عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 24-03-2024, 12:37 AM
حسن الوائلي متواجد حالياً
 
 عضويتي » 68
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » اليوم (04:47 AM)
آبدآعاتي » 1,556,466[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » القراءة وكتابة الخواطر
موطني » دولتي الحبيبه Iraq
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 
29 اليوم الآخر بعد موتي!



اليوم الآخر بعد موتي!
قبل أن أحكي لكم حكايتي أدعو الله أن تكون أعمارنا - أنا وأنتم - طويلة. نعيش حتى نصبح عجائز مسنين وآمل لنا عيشًا هنيئًا طيبًا دون طبيب. حكايتي تشبه حكاية كل الناس:

جاء ملك الموت وأنا غافل وقال: انتهت المهلة، حان وقت الاستدعاء. رجوته أن يراجع أو يتراجع ولكن لات حين مناص، قبض روحي وتوقف كل ما كان يتحرك في جسمي من أعضاء وجوارح وقال النّاس عني "ميت" بعدما كنت حيًّا. نسوا اسمي وصاروا يقولون عني "جنازة".

مشوار قصير وحططتُ فوق مصطبة إسمنت؛ غسلوني وألبسوني ثوبًا من الخامِ الأبيض المصفر الرخيص جدًّا وأقاموا خلفي صلاة الجنائز ثمّ حشروني في حفرة ضيقة، طولها متران وعمقها متران. قلت لهم أخرجوني من هذه الحفرة الضيقة وأقبل أن أعيش في كوخٍ بائس لا ماء ولا كهرباء ولا أي من مقومات الحياة. حُلوا أكفاني وأعيدونِي إلى الحياة وأنا أعمل ما تريدون! لم يجبني أحد وانصرفوا كلهم!

تركوني ورجعوا سريعًا إلى أعمالهم وعوائلهم وبقي معي ضوءٌ ضعيف. عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله". تمنيت أن كان لي ضوء أقوى ينير قبري!

اجتمع الأهل والأصدقاء في مأتم. من الأهل من لم أعرفه ولم يعرفني في حياتي، لم أره منذ سنوات مع أننا أرحام! حضر ليرفع عنه لومَ الناس ويقولون عنه قريبًا مخلصًا. انتهت جلسات العزاء وحضر الميراث؛ الريالات والأراضي والسيارات. كل شيء يمكن أن يباع ويشترى اقتسموه وأنا محشور في الحفرة، سين وجيم، ومواقف لا يُحسد عليها أحد!

أموال منقولة نقلوها ومحمولة حملوها! عملت سنوات أدخرهَا مثل النمل! لا أدري لماذا يدخر كبار السنّ المال؟! يعرفون أنهم لا يصرفونه فلماذا يكومونَ ثروةً كبيرة في أواخر العمر؟ بقي لي نصيب من التركة لأن عندي وصية مكتوبة وفيها شهود كتبتها قبل وفاتِي. تركوا لي ثلث ثروتي لأن عندي وصية!

متُّ في فصل الخريف وكان بعض الأحبة يزورون قبري في الشهور الأولى. بحلول فصل الصيف انشغلوا عني؛ ماتت الورود التي نبتت فوق قبري في الشتاء وتضاءل عددُ الزائرين! هذا حال الدنيا الحيّ ينسى الميت! أنا لم أنسهم وأتابع أخبارَهم من عالم الغيب. بعد مدة صرتُ واحدًا من المنسيين في المقبرة لا يعرفني أحد لولا لوحة باهتة كُتب عليها اسمي وتاريخ موتي ورقم قبري وصورتي!
كَأَنّي بِالتُرابِ عَلَيكَ رَدمًا ** وَبِالباكينَ يَقتَسِمونَ مالَك
أَلا فَاخرُج مِنَ الدُنيا جَميعًا ** وَزَجِّ مِنَ المَعاشِ بِما زَجا لَك
فَلَستَ مُخَلِّفًا في الناسِ شَيئًا ** وَلا مُتَزَوِّدًا إِلّا فِعالَك

ليتني كنت حجرًا أو شجرًا أو طائرًا - أيّ شيء - ولم أكن إنسانًا ويرى هذه الأهوال!




 توقيع : حسن الوائلي











رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ حسن الوائلي على المشاركة المفيدة: