عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 18-02-2019, 10:10 AM
نسر الشام غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 612
 اشراقتي » Feb 2018
 كنت هنا » 10-02-2020 (05:29 AM)
آبدآعاتي » 14,858[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه Syria
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
 
ندامة الكُسَعِي



ندامة الكُسَعِي

يحكى أنّ رجلاً أحبَّ الصيد حبًّا جمًّا، فقرَّر أن يصنع قوسًا بيده وأن يشدَّ عليها وترًا، ويصنع أسهمَ الصيد أيضًا، فبينما هو يسير إذ أبصر نَبْعَةً في صخرةٍ أعجبته، فقال في نفسه: "ينبغي أن تكونَ هَذه قوسًا"، فجعل يتعهدها ويرعاها ويرصدها من وقت لآخرَ، حتى إذا أدركت، قطعها وجففها وبدأ بصناعة القوس، قرُب القوسُ من الانتهاء، فقد استغرق صُنعُه أشهرًا، سقاه من عرقه الكثير، وأخيرًا وبعد جهد طويلٍ ولأْيٍ، وجَد قوسَه قد انتهى، وقد حان الوقتُ لتجربته.
شدّ الكُسَعِيّ الوترَ على قوسه وتأبَّطه وخمسةً من السهام التي صنع، وحمل قربةً للماء معه وسار في الصحراء، حيث كان يرى حمُر الوحش قديمًا، وكان يتمنَّى لو أنّ بحوزته قوسًا وسهامًا.
سار في البادية من وادٍ لوادٍ، ومن مرتفعٍ لآخرَ يأملُ أن يلقى حمرَ الوحش ولا أقل منها، صعِد مرتفعًا من الأرض يطلُّ على وادٍ وافرِ الخضرة، في أسفل الوادي، وفي منتهى ما يصل إليه قوسُه وجد عانةً من حمُر الوحش ترتعُ في الوادي، لم تشعرْ بوجوده، اقترب قليلاً، أعاد شدّ وتره على قوسه، وسدَّد وقارب إلى حمار من تلك الحمُر، أطلق سهمَه وهو يظنّ أنه سيُردي أحدَها صيدًا يأكله عياله وبنوه.
لم يشعر الكُسَعِيُّ أنّ أحدًا من الحمُر قد أصيب، شعر بالأسى وتملَّكه الحزنُ وأُصيب بخيبةِ الأمل، لكنّ الحمُر لم تشعرْ بوجوده ولم تهرع هاربةً، شدّ قوسه ثانيةً وسدَّد إلى حمارٍ آخرَ، ومثل المرّة الأولى لم يشعر أنه أصاب ولم تهلع ولم تنفر عندما رماها، كرَّر الكُسَعِيّ ذلك مرارًا حتى أنهى رمْيَ أسهمه الخمسة كلّها، تملّكه الغضبُ والحزنُ وملأ الدّمُ عروق وجهه، كيف لم يُصبْ ولو مرةً من هذه المرات الخمسة؟! فعمد إلى قوسه الذي أمضى أشهرًا في تحضيره وصنعه فكسره؛ علّه ينفث همَّه ويُذهب غضبَه.
هدأ غضبُه قليلاً، ثمّ قال في نفسه: "يجب أن أسيرَ إلى الوادي لأرى ما حلّ بأسهمي، فأنا لم أصوبها إلى السماء، وما عادتي أن أخطئَ في رمْي السهام"، قام من فوره فرأته الحمُر فهرعت موليةً هاربةً، محدثةً دوّامةً من النقع ارتفعت في المكان، كتلك التي كان يشاهدها في حروب قبيلته مع غيرها من القبائل عندما يحمى الوطيسُ، نزل مسرعًا إلى حيث أطلق سهامَه، وقد بدأت غيمة الغبار بالانقشاع شيئًا فشيئًا، ماذا وجد؟ صرخ قائلاً: "يا إلهي، إنها خمسة من حمُر الوحش تسبح في دمائها، وقد اخترقتها السهام"!!
عاد إليه رشدُه، وندِم ندمًا لا يعادلُه ندمٌ، ندم ولاتَ ساعة مندم، فقد كسر قوسَه الذي أمضى في صنعه أشهرًا عديدة، أرَّخ وحفظ أهلُ الأمثال هذه الواقعةَ، فقالوا : ندم ندامةَ الكُسَعِيّ، وذكرها الشعراء في أشعارهم:
نَدِمْتُ نَدَامَةَ الكُسَعِيِّ لمَّا غَدَتْ مِنِّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ




 توقيع : نسر الشام


رد مع اقتباس