ابتسامة الزهر
19-07-2025, 03:05 AM
اتقوا فتنة التبرج-2
د. لحرش عبد السلام
أول فتنة بني إسرائيل:
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))، وفي حديث بشار: ((لينظر كيف تعملون))[15].
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، فافتُتنوا في النساء، فضلُّوا وأضلُّوا، وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم ما وقع فيه الأمم قبلنا للعِبرة والعِظة، بما وقع لهم من العذاب والعقاب من الله عز وجل، وذكر صلى الله عليه وسلم فتنةَ النساء بعد فتنة الدنيا من باب ذكر الخاص بعد العام، لزيادة التحذير، إيذانًا بأن الفتنة بهن من أعظم الفتن الدنيوية[16].
أضرُّ فتنة على الرجال:
عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))[17].
في هذا الحديث الشريف تحذير نبوي للأمة من فتنة النساء؛ حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أشد الفتن ضررًا على الرجال تكمن في النساء؛ قال المناوي: "في الحديث: (بعدي) لأن كونهن فتنة صار بعده أظهرَ وأشهر وأضر"[18].
تتمثل فتنة المرأة حين تكون زوجة في مطالبتها للرجل أحيانًا بنفقات قد تتجاوز قدرته، مما يصرفه عن الاهتمام بأمور الدين، ويجعله يسعى وراء الدنيا بكل ما أُوتي من قوة، وقد يقع في الكسب الحرام، كما أن فتنتهن قد تكون بالإغراء، وإيقاع الرجل في الفاحشة، خاصة إذا خرجن متبرجاتٍ وسافرات، واختلطن بالرجال، مما قد يؤدي إلى الوقوع في الزنا أو ما يقترب منه من الذنوب.
على الأمة:
انتشار الفواحش، ومنها التبرج، من أسباب هلاك الأمم.
نساء كاسيات عاريات:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنفان من أهل النار لم أرَهما: قوم معهم سِياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مُميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدْنَ ريحها، وإن ريحها لَيوجد من مسيرة كذا وكذا))[19].
هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
"نوع من النساء خلعن عن أنفسهن ثوبَ العفة والحياء، وتجرَّدن مما أوجبته عليهن الشريعة من ثيابٍ ساترة، وخُلق وافر، مخالفين بذلك الله ورسوله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهن: ((نساء كاسيات))، في الحقيقة، ((عاريات)) في المعنى؛ لأنهن يلبسن ثيابًا رقاقًا تصف البشَرة، أو يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه؛ إظهارًا للجمال، وإن كن كاسيات للثياب، عاريات في الحقيقة، أو كاسيات بالحُلى والحَلي، عاريات من لباس التقوى[20].
والتبرج ليس مقتصرًا على النساء، بل حتى الرجال لهم نصيب منه، وهذا ما سنتحدث عنه في هذه الفقرة.
تبرج الرجال:
تبرج الرجال في الشريعة الإسلامية يعني إظهار عوراتهم، أو تزيين أنفسهم بطرقٍ تخالف ما شرعه الله، سواء كان ذلك بإظهار العورة أو بلُبس ما لا يليق بالرجال، أو التشبُّه بالنساء في اللباس أو الزينة، وقد نص جماهير العلماء من الحنفية والمالكية، والشافعية والحنابلة في المشهور عندهم، أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة؛ قال ابن قدامة رحمه الله يلخص لنا مذهب العلماء في هذا الأمر، فيقول: "فالكلام في حد العورة، والصالح في المذهب، أنها من الرجل ما بين السرة والركبة؛ نص عليه أحمد في رواية جماعة، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأكثر الفقهاء"[21].
وقال ابن غنيم النفراوي المالكي في (الفواكه الدواني): "اعلم أن عورة الرجل الواجب عليه سترها عن الناس خلا زوجته وأَمَتَه ما بين الركبة والسرة، مع رجل مثله أو امرأة محرم له، والسرة والركبة خارجتان، وهذا يقتضي أن الفخِذ من الرجل عورة فيجب ستره، ويحرم عليه كشفه والنظر إليه"[22].
ومن أهم مظاهر تبرج الرجال:
• كشف العورة أو لبس الملابس الضيقة أو الشفافة: فالرجل مأمور بستر عورته، وهي ما بين السرة والركبة، وليس من المروءة ولا من الدين كشف ما زاد عن ذلك من جسمه أمام الرجال أو النساء.
• التشبه بالنساء في الزينة أو اللباس: مثل لُبس ما يخص النساء أو وضع الحلي أو المكياج، وهو من المحرمات؛ لِما فيه من مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وللفطرة السليمة.
• التزيُّن المبالغ فيه الذي يخالف الشرع: مثل قص الشعر بطريقة تشبه النساء، أو وضع الزينة على الوجه أو الجسم بشكل مبالغ فيه.
يجب على الرجل أن يحافظ على وقاره وشخصيته، وأن يلتزم بما أمر به الشرع من ستر العورة وعدم التشبُّه بالنساء، وأن يحذر من الوقوع في التبرج الذي قد يؤدي إلى الفتنة أو إساءة الظن به، أو أن يتعرض للذم أو العقوبة في الدنيا والآخرة.
3- سبل العلاج:
الحجاب درع العفة والحياء:
الحجاب مفروض على جميع المؤمنات المكلفات شرعًا، وهن: المسلمات، الحرائر، البالغات؛ لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 59].
فلا يجب الحجاب على الكافرة؛ لأنها لا تُكلف بفروع الإسلام، وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون، ولأن الحجاب عبادة؛ لِما فيه من امتثال أمر الله عز وجل، فهو بالنسبة للمسلمة كفريضة الصلاة والصيام، فإذا تركته المسلمة جحودًا فهي كافرة مرتدَّة عن الإسلام، وإذا تركته - تقليدًا للمجتمع الفاسد - مع اعتقادها بفرضيته، فهي عاصية مخالفة لتعاليم القرآن: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33][23].
يشترط في حجاب المرأة المسلمة إذا كانت بحضور أجانب أو خرجت إلى الشارع شروطٌ؛
هي:
• الضابط الأول: أن يستر جميع بدنها.
• الضابط الثاني: ألَّا يشِفَّ أو يصف بدنها.
• الضابط الثالث: ألَّا يكون ضيقًا يصف حجم أعضائها.
• الضابط الرابع: ألَّا يكون زينةً في نفسه.
• الضابط الخامس: ألَّا يشبه لباس الرجال، أو لباس الكافرات أو من اشتهر بالفسوق والعصيان.
• الضابط السادس: ألَّا يكون معطرًا أو مبخرًا عند الخروج.
الخطوة الرئيسة التي يجب القيام بها لعلاج هذه الظاهرة هي أن تُربَّى المرأة المسلمة تربيةً حقيقية منذ الصغر، لتنشأ نشأةً طيبة، وتُربَّى بإبعادها عن كل ما يأباه الدين الحنيف، وتعليمها ما يجب عليها من أحكام دينها، وبيان الآثار السلبية على تبرجها، وإحاطتها علمًا بما يريده أعداء الإسلام من خروجها، والقضاء على عفتها، متى كانت قادرة على فهم ذلك واستيعابه[24].
على المتبرجات التوبة والعزم على عدم العودة: التوبة الصادقة، والعزم على عدم الرجوع إلى التبرج، من أهم أسباب الثبات على الطاعة.
القدوة الحسنة من الوالدين: يجب أن يكون الوالدان قدوة لأبنائهما في الالتزام بالستر والحجاب، والحرص على عدم التبرج أمام الأبناء.
منع الاختلاط بين الرجال والنساء: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كلِّ بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة، ولما اختلط البغايا بعسكر موسى، وفشت فيهم الفاحشة، أرسل الله إليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفًا، والقصة مشهورة في كتب التفاسير، فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا؛ بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجاتٍ متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعًا لذلك[25].
