نبذة عن عمر الخيام:
عاش عمر الخيام في فترةٍ من التاريخ الإسلامي كانت تعج بالمتغيرات، ولا يعرفه كثيرون إلّا بوصفه شاعرًا، لكنّه كان رياضيًّا وفلكيّا ماهرًا وضع تقويمًا سنويًا كان أكثر دقة من ذلك الذي وُضع قبله بخمسة قرون. أما في الرياضيات، فله يرجع الفضل في تصنيف المعادلات التكعيبية وحلها اعتمادًا على الهندسة.
وُلد عمر في مدينة نيسابور التي كان يحكمها السلاجقة، وقضى معظم أيامه بين بلاطي السلطان القراخاني والسلجوقي. ولعمر الخيام اثنين من الأصدقاء اللذين لعبا دورًا محوريًا في التاريخ الإسلامي، نظام الملك والحسن الصباح، لكنه نأى بنفسه عن صراعاتهما وآثر التفرغ لعمله وشعره.
أصبح عمر الخيام شخصيةً عالميةً شهيرة عرفها الأوروبيون قبل العرب، فقد ترجم السير إدوارد فيتزجيرالد رباعياته إلى الإنجليزية. وقد لعبت دورًا كبيرًا في الاستشراق وانتشاره بين أوساط الباحثين الأوروبيين الذين بدؤوا يتطلعون بشغفٍ نحو شرقٍ كان إلى حدٍ قريب مجهولًا بالنسبة لهم.
إنجازات عمر الخيام
انضم عمر الخيام الى إحدى القوافل التي تنظم رحلةً مدتها ثلاثة أشهر من نيسابور إلى سمرقند العظيمة، والتي تقع اليوم في أوزباكستان. كانت سمرقند مركزًا للمنح الدراسية، ربما وصل الخيام اليها في 1068 عندما بلغ 20 عامًا، حيث قام بالتواصل مع أبو الطاهر صديق والده القديم الذي كان حاكم وقاضي المدينة، وسرعان ما اكتشف لديه موهبهٌ غير عادية في علم الأرقام، فوظفه في مكتبه. وفيما بعد حصل الخيام على وظيفةٍ في خزانة الملك، وقد أحرز تقدمًا كبيرًا في علم الجبر أثناء إقامته في سمرقند .
علم الخيام أنّه ليس من الممكن حل المعادلات التكعيبية باستخدام أدوات الهندسة اليونانية القديمة كالبوصلة والمسطرة وهناك حاجة إلى أساليب أخرى .
نشر الخيام في عام 1070 عندما كان في سن 22 واحدةً من أعظم أعماله، وهي رسالةٌ حول إظهار مشاكل الجبر والموازنة، أظهر فيها أن المعادلة التكعيبية يمكن أن يكون لها أكثر من حلٍ واحد، وأوضح أيضًا كيف يمكن استخدام القطوع كالقطع المكافئ والدوائر لإعطاء حلول هندسية للمعادلات التكعيبية.
كان أرخميدس قد بدأ بالفعل بالعمل في هذا المجال منذ أكثر من ألف عام عندما واجه مشكلةً محددة في العثور على نسبه حجم جزء إلى آخر ضمن مجالٍ معين. نظر الخيام في هذه المشكلة بطريقةٍ أكثر عمومية ومنهجية، وتجنب الخيام المعادلات السلبية والحلول السلبية، لأن الأعداد السلبية لم يكن معترفًا بها في الرياضيات الإسلامية. مع ذلك بعض الثقافات قد أدرجت الأرقام السلبية في الرياضيات، على سبيل المثال، البراهما غويتا كانت قد أدخلت الأرقام السلبية في الرياضيات الهندية قبل 400 عام.
على الرغم من أن إنجاز الخيام كان رائعًا، الّا أنّه شعر بخيبة أمل لأنّه كان بحاجةٍ إلى استخدام الهندسة في كل المعادلات التكعيبية، وكان يأمل باكتشاف خوارزمية للحل باستخدام الجبر فقط.
في عام 1073 تلقى الخيام دعوةً الى مدينة أصفهان الفارسية، عاصمة الإمبراطورية السلجوقية، لإعداد جدولٍ زمني من شأنه أن يعمل بطريقةٍ دقيقة إلى الأبد، وكان هذا هو العصر الذي تحدد فيه طول السنة بشكلٍ دقيق ومنتظم. تمت دعوة الخيام من قبل الرجلين الأكثر سلطة في الإمبراطورية السلجوقية والتي كانت بلاد فارس جزءًا منها، وهما ملك شاه سلطان الإمبراطورية، ووزيره نظام الملك.
قام الخيام بتوظيف علماء موهوبين آخرين لمرافقته إلى أصفهان في عام 1074، حيث كان يتقاضى أجرًا مرتفعًا للغاية، وقد تمتع بأسلوب حياةٍ مميز.
قام السلطان ملك شاه بتمويل مشروع عمر الخيام من أجل إنشاء مرصدٍ فلكي لمراقبة السماء خلال 30 عامًا، وخلال هذه المدة كان زحل (الكوكب الأبعد المعروف وقتها) سيكمل مداره. خلال فترة عمله في أصفهان وجد الخيام أن طول السنة الاستوائية 365,2422 يومًا.
قدم السلطان مالك شاه تقويم عمر الخيام الجديد للامبراطورية السلجوقية في 15 أيار/ مايو، ولا يزال مستخدمًا حتى يومنا هذا.
للخيام بعض الرسائل الفلسفية، منها "رسالة في الكون والتكليف" و"الرسالة الأولى في الوجود" و"مختصر في الطبيعيات". وتشرح رباعياته وجهات نظره الفلسفية التي كانت تشاؤمية وعدمية أحيانًا.
كان الخيام شخصًا يدعو إلى التأمل والتفكير. هاجمه البعض بسبب طابع اللهو الذي ساد رباعياته، لكنّه كان موضع تقدير أبناء عصره ومن تلاهم ممن تعمّق في موروثه. وقد تبع الصوفية أواخر حياته معتقدًا أنها رد على التشدد الإسلامي.
وله مؤلفات متنوعة أخرى منها: "شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أقليدس" و"الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسمٍ مركبٍ منهما"، وفيه طريقة قياس الكثافة النوعية، و"رسالة في الموسيقى".