عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 27-05-2020, 08:13 PM
حكآية روح غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 106
 اشراقتي » Apr 2017
 كنت هنا » 08-09-2021 (03:34 AM)
آبدآعاتي » 719,463[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
 
فن العمارة الإسلامية البيوت والقصور".



فن العمارة الإسلامية

البيوت والقصور





ظل "البيت" و"المنزل" اسماً للمكان الذي يقطن فيه العامة من الناس، متوسطي الحال، وأما "القصر" فإنه سكن الطبقة الثرية من الناس، وهو أيضاً سكن الأمراء والحكام.


وقد كان للإسلام تأثيره على الفن المعماري بالنسبة للبيوت وللقصور على حد سواء.


البيت:
لا نقصد بالبيت الإسلامي ذلك المنزل الذي زين بالزخارف الإسلامية فحسب، بل ذلك التصميم الذي جاء ملبياً للقيم الوظيفية والجمالية من منظور إسلامي.


وليس بين أيدينا ما يعطينا تصوراً دقيقاً لشكل البيوت في الماضي البعيد، وكل ما وصلنا هو وصف لمنازل ليست بعيدة العهد، على أن المدن الإسلامية ما تزال تحتفظ ببعض هذه الأبنية التي تعد مثالاً لغيرها..


ومما لا شك فيه، أن الإسلام كان له تأثيره الكبير على شكل هذه البيوت، وعلى أسلوب هندستها، ذلك أن البيت يمثل جانباً كبيراً من أسلوب الحياة الاجتماعية التي يعيشها الإنسان.


وإذا كان الإسلام قد نظم هذه الحياة تنظيماً بالغا ًفي الدقة والشمول كان لا بد له من إلقاء بعض ظلاله الوارفة على هندسة البيوت وأشكالها وطرزها.


وقد أدرك هذه الحقيقة "ج. مارسيه" وعبّر عنها في كتابه "الفن الإسلامي" فقال: "لقد تغلغل الإسلام في الحياة البيتية، كما دخل حياة المجتمع، وصاغت الطبائع التي نشرها شكل البيوت والنفوس"[1].


نعم، كان لا بد أن يكون للبيت المسلم شكله المتميز، لارتباطه بالكثير من الشؤون الاجتماعية، التي صاغها الإسلام ونظمها، والتي ينبغي مراعاتها ونذكر منها على سبيل المثال:
• تشريع الحجاب، الذي يقضي بفصل الرجال عن النساء، وفق نظام مفصل، فرّق فيه بين المحارم وبين غيرهم[2].


• تشريع الاستئذان: وهو نوعان:
♦ استئذان بالدخول من خارج البيت إلى داخله[3].
♦ استئذان ضمن البيت ذاته في دخول غرفه[4].


هذه المعطيات قد أخذت بعين الاعتبار في تصميم البيت المسلم، الأمر الذي لفت نظر "مارسيه" فقال قولته السابقة.


ويمكننا أن نلقي ضوءاً على وصف مجمل لهذه البيوت نذكر فيه الخصائص العامة فنقول:
إن هذه البيوت خلت من الفتحات أو النوافذ الخارجية التي تطل على الطريق. وفي حال وجودها توضع في أعلى الجدار، أو تكون في بناء الطابق الثاني، وفي هذه الحالة كان يلجأ إلى تزيينها بمنحوتات من الجص أو بشبك خشبي يتيح للذي في الداخل أن ينظر ما في الطريق، ولا عكس.


وتتميز هذه البيوت بوجود فسحة سماوية في وسطها، وتكون الغرف محيطة بها والنوافذ مطلة عليها، وبهذا يتم تأمين تهوية البيت، ويأخذ حظه من أشعة الشمس دون أن يكون مكشوفاً من الخارج، وبهذا يتاح للنساء أخذ حريتهن الكاملة في بيوتهن.


ولا شك أن مستوى البيت يتأثر بالوضع المالي لصاحبه، وبيوت الطبقة الوسطى غالباً ما يدخل إليها عبر دهليز يؤدي إلى ساحة البيت ومنها يدخل إلى الغرف المختلفة، ويصعد إلى الطابق الثاني إن وجد. وإذا كان البيت متسعاً أحيط بالرواقات حول الساحة، وغالباً ما تكون هذه الرواقات محمولة على أعمدة وأقواس. وقد يكون في الساحة بعض الأحواض التي تزرع بالورود أو الأشجار ذات الزهر الفواح.. وقد تتوسط الساحة بركة ماء صغيرة في وسطها نافورة.


وتعد "القاعة" الغرفة الرئيسية في البيت فهي مكان استقبال الضيوف ويرتبط شكل القاعة وحجمها بالوضع المادي لصاحب البيت، وعادة تكون مستطيلة الشكل، بابها في الوسط يؤدي إلى عتبة واسعة وقد يكون فيها حوض ماء ونافورة. وعلى جانبي العتبة ترتفع الأرضية بما يقرب من نصف متر. حيث تكسى الأرضية بالسجاد بينما تظل أرضية العتبة مكشوفة ولذا يختار لها الفاخر من أنواع الرخام.. ويزين السقف بالنقوش والأفاريز..


وقد تكون جدران القاعة إلى ارتفاع معين مغطاة بالخشب المحفور والمطعّم بالحشوات الهندسية، وهذا الخشب يكون عبارة عن أبواب لخزائن في الجدران وأطر لكوات غير نافدة توضع فيها التحف الثمينة.. وكذلك للنوافذ المطلة على ساحة البيت، بحيث يؤدي هذا الخشب تناسقاً جميلاً.

ويتميز البيت المسلم في كل مكان بالنظافة التي هي شعار المسلم حيثما وجد، ذلك لأن الصلاة - وهي عمل يومي - تستلزم طهارة الجسم والثياب والمكان.

القصور:
قلنا إن القصور هي سكن العلية من القوم، الأثرياء والأمراء، وهي بالأمراء والحكام ألصق. وقد ذكرت كتب التاريخ وكتب الأدب الكثير عن هذه القصور، ولكن اهتمامات هذه الكتب انصرفت إلى وصف الترف والزخرفة والجماليات. ولم تعوّل على التصميم الهندسي إلا في القليل النادر.


ولكن المبدأ العام الذي قام عليه البيت قام عليه القصر أيضاً، فهناك السور الخارجي الذي يخلو من الفتحات، والصحن الداخلي الذي تشرف عليه الأروقة ومن ورائها الغرف في طابق أو طابقين.


ولا شك بأنه وجدت قصور على غاية من الروعة والجمال. بذل فيها من الوقت والفن والمال الشيء الكثير.. وقد بقي في الأندلس منها بقية يعد قصر الحمراء في غرناطة من أهمها.


ولا شك أيضاً بأن هذه القصور الباقية تحكي ما توصل إليه الفنانون المسلمون من فن وعبقرية وعلم بالهندسة.. ولكنها في الوقت ذاته تحكي قصصاً أخرى..


وإذا كان بحثنا في أصله حديثاً عن الجمال، والجمال في المفهوم الإسلامي من بعض سماته تناسق الجزئي مع العام.. فإن من حقنا أن نلفت النظر إلى الجانب غير المنظور من هذه القصور، بعيداً عن العطاء الفني.. فما العطاء الفني إلا جانب من جوانب الجمال.


ونحب أن نقف على وصف قصر من هذه القصور، لنستجلي منه ذلك الجانب غير المنظور:
"وكان قصر المأمون بن ذي النون ملك طليطلة آية رائعة من آيات الفن والبهاء، وكان روشنه الشهير الذي بني وسط بحيرة القصر، من الزجاج الملون المزين بالنقوش الذهبية، مستقى خصباً لخيال الشعراء، وكانت حافة البحيرة مزدانة بصفوف من تماثيل الأسود التي تقذف الماء من أفواهها، وهي لا تزال تقذف الماء ولا تفتر، وتنظم لآلئ الحباب بعدما نثر"[5].


ونقرأ في نص آخر عن هذا القصر:
"وكان الكثيرون من الأمراء الذين توزعوا الخلافة الممزقة.. يملكون قصوراً وبيوتاً تنافس في البذخ والترف قصور بني عباد ومنها.. البناء الرائع الذي بناه المأمون بن ذي النون آخر أمراء طليطلة، واتخذ منه مقرا ًله. تأنق في بنائه وأنفق فيه مالاً كثيراً، وصنع فيه بحيرة وبنى في وسطها قبة، وسيق الماء إلى رأس القبة على تدبير الحكماء والمهندسين وكان الماء ينزل من أعلى القبة حواليها محيطاً بها متصلاً بعضه ببعض. فكانت القبة في غلالة من ماء يسكب لا يفتر والمأمون بن ذي النون قاعد فيها لا يمسه من الماء شيء، ولو شاء أن يوقد فيها الشمع لفعل.. واستولى المسيحيون على مدينة طليطلة"[6].


إنه قصر جميل حقاً.


وهو تحفة ثمينة، ولوحة فنية خالدة..


عكف عليها فنانها يعطيها عصارة فكره، وينفق في ألوانها حرَّ ماله، ولكنه يرسمها في بيته المتواضع مستنداً إلى جداره الذي يريد أن ينقض، مستظلاً بسقفه الذي تتيح له شقوقه أن يتمتع بزرقة السماء الصافية حيناً، والمتلبدة بالغيوم أحياناً.


