ابتسامة الزهر
21-04-2025, 11:15 PM
أدعوكم إخوتى وأخواتى إلى تدبر مسألة قرآنية عجيبة لم أجد أحداً قد تناولها بالبحث من قبل
تلك المسألة يمكن أن نسمّيها " ظاهرة الإحالة القرآنية إلى سورة الأنعام " ، حيث استرعى انتباهى منذ فترة طويلة أن بعض سور القرآن الكريم تُحيل إلى سورة الأنعام على وجه الخصوص ، بحيث تكون سورة الأنعام هى أحياناً المصدر الوحيد الذى يجب الرجوع إليه لفهم المقصود ، أو هى – أحياناً أخرى - المصدر الذى يتم الإقتباس منه ، مع بعض التصرف اليسير فى العبارة المقتبسة
ولكن قبل أن نعرض لهذا الأمر بالتفصيل ، يتوجب علينا أن نذكر بعض الخصائص الأخرى اللافتة للنظر كذلك ، والخاصة بتلك السورة الكريمة
فمن الأمور الجديرة بالتأمل ما ورد فى العديد من الروايات من أن سورة الأنعام على طولها الملحوظ قد نزلت جملة واحدة
وما جاء عنها كذلك من أن الملائكة قد احتفلت بنزولها ، حيث شيّعها عشرات الآلاف من الملائكة
ففى روايات عن ابن عباس ، وعن أسماء بنت يزيد ، وعن جابر ، وعن أنس بن مالك ، وعن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنهم جميعاً – أن هذه السورة مكية ، وأنها نزلت كلها جملة واحدة !!
وفى الرواية عن أسماء تحديد للرواية بحادث مصاحب لنزولها ، حيث قالت : " نزلت سورة الأنعام على النبى جملة وأنا آخذة بزمام ناقة النبى إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة "
أما الرواية عن ابن عباس كما رواها الطبرانى فتقول :
" نزلت الأنعام بمكة ليلاً ، جملة واحدة ، حولها سبعون ألف مَلَك يجأرون حولها بالتسبيح " !!
كما روى أبو بكر بن مردويه – بإسناده – عن أنس بن مالك قال :
" قال رسول الله : " نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سدّ ما بين الخافقين ، لهم زجل بالتسبيح ، والأرض بهم ترتج " ورسول الله يقول : " سبحان الله العظيم ، سبحان الله العظيم !! "
نخلص مما سبق إلى أن من الخصائص المميزة لسورة الأنعام :
1 - نزولها جملة واحدة ، وهو ما لا نعرف له نظيراً مع باقى السور الطوال
2 - تشييع جمع غفير من الملائكة لها وهم يسبحون لله العظيم ، مما يدل على أن لها مكانة مميزة وشأن فريد
ثم نأتى الآن على ذكر ما يمكن أن نعتبره الخصوصية الثالثة لسورة الأنعام ، أو ما أطلقتُ عليه ( ظاهرة الإحالة القرآنية إلى سورة الأنعام )
وإننى إذ أذكر ( ظاهرة الإحالة ) فى سياق الحديث عن الخصائص المميزة لسورة الأنعام فإن ما أرمى إليه هو أن نحاول سوياً من خلال المناقشة وتبادل وجهات النظر أن نجتهد فى معرفة السبب الذى من أجله تميزت تلك السورة الكريمة بتلك الخصائص جميعاً
ولنبدأ الآن بذكر بعض النماذج لما أسميته " ظاهرة الإحالة القرآنية إلى سورة الأنعام "
النموذج الأول
قال فى سورة النساء :
" بشّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة ، فإن العزة لله جميعا ، وقد نزّل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفَرُ بها ويُستَهزَأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره "
ويلفت نظرنا هنا قوله تعالى فى الآية 140 : " وقد نزّل عليكم فى الكتاب " ، بما يعنى أن هذا الأمر قد سبق ذكره فى القرآن
ولكن فى أى موضع من القرآن يمكن أن نجد ذلك المعنى المشار إليه ؟
إن الإستقراء يهدينا إلى أن تلك الآية من سورة النساء إنما تحيل إلى آية بعينها من سورة الأنعام ، إنها الآية 68 منها والتى تقول :
" وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره ، وإما يُنسينّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين "
وقد وجدت العلامة المفسر " سيد قطب " يذكر فى تفسيره لآية سورة النساء لفظ " الإحالة " حيث قال :
" والذى تحيل إليه الآية هنا مما سبق تنزيله فى الكتاب ، هو قوله تعالى فى سورة الأنعام – وهى مكية – " وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا . . . " الآية
وهكذا نجد أول نموذج لظاهرة الإحالة القرآنية إلى سورة الأنعام
ولكنه ليس الوحيد فى بابه ، وإنما يوجد أكثر من نموذج غيره ، وهذا هو ما دعانى إلى وصفها بـ " الظاهرة " ، وإليكم الآن نموذجا آخر
النموذج الثانى
قال فى الآية 118 من سورة النحل : " وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل "
وفى تفسير تلك الآية ذكر المفسرون أن الإشارة هنا بقوله " ما قصصنا عليك من قبل " إنما تتوجه إلى قوله تعالى فى سورة الأنعام :
" وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما ، أو الحوايا أو ما اختلط بعظم " الآية 146
ملتقى أهل التفسير
تلك المسألة يمكن أن نسمّيها " ظاهرة الإحالة القرآنية إلى سورة الأنعام " ، حيث استرعى انتباهى منذ فترة طويلة أن بعض سور القرآن الكريم تُحيل إلى سورة الأنعام على وجه الخصوص ، بحيث تكون سورة الأنعام هى أحياناً المصدر الوحيد الذى يجب الرجوع إليه لفهم المقصود ، أو هى – أحياناً أخرى - المصدر الذى يتم الإقتباس منه ، مع بعض التصرف اليسير فى العبارة المقتبسة
ولكن قبل أن نعرض لهذا الأمر بالتفصيل ، يتوجب علينا أن نذكر بعض الخصائص الأخرى اللافتة للنظر كذلك ، والخاصة بتلك السورة الكريمة
فمن الأمور الجديرة بالتأمل ما ورد فى العديد من الروايات من أن سورة الأنعام على طولها الملحوظ قد نزلت جملة واحدة
وما جاء عنها كذلك من أن الملائكة قد احتفلت بنزولها ، حيث شيّعها عشرات الآلاف من الملائكة
ففى روايات عن ابن عباس ، وعن أسماء بنت يزيد ، وعن جابر ، وعن أنس بن مالك ، وعن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنهم جميعاً – أن هذه السورة مكية ، وأنها نزلت كلها جملة واحدة !!
