عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 27-02-2024, 10:12 AM
وهُــم . متواجد حالياً
 
 عضويتي » 2130
 اشراقتي » Jul 2021
 كنت هنا » اليوم (09:09 AM)
آبدآعاتي » 934,609[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » أضع كل فوضايَ جانباً وأرتّبك في سَطر .
موطني » دولتي الحبيبه Oman
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 
افتراضي - الذلة وأسبابها . . !



_







الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد:
قال أميرُ المؤمنين عُمر رضي الله عنه: (إنا كنا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا اللهُ بالإسلام، فمهما نَطلب العزَّ بغير ما أعزَّنا اللهُ به أذلَّنا اللهُ)[1].

قال الراغب: (الذلُّ متى كان مِن جهة الإنسان نفسِه لِنفسِه فمحمود، نحو قوله تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]). اهـ.[2] وفيما عدا ذلك يكون مذمومًا؛ لأن العزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين.

ومن أسباب الذلِّ الذي جعَله اللهُ عقوبةً لمن عصاه وخالف أمْره وأمْر رسوله صلى الله عليه وسلم:
أنَّ مَن كفَر به وحارَب أولياءَه أذلَّه اللهُ، قال تعالى عن اليهود: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 112].

قال ابن جرير: يقول جل ثناؤه: أُلزَم اليهودُ المكذِّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم الذِّلَّة أينما كانوا من الأرض، وبأي مكان كانوا من بقاعها من بلاد المسلمين والمشركين ﴿ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾ أي: السبب الذي يأمنون به على أنفسِهم من المؤمنين، وعلى أموالهم وذراريهم مِن عهدٍ وأمـانٍ تقدَّم لهم عَقْدُه، قبل أن يُثْقَفُوا في بلاد الإسلام[3].

وأخبر جل وعلا أنه كتب الذل والصَّغار عليهم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اْتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحْيََاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجِزِيْ الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152].

وقال تعالى عن أهل الكتاب: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة:29].
قال ابن كثير: (أي: أذلَّاء حقيرون مُهانون)[4].

ومن أسباب الذلِّ والهوان:

التكبُّر على أوامر الله، والاحتقار لِعباد الله، روى الترمذي في سُنَنه مِن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُحشَر المتكبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَر الرجال، يغشاهم الذلُّ مِن كل مكان، فيُساقون إلى سجنٍ في جهنم يُسمَّى بولس، فتعلوهم نارُ الأنيار، يُسقَون مِن عُصارة أهل النار طينة الخبال)) [5].

ومنها ترْكُ الجهاد في سبيل الله، والاشتغالُ بالدنيا، روى أبو داود في سُننه مِن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تبايعتُم بالعِينة، وأخذتم أذنابَ البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط اللهُ عليكم ذلًّا, لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دِينكم))[6].

ومنها النفاق، قال تعالى: ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون:8]، وكما أن الذل عقوبة في الدنيا، فهو كذلك عقوبة في الآخرة، قال تعالى: ﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾ [الشورى:45].

وبالجملة فكلُّ مَن عصَى اللهَ، وخالَف أمْرَ رسولِه صلى الله عليه وسلم أَصابَه الذلُّ والصَّغار بقدْر معصيته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجعل الذل والصغار على مَن خالف أمري))[7].

وقال ابن المبارك:
رأيتُ الذنوبَ تُميتُ القلوبَ
وقد يُورثُ الذُّلَّ إدمانُها
وتَرْكُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ
وخيرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُها

وأهل المعصية يجدون الذلَّ في قلوبهم، وإنْ حاولوا إخفاءه.

قال الحسَن البصري رحمه الله: (إنهم وإنْ طَقْطَقَتْ بهم البِغَالُ[8]، وهَمْلَجَتْ [9] بهم البَرَاذِينُ[10]، إنَّ ذلَّ المعصية لفي قلوبهم، أبَى اللهُ إلا أنْ يذلَّ مَن عصاه»[11]، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج:18].

