عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 21-01-2020, 11:56 PM
غرآم الروح غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 1494
 اشراقتي » Dec 2019
 كنت هنا » 08-10-2023 (01:54 AM)
آبدآعاتي » 240,105[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » الرسم الهندسي
موطني » دولتي الحبيبه United Arab Emirates
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
 
افتراضي مع الرافعي في "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية"



مع الرافعي في "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية"



إن ثورة الفكر الآسِن إذا شبَّ أوارُها، وتعاظم خطرها، ومدت أجنحة شرِّها على آفاق الخير، وطفِق دُخَانُها يجوب الأرجاء؛ ليخنِق أنفاسَ الفضيلة، ويعكِّر نقاء الحياة الكريمة - لم يعُدِ الصبر يُطيق القعود بأهل الغَيْرَةِ من ذوي الكلمة الصادقة عن مصاولة ذلك الباطل المُستشرِي، والوقوف في طريق انحرافه لكبحِ جماحه، وإيقاف مدِّ إضلاله؛ حتى لا يصلَ إلى أغرار الناس وأغفالِهم فيرَوا أنه الحق المبين.

في مرحلة من مراحل الحياة التي كشفت عن وَهَنٍ أصاب هذه الأمة، أطلَّت ثُلَّةٌ تدعو إلى تغيير هُوِيَّةِ الأمة، وسلخها عن دينها ولغتها، وقطعِ صِلتِها بكتابِ ربِّها، وتوجيه رماح الطعن إلى إعجازه وبقائه مُصلِحًا خالدًا للحياة وأهلها.

في هذه النازلة العتيَّة، والفتنة الفكرية العصيَّة - انبرى رجلٌ غيورٌ على دينه ولغته، فاستلَّ سلاحه من غِمده، وامتشق قلمَه من غِلافه، فواجه شياطينَ الأقلام المحشوَّةِ بسموم الأفكار، ووقف سدًّا منيعًا أمام غُثائهم، وآسيًا حاذقًا في مسلَكِ دائهم، وسيفًا صقيلًا يُعمي بريقُه الثاقب زيغَ أبصارهم عن الصراط المستقيم.

في تلك المعمعة التي برز فيها كُتَّابٌ من ناشري ضلَّة الكلمة، سطع نَجْمٌ من نجوم الأدب العربي، عميد الأدب، وحُجَّة العرب في عصره، قريع وحدِه، وقمر أُفُقِه، الكاتب العظيم: مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، الذي ارتقى باللغة والأدب في منحدر تاريخي خطير إلى أَوْجِ العلا، يومَ أراد نُصراءُ العُجْمةِ وأُسَراء التَّبَعِيَّة لأعداء الأمة أن يُقوِّضوا بنيان اللغة والدين، فهبَّ الأسد الهصور من عرينه، وثار الرجل الجسور من مكمنه؛ فسالَ قلمُه الطاهر بكتابات مشرقة بالحق، مؤيَّدة بالصدق، مجلوَّةٍ بسطوح الحجة، مزهوَّةٍ بسلامة المَحَجَّة، صادرة بقالب الإيمان والغَيْرَة على هذا الدين ولغته العربية.

فكان من بين تلك الكتب التي صدع بها رؤوسَ الباطل: كتابه العظيم "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية".

في هذا الكتاب القَيِّمِ برز أديب العربية الكبير: مصطفى صادقَ اللهجة كاسم أبيه، رفيعَ البيان كلَقبِه، غيورًا استغضبه عنفوانُ الباطل، فسلَّ يَرَاعَه الأبيَّ الذي تميز بتدفق العبارات الرائقة، والأساليب البديعة الشائقة، والألفاظ الجزِلة السامية، والتعبير البليغ الآسِرِ؛ ليدافع عن الحقيقة من غير قصدِ مغالبة أو إرادة مفاخرة؛ فكشف الداء ووضع الدواء الذي يناسبه، وحمل غارةً شعواءَ على دعاة الفتنة حتى تركهم بين الصَّحوةِ والسَّكرة يعمهون.

ونمى ذلك الكتاب المتألق في سماء الحقيقة واللغة عن مخزون لغوي واسع، ورَحابة معانٍ ممتدة، وعربية سامقة راسخة، وخيال خصب متدفق، وقلم حرٍّ مترقرق.

لم يكن الرافعي في هذا الكتاب وأمثاله من كتبه الفذة يغتصب الكلام اغتصابًا، ويستكْرِه الألفاظ والجمل استكراهًا، بل كان يرقُم الكلِمَ بلا تكلَّف، ويعطيه حقه بلا تعسُّف؛ فلذلك لا يُحِسُّ القارئ الفَهِمُ أن هناك اضطرابًا في الأساليب البيانية، وجَدْبًا في القوالب اللفظية، ونُضُوبًا من التعابير الفنية، وجفافًا في الطرق التصويرية، وتعمُّلًا في الإيصال إلى الفكرة والإقناع بها، وإنما كان يكتب - كالسيل - على سجيَّتِه، ويمضي على فطرته، تمدُّه الطبيعة اللغوية، وترفِدُه المَلَكَةُ المكتسبة المتفوقة.

لقد بدا رحمه الله وكأن الكلمة قد أعطتْهُ زِمامَها، فكانت مؤتمًّا هو إمامها، ووصلت يده إلى تناول البيان من سمائه، ومصافحة بديع القول في عليائه، وامتد علمه الواسع إلى الغوص في أعماق العربية لاقتناص دُرَرِ أساليبها، ولآلئ بيانها، فاستخرَجها باقتدار، وتحلَّى بها فخلَب بها القلوب والأسماع والأنظار، فكان كلامه كأنه السلسبيل في عذوبته، والبدر التام في سطوح أنوار حجته.

كما ظهر رحمه الله أنه يعرف مقادير الكلام وفنونه، ومحاسنه وشؤونه، وأنه واسع الحيلة في العبارة، مبسوط اللسان إلى مدًى بعيد، له في القول رتبةٌ بعيدة المَصعَد، سامية المكان.

ومن هناك أطلق لقلمه العَنانَ في ميدان الكلمة الصادقة، فمضى في تسطير العبارة سليمَ الذوق، مرهفَ الحِسِّ، لا يرِدُ مناهل الكلام المستهلَك، ولا الأساليب المبتذَلة، ولا الطرق الكتابية المطروقة، وإنما كان نسيجَ وحدِه، وفريدَ دَرْبِهِ، كالسيف المُفْرَد عن حمائله، والفرس المُجَلِّي الذي تقدم على المُصلِّي والمُسلِّي وما تلاها.

إن كتاب الرافعي "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" واضح الموضوع من عنوانه، وهو باب من أبواب كتابه الكبير "تاريخ آداب العرب".
وفي كتابنا هذا "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" تناول فيه المؤلف الحديث عن إعجاز القرآن، وقد أخذ هذا ثلاثة أرباع الكتاب تقريبًا، والربع الأخير أخلَصَهُ للحديث عن بلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه.

وقد كان عملُ الرافعي في الحديث عن إعجاز القرآن ليس كعملِ مَن سبقه من العلماء الذين تحدثوا عن هذا الموضوع القرآني، بل أراد بخوض غماره تخصيصَه بالحديث عن لغته وبلاغته وأوجهِ الإعجاز في ذلك فحسب، لكنه قدم بين يدي موضوعه الخاص مقدمات، وأردفه بمتمِّمات، فكانت موضوعات الكتاب هي: القرآن، تاريخ القرآن، جمعه وتدوينه، القراءة وطرق الأداء، القُرَّاء، وجوه القراءة، قراءة التلحين، لغة القرآن، الأحرف السَّبعة، مفردات القرآن، تأثير القرآن في اللغة، الجنسيَّة العربية في القرآن، آداب القرآن، القرآن والعلوم، سرائر القرآن، إعجاز القرآن، الأقوال في الإعجاز، حقيقة الإعجاز، أسلوب القرآن، نظْمُ القرآن، الحروف وأصواتها، الكلمات وحروفها، الجمل وكلماتها، غرابة أوضاعه التركيبية، البلاغة في القرآن، الطريقة النفسية في الطريقة اللسانية، إحكام السياسة المنطقية على طريقة البلاغة، الخاتمة.

البلاغة النبوية، فصل، فصاحته صلى الله عليه وسلم، صفته صلى الله عليه وسلم، إحكام منطقه صلى الله عليه وسلم، اجتماع كلامه وقلَّته صلى الله عليه وسلم، نفي الشعر عنه صلى الله عليه وسلم، تأثيره في اللغة صلى الله عليه وسلم، نسق البلاغة النبوية، الخلوص والقصد والاستيفاء.

