ننتظر تسجيلك هـنـا

الأدارة ..♥ مَملكتنا مَملكة الياسمين، يلتهبُ الشجنُ ويَثْمِلُ الحرفُ بالآهات ، حروفُنا الخالدةُ كفيلةٌ بأنْ تأخُذَكم إلى عَالمِ السَحَر ، تَحْدِي بِكُم وتَمِيلُ فهي مميزةٌ بإدخالِ الحبِّ إلى القلوب ،ولكي لا تتَعرَضَ عُضويَّتكَ للايقافِ والتشهيِّر وَالحظر فِي ممْلكتِّنا .. يُمنع منْعاً باتاً تبادل اي وسَائل للتواصل تحْتَ اي مسَّمئ او الدَّعوه لمواقعِ اخْرى ، ولكم أطيب المنى ونتمنى لكم وقت ممتع معنا

❆ فعاليات عَبق الياسمين ❆  


العودة   منتديات عبق الياسمين > ..::ღ♥ღ عبق المنتديات الإسلامية ღ♥ღ ::.. > عبق حياة رسولناالكريم والخلفاء الراشدين و أمهات المؤمنين ✿

الملاحظات

عبق حياة رسولناالكريم والخلفاء الراشدين و أمهات المؤمنين ✿ يختص بالدفاع عن حبيبنا رسول الله وسيرته العطرةوالخلفاء الراشدين وكذلك الصحابيات رضوان الله عليهم وارضاه ﹂ ✿

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
#1  
قديم 11-11-2021, 03:39 AM
عذبة المعاني متواجد حالياً
 
 عضويتي » 895
 اشراقتي » Oct 2018
 كنت هنا » اليوم (01:03 AM)
آبدآعاتي » 2,071,226[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » عَيْنَاهُ والرَُوْحُ سَوَاءَ .
موطني » دولتي الحبيبه Palestine
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 
افتراضي ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾



الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هَدْيِه، أما بعد:
فقد سبق أن تكلمنا في الحلقة الرابعة من (سلسلة نصوص وفهوم) عن وجود الحياة لمخلوقات أخرى خارج كوكبنا، أما بالنسبة للإنسان فقد يقول قائل: لا يمكن للإنسان أن يخرج من كوكبنا؛ لأن حياة الإنسان وموته مرتبطانِ بالأرض؛ فلا يحيا ولا يموت إلا فيها؛ استدلالًا بقوله تعالى في الآية الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين من سورة الأعراف: ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 24، 25].

وقد استعجَل البعض في تفسير الآية، وذهبوا إلى عدم إمكانية حياة الإنسان وموته خارج أرضنا هذه، وقالوا بأن الخطاب في الآية موجَّهٌ لبني البشرية جمعاء، وأن هذه الآية تؤكد ثلاثَ حقائق:
الحقيقة الأولى: حياة الإنسان لا تكون إلا على الأرض، وقوله تعالى ﴿ فِيهَا تَحْيَوْنَ ﴾ [الأعراف: 25]؛ أي: تحيَوْن في الأرض دون سواها مِن الأجرام السماوية، ولأن الله - تعالى - خصَّ الأرض بالذِّكر؛ لأنها هي المشتملة على أهم عناصر الحياة من أوكسجين وهيدروجين وماء.

الحقيقة الثانية: الإنسان لا بد أن يموت على الأرض؛ ﴿ وَفِيهَا تَمُوتُونَ ﴾ [الأعراف: 25].

الحقيقة الثالثة: سوف يُحْيي الله الموتى ويَبعثهم من الأرض، وليس من خارج الأرض؛ ﴿ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25].
واتخذ الملحِدون والمعادون للقرآن الكريم هذا الرأي تكأة للطعن في القرآن، والقول بمخالفته للعلم والواقع، وقالوا: قد ثبَت صعود الإنسان إلى القمر، وثمة محاولات للوصول إلى المريخ، والبحث متواصل عن مكان مناسب لحياة الإنسان خارج الأرض.

وقد أطلقت شركة هولندية مشروعًا باسم: مشروع "مارس ون"، الهادف للقيام بالسفر إلى المريخ بعيدًا عن الأرض، ما معدله 228 مليون كيلومتر تقريبًا في رحلة ستستغرق 7 أشهر، وقد تطوع أكثر من 100 ألف شخص من جميع القارات للقيام برحلة إلى المريخ بلا عودة، وستختار الشركة منهم أربعين متطوعًا، وبعدها ستختار منهم رجلين وامرأتين للقيام بالرحلة التي سيقيمون - بعد إتمامها - في بيئة مليئة بالأخطار على سطح المريخ، وداخل مسكن خاص يعمل بطاقة ستوفرها بطاريات شمسية.

ويؤسِفني أن أجد بعض المنتسبين للعلم يقولون: إن هذه المسائل والموضوعات من فضول العلم، ويجب الإعراض عنها، أقول ذلك لأننا أمام نص قرآني حكيم، يجب التريُّث والتوقُّف عنده طويلًا؛ حتى لا نَزيغَ ولا نُزاغَ ولا نُزيغَ.

وقد حاوَل بعض المشتغلين في قضية الإعجاز العلمي ردَّ هذه الشبهة المثارة بالقول: إن الإنسان عندما يموت يفنى جسده، إلا (عَجْب الذَّنَب)، فإن ماتَ شخصٌ خارجَ الأرض وتحلَّلَ جسدُه، فسيبقى من جسده عضوٌ واحدٌ فقط، وهو (عَجْب الذَّنَب)، وهذا العضو يبقى يدور حولَ الأرض، ولا بد أن يدخل الغلافَ الجوي ويعود إلى الأرض، وسوف يبعث اللهُ الإنسانَ من هذه البقايا من جديد، وهذا يعني أن نهاية أي جسد ستكون في الأرض، حتى لو قضى أجله خارجَ الغلافِ الجوي للأرض.

ثم إن علماء الفلَك يرجِّحون مسألةَ انكماشِ الكون، وما يُسَمَّى بنظرية (Big Crunch)، وسيصبح الكون الفضائي وكواكبُه كتلةً واحدةً، وستكون هذه مِن باب الإعادة في الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].

وهذا الجواب في الحقيقة لا علاقة له بحصر الحياة والموت في الأرض - كما يُفهم من ظاهر النص - بل هو جوابٌ لفقرةٍ واحدةٍ من الآية، وهي المتعلقة بإحياء الإنسان بعد موته، وإخراجه من الأرض، لا من أي مكان آخر؛ كما دلَّ عليه - كما يقولون - قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25]، أما رفع الإشكال عن نفي حياة الإنسان وموته في قوله تعالى: ﴿ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ ﴾ [الأعراف: 25] فليس في الجواب أيُّ جوابٍ عنها.

القول الراجح:
الذي نفهَمه من سياق الآية وسباقها مع مراعاة القواعد اللغوية والبلاغية - بغض النظر عن قضية تحقُّقِ صعود الإنسان إلى القمر من عدمه، أو خروجه من الغلاف الجوي للأرض -: ما يأتي:
أولًا: لا يوجد دليلٌ في القرآن الكريم على امتناع حياة الإنسان وموته خارجَ الغلاف الجوي.

ثانيًا: قد سبق في الحلقة الرابعة من هاته السلسلة القرآنية أن ذكرنا تأكيد القرآن على وجود مخلوقات أخرى خارج كوكبنا، وذكرنا أيضًا أن القرآن الكريم في قوله تعالى في الآية التاسعة والعشرين من سورة الشورى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29] قد أكَّد على قضية اجتماع الإنسان بتلكم المخلوقات، وهذا قد يكون بنزول هؤلاء إلينا، أو صعودنا نحن إليهم؛ حيث قال - تعالى - بعد أن صرَّح بوجود دوابَّ في السموات والأرض: ﴿ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29]، والتعبير القرآني دقيقٌ في استعمال (إذا) دون (إنْ)، وثمةَ فرقٌ دقيقٌ بين (إنْ) و(إذا) - كما لا يخفى على الضليع باللغة العربية؛ إذ الأول - أي (إنْ) - للاحتمال؛ كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ﴾ [الحجرات: 6]؛ لأن مجيء الفاسقِ محتملٌ وليس محقَّقًا، والثاني - أي (إذا) - للتحقيق؛ كما في الآية الخامسة مِن سورة الفلق: ﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 5]؛ لأن الحاسدَ لا يكون حاسدًا إلا إذا تحقَّق منه الحسد، ومن هنا قال علماء النحو: لا يحسُن أن تقول: إن طلعت الشمس، بل تقول: إذا طلعت الشمس؛ لأن طلوع الشمس محقَّقُ الوقوع، بخلاف قولك: إن جاء زيدٌ أكرمتُه؛ لأن مجيئَه غيرُ محقَّق.

قال الزمخشري: "ولا يستعمل إنْ إلا في المعاني المحتملة المشكوك في كونها؛ ولذلك قبُح: إنِ احمَرَّ البُسْرُ كان كذا، وإنْ طلعت الشمس آتِك، إلا في اليوم المغيم"[1].

ونرى في الآية الجليلة استعمالًا دقيقًا لـــ (إذا) الدالة على التحقيق، وهذا يعني أن الجمعَ بين البشر وبين تلكم المخلوقات الأخرى الموجودة في السموات محقَّقُ الوقوع، وإن كان مجهولَ الوقت والكيفية لدينا الآن.

قال القاسمي: "ويُستدَل على إمكانيته - أي إمكانية التخابر مع الكائنات الفضائية - مِن آخر الآية نفسها، وهو قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29]، فلا يبعُدُ أن يتخابرا ويجتمعا فِكْرًا، إذا لم يجتمعا جِسْمًا، فلينظرِ الفلَكيُّون إلى ما حوته هذه الآية المكنوزة في القرآن، وليعلم المعجَبون منا بالعلوم العصرية، الضاربون صفحًا عن العلوم الإسلامية - ما في كتاب الله مِن الحكمة والبيان"[2].

وبهذا يظهر أن اجتماع الإنسان بتلكم المخلوقات الفضائية إما أن يكون بذَهاب الإنسان إليها، أو بمجيئها هي إلى الإنسان، وكلا الأمرين واردٌ ممكنٌ، وليس مستحيلًا.

ثالثًا: إن الآية التي استدلَّ البعضُ بها على عدم إمكانية حياة الإنسان وموته خارج الغلاف الجوي ليس لها أية علاقة ببني آدم على الإطلاق، بل هي خاصة بآدم وحواء وإبليس، أو بهما فقط.

فلو رجعنا إلى بداية السورة من الآية الحادية عشرة، لوجدناها تتكلم عن قضية خَلْق آدم وحواء، وأمرِ الملائكة بالسجود لآدم، وامتناعِ إبليس عن ذلك، ووسوستِهِ لهما بالأكل من الشجرة، وطاعتهما له، إلى أن يقول المولى - عز وجل -: ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 22، 23].
والكلام في جميع هاته الآيات الجليلة هو عن آدمَ وحواء وإبليس.

ثم بعد ذلك يقول المولى - تعالى -: ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 24، 25].

وبهذا نعلَم أن هاتِه الآيات الجليلة كانت تخاطب أبوَيْنا آدم وحواء مع عدونا إبليس، وليس فيها ما يتعلق بذرية آدم، ثم بعد ذلك كله يتحول الكلام فيها إلى مخاطبة بني آدم، بقوله - تعالى -: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 26، 27].

وقد تنبَّه الطبري - رحمه الله - لهذا، وذكر أن قوله تعالى: ﴿ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25] كان خطابًا موجهًا لِمَن أُمِرَ بالهبوط من السموات إلى الأرض، ومعلوم أن المأمورَ بالهبوط هو هؤلاء الثلاثة - آدم وحواء وإبليس - وليس ذرية آدم.

قال في تفسيره: "قال الله للذين أهبطهم من سمواته إلى أرضه: ﴿ فِيهَا تَحْيَوْنَ ﴾ [الأعراف: 25]، يقول: في الأرض تحيَوْن، يقول: تكونون فيها أيام حياتكم، ﴿ وَفِيهَا تَمُوتُونَ ﴾ [الأعراف: 25]، يقول: في الأرض تكون وفاتُكم، ﴿ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25]، يقول: ومِن الأرض يُخرجكم ربُّكم، ويحشركم إليه لبَعْثِ القيامة أحياءً"[3].

وقال الزمخشري: ﴿ اهْبِطُوا ﴾ [الأعراف: 24] الخطاب لآدم وحواء وإبليس، و﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ [الأعراف: 24] في موضع الحال؛ أي: متعادِين، يُعاديهما إبليسُ ويُعادِيانِه، ﴿ مُسْتَقَرٌّ ﴾ [الأعراف: 24] استقرار، أو موضع استقرار، ﴿ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [الأعراف: 24]، وانتفاع بعيشٍ إلى انقضاء آجالِكم[4].

وقال الرازي: "اعلَمْ أن هذا الذي تقدم ذِكره هو آدم، وحواء، وإبليس، وإذا كان كذلك فقوله: ﴿ اهْبِطُوا ﴾ [الأعراف: 24] يجب أن يتناول هؤلاء الثلاثة"[5].


وردَّ الإمام ابن عطية على مَن قال بشمول الآية لذرية كلٍّ مِن آدم وإبليس، ويقول: "وهذا ضعيف؛ لعدمِهم في ذلك الوقت، فإن قيل: خاطَبهم وأمرهم بشرط الوجود، فذلك يبعُدُ في هذه النازلة؛ لأن الأمر بشرط الوجود إنما يصح إذا ترتب على المأمور بعد وجوده، وصحَّ معناه عليه؛ كالصلاة والصوم ونحو ذلك، وأما هنا فإن معنى الهبوط لا يتصور في بني آدم بعد وجودهم، ولا يتعلق بهم من الأمر به شيء، وأما قوله في آية أخرى: ﴿ اهْبِطَا ﴾ [طه: 123] فهي مخاطبة لآدم وإبليس، بدليل بيانه العداوةَ بينهما"[6].


وبعد هذه الآيات مباشرةً جاء الخطاب صريحًا لبني آدم: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 26، 27].

فيكون قوله تعالى: ﴿ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25] على هذا التقريرِ خطابًا لآدمَ وحواءَ دون ذريتهم.

رابعًا: الذي سبَّب هذا الإشكالَ هو ما وجدوه مِن تقديم المعمول على عامله ثلاث مرات: ﴿ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25]، ولم يقل: "تحيون فيها، وتموتون فيها، وتخرجون منها"، وقالوا بأن مِثلَ هذا التقديم يفيد الحصر، وهذا يدلُّ على امتناع وجود الحياة والموت للإنسان خارجَ الأرض.

وهذا الكلام ليس صحيحًا؛ لأن التقديم قد يفيد الحصر، وقد لا يفيده، وإفادتُه للحصر ليست على الدوام وفي جميع الحالات، بل كثيرًا ما يكونُ التقديم لأغراض أخرى غير الحصر، مثل: العناية، والاهتمام، والتشويق، وغيرها، وإليك جملةً مِن النصوص القرآنية التي لم يكن التقديمُ فيها للحصر:
النص الأول: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأنعام: 84]؛ فتقديم ﴿ نُوحًا ﴾ على ﴿ هَدَيْنَا ﴾ ليس للحصر، ولا يدل على أن الأنبياءَ قبل سيدنا نوح - عليه السلام - مثل سيدنا آدم وسيدنا إدريس - عليهم السلام - لم يكونوا مَهْديِّين!

النص الثاني: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾ [النحل: 5، 6].

