عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 19-10-2019, 11:01 AM
حور غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 475
 اشراقتي » Dec 2017
 كنت هنا » 22-08-2023 (01:19 AM)
آبدآعاتي » 19,855[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
 
افتراضي نظرة الصحابة إلى الدنيا



نظرة الصحابة إلى الدنيا كانت نظرة عجيبة جدا، نظرة متوازنة بشكل لافت للنظر، فهم من جانب لا يعطوا لها قيمة في حياتهم، يتنازلون عنها بسهولة، وببساطة شديدة، وكأنها لا تساوي درهما، ومع ذلك فهم من جانب آخر يعملون فيها بجد واجتهاد؛ يزرعون، يتاجرون، يتكسبون المال، يعمرون الأرض، ومنهم الأغنياء الذين لا تحصى أموالهم، والملاك الذين تجاوزت أراضيهم مئات الأفدنة.
الدنيا في أعين الصحابة لم تكن غاية، ولم تكن هدفًا، بل كانت وسيلة إلى إرضاء الله
، كانت الدنيا بحق معبرًا إلى الآخرة، ومن ثَم كانت وسيلة إلى تنفيذ كل ما أمر الله به, الله أمر بإعمار الدنيا، فليكن الإعمار.. الله أمر بكفالة الأسرة، والزوجة، والأولاد، والآباء، والأمهات، فليكن العمل في الدنيا لتحصيل المال لكفاية هؤلاء.. الله حض على الجهاد بالمال، فلا بد من وجود المال حتى يجاهد به.. الله حضَّ على الوقوف في وجه الكافرين، فلا بد من العمل في الدنيا لإعداد العُدَّة لمواجهة الكافرين,؛ فأنا أعمل في الدنيا لأرضي الله، أكسب الأموال لإرضاء الله, أتزوج لأرضي الله, أنجب مرضاة لله, أعمل كل شيء في الدنيا؛ لكي أرضي الله.. وبذلك قد أصبح من أغنى الأغنياء وأنا أرضي الله i، لكن في نفس الوقت لا يوجد مانع أن أترك الدنيا كلها، وأصبح أفقر مَنْ فيها؛ لكي أرضي ربنا i، علاقة تفاعلية رائعة، فقهها الصحابة، معادلة صعبة جدًّا، لكن حققوها ببساطة شديدة جدا لما ساروا على نهج الله.
حقيقة حجم الدنيا
الدنيا في حقيقتها لا تساوي عند الله شيئًا، ومن ثم فهي لا تساوي عند المؤمنين بالله شيئًا، لا يجوز التسارع من أجلها, لا يجوز التشاحن والبغضاء من أجل جزء منها، ولو كان عظيمًا في أعين الناس، وفي ذات الوقت لا يجوز اعتزالها وتركها وإهمالها، لا يجوز التأخر فيها، لا يجوز تركها غنيمة في أيدي أعداء الدين.
ولكن كيف فَقِهَ الصحابة هذا الفقه المستنير لحقيقة الدنيا؟
كيف حققوا المعادلة الصعبة، بل المستحيلة في أعين الكثيرين؟
أحيانًا تجد من يقول: إما دنيا وإما آخرة، لن ينفع أن تعمل للدنيا وتعمل للآخرة في نفس الوقت، وكيف تصبح من طلاَّب الآخرة، وأنت تعمل في الدنيا، وتكافح، وتتزوج، وتكسب، وتفرح، وتضحك.
كيف وصل هذا الفهم لدى الصحابة؟
وصل إليهم هذا الفتح العميق، والفهم الدقيق عن طريق معلمنا، ومعلم البشرية أجمعين، وصل إليهم عن طريق كلماته، وأفعاله، عن طريق ما نقله عن رب العزة i من آيات معجزات في القرآن الكريم.
كانت حياته تطبيقًا حيًّا دقيقًا لكل كلمة قالها.
كيف رأى الصحابة الدنيا بعين الرسول؟
وكم بلغ حجم الدنيا الحقيقي عندهم؟
روى مسلم عن المستورد بن شداد قال: قال رسول الله:"وَاللَّهِ".
الرسول لا يحتاج لأن يقسم، وهو الصادق الأمين، لكن قد تكون الحقيقة أحيانًا مستغربة لدى كثير من الناس؛ فالرسول يقسم ليصدق الناس أكثر وأكثر، ويقول: "وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلَ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعُهُ هَذَا - وأشار يحيى بن سعيد أحد رواة الحديث أشار إلى السبابة - فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا تَرْجِعُ".
تخيل نفسك، وأنت تغمس إصبعك في البحر، بماذا خرج؟
قطرات، لم يقل حتى تنزل كفك في اليم وتغرف به، هو إصبع واحد فقط تغمسه في اليم، وانظر بما يخرج، وما خرج به هو حجم الدنيا بالنسبة للآخرة.
الدنيا، كل الدنيا، الدنيا بأموالها، وأملاكها، وأرضها، ومتعتها، وزهرتها، كل الدنيا، ما هي إلا قطرات في الآخرة، الدنيا بكل ما فيها من جنيهات، بل قُلْ دولارات، بكل ما فيها من دولارات، واليورو، والريال، والدينار الكويتي، كل ما يحبه، ويهواه قلبك, كل هذه الدنيا لا تساوي إلا قطرات قليلة بالنسبة لليم، إذا قورنت بالآخرة، هذه حقيقة حجم الدنيا.
هل فهمنا الدنيا بحجمها الحقيقي أم أعطينها حجمًا أكبر من حجمها الطبيعي؟
روى الإمام أحمد، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: "مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، وَمَا لِلدُّنْيَا وَمَا لِي، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ[1] فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا".
حياتك على الأرض مثل فترة القيلولة التي قضيتها تحت ظل شجرة، في صحراء واسعة جدًّا مررت عليها في يوم من أيام حياتك، واليوم مضى وانتهى من زمان.
قارن عمرك في الأرض بالفترة التي ستعيشها في القبر بعد ذلك، وقارن كل ذلك بالخلود في الآخرة، يوجد أناس في القبر منذ ألف سنة، وأناس منذ ألفين، وأناس منذ خمسة آلاف سنة، ومن يعلم ماذا بقي في عمر الدنيا، وأنت مهما عشت، فكم ستعيش.. ستين، أو سبعين سنة، أو مائة سنة؟ ثم ماذا بعد؟ راح وتركها، وماذا يكون الوضع عند البعث في يوم القيامة؟
سيكون الوضع لا موت مرة ثانية، بل خلود وحياة إلى ما لا نهاية، إما جنة أو نار إلى ما لا نهاية،
فكم يساوي شيء تقارنه بما لا نهاية؟
يقول علماء الرياضيات: إن الشيء الذي تقارنه بما لا نهاية يساوي صفرًا، فحينما تُحسب حياتك على وجه الأرض مثل من استراح في وقت القيلولة فقط، تحت ظل شجرة في يوم من الأيام، فهذه مبالغة، حياتك أقل من ذلك، فالفترة تساوي صفرًا؛ لأنها تقاس إلى ما لا نهاية بيوم القيامة.
روى مسلم عن جابر رضي الله عنهما أن رسول الله مر بالسوق -دخل السوق حيث كان قادمًا من منطقة اسمها العالية داخل المدينة وداخل سوق المدينة- مر بالسوق والناسُ كَنَفَتَهُ (أي: أحاط به الناس من جانبه)، ومن هم الناس؟
هم الصحابة، هم الجيل الذي تربى على يد النبي، والذي نريد أن نقلده, وأراد الرسول أن يعلمهم درسًا عمليًّا.
فمرَّ بِجَدْىٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ.
جدي أسكَّ أي صغيرة أذنه، والجدي صغير الأذن جديّ معيوب، الناس كانت تعتبره جديًا معيوبًا، لا تشتريه حتى لو كان حيًّا.
فتناوله، فأخذ بأذنه.
أي أمسكه من مكان عيبه، ليقول للصحابة أنه يعرف أنه جدي معيوب.
ثم قال: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟"
من يشترى هذا الجدي المعيوب الميت بدرهم؟
فقال الصحابة: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟
ولو أخذناه ماذا نفعل به؟ ثم قال: "أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ؟".
قالوا: والله لو كان حيًّا لكان عيبًا.