والتبرج بلاء خطره عظيم، وشره مستطير، ويحتاج إلى العناية التامة من جميع المجتمع، وعلى العلماء والدعاة والخطباء أن يكرروا فيه الوعظ والتذكير والنصيحة.
أخيرًا، نختم بقصة امرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت تُصاب بالصرع، وتتكشف بغير إرادتها، وهي معذورة شرعًا، ومع ذلك قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "ادعُ الله ألَّا أتكشَّف".
عن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس: ((ألَا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أُصرع، وإني أتكشف، فادعُ الله لي، قال: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيكِ، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادعُ الله ألَّا أتكشف، فدعا لها)).
والمرأة الصالحة المذكورة في هذا الحديث اختارت الصبر على المرض رجاء الجنة، ولكنها طلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها ألَّا تتكشف؛ حفاظًا على جسدها وعورتها من الظهور أمام الناس وهي لا تدري، فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم ألَّا تتكشف أثناء صرعها.
خاتمة:
يُعد التبرج من كبائر الذنوب، ومن الظواهر التي تهدد كيان المجتمع وتؤثر سلبًا على أخلاقه واستقراره؛ فهو يفتح الباب أمام الفتنة والفساد، ويزيد من خطر الجرائم الاجتماعية، ويُضعف الروابط الأسرية، كما يقلل من مكانة المرأة، ويجعلها عرضة للاستغلال والانتقاد، والحجاب هو حصن المرأة المسلمة، وعلامة على العفة والحياء، ويحفظها من الأذى، ويصون كرامتها، كما أنه طاعة لأمر الله ورسوله، ودليل على الإيمان والتقوى، والحجاب يضيق الطريق أمام الخواطر الشيطانية، ويقي المجتمع من الرذيلة والفساد، فهل نستوعب هذا الدرس، ونتخذ خطوات لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا من فتنة التبرج التي حذر منها القرآن الكريم؟ ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].
د. لحرش عبد السلام
أول فتنة بني إسرائيل:
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))، وفي حديث بشار: ((لينظر كيف تعملون))[15].
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، فافتُتنوا في النساء، فضلُّوا وأضلُّوا، وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم ما وقع فيه الأمم قبلنا للعِبرة والعِظة، بما وقع لهم من العذاب والعقاب من الله عز وجل، وذكر صلى الله عليه وسلم فتنةَ النساء بعد فتنة الدنيا من باب ذكر الخاص بعد العام، لزيادة التحذير، إيذانًا بأن الفتنة بهن من أعظم الفتن الدنيوية[16].
أضرُّ فتنة على الرجال:
عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))[17].
في هذا الحديث الشريف تحذير نبوي للأمة من فتنة النساء؛ حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أشد الفتن ضررًا على الرجال تكمن في النساء؛ قال المناوي: "في الحديث: (بعدي) لأن كونهن فتنة صار بعده أظهرَ وأشهر وأضر"[18].
تتمثل فتنة المرأة حين تكون زوجة في مطالبتها للرجل أحيانًا بنفقات قد تتجاوز قدرته، مما يصرفه عن الاهتمام بأمور الدين، ويجعله يسعى وراء الدنيا بكل ما أُوتي من قوة، وقد يقع في الكسب الحرام، كما أن فتنتهن قد تكون بالإغراء، وإيقاع الرجل في الفاحشة، خاصة إذا خرجن متبرجاتٍ وسافرات، واختلطن بالرجال، مما قد يؤدي إلى الوقوع في الزنا أو ما يقترب منه من الذنوب.
على الأمة:
انتشار الفواحش، ومنها التبرج، من أسباب هلاك الأمم.
نساء كاسيات عاريات:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنفان من أهل النار لم أرَهما: قوم معهم سِياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مُميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدْنَ ريحها، وإن ريحها لَيوجد من مسيرة كذا وكذا))[19].
هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
"نوع من النساء خلعن عن أنفسهن ثوبَ العفة والحياء، وتجرَّدن مما أوجبته عليهن الشريعة من ثيابٍ ساترة، وخُلق وافر، مخالفين بذلك الله ورسوله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهن: ((نساء كاسيات))، في الحقيقة، ((عاريات)) في المعنى؛ لأنهن يلبسن ثيابًا رقاقًا تصف البشَرة، أو يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه؛ إظهارًا للجمال، وإن كن كاسيات للثياب، عاريات في الحقيقة، أو كاسيات بالحُلى والحَلي، عاريات من لباس التقوى[20].
والتبرج ليس مقتصرًا على النساء، بل حتى الرجال لهم نصيب منه، وهذا ما سنتحدث عنه في هذه الفقرة.
تبرج الرجال:
تبرج الرجال في الشريعة الإسلامية يعني إظهار عوراتهم، أو تزيين أنفسهم بطرقٍ تخالف ما شرعه الله، سواء كان ذلك بإظهار العورة أو بلُبس ما لا يليق بالرجال، أو التشبُّه بالنساء في اللباس أو الزينة، وقد نص جماهير العلماء من الحنفية والمالكية، والشافعية والحنابلة في المشهور عندهم، أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة؛ قال ابن قدامة رحمه الله يلخص لنا مذهب العلماء في هذا الأمر، فيقول: "فالكلام في حد العورة، والصالح في المذهب، أنها من الرجل ما بين السرة والركبة؛ نص عليه أحمد في رواية جماعة، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأكثر الفقهاء"[21].
وقال ابن غنيم النفراوي المالكي في (الفواكه الدواني): "اعلم أن عورة الرجل الواجب عليه سترها عن الناس خلا زوجته وأَمَتَه ما بين الركبة والسرة، مع رجل مثله أو امرأة محرم له، والسرة والركبة خارجتان، وهذا يقتضي أن الفخِذ من الرجل عورة فيجب ستره، ويحرم عليه كشفه والنظر إليه"[22].
ومن أهم مظاهر تبرج الرجال:
• كشف العورة أو لبس الملابس الضيقة أو الشفافة: فالرجل مأمور بستر عورته، وهي ما بين السرة والركبة، وليس من المروءة ولا من الدين كشف ما زاد عن ذلك من جسمه أمام الرجال أو النساء.
• التشبه بالنساء في الزينة أو اللباس: مثل لُبس ما يخص النساء أو وضع الحلي أو المكياج، وهو من المحرمات؛ لِما فيه من مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وللفطرة السليمة.
• التزيُّن المبالغ فيه الذي يخالف الشرع: مثل قص الشعر بطريقة تشبه النساء، أو وضع الزينة على الوجه أو الجسم بشكل مبالغ فيه.
يجب على الرجل أن يحافظ على وقاره وشخصيته، وأن يلتزم بما أمر به الشرع من ستر العورة وعدم التشبُّه بالنساء، وأن يحذر من الوقوع في التبرج الذي قد يؤدي إلى الفتنة أو إساءة الظن به، أو أن يتعرض للذم أو العقوبة في الدنيا والآخرة.
3- سبل العلاج:
الحجاب درع العفة والحياء:
الحجاب مفروض على جميع المؤمنات المكلفات شرعًا، وهن: المسلمات، الحرائر، البالغات؛ لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 59].
فلا يجب الحجاب على الكافرة؛ لأنها لا تُكلف بفروع الإسلام، وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون، ولأن الحجاب عبادة؛ لِما فيه من امتثال أمر الله عز وجل، فهو بالنسبة للمسلمة كفريضة الصلاة والصيام، فإذا تركته المسلمة جحودًا فهي كافرة مرتدَّة عن الإسلام، وإذا تركته - تقليدًا للمجتمع الفاسد - مع اعتقادها بفرضيته، فهي عاصية مخالفة لتعاليم القرآن: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33][23].
