همس الروح
01-08-2025, 09:13 PM
عقيدة ثمنها الجنة (خطبة)-1
رمضان صالح العجرمي
عقيدة ثمنها الجنة
1- أصول مهمة للعقيدة الصحيحة.
2- أجر وثواب عظيم لهذه العقيدة.
الهدف من الخطبة:
التذكير بهذه الأصول العظيمة لما يجب على المؤمن اعتقاده، مع بيان ثواب وثمرات هذه العقيدة.
مقدمة ومدخل للموضوع:
• في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ منه، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ علَى ما كانَ مِنَ العَمَلِ)).
• حديث عظيم يُبيِّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم قواعد مهمة، وأصولًا عظيمة من أصول العقيدة السليمة، الصحيحة التي ثمنها الجنة بإذن الله تعالى.
قال النووي رحمه الله: "هَذَا حَدِيث عَظِيم الْمَوْقِع، وَهُوَ مِنْ أَجْمَع الْأَحَادِيث الْمُشْتَمِلَة عَلَى الْعَقَائِد؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِيهِ مَا يُخْرِج عَنْ جَمِيع مِلَل الْكُفْر عَلَى اخْتِلَاف عَقَائِدهمْ وَتَبَاعُدهمْ؛ فَاخْتَصَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحْرُف عَلَى مَا يُبَايِن بِهِ جَمِيعهمْ".
أولًا: قوله: ((مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له)):
• فإن أول واجب على العبد هو أن يعرف ربَّه، وأن يُوحِّده جل وعلا؛ لأنه هو الغاية التي من أجلها خَلَق الخَلْق؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ والمعنى: إلَّا ليوحِّدوني بالعبادة.
• وأن يعرف أن الله عز وجل هو ربُّ هذا الكون، وأنه هو الخالق المالك الرازق المُدبِّر، وأنه هو الإله المعبود المستحق وحده للعبادة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22].
• وأن يعرف أنَّ له الأسماء الحُسْنى والصفات العُلى التي تليق به جل جلاله؛ كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
• وأن يعرف أن هذه الكلمة هي أصل التوحيد، وهي الأصل الأصيل الذي أَرسل الله به رسلَه، وأنزل به كُتُبه، وشرع لأجله شرائعه، ومن أجلها نُصِبت الموازين، ووُضِعَت الدواوين، وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين أتقياء، وفُجَّار أشقياء، وقامت سوق الجنة والنار؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وفي الصحيحين عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)).
• وأن يعرف أن الله تعالى أخذ بها الميثاق على الناس جميعًا يوم أن خلقهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172].
• وأن ما يناقض هذه الشهادة: هو الوقوع في الشرك والعياذ بالله؛ وهو صرف ما لله لغير الله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادة من الدعاء أو النذر أو الذبح، وغير ذلك من أنواع العبادات التي لا تكون إلا لله تعالى؛ فمن فعل ذلك فقد أشرك واستحق العقوبة والعياذ بالله.
ثانيًا: قوله: ((وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)):
• وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، بن هاشم، القرشي صلى الله عليه وسلم.
• ومعنى هذه الشهادة: أي أُقِرُّ وأشهد بلساني، وأصدق التصديق الجازم، بأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسله الله عز وجل إلى الناس كافة، بشيرًا ونذيرًا، وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40].
• وتحقيق هذه الشهادة يكون بتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، واتباعه والاقتداء به، والعمل بهديه، والتمسُّك بسُنَّته صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32]، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((كُلُّ أُمَّتي يدخلون الجنة إلَّا مَن أبَى))، قالوا: يا رسول الله، ومَنْ يأبَى؟ قال: ((مَنْ أطاعني دخلَ الجنة، ومَنْ عصاني فقد أبَى)).
• وأمَّا ما ينقض تحقيق هذه الشهادة، فهو: الابتداع والإحداث في الدين مما ليس منه، والتقرُّب إلى الله تعالى بشيء لم يُشرِّعه النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين عَنْ أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ))، وفي رواية لمسلم: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)).
ثالثًا: قوله: ((وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ منه)).
• وهذا التعبير جاء في القرآن أيضًا؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾ [النساء: 171].
• وقد انْحَرَفَت طوائف عَن هذه العقيدة الصحيحة وهذا الْحَقِّ، فأَسَاءوا لِلْخَالِقِ جل جلاله؛ كَالنَّصَارَى؛ حَيْثُ تَعَدَّدَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي الْمَسِيحِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ.
1- فمنهم من قال: إنَّ عِيسَى ابْنٌ للهِ تَعَالَى؛ تَعَالَى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا؛ فَرَدَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 4-5]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [مريم: 34، 35].
