المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير آية: ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ في الثناء على الصحابة


رهينة الماضي
25-05-2019, 02:01 PM
قال الله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾؛ أي: محمد رسول من عند الله بلا شك، يدعو الناس إلى توحيد الله وطاعته[1].

﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ ﴾؛ أي: وأصحاب محمد الذين هم معه على دينه غليظة قلوبهم على الكفار المحاربين، لا يلينون لهم، أرِقَّاء القلوب فيما بينهم، يوادُّون المؤمنين، ويعطفون عليهم، ويلينون لهم[2]؛ كما قال تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾ [التوبة: 123].

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادِّهم، وتراحُمهم، وتعاطُفِهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهَر والحُمَّى))[3]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضًا)) وشبَّك بين أصابعه[4].

قال الزمخشري: "من حق المسلمين في كل زمان أن يراعوا هذا التشدُّد، وهذا التعطُّف، فيتشدَّدُوا على من ليس على ملَّتِهم ودينهم، ويتحاموه، ويُعاشروا إخوتهم في الإسلام متعطفين بالبر والصلة، وكفِّ الأذى، والمعونة، والاحتمال، والأخلاق السجيحة"[5].

وقال ابن عاشور: "في الجمع لهم بين هاتين الخلَّتَينِ المتضادَّتَينِ: الشدة والرحمة، إيماء إلى أصالة آرائهم، وحكمة عقولهم، وأنهم يتصرَّفون في أخلاقهم وأعمالهم تصرُّفَ الحكمة والرشد، فلا تغلب على نفوسهم محمدة دون أخرى، ولا يندفعون إلى العمل بالجبِلَّة وعدم الرؤية"[6].

﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ﴾؛ أي: ترى أصحاب محمد مداومِينَ على صلاتهم، مُكثِرين منها، راكعين أحيانًا، وساجدين أحيانًا[7]، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64]، وقال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 9]، وقال عز وجل: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17، 18]، وقال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23].

وعن المخارق، قال: خرجنا حُجَّاجًا، فلمَّا بلغنا الربذة قلت لأصحابي: تقدَّمُوا، وتخلَّفْتُ، فأتيتُ أبا ذرٍّ، وهو يصلي، فرأيته يطيل القيام، ويُكثِر الركوع والسجود، فذكرتُ ذلك له، فقال: ما ألوت أن أحسن، إني سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ ركَعَ ركعةً أو سجدَ سجدةً رفع بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة))[8].

وعن عميرة بن عبدالرحمن، عن يحيى بن حسان الكندي، عن أبي ريحانة رضي الله عنه قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكوتُ إليه تفلُّت القرآن ومشقَّته عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَحْمِل عليك ما لا تطيق، وعليك بالسجود))، قال عميرة: فقدم أبو ريحانة رضي الله عنه عسقلان، فكان يُكثِر من السجود"[9].

﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾؛ أي: يطلب أصحاب محمد بجهادهم، وتراحمهم فيما بينهم، وصلاتهم أن يتفضل الله عليهم برحمته، وإدخالهم جنَّته، وأن يرضى عنهم، فهم مخلصون لله في أعمالهم[10].

كما قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 71، 72].

﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾
أي: علامة أصحاب محمد في وجوههم من أثر سجودهم في صلاتهم، ففي وجوههم في الدنيا نور وخشوع وسمْت حسن، وينور الله وجوههم يوم القيامة[11]؛ كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾ [التحريم: 8].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابة قالوا: يا رسول الله، أتعرفنا يوم القيامة؟ قال: ((نعم، لكم سِيْما ليست لأحد من الأُمَم، تردون عليَّ غُرًّا مُحجَّلين من أثَرِ الوضوء))[12].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمِعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ أُمَّتي يُدعون يوم القيامة غُرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء))[13].

وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة نور))[14].

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة))[15]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ﴾ قال: "السمت الحسن"[16].

وعن مجاهد في قوله تعالى: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ قال: "الخشوع والتواضع"[17]، وعن خالد الحنفي في قوله: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ قال: "يعرف ذلك يوم القيامة في وجوههم من أثر سجودهم في الدنيا، وهو كقوله: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ [المطففين: 24]"[18]، وعن سعيد بن جبير في قوله: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ قال: "ثرى الأرض، وندى الطهور"[19].

﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ﴾؛ أي: هذا الوصف لأصحاب محمد من الشدة على الكفار، والتراحم فيما بينهم، وكثرة صلاتهم، وإخلاصهم وصدق نيَّاتهم، وسيماهم في وجوههم؛ صفتهم في التوراة [20].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ قال: "أصحابه،﴿ مَثَلُهُمْ ﴾؛ يعني: نعتُهم مكتوبٌ في التوراة والإنجيل، قبل أن يخلق السماوات والأرض"[21].

﴿ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾؛ أي: وصفة أصحاب محمد في الإنجيل كزرع أخرج صغاره من الفروع والورق التي تنبت حول أصله[22].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقُها، وإنها مثل المسلم، حدثوني ما هي؟)) قال: فوقع الناس في شجر البوادي قال عبدالله: فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييتُ، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟! قال: ((هي النخلة))[23].

وعن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته))[24]، وعن عطاء الخراساني في قوله عز وجل: ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ قال: "شطأه: ورقه"[25].

﴿ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ﴾؛ أي: فقوَّى الزرعَ ورقُه الذي نبت حول أصله، فغلظ الزرع، وتناهى طوله، وبلغ غاية قوته، وقام على أصوله[26].

كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63]، وعن الضحاك في قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾، قال: "يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، يكونون قليلًا، ثم يزدادون ويكثرون ويستغلظون"[27].

قال ابن عاشور: "هذا يتضمَّن نماء الإيمان في قلوبهم، وبأنهم يدعون الناس إلى الدين حتى يكثر المؤمنون، كما تنبت الحبة مائة سنبلة، وكما تنبت من النواة الشجرة العظيمة"[28].

﴿ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ﴾؛ أي: يعجب الزرع الذي استغلظ فاستوى على سوقه في حسن نباته الذين زرعوه[29].
كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس قَرْني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))[30].

﴿ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾؛ أي: إنما كثَّر الله أصحاب نبيِّه وقوَّاهم ليغيظ بهم الكفَّار حين يرون كثرتهم وقوتهم[31]، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ﴾ [آل عمران: 119]، وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 51 - 54]، وقال عز وجل: ﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾ [التوبة: 120]، وقال جل وعز: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ [الحج: 72]، وقال عز شأنه: ﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: 7].

وعن أبي عروة الزبيري قال: كنا عند مالك، فذكروا رجلًا ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ مالك هذه الآية: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح: 29]، فقال مالك: "من أصبح وفي قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية)[32].

قال ابن تيمية: "قوله تعالى: ﴿ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ فلا بد أن يغيظ بهم الكفار، وإذا كان الكفار يغاظون بهم، فمن غِيظ بهم فقد شارك الكفار فيما أذلهم الله به، وأخزاهم وكبتهم على كفرهم، ولا يشارك الكفار في غيظهم الذين كبتوا به جزاء لكفرهم إلا كافر"[33].

قال ابن القيم: "مغايظة الكفار غاية محبوبة للرب، مطلوبة له، فموافقته فيها من كمال العبودية، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي إذا سها في صلاته سجدتين، وقال: ((إن كانت صلاته تامة كانتا ترغيمًا للشيطان))، وسماها المرغمتين، فمن تعبَّد الله بمراغمة عدوِّه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربِّه وموالاته ومعاداته لعدوِّه يكون نصيبه من هذه المراغمة"[34].

وقال ابن كثير: "من هذه الآية انتزع الإمام مالك - رحمه الله في رواية عنه - بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء على ذلك، والأحاديث في فضائل الصحابة، والنهي عن التعرُّض لهم بمساءة كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم"[35].

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾؛ أي: وعد الله الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحة التي أمرهم بها الله من أصحاب النبي ومن اتَّبعهم على الإيمان والعمل الصالح مغفرة لذنوبهم، وثوابًا عظيمًا في الجنة[36]، كما قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 9]، وقال سبحانه: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفه))[37].

وقال ابن كثير: "كل من اقتفى أثر الصحابة، فهو في حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأُمَّة، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل"[38].

قلت: ختم الله هذه الآية الكريمة بوعدٍ كريمٍ أنه يغفر ذنوب الصحابة رضي الله عنهم، فهنيئًا لهم هذا الوعد الصادق: مغفرة الذنوب، مع الأجر العظيم.

وقد أثنى الله على الذين جاءوا من بعد الصحابة إذا كانوا يسألون الله أن يغفر لهم ذنوبهم، ويسألونه أيضًا أن يغفر لأصحاب نبيه ذنوبهم، فلا معصوم من الذنوب إلا الأنبياء، ولا أحد يستغني عن رحمة الله ومغفرته؛ قال الله سبحانه: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 8- 10

ابن الجبل
25-05-2019, 02:13 PM
لو ان هذة المعلومات الرائعة تُختصر ستكون اجمل

بوركت وما جلبت لنا

جوزيت الجنان ورضى الرحمن

فريال سليمي
25-05-2019, 08:59 PM
جعلها الله في موازين حسناتك
واثابك الله الجنة ونعيمها
وسدد خطاك دوما لكل خير وصلاح
دمت في حفظ الله ,. http://3b8-y.com/vb/images/smilies/5ajle%20%2885%29.gif

همس الروح
25-05-2019, 10:21 PM
جزاك الله خير على الموضوع القيم جعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الاجر يارب وانار الله قلبك بنور الايمان
والبسك الله لباس التقوى والمغفرة
دمت بخير وسعادة .. :100 (109)::100 (109):

امير بكلمتى
25-05-2019, 11:02 PM
طررح يفوق آلجمآل ,
‎كعآدتك إبدآع في صفحآتك ,
‎يعطيك آلعآفيـه يَ رب ,
‎وبِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
‎لقلبك السعآده والفـرح ..
‎ودي

:w6w_20060309175028d

مـخـمـلـيـة
26-05-2019, 01:39 PM
أثآبك الله وبآرك فيك
وجزآك خير الجزآء
وجعله في ميزآن حسنآتك :365:

إلين
27-05-2019, 02:15 AM
اجزل الله مثوبتك ونفع بك
وبارك الله فيك
أنار الله قلبك بالإيمان
ولا حرمك أعلى الجنان

تاج المملكة
27-05-2019, 04:18 AM
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
لاعدمنا روعتك
ولك احترامي وتقديري

:200 (54):

ريآن
28-05-2019, 04:03 AM
جزيتم الجنان
ورضى الرحيم الرحمن
أدام الله سعادتكم
ودمتم بــ طاعة الرحمن

ريان

http://vintageholidaycrafts.com/wp-content/uploads/2009/03/free-vintage-yellow-rose-with-green-and-brown-leaves.jpg

لَذة عِشّق♪♥
28-05-2019, 10:43 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

♥..αмαℓ
30-05-2019, 06:03 AM
*,

جزاك الله خير على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردوس الاعلى من الجنة
الله لايحرمنا من جديدك
ودي وتقديري

:beatingheartplz:

❞ غَدقٌ نَبضِّه♪
18-06-2019, 03:12 AM
-
جزاك الله خير .,http://3b8-y.com/vb/images/smilies/5ajle%20(77).png

روحي تبيك
18-06-2019, 04:57 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك
:red_rose_by_jasmine

حـُـلم
11-07-2019, 12:44 AM
سلمت يمناك ولا هنت
ننتظر جديدك بكل شوق
مني ارق التحايا واعذبها

سما الموج
21-07-2019, 09:43 PM
بارك الله فيك على الانتقاء القيم والمفيد
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
وفي انتظار المزيد من مواضيع الاعجاز العلمي
https://www.3b8-y.com/vb/images/smilies/100%20(109).gif

عيون الريم
31-08-2019, 04:40 PM
لاعدمتُ نوراً يبزغ من حروفكم
جعل الله أنـآملك كقنديل يهدي للخير دوماً
لـ آرواحكم أكاليل الياسمين
:/:261:

الشاهين
02-09-2019, 11:11 PM
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ

جوري
07-09-2019, 02:12 AM
|





















































































جُزيت الجنان ورضى الرحمن
على طرحك القيّم
وجُعل في موازين حسناتك ..!

:100 (103):

ابتسامة الزهر
07-09-2019, 06:10 PM
جزاك الله خير
وجعلها في موازين حسناتك
واثابك الله الجنه ان شاء الله
على ماقدمت

رفيق الالم
13-09-2019, 03:17 AM
..

جزاك الله خيرا
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك
دمت بكل خير
http://www.nalwrd.com/vb/upload/4183nalwrd.gif

عبير الليل
17-08-2021, 06:38 AM
‏ انتقاء بآذخ الجمآل ,
بِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
لك من الشكر وافره,~
|
‏:bright_flower_by_va

امير بكلمتى
28-11-2021, 07:18 AM
طرح مميز ورائع
وأطروحاتك دائماً قيّمة
ثريه بالجمال والابداع
دمت برضا

تحياتي لك

:rose-plz:

همس الروح
30-11-2021, 08:09 PM
جزاك الله خير على الموضوع القيم جعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الاجر يارب وانار الله قلبك بنور الايمان
والبسك الله لباس التقوى والمغفرة
دمت بخير وسعادة

العاشق الذى لم يتب
24-01-2022, 07:43 PM
:100 (20):
جزاكم الله خيرا
وبارك فيكم
طرح مفيد وجميل
دام حضوركم
لكم التحيات والدعوات
:100 (19):
رفعت احمد
:so_cute_by_vafiehya

عذبة المعاني
27-01-2022, 01:22 PM
جُزيت الجنان ورضى الرحمن
على طرحك القيّم
وجُعل في موازين حسناتك .
:100 (103):