الأدارة ..♥ |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأميرة والشحاذ .. أسطورة فرعونية
صباحكم\مسائكم بـروح الحـب . اقدم قصة حب مدونة .. قصة الأميرة والشحاذ . . . . أسطورة فرعونية . في أصيل يوم من الأيام كان الشيخ ( حابي ) في بستانه الصغير ، أمام داره المتواضعة يتعهد نخيلاته ، فاسترعى انتباهه خفق أقدام ، فالتفت نحو مصدر الصوت ، فإذا فتى يسير صوبه ، وهو يجر في جهد قدميه المتعبتين ، وقد علاه الغبار ، فاختفت ملامحه ، بيد ان الناظر اليه يستطيع ان يلمح في عينيه على الفور حيرة الغريب . وكان الفتى يحمل في يده صرة ، فخف الشيخ للقائه ، وما ان اقترب منه حتى سمعه يقول في صوت هامس : الشيخ ( حابي ) ؟ ـ هأنذا … ما مطلبك يا بني ؟ ووجد (حابي) الفتى يتخاذل أمامه ، فاسرع إليه ، واسنده إلى صدره محيطاً اياه بذراعيه ، وقال له : أمريض أنت ؟ ـ بل جائع و سار به ( حابي ) إلى داره برفق ، وأجلسه بجوار الباب على مصطبة عارية ، و تركه برهة ، ثم عاد إليه بإبريق مملوء لبناً ، فاخذ الغريب يعب منه حتى شبع ، وبعد ان تنفس طويلاً تمتم بكلمات الشكر لمضيفه ، ثم اطرق وقتاً ، وأخيرا رفع رأسه ، وسرح بصره في الشيخ ، والكلمات حيرى على شفتيه . و ابتسم الشيخ ابتسامة تنطوي على عطف و طيبة ، و قال : تكلم يا بني ، لا تخش بأساً ... ما حاجتك ؟ ان ( حابي ) لا يرد حاجة لغريب . فامسك الفتى بيد الشيخ ، وضغطها في انفعال ، و قال : لقد حدثوني انك تأتي بالمعجزات ، فسعيت إليك اطلب معجزة . فتأمل الشيخ وجه ضيفه طويلاً ، يحاول كشف ما خلف تلك الصفحة المتربة التعبة ، ثم قال : معجزة ؟! ... لست كاهناً يا بني ! ـ أنت اعظم من كاهن . ـ افصح عن غرضك ! ـ ان قوة تعاويذك وعقاقيرك يا أبت من روح الآلهة . ـ أنا حكيم زاهد ، قد انجح في مداواة النفوس و تطبيب الأجسام . و حدق الفتى في الشيخ بعين جاحظة ، ثم هبط أمامه وقال وقد تشبث بثوبه : وحق ( ايزيس ) لتنتزعنّ نفسي من بين جوانحي ، ولتلقين بها بعيداً عن جسدي ! ـ هدئ من روعك . ـ أني امقت هذه النفس الخاملة الميتة ، لتخلقني خلقاً جديداً ولتجعلني رجلاً ذا بأس واقتدار ! و جعل الشيخ يلاطف الفتى ، ثم أنهضه في وداعة ، وأجلسه بجواره ، وبعد حين قال له في هدوء ورزانة : ارو لي قصتك يا بني ... أني مصغ إليك . و دعم الفتى وجهه براحتيه ، وراح يرسل الطرف أمامه في ذلك الفضاء العظيم حيث يبسط الغسق على الكون غلالته السوداء ، وأنصت برهة إلى ما يحيط به من صمت شامل ، ثم تكلم قائلا : أنا ( راموسي ) ، ولكن ماذا يهمك من اسمي ؟ ان ( راموسي ) نكرة لا يحس وجوده أحد . ـ تكلم ... ـ اني اسكن على مسيرة شهر من هنا . ـ في بلدة ( رنسي ) ؟ ـ نعم . ـ ذات المعابد الأربعة و المسلات الخمس ؟ فواصل ( راموسي ) حديثه ، و قد رق صوته و ضعف : و حيث تسكن الأميرة (أشمس) ! و طأطأ رأسه حيناً ، ثم رفع عينيه بغتةً و سددها في وجه (حابي) و قال في صوت غير متساوق النبرات : أريد أن أكون عظيماً ... أريد أن أكون مثرياً تزخر خزانتي بالأموال ... أريد ... فابتسم الشيخ في هدوء و قاطعه قائلاً : انه ليس بالطلب المستحيل . فاستنار وجه الشاب بلمعة متلألئة ، و قال : إذن ستأتي لي بمعجزة ! ـ ان ما تسميه أنت معجزة يا بني ، اسميه أمرا قد يستعصي على بعض الناس ، ولكنه في مقدور آخرين … فهوى ( راموسي ) على يدي الشيخ ، و انهال عليهما تقبيلا . و هو يقول : شكراً .. شكراً .. سأذكر ذلك ما حييت ، وسأعوضك عنه أضعافا مضاعفة … ثم رفع رأسه وقال : أما الآن فليس لي ما أقدمه لك سوى ... وتعثر لسانه بكلمات فسكت ، وأشار إلى الصرة التي بجواره ، وفتحها بيد راعشة أمام ( حابي ) ، فنظر فيها الشيخ فإذا خليط من قطع المعادن ، بينها شيء قليل من الفضة و الذهب ، وتابع ( راموسي) كلامه ، وقد غص من بصره : هي كل ما تبقى لي مما أملك . ـ أبقها لك . ـ إنها قليلة ... اعرف ذلك . ـ لا ، فهي كثيرة إذا كانت منك ، و هذا يكفي ... و لكني لست في حاجة الى عطاء الناس . ـ أبي ! ونهض ( حابي ) في هدوء ، وهو يقول : ألا ترى يا بني إن المساء قد اقبل يحمل في أعطافه برد الليل و أنا كما ترى شيخ ! وتركا المصطبة ، و دخلا قاعة غير رحيبة ، بسقف منخفض ، تكاد تكون عارية إلا من حصير وغطاء ، وأشعل ( حابي ) مصباحه الزيتي ، ثم جلس وأراح ظهره على الجدار وطوى يده الى صدره ، وجلس ( راموسي ) قبالة الشيخ متربعاً ، لا يفصله عنه إلا المصباح ، و انقضت برهة لم يتكلم فيها أحد منهما، ثم سمع ( حابي ) يردد في صوته الرزين : أني مصغ إليك . فلم يحول الفتى عينيه عن المصباح ، وقال : كيف أبدأ لك قصتي ، حقاً انه لجنون ما فكرت فيه ، غير أني لست نادماً على شيء ….. لقد كنت أحيا يا أبت متبطلاً ، أخرج من داري المهدمة إلى النهر ، أتنزه على شاطئه حيث بساتين الأمراء أقضي اليوم كله أتنقل بينها أستمتع بمرأى الرياحين ، وأستنشق عرفها الذكي ، فإذا تعبت استرح بجوار الماء ، وأخرجت الناي أناجيه و يناجيني . ـ أموسيقي أنت ؟ ـ لم اجرب أن أصفر إلا لنفسي . وأخرج ( راموسي ) من ثنايا ثيابه ناياً من غاب ، ساذج المظهر و أراه الشيخ قائلاً : انه صديقي الذي لا يفارقني أبدا ... صديقي المطلع على سري ، العالم بما يجيش في قلبي من أماني و أطماع . ـ أماني وأطماع قد تبدو لك بعيدة التحقيق ... ـ إنني أضعها بين يديك ؛ فافعل بها ما تشاء … ـ ألم تكن راضياً عن حياتك الهادئة ؟ ـ كل الرضا . ـ إذن ( هي ) التي غيرت حالك . ـ نعم هي ( أشمس ) أميرة الأميرات ، و أقربهن صلة بفرعون الأعلى . ـ أتم حديثك . ـ رأيتها يوماً تتنزه في بستانها ، فسحرني جمالها من أول نظرة ، رايتها ترتاد الخمائل في حاشيتها ، فجعلت أرقبها خلف دغل من الأشجار ، وأضاءت نفسي فجأة شمس وهاجة كشفت لي دنيا عظيمة كانت مختفيةً عني ، وإذا أنا اقطع عهداً بأنها لن تكون لسواي ، ولما عدت الى داري ، وراجعت هجسات ضميري ، هزئت بنفسي وكلي سخط وألم ، ولكن عهدي ما زال ثابتاً على الرغم من كل شيء ،لا يتقهقر ولا يتزايل ، بل يتقدم في جرأة وإقدام ، ولكن كيف أنفذ ذلك العهد ؟ هذا ما كان يحيرني ويؤلم قلبي ، منذ ذلك اليوم جعلت طريقي إلى بستانها ، لا أعرف سواه ، أقضي على مقربة منه يومي ، أراها ولا تراني فإذا صعدت في قصرها انتحيت نحو الشاطئ و تخيرت مكاناً ظليلاً ، وبثثت شكواي للناي ، فكنت أسمعه أحياناً يهمس لي : ( لماذا لا تحاول التقرب إليها ؟ لماذا لا تكشف لها عن كوامن صدرك ؟ ) . ـ و لماذا لم تذعن لما أوحى لك به صفيك الناي ؟ ـ أتريد مني أن استمع لذلك الساذج الغرير ؟ ألم اقل لك من هي ؟ إن فيها من دم الآلهة يا أبي ، كلنا نعلم ان عظماء تقدموا إليها بقلوبهم فردتهم خائبين ، لقد أمضيت يا أبت الليالي الطوال أفكر في مصيري معها ،لا بد ان تقع معجزة تحولني من صعلوك بائس ، إلى أمير يفوق جميع الأمراء ، يرضاه فرعون و ترعاه ( إيزيس ) ، وكان أن اشتد بي الضيق يوماً ، فجريت صوب النهر و هممت أن ألقي بنفسي الى التماسيح ، وفي تلك الساعة الفاصلة سمعت هاتفاً يقول لي : ( اذهب الى ( حابي ) الحكيم ، فعنده تتم المعجزة ! ) . فتمتم الشيخ ( حابي ) : أقال لك الهاتف ذلك ؟ ـ قسماً بإيزيس ، لقد سمعت صوته واضحاً يرن في أذني ، و كانت التماسيح قد خرجت برؤوسها تنظر الي متنمرة ، فوجدتني في لحظة أنفر متراجعاً عن النهر ، وانطلقت أعدو … أكنت أعدو حقاً ؟ لا ادري ! كنت أحس أني محمول بقوة خارقة غير منظورة ، وفي الغد بعت ما أملك وجمعت مالي ، وحملت زادي ، وسرت وجهة دارك . فأمسك ( حابي ) بيدي ( راموسي ) و ضغطهما وهو يقول : ستتم المعجزة يا ولدي ... فاعتمد عليّ . ـ إذن ستجعلني أمير الأمراء ؛ وستجعل من ( أشمس ) زوجة لي ؟ ـ إن علمي لا يتطاول إلى مثل هذه الأمور . ـ كيف ؟ ـ كل ما أقدر عليه أن أعمل على تغيير نفسيتك . ـ أوضح يا أبي ! ـ سيتغير فيك كل شيء ... شمائلك الأصيلة ستنقلب الى ضدها : الخمول سيغدو نشاطاً متأججاً ، والقناعة ستكون طمعاً صاخباً ، والرحمة ستفسح مكانها للقسوة والعنف ، ستكون حياتك يا ( راموسي ) كالبركان الفوار ؛ لا يخبو له لهب ، ولا يسكن له زئير ! فطأطأ ( راموسي ) رأسه ، و قال : أبت ! ـ ليس ثمة طريق لما تطلب من ثروة وجاه إلا هذا الطريق . و صمت ( راموسي ) لحظة ، ورأسه منحن على صدره ، وبغتة رفع وجهه الى ( حابي ) وقال : ولكن .. حبي ؛ حبي للأميرة .. أيعتريه تغير ؟ ـ حبك باق كبقاء الروح الخالدة ، و لكن … ـ ماذا ؟ ـ أواثق أنك ستكون سعيداً بنفسك الجديدة بعد أن تتم المعجزة ، وأنه لن يراودك الحنين إلى نفسك الأولى ؟ ـ كلا .. كلا .. ! ودارت عجلة الحياة ، الأيام تلو الأيام ، والأشهر اثر الأشهر، وكان ملك المغرب قد دفعه امتلاك ( مصر) ، فسيّر إليها الجيوش الكثيفة ، فغزت المناطق الشمالية في غير عسر، ثم اندفعت في طريقها تكتسح أمامها جند الوطن ، ولم يجد تعيين القائد الكبير ( روادا ) أميراً على الجيش الذي أرسله فرعون لإنقاذ البلاد ، إذ أصيب ( روادا ) بهزيمة نكراء ، وقتل في المعركة ، وكاد الجيش يتفكك ويندثر، لولا ان قيض الله شاباً من بين المحاربين تقدم لقيادته ، فاخذ يجمع شمله ، ويبث فيه روحاً جديداً ، فلم ينقض وقت طويل حتى انقلبت الهزيمة الى هجوم ، ثم أنتهى الهجوم الى مطاردة للعدو، فاكتساح كامل له ، واصبح هذا الشاب قائداً للجيش ، ولقب نفسه بـ " الأمير الأسود " ، اذ كان يرتدي السواد دائماً ، ولم يكتف الامير الاسود بصد هجوم الغزاة ، بل تابع زحفه في جرأة غريبة ، ففتح ( مملكة المغرب ) بأسرها ، وأخضعها لفرعون ، فصارت تابعة لمصر . كانت ( رنسي ) المدينة ذات المعابد الأربعة والمسلات الخمس ، حاضرة ( مصر ) الثانية ، تحتفل احتفالا رائعاً بقدوم الجيش المنتصر وعلى رأسه أميره الأسود ، فقد عاد محملاً بأسلاب وغنائم ، لم يأت بها قائد منتصر من قبل ، وكان موكبه حافلاً بالأسرى العظام من الأمراء والحكام وسراة الدولة المغلوبة ، أما بقية الدهماء فقد اكتفى بقطع أيديهم ، واطلق سراحهم ، كي لا يعطلوا سير الموكب بكثرة عددهم ، ولكنه أحتفظ بتلك الأيدي ، فحملها معه ليقدمها الى فرعون رمزاً للخضوع والطاعة . وتمت مراسيم الاستقبال في عظمة و فخامة جديرتين بالقائد العظيم والفاتح الكبير ، و لكن الأميرة ( أشمس ) أولى سيدات البيت الفرعوني تخلفت عن حضور الاحتفال وأرسلت تعتذر لفرعون، وكان فرعون يعرف ما طرأ عليها من شذوذ في طباعها واعتزالها العالم ، فقبل عذرها على مضض ، و لكن رسول الأمير الأسود جاءها يحمل من الأمير نفسه رغبته في زيارتها قبل الغروب لأمر ذي بال فلم تجد مخلصاً من استقباله وأمرت أن يعدوا القصر لهذا القدوم . و أخذ الأتباع يعملون بجد واهتمام في تزيين القصر ، فما كادت الشمس تؤذن بالمغيب حتى بدا القصر خلال الظلام كأنه قطعة من لؤلؤ يتألق ، وانتشر الطيب الذكي في أرجائه ، فكأنه روضة فواحة من الأزهار النضرة . وجاء الأمير في الموعد في حفل من قواده ، ودخل القصر وهو يضرب الأرض بقدميه الصلبتين ضربات شديدة ، تردد صداها في جوانب المكان ، وجعل يلتفت يمنة و يسرة بوجهه الرائع ، الذي تدل كل لمحة من لمحاته على رجولة قوية قاسية ، وكانت لعينه الواسعة إشعاعات قوية باهرة ، لا تقوى عين على تحديها . وما ان دخل البهو الكبير ، ورأى الاميرة واقفة في صدره ، تحف بها وصيفاتها حتى توقف بغتة ، واتسعت حدقتا عينيه ، وتفتح وجهه في لحظة بنور متالق تشيع فيه الاحلام ، وامسك بيد رفيق له بجانبه وشد عليها وطالت وقفته على هذه الحال ، والناس من حوله صامتون ، واخيرا همس رفيقه في اذنه : مولاي ! … ان الاميرة تنتظرك … تقدم … وتقدم الامير الاسود بخطوات لم تردد صداها جوانب المكان هذه المرة ، وركع امامها ، فانهضته وهي تقول : نحن الذين يجب ان نركع امام المنقذ العظيم . ورفع وجهه اليها وقال في صوت متخافت : عفوا مولاتي .. امام هذا الجمال الالهي ، يستشعر للقائد العظيم ضآلة نفسه وتفاهة مجده . ـ سيدي ! … ـ ليس ثمة عظيم امامك يا مولاتي .. كلنا من اتباعك المخلصين . وتهامس الناس فيما بينهم دهشين حيارى … لم يشاهد الامير على هذه الصورة ، حتى في حضرة فرعون الاعلى . وبدات الجموع تتفرق ، والمكان يخلو للضيف وربة القصر، واخذ القائد يروي وقائعه ويعدد اسلابه ، ويذكر ما ناله من مال وضياع ، تعادل اموال فرعون العظيم ، وختم حديثه قائلا : ان الاميرة لتعلم ان فرعون بلا عقب ، وهو الان شيخ مثقل بالمرض ، وقد طالبه الكهنة بتبني أمير يجعله وليا للعهد ، امير اهل لهذا المنصب الخطير . ـ وهل وقع اختيار الملك على هذا المحظوظ ؟ … فابتسم الامير ابتسامة ذات معنى ، وقال : لقد اتم اختياره سرا ، وسيعلنه غدا في الهيكل الكبير . وصمتت ( اشمس ) وهي تتفحص الامير طويلا .. ثم انحنت في خشوع ، وهي تقول : يسعدني ان اكون اول من يقدم طاعته لصاحب التاجين ، وارث ملك الفراعنة العظيم . فامسك الامير بيدها ، وقال : هذا الملك العظيم ، وهذا النصر الباهر ، وهذه الاموال التي لايستطيع ان يحصيها احد ، وكل ما كسبته وما سأكسبه اضعه تحت قدميك انت يا اميرتي ويا مولاتي … اقدم لك هذا ازاء شيء واحد منك . فاسبلت الاميرة جفنيها . وتابع الامير حديثه في لهجة مشبوبة : كلمة منك يا ( اشمس ) تجعل هذا الوادي الفسيح بسكانه وكنوزه ، هذا الملك الضخم ، طوع يديك ، قولي كلمة الرضا ، ثم مرى فلن يعصي لك احدا امرا . ـ الا نذهب الى المستشرف فنلقى نظرة على البستان ؟ فاجابها الامير وهو حائر : كما تريدين . وذهبا الى المستشرف ، واطالت الاميرة النظر الى الحديقة وهي تصعّد بصرها في اشجارها وازهارها ، ثم قالت : ايسمح لي الامير ان اقص عليه قصة صغيرة ؟ فاجابها وهو يزداد عجبا : اني مصغ اليك يا اميرة . ـ كان في الزمان الغابر فتاة من الاثرياء ، من اسرة رفيعة النسب ، تحيا ناعمة البال في قصرها ذي البستان الكبير ، حياة ترف ورغد ، ولم يكن لها مطمع تصبواليه ، الا العثور على زوج تنعم معه بحب ووفاء ، شانها في ذلك شان كل فتاة ، وحج الى قصرها اعلى الامراء شأنا ، واعظمهم وسامة وثراء ، يطلبونها للزواج ، فردتهم بلا امل . ـ ولم ذلك ؟ ـ لانها كانت مخدوعة في نفسها مغرورة بجمالها فلم يرقها واحد من هؤلاء الامراء . ـ ومن كانت تنتظر ان يتقدم لها بعد هؤلاء ، وهم صفوة البلد ؟ . وتريثت الاميرة في اجابتها ، وهي تسرح طرفها في الافق ، حيث الظلام يقبل في وحشته وصمته واسراره… وقالت : هي نفسها لم تكن تدري ، ولكنها على الرغم من ذلك كانت تنتظر وتؤمل ! ـ وهل طال انتظارها ؟ ـ لا . ـ اذن عثرت على ضالتها ؟ ـ نعم ايها الامير … ـ أكان قائد غازيا ؟ ـ او وزيرا خطيرا ؟ ـ لا . ـ لا ! … اذن هو ملك من نسل الالهة ! . ـ ولا هذا ايضا … ـ من يكون اذن ؟ ـ وارسلت الاميرة تنهدة خفيفة ، وقالت في صوت هامس : شاب رقيق الحال ، مرهف الشعور . ـ وما مهنته ؟ ـ ليست له مهنة ، كان يقضي ايامه يجوب البساتين ، ويتنزه على ضفاف الانهار ، يستمتع بمحاسن الطبيعة. _ انها حياة اقرب الى التبطل والصعلكة … فتمتمت الاميرة بلهجة الحالم وهي تستقبل بعينيها كتائب الظلام المتراكم : قد يكون ذلك ولكنه الوحيد الذي استطاع ان يصهر كبريائها ، ويحطم تاج غرورها . ـ هو !… أممكن ذلك ؟ ـ اجل .. لقد احبته الفتاة … احبت فيه ذلك الشاعر المرهف الحس ينشدها اعذب الحانه وارقها ! . ـ أكان شاعرا ينظم لها القصائد ؛ وينشدها اياها ؟ ام كان ينظم قصائده بلا كلام ، وينشدها اياها من مزماره الرخيم ؟ فاصابت الاميرة هزة شديدة ، وقال في صوت جياش : لا ، فهي لم تره ، بل اغرمت به على البعد . ولا تدري أرآها ام لا . ـ لا ريب في انه رآها … ـ ليس ذلك مؤكدا ، فأنظار هذا الشاعر الجوال كانت اقصر من ان تخترق خمائل البستان او جدران القصر ، لتكشف الفتاة وتلتقي بانظارها . ـ يا للفتى البائس ! … لو علم انها تضمر له هذا الحب لطار اليها ، وارتمى تحت قدميها يلثمها في عبادة . ـ من يدري ايها الامير ؟… انه فتى غريب الاطوار ، يعيش وفق هواه … قد يرفض حبها لو تقدمت به اليه . ـ محال !! … ـ لو كان يعلم كيف احبته هذه الفتاة وكيف ترضى ان تعيش معه ، تقاسمه حياته الطليقة في دنياه الرحبة الوضاءة ، لقبل منها هذا الحب ! وتمتم الامير بكلمات متقطعة ، وقد شد بيده على حاجز المستشرف حتى كادت اصابعه تدمى . وتابعت الاميرة حديثها : لقد برمت الفتاة بحياة الثروة والجاه التي تحياها ، واتضحت امامها بشاعتها ، واحست ثقلها المرهق يحبس انفاسها … فرغبت ان تفر من بيئتها ، تستبدل الكوخ الساذج الهادئ بالقصر المنيف الصاخب والرداء الخفيف المزين بالازهار بالثوب اللامع باللألئ … لقد برمت بكل شيء يحيط بها واشتدّت بها الرغبة ان تهرب ، فتلحق بشاعرها تقضي حياتها في حمى مزماره . ـ ولكنها لم تفعل ! … ـ لقد كادت … ولكن الفتى اختفى فجأة . ـ أهرب ؟… ـ ان الناس يرجفون بموته فقد تكون التماسيح اكلته … ومن ثم اسدلت الفتاة على حياتها سترا غليظا يحجبها عن العالم اجمع … ـ قد تسلوه يوما ، فترضى الزواج بامير كبير . ـ ان القصة تحدثنا ان الفتاة قضت في عزلتها عامين ، وهي لم تتغير فيها … وبقيت تترقب شاعرها الفقير كما هو ، بردائه الساذج ، وقلبه الكبير … ولن تستبدل به احدا مهما عظم قدره واتسع ماله ! ـ وهنا تنتهي القصة … اليس كذلك ؟ ـ تكاد تنتهي ، والبقية في كلمتين … اتريد ان اتمها لك ؟ فقال الامير ، وهو يضغط كلماته في حسرة مكتومة : اذا رغبت ، اتممتها انا لك ! فتمايلت الاميرة وعرضت على وجهها ابتسامة ، وقالت : كيف ؟ أو تعرفها ؟ فقال الامير في شيء من السهوم : ان براعتك في رواية القصة قد جعلتني احزر خاتمتها ! وراح الامير يحدّ بصره في نجوم الليل البعيدة كانه يريد ان يستلهمها كلمة نصح او هداية .. ولكن لم تطل وقفته على هذه الصورة ، فانحنى امام الاميرة يقول : لن انسى ما حييت حسن احتفائك بي . وقبّل يدها قبلة طويلة عميقة ، ثم ترك المكان لا يلوي على شيء ، واقلّته على الفورعجلته الحربية ، بعد ان استأذن رفاقه في ان ينصرف وحده ، وانطلقت به العربة هائمة في اديم الصحراء تشق امامها سجف الظلام شقا . تح ـيتي
الساعة الآن 12:36 PM
|