2- وَمنهم من قال: إنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللهُ تعالى؛ فَرَدَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
3- وَمنهم من قال: أنَّ الْمَسِيحَ هو ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؛ أَيْ: يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ شَرِيكَيْنِ؛ هُمَا: مَرْيَمُ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ؛ فَرَدَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 73]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171].
أمَّا أهل الإيمان أصحاب العقيدة الصحيحة السليمة فيؤمنون ويعتقدون:
1- أن عيسى عليه السلام خلقه الله تعالى من غير أبٍ؛ كما خلق آدم عليه السلام، وأنه خلقه بكلمة منه أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوح مِنْهُ؛ كما قال تعالى:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولكن المعنى من قول الله جل ثناؤه: ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ [النساء: 171]؛ فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: كن؛ فكان عيسى عليه السلام.
2- وأن عيسى عليه السلام عبدُ الله ورسوله، أرسله الله تعالى إلى بني إسرائيل ليقيمهم على الدين الصحيح بعد أن فسدت أحوالهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].
3- وأن الله سبحانه وتعالى أيَّدَه بكثير من المعجزات لتكون دليلًا على صدقه ورسالته؛ قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 110].
فكان من هذه المعجزات: إحياء الموتى، وإرجاع البصر إلى عيون العُمْي، والسمع إلى الصُّمِّ، وإبراء المرضى؛ كالأبرص وغيره، وكذلك إخبار الناس بما يدَّخِرون في بيوتهم، وما سيأكلونه في الغد، وتكثير الطعام القليل ليشبع العدد الكبير من الناس، وكلامه وهو في المهد صبيًّا، وجعل الله عيسى عليه السلام مباركًا في أي مكان يكون فيه.
4- وأن عيسى عليه السلام دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وقال تعالى: ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 117].
5- كما يعتقد أهل الإيمان أن عيسى عليه السلام حيٌّ موجودٌ، وأنه رفعه الله تعالى إليه في السماء بعد ما توفَّاه بالنوم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [آل عمران: 55]، وقال تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 157، 158].
6- وأنه سينزل في آخر الزمان؛ كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا؛ فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)).
• فينزل عليه السلام في شرقي دمشق، ويُصلِّي مع المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقود أهل الإيمان منهم في فترة عصيبة بها فِتَن عظيمة، ومن هذه الفِتَن ظهور المسيح الدَّجَّال الذي يدعي الربوبية والألوهية، ويجري الله تعالى على يديه خوارق العادات؛ كأمره للسماء أن تمطر فتمطر، وللأرض أن تخرج كنوزها، ومعادنها فتخرجها، وإحيائه لبعض الموتى؛ فينزل عيسى عليه السلام، ويلحق به فيقتله ويُطهِّر الأرض من شرِّه وكُفْرِه.
• وعندما ينزل عيسى عليه السلام، فإنه يأمر بكسر الصلبان، ويأمر بقتل الخنازير التي استباح أكله المدَّعون للنصرانية وأتباع المسيحية، ويأمر الناس بالصلاة، ويحكم بين الناس بالقرآن.
رابعًا: قوله: ((وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ))؛ أي: اعتقد ثبوتهما حقيقة لا شك فيهما، وأن الجنة أُعِدت للمؤمنين، والنار أُعِدَّت للكافرين.
• فإن من أركان الإيمان: الإيمان بالبعث بعد الموت، وأن الجنة والنار حقٌّ يجب الإيمان بهما، وأنهما مخلوقتان، وموجودتان، ولا تفنيان، وأن من آمن بالله وعمل صالحًا فمآله إلى الجنة، ومن كفر بالله فهو من أهل النار، وكل منهما خالد مُخلَّد؛ قال الله تعالى عن الجنة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال الله تعالى عن النار: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 131].
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية: "والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان؛ فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلًا، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلًا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلًا منه".
• وقد أطْلَع اللهُ تعالى رسولَه الكريمَ صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار؛ وثبت ذلك في أحاديث كثيرة؛ منها ما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: ((إني رأيتُ الجنة وتناولتُ عنقودًا ولو أصبْته (تَمكَّنتُ مِن قَطْفِه) لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيتُ النار فلم أرَ منظرًا كاليوم قط أفظع)).
• ومقتضى الإيمان بأن الجنة حقٌّ؛ أن تعمل لها لتكون من أهلها، فتكثر من الأعمال الصالحة، وتدعو ربَّك رغبًا فيها.
• ومقتضى الإيمان بأن النار حقٌّ؛ أن تخاف منها، وتدعوه رهبًا وخوفًا منها؛ فإذا كنت كذلك أدخلك الله الجنة على ما كان من العمل.
نسأل الله العظيم أن يرزقنا التوحيد الخالص، وأن يُقوِّي إيماننا، ويغفر ذنوبنا، وأن يجعلنا جميعًا من أهل الجنة.
