يصارع النظام الإيراني نفسه في عزلة سياسية اقتصادية دولية فرضها العالم تجاه أكبر مورد اقتصادي للبلاد المتمثل في ثروتها النفطية، والتي لعبت دوراً تاريخياً في تشكيل ملامح الدولة واستيضاح هويتها وحدودها ومستقبلها المظلم المبنى على ثقافة الإرهاب ليبدو النفط الورقة الوحيدة التي يتشبث بها النظام ليس فيما يخدم تنمية اقتصاد البلاد، بل بما يخدم قيادة البلاد نحو الهلاك والدمار الشامل والمذلة والخزي.
وقال المحلل الاقتصادي المختص بشؤون الطاقة م. عماد الرمال لـ"الرياض": بالرغم من اكتشافات النفط الإيراني التي سبقت دول المنطقة منذ بدء تدفقه بكميات تجارية في العام 1908، إلا أن سوء إدارة البلاد على مر عصورها حول نعمة ثروة النفط إلى نقمة ووباء عصفت بكيان الجمهورية الإيرانية إلى أرذل النزل من الانقسامات الرئاسية والتقسيمات الجغرافية الدولية للبلاد، مع أن تدفقات النفط الإيراني لم تكن السبب الوحيد لتقسيم البلاد مطلع القرن العشرين فقط، بل كان أيضا السبب الرئيس لجميع الانقلابات الحكومية الخمسة على مدار القرن الماضي.
ومع دخول حظر الصادرات النفطية الإيرانية خلال أيام حيز التنفيذ فإن هذا كاف لحبس أنفاس الطبقة الحاكمة في إيران وهي تراقب*ردة الفعل الشعبية التي من المتوقع أن تنفجر، في وقت يتساءل المراقبون هل سيفعلها النفط الإيراني لإزاحة الطبقة الحاكمة وتجربة حكومة جديدة للمرة السادسة تستطيع أن تستثمر تلك الثروة بحكمة لمصلحة شعبها.
وأضاف م. الرمال بالقول: إن إيران لم تستفد أي خبرة من تاريخها في اكتشافات النفط والتي سبقت عشرات الدول حيث إن هذه الثروة لم تجلب الخير للشعب الإيراني وكانت تنقصها الحكمة حيث تسببت تلك*الثروة بتقسيم بلاد فارس ما بين إنجلترا التي استحوذت علي ما يسمى إيران حالياً، وما بين الاتحاد السوفيتي الذي استحوذ على أذربيجان،*ومن المفارقات المحزنة أن ذلك التقسيم تم حسب امتيازات النفط الممنوحة للشركات البريطانية والاتحاد السوفيتي، واختارت إنجلترا الجنرال القوي في الجيش الإيراني رضا بهلوي ليكون الخليفة القوي*لحصتها من امتيازات النفط في بلاد فارس أو ما أطلق عليه حاليا إيران في العام 1925م، وتنهي*135 عاما من سيطرة*حقبة سلالة الشاهات القاجار على الحكم في إيران.
كما كان النفط السبب لتولي الشاه الحكم في إيران أيضا أصبح هو السبب لإزاحته وتولى ابنه محمد رضا شاه الحكم في إيران العام 1940 بعد ما اجتاحت جيوش إنجلترا والسوفييت الأراضي الإيرانية خوفا من ميل الشاه رضا للنازين، ومنحهم آبار النفط الإيرانية المهمة. وشهدت فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ظهور حركة مصدقي الذي استولى علي الحكم بمساعدة السوفيت تحت شعار تأميم النفط، وبالنفط أيضا يعود محمد رضا شاه للحكم في إيران العام 1963 بعد إحكام حصار تصدير النفط الإيراني من قبل إنجلترا والولايات المتحدة الأميركية.
وابتداء حكم الخميني بطائرة فرنسية وحراسة أميركية تهبط طائرة آية الله الخميني بطهران في العام 1979، وكان النفط المحرك الأساسي لتسارع الأحداث، فبعد سنوات من تحدي الشاه حلفاءه الغربيين وإصراره على رفع أسعار النفط لتغطية مصاريف مشاريعه المتوقفة، يجد نفسه "الشاه" وحيدا أمام الجماهير الغاضبة من تردي الوضع الاقتصادي ليرحل وتبدأ حقبة "الملالي" حيث يعيد التاريخ نفسه في ظروف سياسية مضطربة يحكمها النفط حيث تتسارع الأحداث في الفترة القادمة مع تطبيق العقوبات الأميركية من تصفير صادرات النفط الإيراني. إلى ذلك تشتد الضغوط والمحن على طهران أشد وطأة من ذي قبل وصادراتها تتهاوى للقاع وفقًا لوكالة الطاقة الدولية التي قالت إن إنتاج إيران يظل عند أدنى مستوياته منذ نحو ست سنوات حيث لم تصدر في مارس الماضي سوى حوالي 1.4 مليون برميل من النفط الخام يوميًا بانخفاض بمقدار النصف عن مستويات ما قبل العقوبات، في وقت أزالت بعض الدول نفسها عن النفط الإيراني منها إيطاليا واليونان وتايوان لم تقم بتحميل أي برميل إيراني منذ نوفمبر رغم أنها من الدول الثمانية المعفاة من عقوبات حظر النفط الإيراني إلى الأول من مايو، إلا أن الوكالة قالت: إن الصين واليابان وكوريا وتركيا استوردت كميات أكبر من النفط من إيران أكثر مما سمحت لها الإعفاءات.
م. عماد الرمال