فنحن في ختام العام، وختام العام هو حصيلة سنة كاملة من العمل والكسب: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6].
فهل تذكر في هذا العام شيئًا مميزًا يبقى أجره لك بعد مغادرتك الدنيا؟ إننا في وقت محاسبة كما يقوم أصحاب الأعمال والأموال والمحاسبات بإغلاق حساباتهم ختام العام، فلنحاسب أنفسنا هذه الأيام لنغلق أعمال هذه السنة، ونتذكَّر أفضل ما عملنا فنثبت عليه وننمِّيه، وأسوء ما عملنا فنتوب منه وننساه، كلٌّ منا يحب أن ينقضي عمله بنجاح، فلنُنهِ عامنا بنجاح أيضًا، فمن حجَّ فقد ودَّع عامه بفريضةٍ عظيمة تغفر الذنوب وتغسل الأوزار، وتعيد المسلم كما ولدته أمُّه، ومن ختم عامه بصيام عرفة والاجتهاد في أيام العشر، فقد ودَّع عامه بتكفير ذنوب سنتين وأجور عظيمة، ومن ختم عامه ببر الوالدين وصلة الرحم ومساعدة المحتاجين والمساكين، فقد جمع الجبال من الحسنات، ومن ختم عامه بتقديم مشروعات مفيدة للبلاد والعباد، فقد وفقه الله، ولكن كما يقال: ليس المهم أن تصل إلى القمَّة، ولكن المهم أن تثبت عليها.
ومن الثبات صيام أول العام شهر المحرم الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم"؛ رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالخواتيم"؛ رواه البخاري.
و في دعاء السلف المأثور: "اللهم اجعل خير عملي خاتمته وخير عمري آخره".
العبرة بالخاتمة؛ لأنها آخر عمل الإنسان، فهو ما ثبت عليه واستقر عليه، فمن الناس من يبدأ عامه بالسيئات والتجاوزات والبعد عن الله، ولكنه يختم عامه بالرجوع إلى الله، فهذا دليل خير؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبد عسله قالوا: وما عسله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه"؛ رواه أحمد بسند صحيح.
العبرة بالخاتمة؛ لأنها نسخ للبداية.
العبرة بالخاتمة؛ لأنها ما يذكر عن الإنسان بعد موته.
العبرة بالخاتمة؛ لأنها ما يلاقي الله تعالى عليه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظروا بمَ يُختم له"؛ رواه أحمد بسند صحيح.
والموفقون ليس لعملهم الصالح خاتمة، بمعنى أنهم أموات جسديًّا، ولكنهم أحياء روحيًّا وعمليًّا، فسيِّدهم وإمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات وفارق الدنيا؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وقال: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34]، وقال: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [آل عمران: 144]، ولكنه صلى الله عليه وسلم حي روحيًّا، بردِّه السلام، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي، حتى أردَّ عليه السلام"؛ رواه أبو داود بسند جيد.
وحي بذكره الشريف بين الخلق في الأذان والصلاة، وذكر أحاديثه الشريفة، والعمل بها، وتذكُّر مواقفه وسيرته، وجهاده صلى الله عليه وسلم، وكثرة الصلاة عليه:
وضمَّ الإلهُ اسم النبي إلى اسمه