كان الوقت شتاء والعواصف ثائرة هوجاء، والمطر المنهمر كان أقوى من تماسك السقف فاستطاع أن يجد المنافذ إلى داخل البناء.. وبين الفينة والفينة تسقط بعض قطع الطين من السقف أو الجدران.. ولكن الفنان مستغرق في فنه لا يشغله عنه شيء، فلم تصل إلى سمعه زمجرة الرياح ولا قصف الرعود.. أتم لوحته ثم راح في خشوع كبير يتمتع بمرآها.. إنها جميلة.


كانت كل الظواهر تنذر بقرب انهيار المنزل.. ولكن غلبت على الفنان فنيته فلم يبال بشيء.. وانهار البناء.. وتلفت اللوحة.. وهلك الفنان.. واستولى النصارى على طليطلة..


تلك هي قصة كثير من هذه القصور..


إنها حينما نقطعها عن الوشائج التي تربطها بالحياة، وننظر إليها نظرة مجردة يمكننا أن نصفها بالجمال. ولكنه حينما توصل هذه الوشائج بالحياة وبدنيا الناس ربما كانت لها أوصاف أخرى.


إنها فن قام على أرض مسلمة، وبأيد مسلمة. ولكن هل يمكن أن يسمى فناً إسلامياً؟!


قلنا من قبل إن الجمال يأتي في درجة الكماليات بعد أن تستكمل الضرورات والحاجات. فإذا جاء قبل ذلك، كان في غير مكانه، وكان غير جميل بهذا الاعتبار لفقدان صفة التناسق وهي سمة أساسية.


ومن هنا كان المنهج الإسلامي واضحاً في تحديد المفهوم الجمالي. وإذا أضفنا إلى ذلك أن تلك الأموال كانت أموال الأمة وقد وضعت في غير ما أعدت له، كنا أمام شائبة أخرى. وإذا قلنا إن وقت الأمراء والحكام هو في الأصل ملك الأمة..[7] وأنه لم ينفق في مصالحها كنا أمام ثالثة الأثافي.


وهذا ما يفسر لك بعض ذلك الشعور الذي ينتابك وأنت في الحمراء مثلاً، فبمقدار ما تسر عينك وتأنس لمرأى الجمال في حلله المتنوعة ومظاهره المتعددة.. بمقدار ما تشعر بانقباض نفسي شديد حين تمر بفكرك عبر التاريخ وتستمع إلى الجدران والأعمدة تحكي لك بعض ما سجلته ذاكرتها، وتعيد لك بعض ما شاهدته من لهو وعبث وتقصير...


إن بناء القصور، والعناية بالعمران، وزخرفته، أمر لا يمنعه الإسلام ما دام في حدود المنهج.. ولكن أن تصرف اهتمامات قادة الأمة إلى هذه الأمور فتشغلهم عن الواجبات المناطة بهم فذلك أمر لا يمت إلى الجمال بصلة، إن جماليتهم تقوم بسهرهم على راحة الأمة، وإقامة العدل فيها، ورفع الظلم..


ونحن هنا لسنا في مجلس وعظ، ولكنا نحقق المعنى الجمالي، فجمال الرجل برجولته، وجمال المرأة بأنوثتها، وجمال القاضي عدله، وجمال الأمير أن تكون اهتماماته هي اهتمامات أمته.


[1] عن كتاب "جمالية الفن العربي" د. عفيف بهنسي ص 159.

[2] جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ﴾ [النور: 31].

[3] جاء ذلك في قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27]. قال ابن كثير وقد ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "إن استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف".
ومن الأدب الإسلامي أن المستأذن لا يقف تلقاء الباب وإنما عن يمينه أو يساره. وهو ما روي من فعله صلى الله عليه وسلم.

[4] ومن الأدب الإسلامي أيضاً الاستئذان على الوالدين والأخوة والأخوات وقد أورد ابن كثير في تفسير قول ابن مسعود رضي الله عنه "عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم" [في تفسير الآية 27 من سورة النور].
وجاء في تفسير (صفوة التفاسير) نقلاً عن البيضاوي، روي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأستأذن على أمي؟ قال: "نعم"، قال: ليس لها خادم غيري، أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: "أتحب أن تراها عريانة" قال:لا. قال: "فاستأذن عليها".

[5] نهاية الأندلس. تأليف محمد عبد الله عنان ط 3 ص 512.

[6] الفن العربي في اسبانيا. تأليف (فون شاك) ترجمة الطاهر أحمد مكي ص 69.

[7] انظر كتابنا (من معين السيرة) ص 471 - 475.





 توقيع : حكآية روح




رد مع اقتباس