌ))[81].
الخاتمة:
وما سبق هو قطرةٌ مِن غيثٍ في بحر الآيات والأحاديث التي تُعلِّمنا وسائل التوبة والاستغفار في حياتنا؛ مما يَجعلنا نتأمَّل: كيف لنا أن نَخرج من يومنا كلَّ ليلة مُحمَّلين بالذنوب وقد وهَبَنا الله عز وجل الكثيرَ من الوسائل المكفِّرة للخطايا، والرافعة للدرجات؟
فالصلاة وحدَها يَغفر الله لنا فيها ذُنوبَنا عدة مرات لو احتسَبْنا أجرَها الذي أخبرَنا به نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم، بدءًا من الدعاء بعد الأذان، ثم الوضوء، ثم الذَّهاب إلى الصلاة، ثم دعاء الاستفتاح، ثم الركوع والسجود، ثم أذكار بعد الصلاة، في كلِّ خَطوة من هذه تُغفَر جميع ذنوبنا.
وصلاتنا هذه نؤدِّيها خمس مرات في اليوم، فكيف لو احتسَبْنا الأجور المذكورةَ في الأعمال الأخرى التي نَقوم بها كلَّ يوم؛ لنخرج كلَّ ليلة وقد غُفرَت جميعُ ذنوبنا ولو كانت مثل زبَدِ البحر؟!
همسة أخيرة:
"إذا انطفَأت كلُّ الأنوار، فاعلم أنَّ هناك مصباحًا لا يَنطفئ حتى تَموت؛ هو مصباح التوبة"[82].
فالله أفرحُ بتوبة عبده من أيِّ مخلوق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((قال اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حيث ذكَرَني - واللهِ لَلَّهُ أفرحُ بتوبةِ عبدِه مِن أحدِكم يَجِدُ ضالَّتَه بالفلاةِ - ومَن تقرَّب إليَّ شِبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، ومن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلتُ إليه أهرولُ))[83].
وآخِر دَعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
منقول