الموضوع: المسحراتي
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 12-04-2021, 01:19 PM
سما الموج غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 725
 اشراقتي » Jun 2018
 كنت هنا » يوم أمس (07:53 PM)
آبدآعاتي » 2,420,177[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه United Arab Emirates
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 
افتراضي المسحراتي














المسحراتي

أنا صنعتي مسحراتي، وبالبلد جوال...
جيت ولبيت زي العاشق ليالي طوال...
وكل شبر وحتة من بلدي، حتة من كبدي، حتة من موال...
بهذه العبارات كان أحد "المسحراتيين" في أحياء القاهرة القديمة يعرف عن نفسه.
والمسحراتي ظاهرة، رمضانية قديمة، وتقليد تراثي عريق عبر العصور والأجيال منذ زمن بعيد، إرتبط في شكل وثيق بشهر رمضان المبارك وصار ملازماً له. فبمجرد ذكر رمضان، على الفور تجول في الأذهان صورة المسحراتي، خصوصاً أن طبلته" لها إيقاع خاص في ذاكرة المعمرين، لأن صوتها يعيدهم إلى أيام خلت عندما كانوا يتسحرون على أنغام ايقاعاتها الشجية.
تعود بدايات السحور إلى عهد النبي، حيث كان الصائمون يعرفون جواز الأكل والشرب بآذان بلال، ويعرفون الإمساك عنهما بآذان إبن أم مكتوم. وبعدها تعددت أساليب إيقاظ الصائمين للسحور، وإبتُكرت وسائل جديدة من أجل التسحير.
يذكر المؤرخون أن المسحراتي ظهر إلى الوجود عندما لاحظ والي مصر عتبة بن إسحاق أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة فكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحر. وكان ذلك السنة 238 هجرية، حينما كان يطوف على قدميه سيراً من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط منادياً في الناس: "عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة".
في عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم أمراً لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور. ومع مرور الأيام عين أولياء الأمر رجلاً للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي: " يا أهل الله قوموا تسحروا"، ويدق على أبواب البيوت بعصىً كان يحملها في يده.
تطورت بعد ذلك ظاهرة التسحير على يد أهل مصر، إذ ابتكروا الطبلة ليحملها المسحراتي ليدق عليها بدلاً من إستخدام العصا. هذه الطبلة كانت تسمى "بازة" وهي صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، مردداً أشعاراً شعبية وأزجالاً خاصة بهذه المناسبة. ثم تطور فصارت تجول ليلاً فرقة يحمل أفرادها الطبل البلدي و"صاجات" يتقدمها المسحراتي، فيقومون بالتسحير من خلال الإنشاد، في مشاركة الشعراء في تأليف القصائد التي كان ينشدها المسحراتي كل ليلة.
أما في العصر العباسي في بغداد فكان ابن نقطة أشهر من قام بالتسحير، إذ كان موكلاً إليه إيقاظ الخليفة العباسي. وكان ابن نقطة يتغنى بشعر يسمى "القوما" مخصص للسحور، وهو شعر شعبي له وزنان مختلفان، وقد أُطلق عليه اسم القوما لأن ابن نقطة كان ينادي ويقول: "يا نياما قوما... قوما للسحور قوما".
عندما مات أبو نقطة خلفه ولده الصغير، فأراد أن يُعلم الخليفة بموت أبيه ليأخذ وظيفته فلم يتيسر له ذلك، فانتظر حتى جاء رمضان ووقف في أول ليلة منه قرب قصر الخليفة وغنى القوما، وحين همّ بالإنصراف أنشد ابن أبي نقطة: يا سيد السادات لك في الكرم عادات، أنا ابن أبي نقطة، تعيش أنت أبي قد مات. فأُعجب الخليفة بسلامة ذوقه ولطف إشارته، فأحضره ورتب له من الأجر ضعف ما كان يأخذه والده.
أخذت شخصية المسحراتي بالتطور، وأُدخلت الآلات الموسيقية في أساليب التسحير، لحضّ الناس على الصوم والقيام، كما اعتمدت الأناشيد، والمدائح، والأدعية في نداءات التسحير. تنوعت الأساليب التي إستخدمها المسحرون على مر الزمن. فأفيد أن الأندلسيين استعملوا في قرطبة البوق في التسحير، وكان طوله حوالي المترين ويتألف من ثلاثة أقسام متداخلة، يُنفخ فيه فتخرج من فتحته أصوات مدندنة. ثم إنتقل البوق إلى مدينة فاس، حيث أُطلق عليه اسم النفير، فحلّ في ما بعد محل الطبل في المغرب. وفي بعض البلدان استخدم المسحراتي الطبل أو الطبلة كوسيلة للتسحير، لذلك سُميّ بالطبال أو أبو طبلية. أما في بلاد الشام فكان المسحراتيون يسحرون بالدق على آلة "الطار" التي صارت تُعرف في أيامنا بالدف، إضافة إلى الضرب على "الشبابة" لذلك سمي المسحراتيون "الدقاقين".
في عدد من البلدان استخدم المسحراتيون العزف على "العيدان"، و"الطنابير" و"الصفافير" و"الطار" و"القيثارة". وكان يُفترض بـ "المسحراتي" أن تتوافر فيه شروط ومواصفات لا بد من أن يتمتع بها حتى يحظى بشرف تولي أمر التسحير. فيحب أن يكون ذا ثقة عند الناس وحسن السمعة ويتمتع بصوت جميل ويجيد الإنشاد وشعر التسحير، وأن يعرف جميع سكان المحلة التي يجول فيها.
جذبت فكرة المسحراتي عدداً كبيراً من الفنانين والشعراء، أمثال بيرم التونسي وفؤاد حداد وسيد مكاوي الذين نجحوا في نقل المسحراتي من الأحياء والحارات الشعبية الى شاشة التلفزيون والإذاعة. الأمر الذي دفع الممثلن للتطوع لتقديم شخصية المسحراتي في أسلوب فني رائع ومضمون اجتماعي وتراثي. وغالباً ما كان هذا الدور يُدخل روح الدعابة والفكاهة من نداءات التسحير التي كان يطلقها ومنها: قومي يا أم محمد وصحي جوزك بلاش كسل...
وانت يا سي فؤاد، هو النوم مالوش آخر؟
اتفضل واتسحر بالهنا والشفا وادعي ربك بالتقى...






 توقيع : سما الموج



(قهوة المسا يا وجهٍ بـ النور اكتسى \كلمات الشكر لا تفيكِ حقكِ)
(ابتسامة الزهر يا زهرةً ندية بـ الجمال تألقتِ \من القلب شكراً )