النص الثالث: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 32، 33].

النص الرابع: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ [الحج: 36]، والمنافعُ - كما هو معلومٌ - ليسَتْ محصورةً في البُدْنِ التي جعلها اللهُ مِن شعائره - تعالى.

ولا أتصوَّر عاقلًا يقول بحصر الدفء والمنافع والأكل والجَمال في الأنعام، مع أن كل ذلك ورَد بصيغةِ تقديمِ ما حقُّه التأخير؛ أليست الطاقة سببًا للدفء؟! وألسنا نأكل من غير الأنعام كالطيور والنباتات؟! أوَليس في الكون كلِّه جمالٌ خلَّابٌ؟!

النص الخامس: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 9، 10]، وهل يجوز لنا أن نقهَرَ غيرَ اليتيم، وننهَرَ غيرَ السائل؟!

خامسًا: لو فرَضْنا - جدلًا - عدم وجود الحياة خارج الأرض، فلا بد أن يكون الموت موجودًا، فكيف يقال بأن الإنسان لا يحيا ولا يموت إلا في الأرض؟! فبما أنه يخرج من الغلاف الجوي، فإما أن يحيا أو يموت، وفي كلتا الحالتين لا يكون تعميمُ الآية حتى تشمل ذرية آدم صحيحًا، فلم يبقَ إلا القول بتخصيص الخطاب في الآية بآدمَ وحواء، أو بهما ومعهما الشيطان.

وقد يقال: إن قوله تعالى: ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25] خرج مخرَجَ الغالب الكثير، وهو أن الله تعالى جعَل هذه الأرض مستقرًّا للإنسان، وفيها يموت ومنها يبعث، وإذا اتفق أنْ ماتَ أحد خارجها، فلا اعتبارَ للقليل النادر الذي هو شِبهُ لاشيءَ.

هذا ما أفهَمه مِن الآيتين الجليلتين، وأسأل الله أن يرزقَنا صواب الفهم، وصواب القولِ والعمل؛ إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] المفصل في صنعة الإعراب، أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد، الزمخشري، جار الله، (المتوفى: 538 هـ)، المحقق: د. علي بو ملحم، مكتبة الهلال - بيروت - الطبعة: الأولى، 1993م، ص440.

[2] محاسن التأويل: 8/ 370.

[3] جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م، 12/ 360.

[4] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم، محمود بن عمر بن أحمد، الزمخشري، جار الله (المتوفى: 538هـ)، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثالثة - 1407 هـ، 2/ 97.

[5] مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحسن، الملقَّب بفخر الدين الرازي (المتوفى: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ، 14/ 221.

[6] المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن بن عطية الأندلسي (المتوفى: 542هـ)، المحقق: عبدالسلام عبدالشافي محمد، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى - 1422 هـ، 2/ 387.




 توقيع : عذبة المعاني

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
مواضيع : عذبة المعاني


رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ عذبة المعاني على المشاركة المفيدة:
 

مواقع النشر (المفضلة)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع ¬ آلمنتدى ✿ مشاركات ¬ آخر مشآرگة ✿
أهمية التوحيد وثمراته دلاُل..✾ اسلَامِي هُو سِرُّ حَيَّاتِي✿ 25 14-02-2024 09:56 AM
تفسير سورة محمد كاملة رفيق الالم اسلَامِي هُو سِرُّ حَيَّاتِي✿ 50 11-02-2024 02:06 PM
قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي غرآم الروح عبق حياة رسولناالكريم والخلفاء الراشدين و أمهات المؤمنين ✿ 20 09-12-2022 03:33 PM
الفاتحة / تفسير ابن كثير.. فارس السعوديه اسلَامِي هُو سِرُّ حَيَّاتِي✿ 25 18-11-2022 07:43 PM
تفسير سورة الجاثية روح أنثى عبق حياة رسولناالكريم والخلفاء الراشدين و أمهات المؤمنين ✿ 21 14-11-2022 07:40 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 05:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.