يشترط في حجاب المرأة المسلمة إذا كانت بحضور أجانب أو خرجت إلى الشارع شروطٌ؛
هي:
• الضابط الأول: أن يستر جميع بدنها.
• الضابط الثاني: ألَّا يشِفَّ أو يصف بدنها.
• الضابط الثالث: ألَّا يكون ضيقًا يصف حجم أعضائها.
• الضابط الرابع: ألَّا يكون زينةً في نفسه.
• الضابط الخامس: ألَّا يشبه لباس الرجال، أو لباس الكافرات أو من اشتهر بالفسوق والعصيان.
• الضابط السادس: ألَّا يكون معطرًا أو مبخرًا عند الخروج.
الخطوة الرئيسة التي يجب القيام بها لعلاج هذه الظاهرة هي أن تُربَّى المرأة المسلمة تربيةً حقيقية منذ الصغر، لتنشأ نشأةً طيبة، وتُربَّى بإبعادها عن كل ما يأباه الدين الحنيف، وتعليمها ما يجب عليها من أحكام دينها، وبيان الآثار السلبية على تبرجها، وإحاطتها علمًا بما يريده أعداء الإسلام من خروجها، والقضاء على عفتها، متى كانت قادرة على فهم ذلك واستيعابه[24].
على المتبرجات التوبة والعزم على عدم العودة: التوبة الصادقة، والعزم على عدم الرجوع إلى التبرج، من أهم أسباب الثبات على الطاعة.
القدوة الحسنة من الوالدين: يجب أن يكون الوالدان قدوة لأبنائهما في الالتزام بالستر والحجاب، والحرص على عدم التبرج أمام الأبناء.
منع الاختلاط بين الرجال والنساء: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كلِّ بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة، ولما اختلط البغايا بعسكر موسى، وفشت فيهم الفاحشة، أرسل الله إليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفًا، والقصة مشهورة في كتب التفاسير، فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا؛ بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجاتٍ متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعًا لذلك[25].
والتبرج بلاء خطره عظيم، وشره مستطير، ويحتاج إلى العناية التامة من جميع المجتمع، وعلى العلماء والدعاة والخطباء أن يكرروا فيه الوعظ والتذكير والنصيحة.
أخيرًا، نختم بقصة امرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت تُصاب بالصرع، وتتكشف بغير إرادتها، وهي معذورة شرعًا، ومع ذلك قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "ادعُ الله ألَّا أتكشَّف".
عن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس: ((ألَا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أُصرع، وإني أتكشف، فادعُ الله لي، قال: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيكِ، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادعُ الله ألَّا أتكشف، فدعا لها)).
والمرأة الصالحة المذكورة في هذا الحديث اختارت الصبر على المرض رجاء الجنة، ولكنها طلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها ألَّا تتكشف؛ حفاظًا على جسدها وعورتها من الظهور أمام الناس وهي لا تدري، فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم ألَّا تتكشف أثناء صرعها.
خاتمة:
يُعد التبرج من كبائر الذنوب، ومن الظواهر التي تهدد كيان المجتمع وتؤثر سلبًا على أخلاقه واستقراره؛ فهو يفتح الباب أمام الفتنة والفساد، ويزيد من خطر الجرائم الاجتماعية، ويُضعف الروابط الأسرية، كما يقلل من مكانة المرأة، ويجعلها عرضة للاستغلال والانتقاد، والحجاب هو حصن المرأة المسلمة، وعلامة على العفة والحياء، ويحفظها من الأذى، ويصون كرامتها، كما أنه طاعة لأمر الله ورسوله، ودليل على الإيمان والتقوى، والحجاب يضيق الطريق أمام الخواطر الشيطانية، ويقي المجتمع من الرذيلة والفساد، فهل نستوعب هذا الدرس، ونتخذ خطوات لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا من فتنة التبرج التي حذر منها القرآن الكريم؟ ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].