إنه أسكَّ، فكيف وهو ميت؟!
يظنون أن الرسول لا يعرف عيبه، فهم يوضحون له الرؤية، والرسول يعرف أن الجدي أسك، وهو يمسك أذنه، ويعرف أنه ميت وواضح لهم هذا الأمر فقال ليوضح لهم قيمة الدنيا، فقال: "وَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ".
يا سبحان الله! الدنيا! كل الدنيا أهون على الله من الجدي المعيوب الميت، سبحان الله! فلماذا التصارع على الدنيا؟!
ويخسر بعضنا بعضًا من أجلها، لماذا الظلم؟
لماذا يظل أناس طوال عمرها كله تكافح، وتظلم، وتغش، وتعصي، لتكسب كرسي في الدنيا، أو شقة في الدنيا، أو وزارة في الدنيا، أو ملك في الدنيا؟ مع أن الدنيا -كل الدنيا- أرخص من جدي أسك ميت لا يساوي درهمًا، ولا حتى أقل من درهم.
إن هذا المثل الذي ضربه الرسول لنعرف حقيقة الدنيا. لماذا كل هذا الصراع على الدنيا؟
لأن الناس حتى الآن لم تفقه حقيقة وقيمة الدنيا، انشغلت بالمظهر عن المخبر، لا تعرف الحقيقة، ما قارنت يومًا بين الدنيا وبين الآخرة، ولتسمها جهلاً، أو حماقة، أو غفلة، المهم أن الناس لا تستطيع معرفة القيمة الحقيقة للدنيا، ولو عرفتها ما أصبح هذا حالها أبدًا.
روى الترمذي، وقال: حسن صحيح. عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ".
جناح بعوضة! ليست بعوضة كاملة، الدنيا لا تعدل جناح بعوضة، لو كانت الدنيا كذلك، ما سقى الكافر منها شربة ماء، لكننا نرى الكفار يشربون الماء في الأرض؛ لأن معنى ذلك أن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء، الدنيا أقل من جناح بعوضة.. فأهل الأرض كلهم يتقاتلون ويتصارعون من أجل جزءٍ من جناح بعوضة، لماذا ينشغل الناس في الدنيا؟
وأين عملهم للآخرة؟
وإن وجد عمل للآخرة، فإنه قليل جدًّا بالنسبة إلى ما يفعلونه للدنيا، قد نسهر للعمل، أو للفسحة، أو للتليفزيون، ولم نفكر أن نسهر لقيام الليل، ننزل للعمل، وللنادي، وللشاطئ، وللزيارات الشخصية، وبعد كل هذا لا ننزل للجامع، ونحتج بأن لا وقت لدينا للصلاة في جماعة، نصرف في الأكل، واللبس، والمصيف، والسيارة، والشاليه، ولا نصرف لفلسطين، ولكشمير، وللشيشان؛ لأننا لم نفهم حقيقة وحجم الدنيا، اسمها دُنْيَا، ليست عُلْيَا.
هذه هي الدنيا كما وصفها رسول الله، وكما علمها لصحابته أجمعين، يقول الله في كتابه: {إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} [يونس: 24].
وصلت إلى أعلى قمة من القمم، وصلت لأكثر درجة من الرقي..
{وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَ} [يونس: 24].
كل شيء ميسر، كل شيء بالريموت كنترول، كل شيء بالليزر، كل شيء عن طريق الأقمار الصناعية، ظنوا أنهم قادرون على الأرض، وسيطروا عليها..
{أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا} [يونس: 24].
هي لحظة، لا يوم، أو يومين، أو ثلاثة لتهلك الأرض
{فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس: 24].
انتهت الدنيا، كل الدنيا التي نعيش فيها من أولها لآخرها في عمر الزمان، وفي عمر المكان
[كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] [يونس: 24].
لا بد أن نتفكر، فكل هذه الأمثلة لنتفكر، ولا بد أن يكون وراء التفكر عمل، إذا لم يكن بعد التفكر عمل، فليس هناك فائدة في كل ما ذكرناه من آيات وأحاديث.




 توقيع : حور

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ حور على المشاركة المفيدة:
,