أعظم عقوبة : قسوة القلب
من أسباب قسوة القلب
أَعْظَمُ العُقُوْبَة عَدَمُ الإِحْسَاسِ بِالعُقُوْبَة، وَمِنْ تِلْكَ العُقُوْبَاتِ الخَفِيَّة:
قَسْوَةُ القَلْب، والغَفْلَةُ عَنْ لِقَاءِ الرَّب، قالَ الإِمَامُ مَالِك: "مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ:
أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ!"ومُخَالَفَةُ أَوَامِرِ اللهِ سَبَبٌ لِقَسْوَةِ القَلْبِ!
قال تعالى: ï´؟
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةًï´¾[المائدة:13].
والاِنْغِمَاسُ في طَلَبِ الدُّنْيَا، وَطُوْلُ الأَمَل؛ يُفْضِي إِلَى جَفَافِ العَيْنِ،
وقَسْوَةِ القَلْبِ! ï´؟
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ
مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمï´¾[الحديد:ظ،ظ¦].
قال بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: "أَيْ لَمَّا طَالَتْ آمَالُهُمْ قَسَتْ قُلُوْبُهُمْ". وَجَاءَ في الأثَر: "أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ: جُمُوْدُ الْعَيْن، وَقَسْوَةُ الْقَلْبِ،
وَطُوْلُ الأَمَل، والحِرْصُ على الدُّنْيَا!".
وَقَسْوَةُ القَلْبِ: ضَلالٌ وحِرْمَان، وَحِجَابٌ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَن،
قالَ تعالى: ï´؟
فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍï´¾[الزمر:22].
وَمِنْ صِفَاتِ أَهْلِ النَّارِ: القَسْوَةُ والاِسْتِكْبَار! ومَا خُلِقَتْ النَّارُ الحَامِيَة؛
إِلَّا لِإِذَابَةِ الْقُلُوبِ القَاسِيَة! قالَ -صلى الله عليه وسلم-:
"أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ!".
قالَ ابْنُ عُثَيْمِين: "العُتُلّ: الشَّدِيدُ الغَلِيظُ، الَّذِي لا يَلِيْنُ لِلْحَقِّ ولا لِلْخَلْقِ!".
والفَظَاظَةُ والقَسْوَةُ سَبَبٌ لِلْنُّفْرَةِ والوَحْشَةِ،
ï´؟
وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَï´¾[آل عمران:159].
قالَ ابْنُ كَثِير: "أَيْ: لُوْ كُنْتَ سَيّءَ الْكَلَامِ، قَاسِيَ الْقَلْبِ؛ لَانْفَضُّوا عَنْكَ
وَتَرَكُوْكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَمَعَهُمْ عَلَيْكَ، وَأَلَانَ جَانِبَكَ لَهُمْ".
من آثار قسوة القلب
وَالقَلْبُ القَاسِي أَضْعَفُ القُلُوْبِ، وَأَسْرَعُهَا قَبُوْلًا لِلْشُّبْهَةِ، وَوُقُوْعًا
في الفِتْنَة ï´؟
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْï´¾[الحج:53].
وَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ قَاسِيًا حَجَرِيًّا فَإِنَّهُ لا يَقْبَلُ الحَقَّ، وَلَوْ كَثُرَتْ دَلَائِلُه؛
كَمَا لَا تُنْبِتُ الأَرْضُ الصَّلْبَة، وَلَوْ أَصَابَهَا كُلُّ مَطَرٍ، قالَ شَيْخُ الإِسْلَام:
"إِنَّ الْقَلْبَ إذَا كَانَ قَاسِيًا غَلِيظًا؛ بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ لَا يَنْطَبِعُ فِيهِ الْإِيمَانُ وَالْعِلْمُ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا لَيِّنًا".
وَخَيْرُ القُلُوْبِ القَلْبُ الصَّافِي اللَّيِّن؛ فَهُوَ يَرَى الحَقَّ بِصَفَائِهِ،
وَيَحْفَظُهُ بِلِيْنِهِ، ï´؟وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ
فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمï´¾[الحج:54]، قال الكَلْبِي: "
فَتَرِقَّ لِلْقُرْآنِ قُلُوْبُهُمْ".
وَمِنْ آثَارِ قَسْوَةِ القَلْب: سُوْءُ الفَهْمِ والقَصْد، وتَحْرِيْفُ الدِّيْن،
قال تعالى: ï´؟
وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِï´¾[المائدة:13].
من معينات تليين القلب
اذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا سَقَاهُ مِنْ أَدْوِيَةِ المَصَائِب، مَا يُلَيِّنُ قَلْبَه.
قالَ بَعْضُهُمْ: "لَوْلَا مِحَنُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا؛ لَأَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ أَدْوَاءِ الْكِبْرِ
، وَالْعُجْبِ، وَالْفَرْعَنَةِ، وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ؛ مَا هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِ!".
ï´؟
فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْï´¾[الأنعام:43].
وَمِمَّا يُلَيِّنُ القُلُوْب: مُخَالَطَةُ المَسَاكِيْن وَمُسَاعَدَةُ المَكْرُوْبِيْن؛ فَقَدْ شَكَا رَجُلٌ
إِلَى رَسُوْلِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ؛ فَقَالَ لَهُ: "إِنْ أَرَدْتَ
تَلْيِينَ قَلْبِكَ: فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ"
وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ: تَفْتَحُ مَغَالِيْقَ القُلُوْب، وَتُذِيْبُ قَسْوَتَها،
ï´؟لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِï´¾[الحشر:21].
قالَ ابْنُ القَيِّم: "فَهَذَا حَالُ الْجبَالِ -وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصَّلْبَةُ- وَهَذِهِ رِقَّتُهَا
وَخَشْيَتُهَا مِنْ جَلَالِ رَبِّهَا؛ فِيَا عَجَبًا مِنْ مُضْغَةِ لَحْمٍ أَقْسَى مِنْ هَذِهِ الْجِبَال؛
فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ عَلَى اللهِ: أَنْ يَخْلُقَ لَهَا نَارًا تُذِيْبُهَا! فَمَنْ لَمْ يَلِنْ للهِ
في هَذِهِ الدَّارِ قَلْبُهُ؛ فَلْيَتَمَتَّعْ قَلِيلًا؛ فَإِنَّ أَمَامَهُ المُلِيّنُ الأَعْظَم".
وذِكْرُ الآخِرَةِ يُزِيْلُ الغَفْلَةَ، ويَكْسِرُ القَسْوَةَ، قال -صلى الله عليه وسلم-:
"أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ". يَعْنِي الْمَوْتَ.
وَمِنْ أَدْوِيَةِ قَسْوَةِ القَلْب: زِيَارَةُ القُبُوْر، وَذِكْرُ البَعْثِ والنُّشُوْر، وَتَرْكُ الذُّنُوْب،
وَذِكْرُ عَلَّامِ الغُيُوْب! قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: "يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي؟"،
قَالَ: "أَذِبْهُ بالذِّكْرِ!"هَذِهِ الْقُلُوبُ تَقْسُوْ كَالْحَجَر، وَتَصْدَأُ كَالْحَدِيْد، وَتَتَّسِخُ كَالثِّيَاب؛
فَتَعَاهَدُوْهَا بِالتَّنْظِيْفِ والصِّيَانَة، وَلَيّنُوْهَا بِالتَّوْبَةِ والضَّرَاعَة، قَبْلَ أَنْ تَقُوْمَ السَّاعَة.
ï´؟يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍï´¾[الشعراء: 88-89].
أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين