شروح الكتب تفسير ابن كثير
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [يونس:34-36].
وهذا إبطالٌ لدعواهم فيما أشركوا بالله غيره، وعبدوا من الأصنام والأنداد: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أي: مَن بدأ خلق هذه السماوات والأرض، ثم يُنشئ ما فيهما من الخلائق، ويُفرّق أجرام السماوات والأرض، ويبدلهما بفناء ما فيهما، ثم يُعيد الخلق خلقًا جديدًا؟ قُلِ اللَّهُ هو الذي يفعل هذا ويستقلّ به وحده لا شريكَ له، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي: فكيف تُصرفون عن طريق الرُّشد إلى الباطل؟!
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أي: أنتم تعلمون أنَّ شركاءكم لا تقدر على هداية ضالٍّ، وإنما يهدي الحيارى والضُّلال ويُقلّب القلوب من الغيّ إلى الرّشد الله الذي لا إله إلا هو.
أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى أي: أفيتبع العبد الذي يهدي إلى الحقِّ ويبصر بعد العمى، أم الذي لا يهدي إلى شيءٍ، إلا أن يُهدى؛ لعماه وبكمه؟
كما قال تعالى إخبارًا عن إبراهيم أنَّه قال: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]، وقال لقومه: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:95-96]، إلى غير ذلك من الآيات.
الشيخ: وهذا كلّه واضح في بيان استحقاق الله للعبادة، وأنَّه جلَّ وعلا هو الخلَّاق العليم، وهو الذي يبدأ الخلقَ ثم يُعيده، وهو الذي يهدي مَن يشاء: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ [البقرة:272]، فهو الذي بيده تصريف الأمور، وهو المستحقّ لأن يُعبد ويُطاع جلَّ وعلا، هو الخلَّاق، وهو الرزاق، وهو الذي يهدي مَن يشاء، ويُضلّ مَن يشاء، بيده تصريف الأمور، فهو المستحقّ لأن يُعبد ويُطاع ويُعظّم أمره، لا آلهتهم الباطلة، ولا مدعووهم الضَّالون، ولكن الذي بيده الضّر والنَّفع، والعطاء والمنع، والهداية والإضلال، والخلق والإماتة، كلّه بيد الله ، هو الذي بيده تصريف الأمور: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]، وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ [الروم:27].
...........
فالواجب على ذوي البصيرة وذوي العقل أن ينتبهوا، وأن يسترشدوا بما أرشدهم الله إليه من عبادة الخلَّاق العليم، الذي يهدي مَن يشاء، ويُضلّ مَن يشاء، وأن يحذروا عبادة العاجل: المخلوق، نعم، الله المستعان.
وقوله: فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أي: فما بالكم أن يذهب بعقولكم؟! كيف سوّيتم بين الله وبين خلقه، وعدلتم هذا بهذا، وعبدتم هذا وهذا؟! وهلا أفردتم الربّ جلَّ جلاله، المالك، الحاكم، الهادي من الضَّلالة؛ بالعبادة وحده، وأخلصتم إليه الدَّعوة والإنابة؟
ثم بيّن تعالى أنَّهم لا يتّبعون في دينهم هذا دليلًا ولا برهانًا، وإنما هو ظنٌّ منهم، أي: توهم وتخيل، وذلك لا يُغني عنهم شيئًا.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ تهديدٌ لهم ووعيدٌ شديدٌ؛ لأنَّه تعالى أخبر أنَّه سيُجازيهم على ذلك أتمَّ الجزاء.
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ [يونس:37-40].
هذا بيانٌ لإعجاز القرآن، وأنَّه لا يستطيع البشرُ أن يأتوا بمثله، ولا بعشر سورٍ، ولا بسورةٍ من مثله؛ لأنَّه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني العزيزة النافعة في الدنيا والآخرة لا تكون إلا من عند الله الذي لا يُشبهه شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله وأقواله، فكلامه لا يُشبه كلام المخلوقين؛ ولهذا قال تعالى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: مثل هذا القرآن لا يكون
استوقفتني اية سبحان الله. اقرأ في سورة يونس واستوقفتني الآيات التي نسختها وزادت فيني. يقينا بعد. يقين. وايمانا أن الله يبعث لنا رسائل في كل ايه نقرؤها في كتابه الحكيم الحمدالله الذي أنزل. القرآن على عبده لكي ينير به ظلمات العقل. والجهل. ويزيدنا تقربا لله وحبا وايمانا