أسس نجاح البحث:
البحوث التي تقدَّم في المجالات المتعدِّدة تتفاوت قيمة ودرجة فيما بينها، "ولا يمكن أن يتميز بحث عن بحث، أو يتفاضل كاتب عن كاتب، إلا إذا كانت لديه العوامل التي تجعله يبرز في ميدان الدِّراسة، والبحث القائم على المنهج الداعم وحُسْن الإخراج ومتانة الموضوع، وكل ذلك يتطلَّب أمورًا في الباحث لها مردودها على البحث نفسه؛ "لأنَّ البحث يفتش عن حقيقة ما، وطريق الحقيقة طويلة شاقَّة، لا يمكن أن يسلكها ويصل إلى منتهاها إلا مَن توافرت فيه شروط نفسيَّة، وأخلاقية وعلمية، ويتمتَّع بموهبة خاصَّة يمنحها الله لِمَن يشاء من عباده، وليس كل إنسان يملِك هذه الموهبة، كما أن التفوُّق في أثناء الدراسات الجامعية الأولى ليس برهانًا على امتلاك هذه الموهبة، بل ربما يكون دليلاً عليه[23].
فكثيرًا ما يصادف الإنسان أشخاصًا تفوقوا في سنوات الدراسة، وربما ذلك لأنهم كانوا يعتمدون على عملية الحِفظ والاستظهار دون إدارة العقل وإعماله في الفَهْم والاستيعاب، ثم تراجعوا في البحث العلمي وتقدَّم عليهم في هذا المجال مَن كانوا أقل منهم تقديرًا في سنوات الدراسة.
إذا فالبحث يحتاج إلى موهبة خاصة، وهذه الموهبة عندما توجد لا بدَّ من تنميتها بكثرة الاطلاع، وسعة المعرفة، وعمق التفكير مع المحاولات المستمرَّة لإجراء البحوث التمهيديَّة المصغرة، وعمل دراسات نقديَّة لبعض الكتب التي يقرؤها، وغير ذلك من صورة البحوث غير الكاملة[24].
وقد يكتب فاقد الموهبة بحثًا، ويبذل فيه جهدًا على قدر طاقته، ولكن عمله في النهاية لا يرقى إلى مستوى الأبحاث الجيدة.
وذلك سبب الإعجاب بكتاب دون آخر والفرق بين عمل يعجب القارئ، ويستحوذ على مشاعره، وبيْن عمل يمله القارئ فلا يقرؤه، وإن كان فعلى مضض، لأنه كالجسد لا روح له.