رمضان صالح العجرمي
عقيدة ثمنها الجنة
1- أصول مهمة للعقيدة الصحيحة.
2- أجر وثواب عظيم لهذه العقيدة.
الهدف من الخطبة:
التذكير بهذه الأصول العظيمة لما يجب على المؤمن اعتقاده، مع بيان ثواب وثمرات هذه العقيدة.
مقدمة ومدخل للموضوع:
• في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ منه، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ علَى ما كانَ مِنَ العَمَلِ)).
• حديث عظيم يُبيِّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم قواعد مهمة، وأصولًا عظيمة من أصول العقيدة السليمة، الصحيحة التي ثمنها الجنة بإذن الله تعالى.
قال النووي رحمه الله: "هَذَا حَدِيث عَظِيم الْمَوْقِع، وَهُوَ مِنْ أَجْمَع الْأَحَادِيث الْمُشْتَمِلَة عَلَى الْعَقَائِد؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِيهِ مَا يُخْرِج عَنْ جَمِيع مِلَل الْكُفْر عَلَى اخْتِلَاف عَقَائِدهمْ وَتَبَاعُدهمْ؛ فَاخْتَصَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحْرُف عَلَى مَا يُبَايِن بِهِ جَمِيعهمْ".
أولًا: قوله: ((مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له)):
• فإن أول واجب على العبد هو أن يعرف ربَّه، وأن يُوحِّده جل وعلا؛ لأنه هو الغاية التي من أجلها خَلَق الخَلْق؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ والمعنى: إلَّا ليوحِّدوني بالعبادة.
• وأن يعرف أن الله عز وجل هو ربُّ هذا الكون، وأنه هو الخالق المالك الرازق المُدبِّر، وأنه هو الإله المعبود المستحق وحده للعبادة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22].
• وأن يعرف أنَّ له الأسماء الحُسْنى والصفات العُلى التي تليق به جل جلاله؛ كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
• وأن يعرف أن هذه الكلمة هي أصل التوحيد، وهي الأصل الأصيل الذي أَرسل الله به رسلَه، وأنزل به كُتُبه، وشرع لأجله شرائعه، ومن أجلها نُصِبت الموازين، ووُضِعَت الدواوين، وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين أتقياء، وفُجَّار أشقياء، وقامت سوق الجنة والنار؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وفي الصحيحين عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)).
• وأن يعرف أن الله تعالى أخذ بها الميثاق على الناس جميعًا يوم أن خلقهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172].
• وأن ما يناقض هذه الشهادة: هو الوقوع في الشرك والعياذ بالله؛ وهو صرف ما لله لغير الله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادة من الدعاء أو النذر أو الذبح، وغير ذلك من أنواع العبادات التي لا تكون إلا لله تعالى؛ فمن فعل ذلك فقد أشرك واستحق العقوبة والعياذ بالله.
ثانيًا: قوله: ((وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)):
• وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، بن هاشم، القرشي صلى الله عليه وسلم.
• ومعنى هذه الشهادة: أي أُقِرُّ وأشهد بلساني، وأصدق التصديق الجازم، بأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسله الله عز وجل إلى الناس كافة، بشيرًا ونذيرًا، وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40].
• وتحقيق هذه الشهادة يكون بتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، واتباعه والاقتداء به، والعمل بهديه، والتمسُّك بسُنَّته صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32]، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((كُلُّ أُمَّتي يدخلون الجنة إلَّا مَن أبَى))، قالوا: يا رسول الله، ومَنْ يأبَى؟ قال: ((مَنْ أطاعني دخلَ الجنة، ومَنْ عصاني فقد أبَى)).
• وأمَّا ما ينقض تحقيق هذه الشهادة، فهو: الابتداع والإحداث في الدين مما ليس منه، والتقرُّب إلى الله تعالى بشيء لم يُشرِّعه النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين عَنْ أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ))، وفي رواية لمسلم: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)).
ثالثًا: قوله: ((وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ منه)).
• وهذا التعبير جاء في القرآن أيضًا؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾ [النساء: 171].
• وقد انْحَرَفَت طوائف عَن هذه العقيدة الصحيحة وهذا الْحَقِّ، فأَسَاءوا لِلْخَالِقِ جل جلاله؛ كَالنَّصَارَى؛ حَيْثُ تَعَدَّدَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي الْمَسِيحِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ.
1- فمنهم من قال: إنَّ عِيسَى ابْنٌ للهِ تَعَالَى؛ تَعَالَى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا؛ فَرَدَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 4-5]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [مريم: 34، 35].
2- وَمنهم من قال: إنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللهُ تعالى؛ فَرَدَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
3- وَمنهم من قال: أنَّ الْمَسِيحَ هو ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؛ أَيْ: يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ شَرِيكَيْنِ؛ هُمَا: مَرْيَمُ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ؛ فَرَدَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 73]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171].
أمَّا أهل الإيمان أصحاب العقيدة الصحيحة السليمة فيؤمنون ويعتقدون:
1- أن عيسى عليه السلام خلقه الله تعالى من غير أبٍ؛ كما خلق آدم عليه السلام، وأنه خلقه بكلمة منه أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوح مِنْهُ؛ كما قال تعالى:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولكن المعنى من قول الله جل ثناؤه: ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ [النساء: 171]؛ فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: كن؛ فكان عيسى عليه السلام.
2- وأن عيسى عليه السلام عبدُ الله ورسوله، أرسله الله تعالى إلى بني إسرائيل ليقيمهم على الدين الصحيح بعد أن فسدت أحوالهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].
3- وأن الله سبحانه وتعالى أيَّدَه بكثير من المعجزات لتكون دليلًا على صدقه ورسالته؛ قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 110].
فكان من هذه المعجزات: إحياء الموتى، وإرجاع البصر إلى عيون العُمْي، والسمع إلى الصُّمِّ، وإبراء المرضى؛ كالأبرص وغيره، وكذلك إخبار الناس بما يدَّخِرون في بيوتهم، وما سيأكلونه في الغد، وتكثير الطعام القليل ليشبع العدد الكبير من الناس، وكلامه وهو في المهد صبيًّا، وجعل الله عيسى عليه السلام مباركًا في أي مكان يكون فيه.
4- وأن عيسى عليه السلام دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وقال تعالى: ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 117].
5- كما يعتقد أهل الإيمان أن عيسى عليه السلام حيٌّ موجودٌ، وأنه رفعه الله تعالى إليه في السماء بعد ما توفَّاه بالنوم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [آل عمران: 55]، وقال تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 157، 158].
6- وأنه سينزل في آخر الزمان؛ كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا؛ فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)).
• فينزل عليه السلام في شرقي دمشق، ويُصلِّي مع المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقود أهل الإيمان منهم في فترة عصيبة بها فِتَن عظيمة، ومن هذه الفِتَن ظهور المسيح الدَّجَّال الذي يدعي الربوبية والألوهية، ويجري الله تعالى على يديه خوارق العادات؛ كأمره للسماء أن تمطر فتمطر، وللأرض أن تخرج كنوزها، ومعادنها فتخرجها، وإحيائه لبعض الموتى؛ فينزل عيسى عليه السلام، ويلحق به فيقتله ويُطهِّر الأرض من شرِّه وكُفْرِه.
• وعندما ينزل عيسى عليه السلام، فإنه يأمر بكسر الصلبان، ويأمر بقتل الخنازير التي استباح أكله المدَّعون للنصرانية وأتباع المسيحية، ويأمر الناس بالصلاة، ويحكم بين الناس بالقرآن.
رابعًا: قوله: ((وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ))؛ أي: اعتقد ثبوتهما حقيقة لا شك فيهما، وأن الجنة أُعِدت للمؤمنين، والنار أُعِدَّت للكافرين.
• فإن من أركان الإيمان: الإيمان بالبعث بعد الموت، وأن الجنة والنار حقٌّ يجب الإيمان بهما، وأنهما مخلوقتان، وموجودتان، ولا تفنيان، وأن من آمن بالله وعمل صالحًا فمآله إلى الجنة، ومن كفر بالله فهو من أهل النار، وكل منهما خالد مُخلَّد؛ قال الله تعالى عن الجنة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال الله تعالى عن النار: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 131].
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية: "والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان؛ فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلًا، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلًا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلًا منه".
• وقد أطْلَع اللهُ تعالى رسولَه الكريمَ صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار؛ وثبت ذلك في أحاديث كثيرة؛ منها ما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: ((إني رأيتُ الجنة وتناولتُ عنقودًا ولو أصبْته (تَمكَّنتُ مِن قَطْفِه) لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيتُ النار فلم أرَ منظرًا كاليوم قط أفظع)).
• ومقتضى الإيمان بأن الجنة حقٌّ؛ أن تعمل لها لتكون من أهلها، فتكثر من الأعمال الصالحة، وتدعو ربَّك رغبًا فيها.
• ومقتضى الإيمان بأن النار حقٌّ؛ أن تخاف منها، وتدعوه رهبًا وخوفًا منها؛ فإذا كنت كذلك أدخلك الله الجنة على ما كان من العمل.
نسأل الله العظيم أن يرزقنا التوحيد الخالص، وأن يُقوِّي إيماننا، ويغفر ذنوبنا، وأن يجعلنا جميعًا من أهل الجنة.