رحلة القلب إلى الطهر واليقين

الحج ليس مجرد شعائر تُؤدى أو مناسك تُتبع، بل هو عبورٌ من الماديّ إلى المعنوي، من الأرض إلى السماء، ومن ضجيج الدنيا إلى سكينة الروح. إنه رحلةُ تطهُّرٍ عظيمة، فيها يغتسل القلب من أدرانه، وتسمو النفس في حضرة الخشوع، وتتبدل الخطوات من عاديةٍ إلى نورانية.

حين يلبِّي الحاج نداء الله بـ "لبيك اللهم لبيك"، لا يُعلن فقط بداية رحلة مكانية إلى مكة، بل يبدأ هجرةً داخليّة من التشتّت إلى السكينة، من الأنا إلى الجمع، ومن الغفلة إلى اليقظة.
تذوب الفوارق، وتتوحد القلوب في مشهدٍ مهيب لا يشبهه شيء، وكأن الأرواح تخلع عنها عباءة الحياة المؤقتة وتستعدّ للوقوف بين يدي الحق.

في عرفات، حيث تقف الحشود على صعيدٍ واحد، تبكي وتدعو وتستغفر، يتجلى معنى اللقاء الحقيقي بين العبد وربه، بعيدًا عن كل ما سواه.
وفي رمي الجمرات، لا تُرمى الحجارة فقط، بل تُرمى معها وساوس، أخطاء، أحقاد، وعُقدٌ علقت بالنفس طوال العام.

الحج ليس فقط فرضًا من أركان الإسلام، بل هو تطهير شاملٌ للروح والبدن والنية. هو ميلاد جديد يبدأ من الطواف وينتهي عند باب المغفرة، فيخرج الحاج كما ولدته أمه، صفحة بيضاء وقلبٌ مشرق بالإيمان.

فطوبى لمن نال هذه الرحلة، وطوبى لمن فهمها بروحها، لا بحركاتها فقط.
الحج... حين تصمت الأرض، وتتكلم السماء.

المصدر : منتديات عبق الياسمين

 

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