التقبل هو السلام الداخلي
تنخفض جـودة حياتـك إذا ظللـت مـدة أطـول فـي مرحلـة الإنكار؛ إنكار الفقـد، إنكار المـرض، إنكار التقـدم فـي العمر، إنكار أن الأمـور ليسـت كلـهـا تـحـت سـيطرتك. إن الصحة النفسية قرينـة (القبـول)، فالقبـول يساعدك علـى نيـل السـلام الداخلـي، والمضي قدمـا لتصنـع لنفسـك حيـاة واسـعة، وتحيـا مـن جـديـد. لتحصـل عـلـى سـلام داخلـي؛ تقبـل أن بعـض الأمـور هـي خـارج سيطرتك مهمـا حـرصـت فذلـك ليـس تقصيـرًا منـك، وتقبـل أن مـن النـاس مـن لـن يتصـرف كـمـا كـنـت تتوقـع، لا تشترط تكيف، تفهـم، وتقبـل أن الحيـاة ليسـت كلـهـا سـعيدة وليست كلهـا حزينـة، الحيـاة عبـارة عـن تحديـات، عمـل اجتهاد، وصبـر؛ أحيانًـا تـحصـل عـلـى مـا تـريـد وأحيانًا لا.
إن مـن المشكلات مـا لا يمكـن حلـهـا فـي فـتـرة قصيرة، إذ مما يزيـد الأزمة النفسية اشتراط الحلول الآن وفـورًا، أعـط المشكلات الوقت الكافي، جـرب حلولاً مختلفة، خطـط حلهـا فـي تاريـخ مقبـل، تقبـل وجودهـا لـفتـرة، التقبـل لا يعنـي الاستسلام، ولا يعنـي الموافقـة، بـل يعنـى انتظـار التوقيت المناسب.
لا يمكنك وضـع الخيارات والحلـول مـا لـم تتقبـل الـواقـع أولاً، لذلـك (القبـول) مـن المفاهيـم المهمـة فـي الحيـاة
لتجـاوز الالام، هنـاك أوقـات تتطلـب أن تتقبـل فيهـا مـا لا يمكنك تغييره، دون أحكام أو تشنجات. فقـط دع الأمـور تمر. فقـد تتقبـل مرضـك المزمـن لـكـن هـذا لا يعنـي أنـك تريده أو توافـق عـليـه، وقـد تتقبـل فـقـدك لعزيـز وهـذا لا يعني أنـك تـريـده أو توافـق عـليـه، التقبـل هـو طـريـق التأقلـم والاستمرار فـي الحيـاة، والرفـض المستمر يقـود لتعطـل الحيـاة والإصابة بالاضطراب النفسي مثـل الاكتئاب. يتعـب نفسـيـا مـن لـديـه أسـئلة لا تنفـك تـدور فـي رأسـه «لمـاذا حـدث لـي ذلـك؟» يظـل حـائـرًا، فيزيـد بحثـاً وطحنًـا ويـزداد تعبًـا. لا هـو اسـتمتع بلحظتـه ولا هـو وجـد إجابتـه لـذا هنـاك بعـض الأسئلة في الحيـاة مقـدر ألا تعـرف إجابتهـا، هـكـذا هـي الحيـاة ليست دائمـا سهلة، ما قد يحصـل لـك قد لا يحصـل لغيـرك. اقبـل، تجـاوز، واستمتع بحاضـرك.
التقيت أشخاصا في العيادة متعبين نفسيا، ليس بسبب الاضطراب فحسب، بل لأنهم لم يصلوا بعد لتقبل ما حدث لهم، سيتقبلون بالنهاية، لكن بعد ضياع العمر. ومرة أخرى إن التقبل لما حصل قدما بالماضي يعني المضي الموافقة عليه، بل يعني في الحياة، لا يمكن أن توقف متعة حياتك لما لا يمكنك تغييره. ومن تعريفات القبول كما وردت للدكتور (Robert Leahy) في کتابه
«Emotional schema»
هو التعامل مع الأشياء كما هي بالضبط، لا كما تراها أنت من منظورك الشخصي. إن من أسباب لا المعاناة في حياتنا محاولتنا التحكم في أمور خارجة عن سيطرتنا، مثل بقاء من نحب بخير دائمًا، القلق على أعمارنا من أن تكبر، رغبتنا بالا نمرض، رغبتنا بألا نفقد أحدا، وهكذا..، وكلما قلقت زادت رغبتك في التحكم بتلك الأمور، القلق عكس التقبل، دع سنن الكون بيد الخالق واستمتع بما تحت تحكمك في الحياة.
وإن من التقبل هو تقبل ذاتك، قد تنكسر، فهذا طبيعي، الاعتقاد بأنه يوجد شخص قوي دائما هو وهم بحد ذاته، اسمح لنفسك بمساحة من الضعف مؤقتة، فإذا تقبلت ضعفك عادت قوتك من جديد، نحن بشر ولسنا آلات مهما بلغنا من العلم والقوة، إن تقبلك لهفواتك هو سر قوتك، وإن رفضك لها هو مصدر ضعفك. فمثلاً لا تجبر نفسك على العطاء وأنت في مزاج سيئ، اسمح لمزاجك بأن يأخذ دورته إلى أن يتحسن ثم مارس ما تريد ممارسته. أن تكون لطيفا شيء وأن تحمل نفسك ما لا تطيق هو شيء آخر، اللطف لا يعني أن تقبل ما لا تريد فعله، لا بأس أن ترفض، ولا بأس أن تُرفض. هذه هي الحياة. تقبل مزاجك المنخفض، أحيانا لا تريد الرد على الهاتف، أو لا تريد الحديث مع أحد، لا تحاول أن تضغط على نفسك للظهور أمام الناس بأنك على ما يرام، لا بأس أن تعتذر لهم. تزداد استقرارا إذا كنت تملك القدرة على التسامح مع أخطائك، بدلاً من اللوم المستمر، لا بأس أن تلوم نفسك إذا أخطأت، لكن ليس لفترة طويلة، بحيث تستبدل ذلك الخطأ لعدم تكراره، وتقبل أنك قد تخطئ أحيانا. بالتعلم من الخطأ لعدم تكراره، وتقبل أنك قد تخطئ أحياناً.