روح أنثى
24-02-2019, 11:11 PM
ما أروعَ التصويرَ القرآنيَّ وهو يصف مشهد المرتهنين بين أحضان من لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، تتخطَّفهم الطير وهم يخرُّون من السماء بعد أن ارتخت أصابعُ قبضتهم وقد كانت ممسكة بحبل من الله تعالى، فأبَوا إلاَّ أن يمسكوا بما ظنوه غرورًا ينفعهم أو يدفع عنهم ضرًّا، فأفلتهم من لا يغني عنهم نفعًا ولا يدفع عنهم ضرًّا، فوجدوا أنفسهم كتلك الريشة التي تتقاذفها الريحُ غير أن الريشة أحسن حالاً منهم، فهم يهوون ويخرُّون من سموٍّ كانوا فيه حين كانوا يمسكون بحبل الله؛ وهو: حسنُ التوحيد وحسن المعتقد، فأفلتوه بعد أن توجهَت قلوبُهم وتعلَّقَت بغير الله القوي الفعّال ليتمسَّكوا بمخلوقٍ أغراهم ببعضٍ من القوة أو بعضٍ من القدرة التي وهبها اللهُ له وأقدره عليها، ويشاء الله أن يذلَّ هؤلاء الذين اتخذهم ضعفاءُ النفوس شركاء له بمن أشركوه به حتى يفلتوهم، ويعلم من تعلقَت قلوبُهم بهِم أنهم أضعف وأحقرُ وأذلُّ أن يكونوا لله أندادًا، فيخرُّون حينها يترَدون بين شعاب من الضعف والحاجة والقصور والهوى حتى تهوي بهم أهواؤهم قبل الريحِ إلى مكانٍ سحيق اختاروه لأنفسهم، وقد تخطَّفَتهم الطير قبل ذلك لهوانهم على الله.
قال الله تعالى محذرًا من مغبة الإشراك به: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 30، 32]، فسبحانك ربي سبحانك!
وفي موضعٍ آخر يصوِّر القرآنُ مشهدًا عجيبًا للمشركين به وهم يعيشون حياة القاعدين العاجزين المذمومين المخذولين: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ﴾ [الإسراء: 22]، فكأن المشركَ وهو يتخبط بولائه ويصرف اعتقادَه بين الضعفاء من خلق الله العاجزين عن نفعِ أنفسهم إلا بحول الله، وعن دفع الضرِّ عن أنفسهم إلا بحول الله وقوته - يجازيه الحق سبحانه بأن يكله لمن صرف له اعتقاده؛ فلا يجد غير الذم والخذلان ويعيش كالقعيد العاجز العالة الذي ينتظر من الناسِ أن يحسنوا إليه وينصروهُ، غير أنه يلتصق به ويلازمه هذا الثنائي من الذمِّ والخذلان الذي يقابله ﴿ جَزَاءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ: 26]، معتقده الثنائي في غير الله؛ مِن جلب النفع، ودفعِ الضر، وهذا هو حالُه ومآلُه في الدنيا، أمَّا حاله ومآله في الآخرة؛ فهو قول الحق سبحانه: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 39]، فيا لله! ما أخزاها من حياة لا نهاية لها من الدحور! وهو منتهى الإبعاد الممزوج بالإهانة والتبكِيت الأبديِّ يصاحبه اللوم النفسيُّ المعبِّر عن الندم في وقتٍ لا ينفع فيه الندم، وهما ثنائيان ﴿ جَزَاءً وِفَاقًا ﴾؛ فإنه لما أشرك مع الله غيرَه حرَم نفسَه السلامةمن عذاب اللوم والندم، وإنه لما أشرك مع الله غيرَه أبعده اللهُ من القرب منه، وحرم نفسه من أن يكون قريبًا من ربِّه وخالقه، فهو المدحور الملوم دون انتهاء.
وأخيرًا قصة صاحب الجنَّتين التي أوردها القرآن؛ تحكي ضعف اعتقاده بما عند الله من الجزاء والخير لمن أعطاه الله من خير الدنيا، حيث جعل للفقراء من عباده حقًّا في أموال الأغنياء، وكانا أخوين، أحسنهما توحيدًا لله وإيمانًا به يحذِّره وينهاه عن الغرور بما عنده والركون لما بين يديه: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ﴾ [الكهف: 37 - 41]، لكن الشرك الطاغي حين تشربته القلوب، يمنعها ويحجب عنها بصيرةَ رؤية النتائج والعواقب، وبعدها كعادة الطغاة يقلبون أياديهم كالبُلَهاء ينشدون فائدة تعود عليهم من وراء ندم هو أشبه بالسراب، ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 42].
نسأل اللهَ العليَّ الحكيم أن يبقينا في علياء توحيده واليقين به، فلا يكلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين ولا أقلَّ من ذلك، ويجعلَنا حُكماء خلقه فلا تطيش بنا أهواؤنا فنضلَّ عن علم، كما نسأله وهو خير مسؤول أن يبصِّرنا بعيوبنا ويوفقنا لسترها بطاعته وحسن الإنابة إليه ودوام ذكره عدد أنفاسنا صمتًا وسرًّا وجهرًا، والله المستعان.
قال الله تعالى محذرًا من مغبة الإشراك به: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 30، 32]، فسبحانك ربي سبحانك!
وفي موضعٍ آخر يصوِّر القرآنُ مشهدًا عجيبًا للمشركين به وهم يعيشون حياة القاعدين العاجزين المذمومين المخذولين: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ﴾ [الإسراء: 22]، فكأن المشركَ وهو يتخبط بولائه ويصرف اعتقادَه بين الضعفاء من خلق الله العاجزين عن نفعِ أنفسهم إلا بحول الله، وعن دفع الضرِّ عن أنفسهم إلا بحول الله وقوته - يجازيه الحق سبحانه بأن يكله لمن صرف له اعتقاده؛ فلا يجد غير الذم والخذلان ويعيش كالقعيد العاجز العالة الذي ينتظر من الناسِ أن يحسنوا إليه وينصروهُ، غير أنه يلتصق به ويلازمه هذا الثنائي من الذمِّ والخذلان الذي يقابله ﴿ جَزَاءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ: 26]، معتقده الثنائي في غير الله؛ مِن جلب النفع، ودفعِ الضر، وهذا هو حالُه ومآلُه في الدنيا، أمَّا حاله ومآله في الآخرة؛ فهو قول الحق سبحانه: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 39]، فيا لله! ما أخزاها من حياة لا نهاية لها من الدحور! وهو منتهى الإبعاد الممزوج بالإهانة والتبكِيت الأبديِّ يصاحبه اللوم النفسيُّ المعبِّر عن الندم في وقتٍ لا ينفع فيه الندم، وهما ثنائيان ﴿ جَزَاءً وِفَاقًا ﴾؛ فإنه لما أشرك مع الله غيرَه حرَم نفسَه السلامةمن عذاب اللوم والندم، وإنه لما أشرك مع الله غيرَه أبعده اللهُ من القرب منه، وحرم نفسه من أن يكون قريبًا من ربِّه وخالقه، فهو المدحور الملوم دون انتهاء.
وأخيرًا قصة صاحب الجنَّتين التي أوردها القرآن؛ تحكي ضعف اعتقاده بما عند الله من الجزاء والخير لمن أعطاه الله من خير الدنيا، حيث جعل للفقراء من عباده حقًّا في أموال الأغنياء، وكانا أخوين، أحسنهما توحيدًا لله وإيمانًا به يحذِّره وينهاه عن الغرور بما عنده والركون لما بين يديه: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ﴾ [الكهف: 37 - 41]، لكن الشرك الطاغي حين تشربته القلوب، يمنعها ويحجب عنها بصيرةَ رؤية النتائج والعواقب، وبعدها كعادة الطغاة يقلبون أياديهم كالبُلَهاء ينشدون فائدة تعود عليهم من وراء ندم هو أشبه بالسراب، ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 42].
نسأل اللهَ العليَّ الحكيم أن يبقينا في علياء توحيده واليقين به، فلا يكلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين ولا أقلَّ من ذلك، ويجعلَنا حُكماء خلقه فلا تطيش بنا أهواؤنا فنضلَّ عن علم، كما نسأله وهو خير مسؤول أن يبصِّرنا بعيوبنا ويوفقنا لسترها بطاعته وحسن الإنابة إليه ودوام ذكره عدد أنفاسنا صمتًا وسرًّا وجهرًا، والله المستعان.