عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 20-03-2020, 06:25 PM
حور غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 475
 اشراقتي » Dec 2017
 كنت هنا » 22-08-2023 (01:19 AM)
آبدآعاتي » 19,855[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
 
افتراضي أصحاب اليمين في الجنة



قال تعالى : {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ...} [الواقعة : 27 - 30]

وصفت بيئة أصحاب اليمين في الجنة ، بان ما يكتنفهم هو :

1 ـ سدر مخضود ، منزوع الشوك لا يكلف صاحبه رشح تعب يبذله في نزع الشوك : عند تناوله.

2 ـ طلح منضود : نوع من الأثمار أو الأشجار يتميز بجمال الطعم أو الشكل.

3 ـ ظل ممدود : لا تنسخه الشمس التي تعهدها.

4 ـ ماء مسكوب : لا ينقطع عنهم.

5 ـ فاكهة كثيرة : لا (تنقطع) في موسم دون آخر ، ولا تمنع عنهم بسبب أو بآخر.

6 ـ فرش مرفوعة : قد تكون بسطا عالية ، وقد تكون (رمزا) للحور.

ويعنينا من هذا الوصف صلته أولا بسلوكنا الدنيوي ، والفارق بين (السابقين) و(أصحاب اليمين) ثانيا : من حيث صلته أيضا بسلوكنا الدنيوي.

أما الفارق بين الجنتين ، أو البيئتين ، أو المكانين اللذين خصصا لكل فريق أو طبقة : فمن الوضوح بمكان كبير.

إن مستويات (الترف) التي لحظناها في وصف (السابقين) قد اختفت هنا تماما : سواء أكان ذلك متصلا بالمكان ، أو الأكل والشرب ، أو الخدمة.

على سبيل المثال : لم يرد وصف في كل نصوص القرآن الكريم [من حيث المكان] بان (السرر) موضونة أي محبوكة ، منسوجة ، متشابكة إلا في مورد واحد هو : وصف السابقين. ومن حيث (الخدمة) : لم يرد وصف للكؤوس ، والأباريق ، والأكواب : مجتمعة : إلا في مورد واحد هو : وصف السابقين.

ومن حيث (الأكل) ، فإن لحوم الطير لم ترد إلا في مورد واحد هو : وصف السابقين.

إن ذلك ، يعني ـ من حيث الدلالة الفكرية ـ أن الاشباع الأخروي يقابله جوع دنيوي يتناسبان طرديا : أحدهما بالنسبة إلى الآخر.

فالسابقون : هم خاصة البشر ، أولياء ، متقون. لم يصدر عنهم سلوك خاطئ : إلا ما لا يطلق عليه مصطلح (الخطأ).

أما ما دونهم ، فقد يتراوحون بين الصواب والخطأ على نسب مختلفة ،… لكنهم بعامة ، متجهون نحو الله ، يوظفون طاقاتهم للخلافة في الأرض.

فالمهم ، ان المتمحض في نشاطه لله ، غير الممتزج برائحة (الذات) : فالمجاهد في سوح القتال غير القاعد. والمجاهد بدمه غير المجاهد بأمواله فحسب.

وهكذا فيما يتصل بجهاد النفس.

المهم ـ للمرة الجديدة ـ ان الدلالة الفكرية للقصة ، مؤشر : إلى ان الشخصية الإسلامية بقدر ما تتنازل عن (ذاتها) في الحياة الدنيا ، تحقق (اشباعا) أخروي يتناسب مع درجة تنازلها عن الذات…. وفي هذا كفاية : لكل معتبر.

لعل ما يعزز هذه الدلالة المستخلصة : من ان حجم التنازل عن الذات في الدنيا يتناسب مع حجم الإشباع في الأخرى ، هو : الوصف الذي بدأت القصة به في بيئة اصحاب الشمال ، بعد أن انتهت من وصف البيئة للسابقين وأصحاب اليمين.

لقد بدأت القصة ـ أول ما بدأت به في وصف أصحاب الشمال ـ على هذا النحو :

{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة : 45]

والترف يعني : قمة الاشباع للحاجات الدنيوية.

ومع ان القصة تحدثت فيما بعد عن شخصيات أصحاب الشمال وربطتهم بالسلوك المنكر لليوم الآخر ، إلا أن (الترف) الدنيوي في حقيقة الأمر هو السبب الكامن وراء الإنكار. وهذا ما يفسر ـ من حيث الدلالة الفنية ـ صياغة مفهوم (الترف) بمثابة بداية قصصية قبل الحديث عن السلوك المنكر لليوم الآخر ، مما يعني : ان الترف أو البحث عن اشباع الذات يقف وراء كل سلوك سلبي : سواء أكان هذا السلوك : إنكارا فكريا لليوم الآخر ، أو ايثارا لمتاع الحياة الدنيا.

ان القاعد عن الجهاد بلا عذر مثلا مع إيمانه بمشروعيته ، يظل مؤثرا (ترف) الحياة الدنيا بما يواكب هذا الترف من تشبث بالحياة ، وتدفق حاجاته فيها.

كما أن الذي يمارس الخديعة والغش والكذب والافتراء والتجريح ،… والكبر والسيطرة والتعالم ،… وسوء الظن ، وتخريب العلاقة بين الأطراف ،…و…و… الخ ،… أولئك جميعا ، يجسدون ـ دون أدنى شك ـ بحثا عن (ترف) الحياة في متاعها العابر.

بيد ان قمة الترف تظل متجسدة في الانكار لليوم الآخر ، لكن : دون ان يعني ذلك إعفاء المؤمنين بالله ، من مسؤولية ايثارهم (ترف) الحياة الدنيا في مفردات السلوك اليومي الذي يمارسونه.

ولعل الفارقية التي رسمتها القصة بين (السابقين) إلى الطاعة ، وبين أصحاب اليمين من جانب : وصلة ذلك بدرجة التنازل عن الذات.. ، عن الترف… ، ثم وصل ذلك بظاهرة (الترف) الذي بدأت به قصة أصحاب الشمال ،… لعل ذلك ، يوحي ـ بطريقة فنية غير مباشرة ـ بضرورة إدراك مثل هذه الدلالة الفكرية التي تظل مؤشرا ، إلى ان المعيار ـ في السلوك الدنيوي ـ هو : التنازل عن الذات ، وإلى ان البيئة الاخروية تتعامل مع الشخوص بقدر حجم التنازل عن الذات : في المتاع الدنيوي العابر.

وحين نتجه إلى متابعة بيئة النار [اعاذنا الله منها] ، نجد ان أصحاب الشمال ينتظمهم وصف يقابل تماما ، من حيث الايغال في (العذاب) : الايغال في (الترف). فقد تقدمت القصة بكل مشخصات البيئة الحسية التي يواجهها صاحبها :

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ..} [الواقعة : 41 - 43]

فهناك ثلاثة مثيرات أو منبهات هي : سموم ، وحميم ، ويحموم ، أي : ريح وماء ودخان.

فالحاسة اللمسية التي تظل هي المادة التي يصب العذاب عليها ، قد اقترنت بكل من حاستي السمع والبصر ، فضلا عن حاسة الشم ، [الريح والدخان]. ويكفي ان يقترن هول (الحريق) بهول الريح اللافحة ، وبهول الدخان : حتى يتحسس صاحبها مدى ضخامة الهول الذي تتحسسه أربعة حواس : اللمس ، الشم ، البصر ، السمع.

يضاف إلى ذلك ، ان الحاسة الخامسة : (الذوق) ، قد خصص لها النص شريحة خاصة ، عندما خاطب المكذبين :

{ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الواقعة : 52 ، 53]

وهذا فيما يتصل بالأكل.

أما ما يتصل بالشرب : {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } [الواقعة : 54 ، 55]

إذن : كل اجهزة الحس التي تتسلم المنبهات ، وتترجمها إلى ردود فعل حركية ونفسية : كل هذه الاجهزة تتآزر في صب العذاب على صاحبها ، مما يكشف عن مدى (الهول) : قبال مدى (الترف) ، أو : مدى الفارق بين الطاعة والعصيان والدرجات القائمة بينهما في السلوك الدنيوي ، وانسحابه على البيئة الاخروية
|




 توقيع : حور

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ حور على المشاركة المفيدة: