ترانيم الروح
28-03-2025, 11:43 AM
مصطفى صادق الرافعي الأديبُ الذي ألقى نفسَهُ إلى الهلاكِ وهو راضٍ عن ذلك
*
*
*
*
*
بدايةً، لا يخفى على كثيرٍ من مؤرخي السِّيرِ الأدبيّةِ من هو الرَّافعي الذي ألقى بنفسِهِ إلى الهلاكِ، وهو راضٍ عن ذلك، وقد أوقعتهُ طبيعتُهُ النَّفسيّة ومزاجهُ المتقلِّب في متاعبَ ومشاكلَ كثيرةٍ، وقضتْ كتاباتُه على حياته، فاقدًا حظوةً كبيرةً من النّاسِ والعلماءِ في حياتهِ وبعد مماته.
على أنّ هذا، لا يعني أنّ الرّافعي لم يعجب بأحدٍ، لكن الذين خاصمهم وهاجمهم كانوا أكثرَ بكثيرٍ ممن صادقهم.
يُعَدُّ مصطفى صادق الرَّافعي أديبًا وناقدًا مِصريًا، وعَلمًا من أعلامِ الحركةِ الأدبيّةِ العربيّةِ في القرنِ العشرين، وقد كتبَ العديدَ من المؤلَّفاتِ الإبداعيّةِ كحديثِ القمر، ورسائل الأحزان، والسَّحاب الأحمر، وأوراق الورد، ووحي القلم، وغيرها.
كما يُعدُّ الرّافعي أيضًا ظاهرةً إبداعيّةً فريدةً من نوعِها، تجلَّت في إضافاتهِ الأدبيّة والنَّقديّة في الأسلوبِ القاسي والجارح والمؤلم، خارجًا عن وقاره في كثيرٍ من الأحيان، ومُجاهرًا على غيرِ عادةِ النُّقاد، مُقدٍّمًا نقدًا جريئًا وصريحًا، انطلاقًا من مفهومهِ الخاصّ لدورِ النّقد الأدبيّ ووظيفته وغاياته في بيان قيمته الموضوعية والتّعبيريّة، وتعيين مكانه في خطِّ سيرِ الأدبِ، مُعتقدًا في الوقتِ ذاته بأنّهُ سيقضي على النِّفاقِ الصّحفي المتفشّي في زمانه وأيامه.
ولد الرّافعي بمصر سنة 1880م، وتوفّي سنة 1937م، وحفظَ القرآنَ وهو في العاشرة من عمره، وقرأ الكثيرَ من الكتبِ، وقد افترسهُ المرضُ مبكرًا، وأصاب الوقرُ أذنيه في شبابهِ.
وقد نالَ الرّافعي شهرةً ثقافيّةً واسعةً في مجالِ المقالاتِ والمناظراتِ الأدبيّةِ والنّقديّة، ويحسن بنا هنا أن نضيفَ إلى أنّ طريقةَ الرّافعي في تأليفِ كتبه أقرب ما تكون إلى التّلفيق؛ جاعلاً في كلِّ كتابٍ يؤلّفه في مقالات، ضامًّا بعضها إلى بعضٍ لتخرج في النّهاية على هيئةِ كتاب.
عُرف الرّافعي بأسلوبه الجريء، والحاد، والعنيف، حيثُ كان في نظرِ نفسِه إنسانًا مختلفًا، ومتفوّقًا على الآخرين، حاملاً في نفسِه ناقدًا كبيرًا، مُسيطرًا عليه داء الغرور، والتَّعالي، والكِبر، والعظمة، ورأى أنّ كثيرًا ممن يحاولون أن يجاروه سفيهًا، وجاهلاً، ومغفّلاً.
وبوسعنا أيضًا القول: بأنّ الرّافعي لم يكن محبوبًا ولا اجتماعيًّا على المستوى المطلوب، حيث كان الاعتدادُ بالنّفسِ هو الصّفةُ الغالبة عليه.
شبَّ الرّافعي على ذاتيّةٍ شديدة، وعصبيّة، وعنادٍ، وحدّة مزاج، وتصلّب في الرّأي، لا يطيق نزاعًا، ولا نقدًا، يقول ما يعتقد أنّه صحيحٌ دون خجلٍ واعتبار لمن يغضب أو يرضى، يرفض أن يقبلَ بما يقبل به الآخرون، وأخذ على نفسِه أن يتصدّى لكلّ ما يراه خصمًا ومنافسًا وخارجًا على قناعاته، حتّى ولو جاء من أقرب المقرّبين، مستخدمًا أشدّ الأساليب إيلامًا.
ولا شكّ أنّ أسلوبَ الرّافعي الحاد الصّريح والجارح قد خلق له كثيرًا من المشاكل، وخسرَ الكثيرين.
تظهر ذاتيته، وميله إلى الانتقام، متصيّدًا أخطاءَ الآخرين في كثيرٍ من مؤلّفاته النّقديّة، وتحديدًا كتاب على السّفود، فقد أرادَ مهاجمةَ خصومه وضربهم ضربات قاتلة، ويشويهم على سفافيد غليظة وحارّة.
عمومًا، لو أردنا أن نجملَ لقلنا: بأنّ الرّافعي في كثير من نقداته الأدبيّة لم يكن ناقدًا موضوعيًا في الأدبِ، ولا يظهر اعتداله وإنصافه في غالبِ مؤلّفاته النّقديّة.
ولعلّ معاركه الأدبيّة ومواجهة خصومه، لا سيّما في الجامعةِ المصريّة آنذاك كطه حسين، والعقاد، وزكي مبارك، وسلامة موسى، وغيرهم لها ما يسوّغها، إلّا أنّ ما يؤخذ عليه أسلوبه النّقدي الحادّ والجارح، الذي أثّر كثيرًا في موقفه وأضعف حجّته.
وبالنّتيجةِ، وعلى الرّغمِ من كلِّ ما سبق ذكرهُ، يُحار القارئُ في فهمِ شخصيّةِ الرّافعي، فلدى قراءتك نقده الحاد والقاسي على الأدباءِ والنّقاد، تتفاجأ به في كتاباته الأدبيّة شعريّة كانت أو نثريّة، بأنّها تتسمُ بالعذوبة، ومفعمة بالرّقة، وتشفُّ عن نفسٍ إنسانيّةٍ رحيمة.
وإجمالاً، كان الرّافعي مثاليًّا أفلاطونيًّا، ورومانسيًّا حالمًا، مستسلمًا لعواطفه ومشاعره
*
*
*
*
*
بدايةً، لا يخفى على كثيرٍ من مؤرخي السِّيرِ الأدبيّةِ من هو الرَّافعي الذي ألقى بنفسِهِ إلى الهلاكِ، وهو راضٍ عن ذلك، وقد أوقعتهُ طبيعتُهُ النَّفسيّة ومزاجهُ المتقلِّب في متاعبَ ومشاكلَ كثيرةٍ، وقضتْ كتاباتُه على حياته، فاقدًا حظوةً كبيرةً من النّاسِ والعلماءِ في حياتهِ وبعد مماته.
على أنّ هذا، لا يعني أنّ الرّافعي لم يعجب بأحدٍ، لكن الذين خاصمهم وهاجمهم كانوا أكثرَ بكثيرٍ ممن صادقهم.
يُعَدُّ مصطفى صادق الرَّافعي أديبًا وناقدًا مِصريًا، وعَلمًا من أعلامِ الحركةِ الأدبيّةِ العربيّةِ في القرنِ العشرين، وقد كتبَ العديدَ من المؤلَّفاتِ الإبداعيّةِ كحديثِ القمر، ورسائل الأحزان، والسَّحاب الأحمر، وأوراق الورد، ووحي القلم، وغيرها.
كما يُعدُّ الرّافعي أيضًا ظاهرةً إبداعيّةً فريدةً من نوعِها، تجلَّت في إضافاتهِ الأدبيّة والنَّقديّة في الأسلوبِ القاسي والجارح والمؤلم، خارجًا عن وقاره في كثيرٍ من الأحيان، ومُجاهرًا على غيرِ عادةِ النُّقاد، مُقدٍّمًا نقدًا جريئًا وصريحًا، انطلاقًا من مفهومهِ الخاصّ لدورِ النّقد الأدبيّ ووظيفته وغاياته في بيان قيمته الموضوعية والتّعبيريّة، وتعيين مكانه في خطِّ سيرِ الأدبِ، مُعتقدًا في الوقتِ ذاته بأنّهُ سيقضي على النِّفاقِ الصّحفي المتفشّي في زمانه وأيامه.
ولد الرّافعي بمصر سنة 1880م، وتوفّي سنة 1937م، وحفظَ القرآنَ وهو في العاشرة من عمره، وقرأ الكثيرَ من الكتبِ، وقد افترسهُ المرضُ مبكرًا، وأصاب الوقرُ أذنيه في شبابهِ.
وقد نالَ الرّافعي شهرةً ثقافيّةً واسعةً في مجالِ المقالاتِ والمناظراتِ الأدبيّةِ والنّقديّة، ويحسن بنا هنا أن نضيفَ إلى أنّ طريقةَ الرّافعي في تأليفِ كتبه أقرب ما تكون إلى التّلفيق؛ جاعلاً في كلِّ كتابٍ يؤلّفه في مقالات، ضامًّا بعضها إلى بعضٍ لتخرج في النّهاية على هيئةِ كتاب.
عُرف الرّافعي بأسلوبه الجريء، والحاد، والعنيف، حيثُ كان في نظرِ نفسِه إنسانًا مختلفًا، ومتفوّقًا على الآخرين، حاملاً في نفسِه ناقدًا كبيرًا، مُسيطرًا عليه داء الغرور، والتَّعالي، والكِبر، والعظمة، ورأى أنّ كثيرًا ممن يحاولون أن يجاروه سفيهًا، وجاهلاً، ومغفّلاً.
وبوسعنا أيضًا القول: بأنّ الرّافعي لم يكن محبوبًا ولا اجتماعيًّا على المستوى المطلوب، حيث كان الاعتدادُ بالنّفسِ هو الصّفةُ الغالبة عليه.
شبَّ الرّافعي على ذاتيّةٍ شديدة، وعصبيّة، وعنادٍ، وحدّة مزاج، وتصلّب في الرّأي، لا يطيق نزاعًا، ولا نقدًا، يقول ما يعتقد أنّه صحيحٌ دون خجلٍ واعتبار لمن يغضب أو يرضى، يرفض أن يقبلَ بما يقبل به الآخرون، وأخذ على نفسِه أن يتصدّى لكلّ ما يراه خصمًا ومنافسًا وخارجًا على قناعاته، حتّى ولو جاء من أقرب المقرّبين، مستخدمًا أشدّ الأساليب إيلامًا.
ولا شكّ أنّ أسلوبَ الرّافعي الحاد الصّريح والجارح قد خلق له كثيرًا من المشاكل، وخسرَ الكثيرين.
تظهر ذاتيته، وميله إلى الانتقام، متصيّدًا أخطاءَ الآخرين في كثيرٍ من مؤلّفاته النّقديّة، وتحديدًا كتاب على السّفود، فقد أرادَ مهاجمةَ خصومه وضربهم ضربات قاتلة، ويشويهم على سفافيد غليظة وحارّة.
عمومًا، لو أردنا أن نجملَ لقلنا: بأنّ الرّافعي في كثير من نقداته الأدبيّة لم يكن ناقدًا موضوعيًا في الأدبِ، ولا يظهر اعتداله وإنصافه في غالبِ مؤلّفاته النّقديّة.
ولعلّ معاركه الأدبيّة ومواجهة خصومه، لا سيّما في الجامعةِ المصريّة آنذاك كطه حسين، والعقاد، وزكي مبارك، وسلامة موسى، وغيرهم لها ما يسوّغها، إلّا أنّ ما يؤخذ عليه أسلوبه النّقدي الحادّ والجارح، الذي أثّر كثيرًا في موقفه وأضعف حجّته.
وبالنّتيجةِ، وعلى الرّغمِ من كلِّ ما سبق ذكرهُ، يُحار القارئُ في فهمِ شخصيّةِ الرّافعي، فلدى قراءتك نقده الحاد والقاسي على الأدباءِ والنّقاد، تتفاجأ به في كتاباته الأدبيّة شعريّة كانت أو نثريّة، بأنّها تتسمُ بالعذوبة، ومفعمة بالرّقة، وتشفُّ عن نفسٍ إنسانيّةٍ رحيمة.
وإجمالاً، كان الرّافعي مثاليًّا أفلاطونيًّا، ورومانسيًّا حالمًا، مستسلمًا لعواطفه ومشاعره