وفى الرواية عن أسماء تحديد للرواية بحادث مصاحب لنزولها ، حيث قالت : " نزلت سورة الأنعام على النبى جملة وأنا آخذة بزمام ناقة النبى إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة "
أما الرواية عن ابن عباس كما رواها الطبرانى فتقول :
" نزلت الأنعام بمكة ليلاً ، جملة واحدة ، حولها سبعون ألف مَلَك يجأرون حولها بالتسبيح " !!
كما روى أبو بكر بن مردويه – بإسناده – عن أنس بن مالك قال :
" قال رسول الله : " نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سدّ ما بين الخافقين ، لهم زجل بالتسبيح ، والأرض بهم ترتج " ورسول الله يقول : " سبحان الله العظيم ، سبحان الله العظيم !! "
نخلص مما سبق إلى أن من الخصائص المميزة لسورة الأنعام :
1 - نزولها جملة واحدة ، وهو ما لا نعرف له نظيراً مع باقى السور الطوال
2 - تشييع جمع غفير من الملائكة لها وهم يسبحون لله العظيم ، مما يدل على أن لها مكانة مميزة وشأن فريد
ثم نأتى الآن على ذكر ما يمكن أن نعتبره الخصوصية الثالثة لسورة الأنعام ، أو ما أطلقتُ عليه ( ظاهرة الإحالة القرآنية إلى سورة الأنعام )
وإننى إذ أذكر ( ظاهرة الإحالة ) فى سياق الحديث عن الخصائص المميزة لسورة الأنعام فإن ما أرمى إليه هو أن نحاول سوياً من خلال المناقشة وتبادل وجهات النظر أن نجتهد فى معرفة السبب الذى من أجله تميزت تلك السورة الكريمة بتلك الخصائص جميعاً
ولنبدأ الآن بذكر بعض النماذج لما أسميته " ظاهرة الإحالة القرآنية إلى سورة الأنعام "
النموذج الأول
قال فى سورة النساء :
" بشّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة ، فإن العزة لله جميعا ، وقد نزّل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفَرُ بها ويُستَهزَأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره "
ويلفت نظرنا هنا قوله تعالى فى الآية 140 : " وقد نزّل عليكم فى الكتاب " ، بما يعنى أن هذا الأمر قد سبق ذكره فى القرآن
ولكن فى أى موضع من القرآن يمكن أن نجد ذلك المعنى المشار إليه ؟
إن الإستقراء يهدينا إلى أن تلك الآية من سورة النساء إنما تحيل إلى آية بعينها من سورة الأنعام ، إنها الآية 68 منها والتى تقول :
" وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره ، وإما يُنسينّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين "
وقد وجدت العلامة المفسر " سيد قطب " يذكر فى تفسيره لآية سورة النساء لفظ " الإحالة " حيث قال :
" والذى تحيل إليه الآية هنا مما سبق تنزيله فى الكتاب ، هو قوله تعالى فى سورة الأنعام – وهى مكية – " وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا . . . " الآية
وهكذا نجد أول نموذج لظاهرة الإحالة القرآنية إلى سورة الأنعام
ولكنه ليس الوحيد فى بابه ، وإنما يوجد أكثر من نموذج غيره ، وهذا هو ما دعانى إلى وصفها بـ " الظاهرة " ، وإليكم الآن نموذجا آخر
النموذج الثانى
قال فى الآية 118 من سورة النحل : " وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل "
وفى تفسير تلك الآية ذكر المفسرون أن الإشارة هنا بقوله " ما قصصنا عليك من قبل " إنما تتوجه إلى قوله تعالى فى سورة الأنعام :
" وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما ، أو الحوايا أو ما اختلط بعظم " الآية 146
ملتقى أهل التفسير