الموضوع: الكلمة الطيبة
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 05-10-2018, 08:58 PM
نسر الشام غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 612
 اشراقتي » Feb 2018
 كنت هنا » 10-02-2020 (05:29 AM)
آبدآعاتي » 14,858[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه Syria
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
 
افتراضي الكلمة الطيبة



الكلمة الطيبة


قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 24، 25].

إنَّ ضرْب الأمثالِ مِن أنفع الوسائل التَّعليمية، وأرْفعِ الأساليب التَّربوية؛ لِما فيه مِن إخْراج المعْنوي في صورة المحسوس، والبعيد المستوْحَش في صورة القريب المأنوس، ولمَّا لم يكُن لأثَر الكلمة جِسْم يُقاس بالطول والعَرض، أو يُوزن بالموازين، أو الحَزْر والفرض، ضرَب اللهُ لها مثلًا به يقرِّب معناها، وإنْ كانت أكبرَ وأعظم مِن أنْ تُحْصَر في صورة محدودة متناهية الأبعاد، فصوَّرها في صورة شجرة طيبة، فيها من الشَّجرة: ظلُّها الوارف، وجمالُها الآسر، وعِطْرُها الفوَّاح، وذلك كلّه مِن لازِمِ وصْفِها بالطيب؛ ﴿ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة ﴾، ولكنَّها تختلف عن الشجر في عطائها المستمرِّ، واستقرارها في الأرض استقرارًا يبعُد معه استِئْصالها، وشموخها في السَّماء شموخًا يدلُّ على عزَّتها ورفْعَتِها، وعطائها المستمر، كلُّ ذلك بإذْن ربِّها؛ ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾، إنَّها أبيَّة عزيزة يصعُب على المقتلِع المتعدِّي اقتلاعُها، وعلى الزَّواحف والحشرات النيل منها، فأصلُها ثابت وفرعها في السَّماء، لا تنال ثمارَها الحشرات والزَّواحف التي لا تعرف إلَّا التِقاط السَّاقط.

ذلك - أخي القارئ - هو مثَل الكلمة الطيبة وفعْلها في النفوس، فهي تستقرُّ في قرار النفوس، وتضرب في أعماقها، وتأخذ منها القرار المكين الَّذي لا تُزَحْزحه عواصف الدَّهر، ولا أعاصير الأحداث، ولا النزغات الشَّيطانيَّة العابرة؛ لذا كان مِن السُّنَّة في الإسلام أن تكون أوَّلَ ما يَطرُق سمعَ المولود، فيؤذَّن في أذنه اليُمنى ويُقام في اليسرى؛ لتستقرَّ في نفسِه كلمة التَّوحيد، وقيَم الإسلام: (أشهد ألَّا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح).

إنَّ الَّذي يغرس في نفسك كلاماً طيباً تَغْفر له كلَّ ما قد يبْدر منْه مِن زلَّة أو هفوة؛ لأنَّ شجرة كلمتِه الطَّيبة في نفسك أقْوى مِن أن تهزَّها أعاصير هفوات وزلَّات عارضة، فيبقى حبُّه وتقديره في نفسك أعظمَ مِن أنْ تصِل إليه تلك الزلَّة أو الهفوة؛ لأنَّها كلَّما حاولتِ التَّسلُّل إلى نفسِك ارتطمَت بجِذع الكلمة الطيبة، التي غرَسَها في نفسك مِن قبل، وكلَّما تكاثرَت كلماتُه الطيبة كلَّما كثُرَت أشجار الكلِمة الطيبة في نفسك، حتَّى تكون كالحصن الحصين الَّذي لا يمكن أن يَنفُذ منْه أيُّ عدوٍّ متربِّص، حتَّى ولو كان زلَّةً عابرة.

وهي كذلك تُؤْتي أكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها، فباينَتْ بذلك الوصْفَ المجرَّدَ للشَّجرةِ الَّتي إنَّما تُنبِت في العام مرَّة، نعم إنَّك لتذكر الكلمة الطَّيِّبة فتجد لها في نفسك الأثَرَ الَّذي أحدثتْه أوَّل مرَّة، فلا يزال حبُّ قائلها يرْبو في نفسك، وأثرُها يتجدَّد في قولك وفِعلك، وإنَّني لأذْكُر كلمة طيِّبة شجَّعَني بها أحدُ المدرِّسين، وأنا في مرحلة التَّعليم الأساسي في العقْد الثاني مِن عمري، لا يزال شذاها يُعَطِّر أنفاسي، وصَدَاها يملأُ أذُني ويحرِّك همَّتي، وأنا على أعْتاب الأربعين.

تلك هي الكلمة الطيبة: وارِفة الظِّلال، حسنة الجمال، صعْبة الاقتِلاع، أبيَّة على كلِّ دنيء لا يُحسن إلَّا أكل السَّاقط وقطْفه، زكيَّة في شذاها تُعَطِّر أنفاسَ قائليها ومُسْتقْبِليها، ومِن هُنا كانت مِن أفضل ما يُهْدى ويُتَصَدَّق به، حتَّى قال الصَّادق المصْدوق صلَّى الله عليه وسلَّم: ((والكلِمة الطيبة صدقة)).




 توقيع : نسر الشام

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس