مرافئ الذكريات
01-03-2019, 03:49 PM
قد يتعجَّب بعضُ الناس، ويظنُّ أنَّ عائشة - رضي الله عنها - لا تعرِف إلا عِلمَ الشريعة فقط
هيهات هيهات! بل حتى عِلم الطب عَلِمتْ به، ولكن العجب يَنتهي عندما يقرأ مثلَ هذا الخبر:
روى أحمد في "المسند" وغيرُه عن هشامِ بن عروة، قال: كان أبي يقول لعائشة - رضي الله عنها -:
يا أُمَّتاه، لا أعجبُ من فِقهك؛ أقول: زوجةُ نبي الله، وابنة أبي بكر، وكان أعْلمَ الناس، ولكن أعجبُ
مِن عِلمك بالطب: كيف هو؟! ومِن أين هو؟! - أو ما هو؟ - قال: فضربتْ على مَنكِبه، وقالت:
أيْ عُرَيَّةُ، إنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يَسْقَم عندَ آخِر عمره - أو في آخِرِ عمره -
وكانتْ تَقْدَم عليه وفودُ العرب من كلِّ وجه، فتنعت له الأنعات، وكُنتُ أُعالِجها له؛ فمِنْ ثَمَّ".
وأمَّا رجوع الناس إلى العمل بقولها، فانظرْ إلى ما رواه الإمام أحمدُ في مسنده من طريق منصور
عن مجاهد، عن أبي بكر بن عبدالرحمن، قال: قال أبو هريرة: مَن أصْبح جُنبًا فلا صومَ له
فأرسل مرْوان أبا بكر بن عبدالرحمن إلى عائشةَ يسألها، فقال لها: إنَّ أبا هريرة يقول:
مَن أصبح جُنبًا فلا صومَ له؟ فقالت عائشة: قد كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُجنِب
ثم يتمُّ صومَه، فأرسل إلى أبي هريرة، فأخبَرَه أنَّ عائشة قالت: "إنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم
- كان يُجنِب ثم يُتمُّ صومَه"، فكفَّ أبو هريرة.
فانظر إلى حافظِ الصحابة أبي هريرة؛ إلى كفِّه عن الحديث، وهو الذي ما
امْتَنع عن حديثِ الناس، ولكن لَمَّا أخبرتْه عائشة توقَّف! وفي بعضِ الروايات
قال: هي أعلمُ منِّي برسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال عُروة - كما في السير للذهبي -: "فلئن ذهَبَ عِلمُها، لم أسأل عنه - رضي الله عنها"؛ السير (2/183).
وأمَّا جهادُها، فقد كانتْ تشارك فيه كأيِّ امرأةٍ دون تمييز، وذلك ضمنَ الحدود التي وضَعَها الشرع
مِن سقاية الماء، ومداواة الجرْحى، وإعداد الطعام، ولا يَخْفَى علينا دورُها وهي بنت صغيرة
في حادثِ الهجرة، حتى إنَّ أبا بكر جَنَّد أهلَ بيته لخدمة دِين الله.
وفي غزوة أُحُد كانت عائشةُ - رضي الله عنها - تشارك في حمْل الماء على عاتِقِها لسقاية
المجاهدين، وكانتْ ما تزال صغيرةَ السِّنِّ، ولكنَّها شاركتْ للمرة الأولى في هذه الغزوة.
رَوَى الشيخانِ عن أنس: "ولقدْ رأيتُ عائشة بنت أبي بكر، وأمَّ سليم، وإنَّهما لمشمرتان، أرَى
خَدَم - خلخال - سُوقِهما، تنقلان القِرَب على متونهما، ثم تُفرغانِه في أفواههم
ثم تَرجعانِ فتملآنها، ثم تَجيئان تُفرغانه في أفواه القَوْم.
وفي غزوة الخَنْدق، كان لها شَجاعةٌ نادرة، وجُرأة مشهورة، حتى إنَّ عمر بن الخطاب
- رضي الله عنه - أنكر جُرْأتها لَمَّا رآها تقترب من الصفوف الأُولى للمجاهدين!
روى الإمامُ أحمد في مسنده عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "خرجتُ يومَ الخندق
أقْفو الناسَ، فسمعتُ وئيدَ الأرض ورائي، فإذا أنا بسعدِ بن معاذ، ومعه ابنُ أخيه الحارث بن أوْس
يَحْمل مِجَنَّه، قالت: فجلستُ إلى الأرض، فمرَّ سعد وعليه دِرْع من حديد قد خرجتْ منها أطرافُه
فأنا أتخوَّف على أطرافِ سعْد، قالت: وكان سعدٌ من أعظمِ الناس وأطولهم، فمرَّ وهو يَرْتَجِز، ويقول:
لَبِثَ قَلِيلاً يُدْرِكُ الهَيْجَا جَمَلْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٌ العَالِمَةُ,
مَا أَحْسَنَ المَوْتَ إِذَا حانَ الأَجَلْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٌ العَالِمَةُ,
قالت: فقمتُ فاقتحمت حديقةً، فإذا نفرٌ من المسلمين، فإذا فيها عمرُ بن الخطَّاب
وفيهم رجلٌ عليه سبغةٌ له - تعني: المِغفر - فقال عمر: ما جاء بكِ؟! والله إنَّك لجريئة
وما يُؤمِّنك أن يكون بلاءٌ أو يكون تحوُّز، فما زال يلومني حتى تمنيتُ أنَّ الأرض فُتِحت
ساعتئذٍ فدخلتُ فيها، فرَفَع الرجلُ السبغةَ عن وجهه، فإذا هو طلحةُ بن عُبَيدالله
فقال: يا عمرُ، ويحَك! إنَّك قد أكثرتَ منذ اليوم، وأين التحوُّزُ أو الفرار إلاَّ إلى الله - عزَّ وجلَّ"؛ ا.هـ.
هيهات هيهات! بل حتى عِلم الطب عَلِمتْ به، ولكن العجب يَنتهي عندما يقرأ مثلَ هذا الخبر:
روى أحمد في "المسند" وغيرُه عن هشامِ بن عروة، قال: كان أبي يقول لعائشة - رضي الله عنها -:
يا أُمَّتاه، لا أعجبُ من فِقهك؛ أقول: زوجةُ نبي الله، وابنة أبي بكر، وكان أعْلمَ الناس، ولكن أعجبُ
مِن عِلمك بالطب: كيف هو؟! ومِن أين هو؟! - أو ما هو؟ - قال: فضربتْ على مَنكِبه، وقالت:
أيْ عُرَيَّةُ، إنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يَسْقَم عندَ آخِر عمره - أو في آخِرِ عمره -
وكانتْ تَقْدَم عليه وفودُ العرب من كلِّ وجه، فتنعت له الأنعات، وكُنتُ أُعالِجها له؛ فمِنْ ثَمَّ".
وأمَّا رجوع الناس إلى العمل بقولها، فانظرْ إلى ما رواه الإمام أحمدُ في مسنده من طريق منصور
عن مجاهد، عن أبي بكر بن عبدالرحمن، قال: قال أبو هريرة: مَن أصْبح جُنبًا فلا صومَ له
فأرسل مرْوان أبا بكر بن عبدالرحمن إلى عائشةَ يسألها، فقال لها: إنَّ أبا هريرة يقول:
مَن أصبح جُنبًا فلا صومَ له؟ فقالت عائشة: قد كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُجنِب
ثم يتمُّ صومَه، فأرسل إلى أبي هريرة، فأخبَرَه أنَّ عائشة قالت: "إنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم
- كان يُجنِب ثم يُتمُّ صومَه"، فكفَّ أبو هريرة.
فانظر إلى حافظِ الصحابة أبي هريرة؛ إلى كفِّه عن الحديث، وهو الذي ما
امْتَنع عن حديثِ الناس، ولكن لَمَّا أخبرتْه عائشة توقَّف! وفي بعضِ الروايات
قال: هي أعلمُ منِّي برسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال عُروة - كما في السير للذهبي -: "فلئن ذهَبَ عِلمُها، لم أسأل عنه - رضي الله عنها"؛ السير (2/183).
وأمَّا جهادُها، فقد كانتْ تشارك فيه كأيِّ امرأةٍ دون تمييز، وذلك ضمنَ الحدود التي وضَعَها الشرع
مِن سقاية الماء، ومداواة الجرْحى، وإعداد الطعام، ولا يَخْفَى علينا دورُها وهي بنت صغيرة
في حادثِ الهجرة، حتى إنَّ أبا بكر جَنَّد أهلَ بيته لخدمة دِين الله.
وفي غزوة أُحُد كانت عائشةُ - رضي الله عنها - تشارك في حمْل الماء على عاتِقِها لسقاية
المجاهدين، وكانتْ ما تزال صغيرةَ السِّنِّ، ولكنَّها شاركتْ للمرة الأولى في هذه الغزوة.
رَوَى الشيخانِ عن أنس: "ولقدْ رأيتُ عائشة بنت أبي بكر، وأمَّ سليم، وإنَّهما لمشمرتان، أرَى
خَدَم - خلخال - سُوقِهما، تنقلان القِرَب على متونهما، ثم تُفرغانِه في أفواههم
ثم تَرجعانِ فتملآنها، ثم تَجيئان تُفرغانه في أفواه القَوْم.
وفي غزوة الخَنْدق، كان لها شَجاعةٌ نادرة، وجُرأة مشهورة، حتى إنَّ عمر بن الخطاب
- رضي الله عنه - أنكر جُرْأتها لَمَّا رآها تقترب من الصفوف الأُولى للمجاهدين!
روى الإمامُ أحمد في مسنده عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "خرجتُ يومَ الخندق
أقْفو الناسَ، فسمعتُ وئيدَ الأرض ورائي، فإذا أنا بسعدِ بن معاذ، ومعه ابنُ أخيه الحارث بن أوْس
يَحْمل مِجَنَّه، قالت: فجلستُ إلى الأرض، فمرَّ سعد وعليه دِرْع من حديد قد خرجتْ منها أطرافُه
فأنا أتخوَّف على أطرافِ سعْد، قالت: وكان سعدٌ من أعظمِ الناس وأطولهم، فمرَّ وهو يَرْتَجِز، ويقول:
لَبِثَ قَلِيلاً يُدْرِكُ الهَيْجَا جَمَلْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٌ العَالِمَةُ,
مَا أَحْسَنَ المَوْتَ إِذَا حانَ الأَجَلْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٌ العَالِمَةُ,
قالت: فقمتُ فاقتحمت حديقةً، فإذا نفرٌ من المسلمين، فإذا فيها عمرُ بن الخطَّاب
وفيهم رجلٌ عليه سبغةٌ له - تعني: المِغفر - فقال عمر: ما جاء بكِ؟! والله إنَّك لجريئة
وما يُؤمِّنك أن يكون بلاءٌ أو يكون تحوُّز، فما زال يلومني حتى تمنيتُ أنَّ الأرض فُتِحت
ساعتئذٍ فدخلتُ فيها، فرَفَع الرجلُ السبغةَ عن وجهه، فإذا هو طلحةُ بن عُبَيدالله
فقال: يا عمرُ، ويحَك! إنَّك قد أكثرتَ منذ اليوم، وأين التحوُّزُ أو الفرار إلاَّ إلى الله - عزَّ وجلَّ"؛ ا.هـ.