إن مدينة "كِلوة من أبهى المدن وأتقنها عمارة"، هكذا وصفها ابن بطوطة، أحد أعظم الرحّالة في التاريخ. وقد كانت المدينة تصكّ عملتها الخاصة وكانت لديها منازل بتمديدات مياه داخلية. أما سكّانها فكانوا يلبسون ثيابًا من حرير مستورد. وخلال عصرها الذهبي، بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر، كانت كِلوة من بين ما يقارب 36 مدينة منتشرة على ما يُعرف لدى الغربيّين باسم "الساحل السواحلي". تلك الموانئ التي امتدت من الصومال إلى موزمبيق حاليًا، تطوّرت إلى مدنٍ دول (city-states) ازدادت ثراءً من تجارة المحيط الهندي؛ وازدهرت بإقبال سفن من جزيرة العرب والهند والصين على مرافئها لشراء البضائع التي أغنت الشعب السواحلي وأثرته.
وقد وجد البحّارة العرب في إفريقيا مرافئ جيدة، وبحرًا غنيًا بالسمك، وأراضي خصبة، وفرصًا للتجارة؛ فبقي كثير منهم فيها وتزوّج نساء محليّات، جالبين معهم العقيدة الإسلامية. وقد نتج عن هذا التفاعل بين اللغة والتقاليد العربية من جهة واللغات والتقاليد الإفريقية من جهة أخرى، ثقافة حضرية وتجارية ينفرد بها هذا الساحل الإفريقي.
ولكن هذه الثقافة كانت في جوهرها إفريقية؛ وهذه حقيقة كان علماء الآثار الأوائل قد أخفقوا في التوصّل إليها. وقد أظهرت عمليات تنقيب لاحقة على طول الساحل فداحة خطئهم. فعلى جزيرة سونغو منارا التنزانية مثلًا وجد علماء الآثار مجتمعًا امتاز بقصرٍ تزيّن جدرانَه النُجود، وبعشرات الأحياء السكنية، وستة مساجد، وأربع مقابر.. وجميعها ضمن سور المدينة.
وانهارت الشبكة التجارية السواحلية بفرض البرتغاليّين أنفسهم عنوةً على المنطقة وإعادة توجيه البضائع إلى البحر المتوسط وأوروبا. ولكن، حتى مع تحوّل المراكز التجارية إلى مناطق معزولة معدومة الأهمية، فقد صمدت الثقافة السواحلية الغنية عبر قرون من الاحتلال الاستعماري. يقول المؤرّخ التنزاني، عبد الشريف: "إن التاريخ السواحلي هو مسيرة من التأقلم والدمج. فقد لا تكون الثقافة السواحلية غدًا كما هي عليه اليوم، ولكنْ لا شيء يبقى على حاله أصلا".