ارتفعت أسعار النفط الخام لليوم الثاني على التوالي بعدما تسبب الإعصار الأمريكي في تعطيل جزء مؤثر من إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، علاوة على توقعات انخفاض مخزونات النفط الخام الأمريكية في مؤشر على تعاف نسبي في الطلب.
ووسط حالة من التفاؤل تأتي اجتماعات اللجنة الوزارية لمراقبة خفض الإنتاج في مجموعة "أوبك+" عبر الإنترنت برئاسة الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك، وذلك في ظل توقعات مسبقة بأن ترتفع نسبة امتثال المنتجين لحصص خفض الإنتاج إلى أكثر من 100 في المائة للسيطرة على وفرة المعروض، مقابل ضعف الطلب جراء الانتشار السريع لوباء كورونا في مختلف دول العالم.
ويقول مختصون ومحللون نفطيون إن معنويات السوق تبدلت للأفضل مع ظهور تأثير عوامل داعمة لصعود الأسعار، وتعويض الخسائر السابقة، حيث واصل النفط مكاسبه بالقرب من 39 دولارا للبرميل وتلقى دعما جيدا من تقرير عن انخفاض مفاجئ في مخزونات الخام الأمريكية، كما ظهرت توقعات جديدة بأن الانكماش في الاقتصاد العالمي في العام الجاري سيكون أقل من توقعات مسبقة.
وقال لـ"الاقتصادية" مختصون ومحللون نفطيون، إن الضغوط الهبوطية ما زالت مستمرة في السوق، جراء توالي الانتشار السريع لجائحة كورونا، ووقوع إصابات جديدة متوالية في عدد كبير من دول العالم وهو ما أثار مخاوف من استمرار توقعات الطلب الضعيفة، خاصة في ضوء تقرير "أوبك" الشهري الأخير، لافتين إلى تقارير دولية أخرى ترجح أن المخزونات قد تنخفض أكثر من المتوقع هذا العام.
وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس، مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا، إن اجتماع المنتجين في لجنة "أوبك+" لمراقبة خفض الإنتاج يجيء في توقيت دقيق تستمر فيه هشاشة الوضع في الأسواق وغلبة التقلبات والتذبذبات السعرية، لافتا إلى أن اللجنة تعمل على بحث قيود الإنتاج، التي تفرضها المجموعة، هل هي كافية لمنع حدوث تخمة وسبل التغلب على حالة وفرة الإمدادات مقابل ضعف الطلب.
وأشار إلى أن المكاسب السعرية المستمرة على مدار يومين هي تطور إيجابي كانت تتطلع إليه السوق للخروج من نفق ودوامة هبوط الأسعار، لافتا إلى أن هذا التطور مدفوع بشكل أساسي بالسحب المفاجئ من مخزونات الخام الأمريكية، متمنيا أن يستمر التعافي الاقتصادي على مستوى العالم، خاصة في ضوء تمسك "أوبك+" بالحفاظ على المضي قدما في مسارها لاستعادة التوازن وتحديدا ما يتعلق بسحب ومعالجة المخزونات الفائضة، التي تم بناؤها خلال النصف الأول من العام، التي تراكمت بسبب حالة الإغلاق الاقتصادي جراء الجائحة.
من ناحيتها، ترى الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة أن "أوبك" وحلفاؤها مستمرون في التركيز على مسألة الامتثال لحصص خفض الإنتاج مرة أخرى، مع الاستمرار في البناء على ما تحقق من نجاحات سابقة، خاصة في ضوء بيانات إيجابية للغاية تتوقع تسجيل مستوى فوق 100 في المائة في نسبة امتثال المنتجين لخفض الإنتاج في الشهر الجاري.
وذكرت أن ارتفاع أسعار النفط هو مؤشر جيد على بداية تصحيح المسار وتعويض الخسائر الحادة السابقة وهذه الارتفاعات ليست في إطار تقلبات معتادة، ولكن مدعومة من عوامل قوية متعددة أبرزها البيانات الاقتصادية في الصين والولايات المتحدة، التي أشاعت حالة من التفاؤل بأن التعافي الصناعي مستمر، ما عوض تقييما قاتما سابقا للطلب من قبل منظمات دولية.
ومن جانبه، يقول ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية إن السوق النفطية ما زالت في وضع متوتر يغيب عنه الاستقرار، خاصة بعدما أكدت وكالة الطاقة الدولية أن توقعات الأسعار تنمو بشكل "أكثر هشاشة" مع عودة ظهور الوباء، لافتا إلى تطلع المنتجين وبقية أطراف الصناعة إلى مدى زمني أقصر ما يمكن حتى يعود الاستهلاك إلى طبيعته، حيث لا يزال الطلب تحديدا على الوقود منخفضا.
وأشار إلى أن المكاسب السعرية قد لا تصمد كثيرا، خاصة مع ضعف الإعصار "سالي" مع اقترابه من ساحل الخليج الأمريكي، ما يدفع إلى استئناف الإنتاج الأمريكي المعطل، الذي تسبب في صعود الأسعار نتيجة توقف أنشطة المصافي والحفارات، لافتا إلى أن توقف الإمدادات الأمريكية ساهمت في تعزيز جهود "أوبك+" لتقييد المعروض العالمي من النفط الخام والاستجابة إلى ضغوطات الطلب المتعثر جراء الجائحة.
يقول أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة إن بعض المنتجين كانوا أقل في الالتزام بحصص خفض الإنتاج في مجموعة "أوبك+" وفتحوا صنابير الإنتاج أكثر بشكل غير متوقع– وذلك بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية– وهو ما سيتطلب منهم التعويض والالتزام بمعدلات خفض الإنتاج.
ونوه إلى دور السعودية المحوري في حث عدم الممتثلين على تعديل حصص إنتاجهم، وفقا لمتطلبات اتفاق "أوبك+" خاصة العراق ونيجيريا، وذلك في إطار تكثيف الجهود المبذولة لدعم السوق، خاصة في ضوء تفاقم تحديات الإصابات الجديدة ومخاوف التباطؤ الاقتصادي والتعافي المتعثر للطلب، خاصة على وقود الطائرات نتيجة الانخفاض الحاد في الاستهلاك ومخاوف تجدد الإغلاقات الاقتصادية الدولية مرة أخرى.
من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس، لليوم الثاني، إذ تسبب إعصار في توقف إنتاج نفط وغاز بحري في الولايات المتحدة وأظهر تقرير للقطاع انخفاض مخزونات الخام الأمريكية.
وارتفعت أسعار النفط العالمية بأكثر من 2 في المائة بالسوق الأوروبية لتواصل مكاسبها لليوم الثاني على التوالي، مسجلة أعلى مستوى في نحو أسبوع، بعد الانخفاض الحاد في المخزونات التجارية في الولايات المتحدة، على حسب بيانات أولية لمعهد البترول الأمريكي.
وارتفع الخام الأمريكي 2.6 في المائة إلى مستوى 39.39 دولار، من مستوى الافتتاح عند 38.39 دولار، وسجل أدنى مستوى عند 38.38 دولار، وصعد خام برنت 2.2 في المائة إلى مستوى 41.60 دولار، للبرميل، من مستوى الافتتاح عند 40.70 دولار، وسجل أدنى مستوى عند 40.60 دولار.
وعند تسوية الثلاثاء، حقق الخام الأمريكي ارتفاعا 2.9 في المائة، وصعدت العقود الآجلة لخام برنت 2.5 في المائة، بعد بيانات قوية عن الإنتاج الصناعي في الصين أكبر مستورد للنفط في العالم.
وفي بيانات أولية، أعلن معهد البترول الأمريكي الثلاثاء انخفاض المخزونات التجارية في البلاد بنحو 9.4 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 11 أيلول (سبتمبر)، في سابع انخفاض أسبوعي في غضون آخر شهرين، على خلاف توقعات الخبراء ارتفاعا بنحو 1.6 مليون برميل.
وعلى حسب تلك البيانات انخفض إجمالي المخزونات التجارية في الولايات المتحدة إلى نحو 496.6 مليون برميل، الذي يعد أدنى مستوى منذ الأسبوع المنتهي في 10 نيسان (أبريل) الماضي، في علامة إيجابية على تسارع مستويات السحب في أكبر مستهلك للنفط في العالم.
وتشير توقعات وكالة الطاقة الأمريكية إلى ارتفاع المخزونات بنحو 2.1 مليون برميل.
ومن جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 39.35 دولار للبرميل الثلاثاء مقابل 38.96 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاضات سابقة، وأن السلة خسرت نحو دولار واحد، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 40.29 دولار للبرميل.