نظرة في الكتاب:
هذا الكتاب نفثة مصدور، وغضبة مسلم غيور، وهبَّة جريئة للدفاع عن الثغور؛ لردِّ عادِيَةِ الصائلين على الدين والعربية، الذين راحوا يطعنون في ديننا ولغتنا وقرآننا بالتنقص والازدراء، والمطالبة بالتبديل والتعديل؛ إرضاء لمن يَنْعِق بهم، واستجابة لشهواتهم الجامحة.

فامتشق الرافعي قلمه الرشيق، ودبَجَ هذا الكتاب الأنيق، موظِّفًا اللغة والأدب في الدفاع عن القرآن وإعجازه، فكانت كلماته المضيئة تحمل وراءها قوة عارمة من حب القرآن، وتعظيم النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وتشي حروفُه المشرقة بضياءٍ إيمانيٍّ ممتد، حتى يتسلَّل نوره الوهَّاج إلى نفوس القراء بغير استئذان.

إن هذا الكتاب - إضافة إلى موضوعه الخاص - روضة لغوية غنَّاء، وواحة أدبية فَيْحاءُ، وحديقة بلاغية بهية الرُّواء، تَناسَقَ فيها جمالُ التعبير، وحسن التصوير، وتعانقَ فيها رونقُ الأسلوب، وإبداع التوظيف للفنون البلاغية المتعددة.

وفيه عبارات تسبي القارئ بنضارة ألفاظها، وعمق معانيها، وجمال سَبْكِها، ولطافة ديباجتِها، وحسن مقاصدها وآثارها؛ كقوله: "وليس مَن طلب الحق ليعرفه كالذي يطلبه ليُعرَف به؛ فإن الأول يُنصِف من نفسه كما ينتصف لها، ولكنَّ الثانيَ خَصْمٌ لا يريده إلا جدلًا، وله مع الجدل قوة الحرص على المؤاربة - المغالبة - وشدة الصريمة في المراوغة"[1].

وقوله: "وأي شيء في تاريخ الأمم أعجب من نشأة لغوية تنتهي بمعجزة لغوية - يريد: القرآن - ثم يكون الدين والعلم والسياسة وسائر مقومات الأمة مما تنطوي عليه هذه المعجزة"[2].

وقوله: "فالعرب يريدون أن يموتوا فيحيوا، ويريد أعداؤهم أن يحيوا فيموتوا"[3].
وقوله: "وكانت العادة عندهم دينًا حين لم يكن الدين إلا عادة"[4].

إن من قرأ بتأمل هذه الدُّرَّةَ اليتيمةَ في جِيْدِ التآليفِ، رأى أن هذا الكتاب يعلِّمنا جانبًا من جوانب تعظيم القرآن والسنة، ويحثُّنا على الوقوف الصادق في وجه الطاعنين فيهما.

ويرشدنا إلى التضلع من علوم العربية؛ لندافع به عن الحق، وننشره في الخلق، ويقف في الصدارة من ذلك: القرآن والسنة؛ فهذا الكتاب فيه ثروة لغوية غزيرة، وقوة بيانية عجيبة، وتدفق بلاغي سَلْسال، وقدرة أسلوبية فائقة الجمال، وهي أركان مهمة في تلك المدافعة والمنافحة.

ومن فوائد هذا الكتاب: تنمية الملكة الأدبية، واكتساب القدرة الأسلوبية، والامتلاء من المفردات اللغوية التي زخر بها.

كما أنه يفتح أمام القارئ المحبِّ قنواتٍ لقراءة كتب مشابهة ككتب المؤلف ورسائله؛ مثل: "تحت راية القرآن"، و"وحي القلم"، و"رسائله إلى أبي ريَّة"، و"تاريخ آداب العرب"، وغيرها.

لقد أحسن المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب أيما إحسان، بيد أنه لم يكن يشعرنا بذلك، ولا وَشَتْ عباراته بزهوه من هنالك، بل كان يبدو من كلامه سيما التواضع الجمِّ في أكثر من موضع؛ ففي حديثه عما كتب عن إعجاز القرآن قال: "ولسنا ندَّعي أننا أشرفنا على الأمَد، وأوفينا على معجزة الأبد؛ فإن هذا أمر ضيق كثير الالتواء لمن تلمس جوانبه، واقتحم مصاعبه ..."[5].

وبعد أن أنهى الكلام عن البلاغة النبوية قال: "وقد قُلْنا بمقدار ما فهمنا، وما شهدنا - يعلم الله - إلا بما علمنا، وتلك نعمة على المسلمين، لا يكتمها إلا البغيض، ولا ينكرها في الناس إلا ذو قلب مريض، ومن جعل أنفَه في قفاه، فإنما السَّوْءَةُ أن يفتح فاه، على أننا إن كنا قد عجزنا، ووعدنا الكلام أكثر مما أنجزنا، فلا ضيرَ أن نصِفَ النَّجمَ في سُرَاه، وإن لم نستقر في ذُراه، ونستدل بما رأينا منه وإن لم نَنفُذْ فيما وراه.

وإذا خطر الفكر الضئيل في مثل هذه الحقيقة السامية، فقل: إنها خطرَة طَيْفٍ، وإذا اجتمع للقلم سوادٌ في تلك السماء العالية، فقل: إنما هي سحابة صيف، ولَعَمْرُ الله كيف نضرب بالغاية على تلك البلاغة التي لا تُحدُّ؟ وكيف نمضي بعد أن كَلَّ حدُّ الفكر، ووقفنا عند هذا الحدِّ؟ الحمد لله نهايةٌ لا تزال تبدأ، وبَدءٌ لا ينتهي"[6].

وبعد، فهذا الكتاب وأمثاله من كتب البشر لا يسلم من هَنَاتٍ سبق إليها القلم، أو اشتبه فيها الأمر على الفهم، أو قلَّ فيها العلم، أو اختلفت فيها وجهات النظر.

فمن خلال قراءتي للكتاب وجدت ما يأتي حسب فهمي القاصر وخاطري العاثر:
أولًا: هناك آراء قليلة لا نوافق المؤلف رحمه الله فيها.

ثانيًا: في الكتاب بعض الألفاظ الغريبة، والأساليب الصعبة، وربما يعذِر المؤلفَ كونُه كتبها للنخبة من أدباء عصره؛ فلذلك كانت قراءتي للكتاب ثلاثًا:
الأولى: قرأت الكتاب من أوله إلى آخره مع مقدماته، وعلَّمتُ بالقلم على المواضع المشكِلة؛ من مفردات غريبة، وعبارات منغلقة غير مفهومة، وأحاديثَ وآثارٍ شككتُ في صحتها.

والثانية: لَوَيْتُ العنان إلى الكتاب مرة أخرى، ففسرت الألفاظ الغريبة من المعاجم، وخرَّجت الأحاديث والآثار ونقلت الحكم عليها من كتب أهل العلم، وعصرتُ الذهن لفهم بعض المواضع المشكلة في القراءة الأولى.

والثالثة: رجعت إلى قراءة الكتاب القراءة النهاية بعد تعبيد طريقه بما ذكرتُ آنفًا.
فلذلك أقول: إن الكتاب دُرَّةٌ ثمينة، لكنها بعيدة المنال عن بعض القراء، والطريق إلى فهم كل ما فيه من جمال محفوف بعقبات لفظية وأسلوبية كثيرة، وهو عسِرُ الهضم في بعض فصوله؛ فيحتاج إلى دراية سابقة بعلوم اللغة والبلاغة، كما يفتقر إلى قوة إحضار الذهن، وعمق التفكير، وإعادة القراءة لبعض العبارات أكثر من مرة.

ثالثًا: هناك استطراد وذهاب بعيد إلى أودية من الكلام.

رابعًا: كانت الطبعة التي قرأت فيها هي طبعة دار الكتاب العربي الطبعة التاسعة سنة: (1393 ه - 1973 م)، وهي طبعة تكثر فيها الأخطاء الإملائية والمطبعية؛ لهذا فالكتاب بحاجة إلى أن يخرج بحُلَّةٍ جديدة:
• مصححَ الأخطاء المطبعية والإملائية.
• تنزل فيه الآيات القرآنية بالرسم العثماني؛ إذ وجدتُ آياتٍ متعددة مصحَّفة.
• وتخرَّج أحاديثه وآثاره ويُحكم عليها.
• ويُشكَل ما يحتاج إلى تشكيل من كلماته.
• ويُفسَّر غريبه.
• وتُشرح الجمل المبهمة فيه.
وغير ذلك مما يسهل الطريق للقراء للإفادة الكبيرة منه.


[1] المصدر السابق، (ص: 99).

[2] المصدر السابق، (ص: 110).

[3] المصدر السابق، (ص: 116).

[4] المصدر السابق، (ص: 119).

[5] إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، (ص: 98).

[6] المصدر السابق، (ص: 231).




 توقيع : غرآم الروح

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ غرآم الروح على المشاركة المفيدة:
, ,