وقد علَّمَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله مِن الذلِّ، روى أبو داود في سُننه مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَاْلقِلِّةِ وَالذِّلَّةِ))[12].

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حديث أنَس رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهمِّ وَالْحُزْنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَمِن ضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ))[13].

والعزَّة لمن أطاع اللهَ، قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر:10]. وقال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26] أيْ: تُعِزُّ مَن تشاء بطاعتك، وتُذِلُّ مَن تشاء بمعصيتك، كما قال المفسِّرون.

والمؤمن هو العزيز وإنْ قلَّ ماله أو جاهُه، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]، وكان مِن دعاء السُّلف: (اللَّهُمَّ أَعِزَّنا بطاعتِك، ولا تُذِلَّنا بمعصيتك)[14].

والمؤمنون أعزَّة وإنْ قلُّوا، واللهُ ناصِرُهم إذا صدَقوا في إيمانهم وطاعة ربهم، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران:123].

وفي مسند الإمـام أحمد مِن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: ((أَلَمْ تكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللهُ؟!))[15].

والذل له عدَّة معانٍ:
التواضُع: قال تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة:54]، وقال تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 24].
القِلَّة: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123].

السهولة: قال تعالى: ﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ﴾ [الإنسان: 14]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لا بد مِن أذى لكلِّ مَن كان في الدنيا، فإنْ لم يَصْبر على الأذى في طاعة الله بل اختار المعصية، كان ما يَحْصُل له مِن الشرِّ أعظمَ مما فرَّ منه بكثير، قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ﴾ [التوبة: 49]، ومَن احتَمَل الهوان والأذى في طاعة الله، على الكرامة والعزِّ في معصية الله، كما فعل يوسف عليه السلام وغيره مِن الأنبياء عليهم السلام والصالحين، كانت العاقبةُ له في الدنيا والآخرة)، وكان ما حصَل له مِن الأذى قد انقلَب نعيمًا وسرورًا، كما أن ما يحصل لأرباب الذنوب مِن التنعُّم بالذنوب يَنقَلب حزنًا وثبورًا.

فيوسف صلى الله عليه وسلم خاف اللهَ مِن الذنوب، ولم يخَفْ مِن أذى الخلْق وحبْسِهم إذا أطاعَ اللهَ، بل آثَرَ الحبْسَ والأذى مع الطاعة على الكرامة والعزِّ وقضاء الشهوات ونيل الرئاسة والمال مع المعصية، فإنه لو وافقَ امرأةَ العزيز نالَ الشهوةَ، وأكرمتْه المرأةُ بالمال والرئاسة وزوجُها في طاعتها، فاختار يوسف الذلَّ والحبسَ، وترْك الشهوة والخروج عن المال والرئاسة مع الطاعة على العزِّ والرئاسة والمال وقضاء الشهوة مع المعصية[16]، قال وهب بن منبِّه: لمَّا مرَّ يوسف على امرأةِ العزيز بعدما أَصبَح عزيزَ مصر قالت: الحمد لله الذي جعَل العبيدَ ملوكًا بطاعته، والملوكَ عبيدًا بمعصيتِه[17].

وأَخبَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ المستقبَل لهذا الدِّين، وأنَّ الله سيُوصله إلى الناس كافة، ولو كرِه الكافرون، روى الإمام أحمد في مسنده مِن حديث تميم الداري رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إلَّا أَدْخَلَهُ اللُه هَذَا الدَّينَ بِعِزِّ عَزِيزِ، أوبِذُلِّ ذَلِيلِ، عزَّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلَامَ، وَذُلَّا يُذِلُّ اللهُ بهِ الْكُفْرَ. وكان تميم الداري رضي الله عنه يقول: قد عرفتُ ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب مَن أَسلَمَ منهم الخير والشرف والعزّ، ولقد أصاب مَن كان منهم كافرًا الذُّل والصَّغار والجزية»[18].
،
،
،












 توقيع : وهُــم .

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ وهُــم . على المشاركة المفيدة:
,