عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 04-12-2020, 09:55 AM
حسن الوائلي متواجد حالياً
 
 عضويتي » 68
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » اليوم (02:51 AM)
آبدآعاتي » 1,550,215[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » القراءة وكتابة الخواطر
موطني » دولتي الحبيبه Iraq
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 
المشترك الأسمى والأديان الوضعية



إنَّ المشترك الأسمى بين المشتركات الإنسانية وهو "العقيدة" كما تبين نظريَّة "المشترك الإنساني"، هو أقوى وأسمى ما يشترك فيه البشر جميعًا، ويتجلى ذلك في أصحاب الديانات السماوية، والديانات الوضعية، حتى اللادينيُّون أو الملاحدة، وعلى الرغم من أنَّنا في داخل هذه الأقسام نجد اختلافات مُؤَثِّرَة ومحوريَّة، فإنَّ التصوُّر العام يجمع بينها.
الأديان الوضعيَّة[1]:
يقع أصحاب الديانات الوضعيَّة بين أصحاب الديانات السماوية الثلاثة وبين اللادينيِّين؛ فهم يُؤمنون بمعتقدات تُفَسِّر وتُجيب عن أسئلة الوجود والحياة والموت.. وما إلى ذلك، وهذه المعتقدات تدور -أيضًا- حول آلهة؛ سواءٌ كان إلهًا واحدًا أم آلهةً متعدِّدة، وسواءٌ أكانت الآلهة متكاملة أم كانت متصارعة متشاكسة، وسواءٌ تجسَّدت هذه الآلهة في بشرٍ أو حيوانٍ أو حجرٍ أو نار، أو أنَّها ظَلَّت غير متجسِّدة كالأرواح والأشباح.. فالخلاصة أنَّ ثمَّة آلهة تمتلك من القوى والقدرات ما يفوق إمكانات البشر، وهي آلهةٌ يُتوجَّه إليها بالدعاء والرجاء أو يُخشى منها؛ فهي -في رؤيتهم- تملك أن تمنح وتمنع، وأن تصل وتقطع، وأن تخفض وترفع.

لها معابد وطقوس وشعائر، وكهنة وسدنة وخدَّام، ولها كتب مقدَّسَة أو تعاليم محفوظة، ولها حكماء ومصلحون وزعامات فكريَّة، غير أنَّ التفاصيل شديدة الاتساع والاختلاف بين كلِّ ديانةٍ وأخرى، ولا نكاد نجد بينها في الأفكار الكبرى العامَّة -فضلًا عمَّا سواها من الأفكار- ما تتَّفق فيه، على العكس ممَّا نجده بين الأديان السماويَّة، بل إنَّ بعضها نشأ كردِّ فعلٍ على البعض الآخر، كالجينيَّة نشأت كردِّ فعل على الهندوسيَّة التي تُرَسِّخ الطبقيَّة القاسية بين المجتمع، وكالمانويَّة الزاهدة كردِّ فعلٍ على المزدكيَّة المفرطة في الماديَّة.

ولا يمنع هذا من أن نجد تشابهًا في طقوسٍ أو في معتقداتٍ أو في تقاليد أو حتى في بعض الأفكار التي تتشابه أو تتطابق؛ كما تلتقي الخطوط المختلفة الاتجاه في نقطة، فبالوسع أن نجد عبادة الأسلاف موجودة في أكثر من ديانة، كذلك فكرة الحلول والاتحاد مع الإله، كذلك فكرة تناسخ الأرواح.. وهكذا.

وقد نجد أحيانًا شبهًا كبيرًا بين إحداها وبين معتقدات يُؤمن بها أتباع ديانةٍ سماويَّة؛ فالبوذيُّون على سبيل المثال يعتقدون أنَّ بوذا هو ابن الله، وهو المخلِّص للبشريَّة من مآسيها وآلامها، وأنَّه يتحمَّل عنهم جميع خطاياهم، وأن تجسُّده تمَّ بواسطة حلول رُوح القدس على العذراء مايا، وأنَّه نطق وهو طفلٌ صغيرٌ قائلًا لأمِّه: إنَّه أعظم الناس. وأنَّه في آخر أيَّامه أحاطت به هالةٌ من الضوء وأنارت حول رأسه، وأنَّه صَعِد إلى السماء بعد أن أكمل مهمَّته على الأرض وله عودةٌ ثانية. وما أشبه هذا بمعتقد المسيحيَّة! لولا أنَّ بوذا أنكر الألوهيَّة والنفس الإنسانيَّة، وقال بتناسخ الأرواح[2].



المصدر:

كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.

[1] انظر لمزيد من التوسع: الشهرستاني: الملل والنحل، وابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل، ومحمَّد أبو زهرة: الديانات القديمة، وسامي بن عبد الله المغلوث: أطلس الأديان، ومانع الجهني: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، وكامل سعفان: معتقدات آسيويَّة، وأحمد شلبي: أديان الهند الكبرى، وجون كولر: الفكر الشرقي القديم، وفيليسيان شالي: موجز تاريخ الأديان، وجيفري بارندر: المعتقدات الدينيَّة لدى الشعوب.

[2] سامي بن عبد الله المغلوث: أطلس الأديان ص630.




 توقيع : حسن الوائلي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس