الشمس، مصدر طاقة الأرض، ذات الخيوط الذهبية التي فتن بها الشعراء وسميت باسمها آلهة القدماء، لن تدوم إلى الأبد.
شمسنا اللطيفة الحارقة هي نجم حالها حال مليارات النجوم في مجرتنا، وهي مثل سائر النجوم عبارة عن غازات دائمة الاحتراق في تفاعلات نووية مستمرة من لحظة وجودها. هذه التفاعلات ليست إلا اندماج ذرات الهيدروجين لخلق الهيليوم في باطنها، وتتحرر بفعلها كمية طاقة هائلة تصل إلى الأرض فتجعلها مكانًا قابلًا للحياة.
بعد عدة مليارات سنة سينضب مخزون قلب الشمس من الهيدروجين، فلا يعود هناك ما تحرقه ولا هيليوم لتشكله. وسيتراكم عندها الهيليوم في المركز، ويتمدد سطحها بفعل التفاعلات النووية التي ستحدث فيه. أما في المركز فسيبدأ تخليق عناصر أثقل مثل الكربون، وذلك عبر اندماج ذرات الهيليوم مع بعضها. وأما في الشمس ذاتها فإنها ستتمدد بنسبة ما زال العلماء يختلفون في أمرها لكنها تتراوح بين 100 إلى 250 ضعف قطرها الحالي!
في أحسن الأحوال فإن الشمس ستبتلع كوكب عطارد بفعل توسعها، وتسبب ضررًا جسيمًا بالأرض والزهرة. وفي أسوأ الأحوال فإن تمددها سيتجاوز الـ200 ضعف مبتلعةً كل من عطارد والزهرة والأرض، لينتهي حينها وجود هذه الكواكب.
ليس عليك القلق من ذلك بالطبع، لأن الحياة على الأرض ستكون قد انتهت قبل ذلك بوقت طويل؛ فالأشعة الشمسية تتزايد حاليًا بنسبة 1% كل 100 مليون عام، لذا بعد بضعة مليارات سنة لن يكون هناك غلاف جوي ولا حياة تقريبًا على الأرض. هذا بالطبع إن نجونا من الكوارث البيئية كالأمراض والبشرية كالحروب والخارجية كالنيازك.
بعد أن ينضب خزين مركز الشمس من الهيليوم فإن التفاعلات النووية في المركز ستتوقف مجددًا، وتنتقل إلى المناطق الأعلى التي بقي فيها هيليوم ليتحول إلى كربون. لكنها عند ذلك ستكون غير مستقرة بشكل كبير. ذلك سيؤدي في النهاية إلى تبعثر الغلاف الشمسي وجزء غير صغير منها إلى الفضاء المحيط لتكوِّن ما يعرف بالسديم الكوكبي.
المناطق غير المركزية من السديم الكوكبي ستبدأ في البرود تدريجيًا وتستمر في التمدد، وتفقد نورها رويدًا رويدًا. بعد نحو 10 آلاف سنة ستكون قد تبعثرت في الفضاء الذي يسمى الوسيط النجمي، حاملة معها عناصر الكربون والأكسجين والنيتروجين وعناصر ثقيلة أخرى صنعت في الشمس. وربما تجد بعض هذه العناصر طريقها بعد مليارات السنين إلى غيوم غازية لتتكثف لاحقًا وتصبح كواكب جديدة. الأمر أشبه بإعادة تدوير النجوم، والأرض حالها حال أي كوكب ليست إلا إعادة تدوير نجوم قديمة.
أما المناطق المركزية من السديم الكوكبي فستتكثف على نفسها لتكون ما يعرف بالقزم الأبيض. وهو نجم شديد الكثافة، بحيث إن لترًا واحدًا من مادته يزن 550 طنًا! هذا القزم الأبيض سيكون بكتلة أقل من ثلث كتلة الشمس الأصلية، لأن المتبقي منها سيكون أما قد تبعثر بهيئة رياح شمسية، وأما انتشر بهيئة سديم كوكبي كما أشرنا سابقًا. ورغم أن النجم الناتج سيكون بحجم كوكب الأرض تقريبًا إلا أن وزنه سيكون أثقل بمئة ألف مرة!
يجدر الذكر أن القزم الأبيض لا يُحَفِّز أي تفاعلات نووية، فهو لا يدمج عناصرًا ولا يخلق أخرى. إنه بقايا نجم ميت، وليس نوره المؤقت غير الحرارة المتبقية من السديم الكوكبي، والتي ستخفت في غضون مليارات السنين بالإشعاع إلى الخارج ليصبح القزم الأبيض أسودًا وغير قابل للرصد بالتدريج.
ما تأثير ذلك على الحياة؟
لا يجدر بنا القلق بخصوص هذا السؤال، لأن الحياة على الأرض ستكون منتهية قبل ذلك بوقت طويل، لأن إشعاع الشمس يزيد بنسبة 1% كل 100 مليون عام، وهكذا فإن الغلاف الجوي والبيئة ستتدمر في غضون ملايين أو مليارات سنين قليلة. الخبر السار هو أن كوكب بلوتو قد يصبح صالحًا للحياة عندما تكون الشمس في طور العملاق الأحمر، لأن الدراسات تقول إن فيه ماءً متجمدًا أسفل سطحه وهكذا فإنه سيذوب، ومن يدري ما سيحدث حينها! كذلك الحال بالنسبة للأجرام الوراء نبتونية (الكويكبات التي تقع وراء كوكب نبتون) فهي متجمدة حاليًا لكن يُعتقد أنها تحتوي على ماء، وربما تنشأ فيه حياة حين يذوب..
ما تأثير ذلك على مدارات الكواكب؟
كون الشمس هي المركز الذي تدور حوله الكواكب متأثرة بكتلتها، فإن أي تغيّر في كتلة الشمس سيغير مدار الكواكب. لذا فإن مدارات الكواكب تبتعد عن الشمس يوميًا كونها تشع طاقة (والطاقة تتناسب مع الكتلة حسب معادلة آينشتاين الشهيرة (E=MC^2). هذه المعلومة أثبتتها المعادلات الفيزيائية منذ زمن طويل، إلا أن العلماء أرادوا أن يزدادوا يقينًا فدرسوا تغيّر مدار كوكب عطارد كونه الأقرب إلى الشمس وبالتالي الأكثر حساسية لتغير كتلتها. أجريت دراسة بين الأعوام 2011-2015 أثبتت أن مدار عطارد يتغير بالفعل كما هو متوقع.
يعتقد العلماء أن في أواخر حياة الشمس، ستبتعد الأرض (في حال لم تُبتَلع بفعل العملاق الأحمر) إلى مدار يعادل ضعف مدارها تقريبًا، فتكون في موقع المريخ الحالي. والمريخ سيبتعد أكثر وهكذا سائر الكواكب، حتى أن بعض الاجسام البعيدة ستخرج من مدار النظام الشمسي متأثرة بجذب أجسام أخرى. ذلك لأن كتلة القزم الأبيض ستقارب 30% من كتلة الشمس الحالية فقط، فيقل انحناء الزمكان حولها.