عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 11-11-2023, 01:55 AM
انسكاب حرف
ابتسامة الزهر متواجد حالياً
 
 عضويتي » 27
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » اليوم (11:57 AM)
آبدآعاتي » 4,117,768[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 
افتراضي التشبث بالرأي مع رفض الأقتناع



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



في امتحان الفيزياء بجامعة كوبنهاجن في الدنمارك، كان أحد الأسئلة: “كيف تحدد ارتفاع ناطحة السحاب باستخدام الباروميتر؟
”، كانت إجابة أحد الطلبة مستفزة لأستاذ الفيزياء لدرجة أنه أعطاه صفرًا دون إتمام التصحيح. كانت إجابته:
“أن أربط الباروميتر بخيط، ثم أنزله من أعلى الناطحة حتى يمس الأرض ثم أقيس طول الخيط”.

قدم الطالب تظلمًا لإدارة الجامعة مؤكدًا أن إجابته صحيحة مائة في المائة، وطبقًا لقانون الجامعة عُيِّن خبير للبت في القضية،
وأفاد تقرير الخبير أن إجابة الطالب صحيحة، لكنها لا تدل على معرفته بمادة الفيزياء.

تقرر إعطاء الطالب فرصة أخرى وإعادة الامتحان شفهيًا، إذ طرح عليه الحَكَم نفس السؤال، فكر الطالب قليلًا ثم قال:
“لدي إجابات كثيرة لقياس ارتفاع الناطحة ولا أدري أيها اختار، فمن الممكن إلقاء الباروميتر من أعلى الناطحة ويقاس الوقت الذي يستغرقه حتى يصل إلى الأرض،
ومن ثم يمكن معرفة ارتفاع الناطحة.

إذا كانت الشمس مشرقة يمكن قياس طول ظل الباروميتر وطول ظل الناطحة فنعرف طول الناطحة من قانون التناسب بين الطولين وبين الظلين
، وإذا أردنا أسرع الحلول فإن أفضل طريقة هي أن نقدم الباروميتر هدية لحارس الناطحة على أن يخبرنا بطولها،
أما إذا أردنا تعقيد الأمور فسنحسب ارتفاع الناطحة بواسطة الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وأعلى الناطحة باستخدام الباروميتر”.


كان الحكم ينتظر الإجابة الأخيرة التي تدل على فهم الطالب لمادة الفيزياء، بينما يعتبرها الطالب الإجابة الأسوأ نظرًا لصعوبتها وتعقيدها،
ذلك الطالب كان اسمه الطالب “نيلز بور”، وهو لم ينجح فقط في مادة الفيزياء بل إنه حاز على جائزة نوبل للفيزياء.

من هذه القصة نعرف أن نيلز بور كان يعرف الطريقة العلمية الصحيحة لقياس الارتفاع باستخدام الباروميتر،
لكنه قدم بدلًا منها لونًا من السخرية الدالة على صعوبة استخدام أسلوب علمي معقد بينما البدائل السهلة متاحة، وهو ما لم يفكر فيه أستاذه ولهذا تعنت معه.

أحببت أن أنقل اليكم هذه القصة لعلاقتها بما وصل إليه مستوى التحاور بيننا من تدني، فالشخص يأخذ رأيك في موضوع ما،
وما إن تفتح فمك لتشرح وجهة نظرك حتى يقاطعك، وقبل أن تكمل إيضاح فكرتك يكذبك، وتذكر له الحقائق العلمية أو التاريخية التي تؤيد ما تقول فيرد بعناد شديد
قائلًا: “لا يمكن أبدًا أن يكون هذا قد حدث، ومن المستحيل أن أقتنع بذلك”.

كأن الحقيقة تخضع للقوانين الخاصة باقتناعه هو، فلماذا إذًا سألتني عن رأيي إذا كنت مقتنعًا بما لديك إلى هذا الحد؟ أو إذا كنت ترفض تصديق كل
شيء يناقض فكرتك عن الموضوع، حتى الحقائق التاريخية أو العلمية أو الدينية؟ ولماذا تصر على ألا تقتنع؟ وهل الاقتناع عار يجب أن يترفع الناس عنه؟

لو فكر أستاذ الفيزياء جيدًا في إجابة نيلز بور أو منحه الفرصة لتوضيح وجهة نظره لما أعطاه صفرًا في الامتحان بينما هو جدير بجائزة نوبل،
ولما وصل الأمر إلى قضية تحتاج إلى محكمة وقضاة.

هكذا صار حالنا بل أسوأ من ذلك بكثير، فالمشكلة عندنا أصبحت تمثل ظاهرة ومرضًا اجتماعيًا بالغ الضرر، نحن اليوم في أمس الحاجة إلى الانفتاح
على فكر الآخر بلا كراهية، مع منح ذلك الآخر الفرصة الكافية للتعبير عن وجهة نظره، لكي يمنحنا هو بدوره الفرصة الكافية لنحلل رأيه ونرد عليه،
مع نية صافية من الطرفين في الاستعداد للاقتناع كل منهما برأي صاحبه إذا رآه مقنعًا.

أما التشبث المرضي بالرأي فهو من ملامح الجهل والمشاكل النفسية، وسيظل الجاهل جاهلًا ما لم يسعى إلى المعرفة وإلى الحقيقة المجردة
، لا إلى محض الفوز في جدال ولو دون وجه حق، وسيظل الجاهل جاهلًا ما دام متمسكًا بالأفكار التي ورثها دون إعادة تقييم لما يسلم به أو دون الاطلاع على غيره.

ستظل أزمة التحاور بيننا تثير مزيدًا من أغبرة العداوة والأحقاد ما لم نتخلص من مشاكلنا النفسية، ونتعلم أن الوصول إلى الحقيقة أهم من أي اعتبار
، فلا يعقل أن نضيع طاقاتنا في تناطح لا طائل من ورائه وبلادنا اليوم في محنة حقيقية، إننا في أمس الحاجة إلى توحيد الصفوف من أجل الخروج من هذه المحنة
، ثم التطلع إلى تعويض ما فاتنا، وهو كثير.




 توقيع : ابتسامة الزهر


رد مع اقتباس