الأدارة ..♥ |
❆ فعاليات عَبق الياسمين ❆ | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
عبق حياة رسولناالكريم والخلفاء الراشدين و أمهات المؤمنين ✿ يختص بالدفاع عن حبيبنا رسول الله وسيرته العطرةوالخلفاء الراشدين وكذلك الصحابيات رضوان الله عليهم وارضاه ﹂ ✿ |
#1
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دار الأرقم .. الاختيار والعدد
هذ الجهود التي بذلها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق في الدعوة وهذا العدد الذي وصل إليه المسلمون الجدد، كان يتم في حذر شديد، وفي سِريَّة تامَّة، واستمرَّت هذه السِريَّة لمعظم الأفراد حتى بعد الإعلان النبوي الذي سيحدث بعد ثلاث سنوات من البعثة عندما يقف فوق جبل الصفا.
الالتقاء في دار الأرقم بن أبي الأرقم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصًا كل الحرص على الحفاظ على كل واحد من أفراد جماعته المؤمنة؛ سواء كان عبدًا أو حرًّا، وسواء كان قرشيًّا أو غير قرشي، وسواء كان من قدماء الصحابة أو حديثي الإسلام، ومن هنا فقد كان لزامًا عليه صلى الله عليه وسلم أن يُعَلِّم أصحابه في الخفاء، وأن ينقل إليهم ما ينزل من القرآن الكريم بعيدًا عن أعين الناس. وهذا -كما هو معلوم- صعب للغاية في بلد صغير كمكة؛ لأن الجميع يعرف بعضهم بعضًا؛ ومن ثمَّ كان لا بُدَّ من البحث عن طريقة تُحافظ على سِرِّيَّة الجماعة المسلمة دون أن تُعوِّق تعليمهم، ومن هنا ظهرت فكرة الالتقاء الدوري المستمر في بيت أحد الصحابة، وليس في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتوقَّع أن المشركين سيُراقبون بيته بعد إعلان دعوته، وبالتالي يمكن أن يعرفوا زوَّاره، فكان الأحوط أن يكون مكان اللقاء بعيدًا عن الشبهات، فكيف تمَّ اختيار هذا المكان؟ لقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت الصحابي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه. فعَنْ عُثمانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن الأَرْقَمِ، عَنْ جَدِّهِ الأَرْقَمِ رضي الله عنه، وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آوَى فِي دَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا حَتَّى تَكَامَلُوا أَرْبَعِينَ رجلاً مُسْلِمِينَ، وَكَانَ آخِرُهُمِ إِسْلامًا عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَلَمَّا كَانُوا أَرْبَعِينَ خَرَجُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ [1]. كم عدد من كانوا في دار الأرقم من الصحابة؟ من النص السابق أدركنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلتقي أصحابه في دار الأرقم رضي الله عنه؛ ولكن ذَكَرَ الأرقم رضي الله عنه في هذه الرواية أن إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مُتمِّمًا لأربعين رجلاً، فهذا يعني -بحسب الرواية- أن تسعة وثلاثين رجلاً أسلموا قبله، فإذا أخذنا في الاعتبار أن حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه سيُسلم -كما سيأتي- قبل عمر رضي الله عنه بثلاثة أيام، صار المسلمون من الرجال -لأن الرواية ذكرت الرجال، ولم تُشِر إلى النساء- قبل حمزة وعمر رضي الله عنهما ثمانية وثلاثين فقط. وهذا في الواقع مخالف لحساباتنا التي ذكرناها آنفًا، فإن قائمة السبعين التي مرَّت بنا تضمُّ ثمانية وأربعين رجلاً، أي بزيادة عشرة رجال عن العدد الذي قمنا بحسابه؛ لكن لا بُدَّ أن نأخذ في الاعتبار أن الأرقم رضي الله عنه في هذه الرواية يتحدَّث عن الصحابة الذين "يجتمعون" في داره، وهؤلاء ليس فيهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، مع أنه معدود من السابقين؛ لأنه عاد إلى بلده بالقرب من المدينة، ولم يكن يجتمع مع الصحابة في دار الأرقم، ومثله يُقال على عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وستأتي في السيرة قصة إسلامهما، وتفاصيل عودتهما إلى بلادهما، فهذان اثنان، والثالث سيُستَشْهد قبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، وهو ياسر بن مالك رضي الله عنه، أبو عمار بن ياسر رضي الله عنهما؛ إذن هناك فارق سبعة من الصحابة الرجال أحصيناهم في حساباتنا، وهم ليسوا معدودين في رواية الأرقم رضي الله عنه، وقد عُدْتُ إلى دراسة الأسماء التي أحصاها الذهبي رحمه الله فوَجدتُ أن جميعها قد ذُكِرَ إسلامه مبكرًا قبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، وكذلك كل مَنْ ذكرتُه كزيادة على القائمة، فما تفسير الزيادة إذن؟! الواقع أن هناك عدَّة احتمالات لتفسير ذلك؛ من هذه الاحتمالات أن تكون ديار بعض البطون والقبائل بعيدة عن مكة، وبالتالي فالمسلمون الذين فيها لا "يجتمعون" بصورة دورية في دار الأرقم؛ لأن قدومهم بشكل متكرِّر إلى بيت الأرقم داخل مكة قد يلفت الأنظار إلى المكان، فكانت الدواعي الأمنية تستلزم حضور البعض دون الكل، وبالتالي قد يكون إحصاء الأرقم رضي الله عنه مبنيًّا على "المنتظمين" فقط في الاجتماع. ومن الاحتمالات كذلك أن يكون هناك خطأ في إثبات توقيت إسلام بعض الصحابة؛ حيث إن بعض الروايات التي ذكرت هذه الفترة المبكرة من عمر الدعوة مذكورة في كتب السيرة، أو كتب الرجال والطبقات بسندٍ ضعيف، أو يَحْتَمِل الضعف، وبذلك قد يكون إسلام بعض أفراد القائمة متأخرًا نسبيًّا، ومع ذلك فيصعب جدًّا تحديد هذه الأسماء الزائدة لعدم القدرة على ترجيح رواية على أخرى. ويُحتمل -أيضًا- أن العدد الصحيح الذي كان مجتمعًا في دار الأرقم قبل إسلام عمر رضي الله عنه هو ما ذكرناه، أي سبعة وأربعين من الرجال؛ ولكن الأرقم رضي الله عنه أسقط الكسور من كلامه، فقال: أربعين رجلاً. بينما هم سبعة وأربعون، وكانت العرب تفعل هذا كثيرًا في كلامها؛ لأنها كانت أُمَّة لا تَحْسِب، فكانوا -أحيانًا- على سبيل الاستسهال والتيسير يُسْقِطون الكسور، ويُثْبِتون العشرات والمئات فقط؛ لذا يكثر في كلامهم الحديث عن الأربعين والخمسين والستين والسبعين، ويقلُّ جدًّا ذِكْر الكسور معها، كنحو قول أنس بن مالك رضي الله عنه عندما ذَكَر عدد مَنْ توضأ من ماء قليل خرج من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال أنس رضي الله عنه: ".. فَتَوَضَّأَ القَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الوَضُوءِ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ" [2]. فقد ذكر رقم سبعين، ثم استدرك فقال: "أو نحوه"، يعني: سبعين "تقريبًا" وليس على وجه الحصر الدقيق؛ بل إنه في رواية أخرى قال عن الموقف نفسه: "حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ المَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، "فَوَضَعَ كَفَّهُ، فَصَغُرَ المِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي المِخْضَبِ فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا" قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: ثَمَانُونَ رَجُلاً" [3]. فنجد أنه قال في الرواية الأولى: إنهم سبعون. وفي الثانية ذكر أنهم ثمانون، والواضح أنهم على الأغلب بين هذا وذاك، فقرَّب مرَّة إلى سبعين، وقرَّب مرَّة إلى ثمانين، وأسقط في الحالتين الكسور. ويمكن أن يكون شبيهًا بذلك ما ذكره الصحابة في كثير من الروايات التي تُحدِّد أرقامًا بعينها، وهم يقصدون التسهيل لا الجزم، كنحو قول أبي هريرة رضي الله عنه: "لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ" [4]. فيُحتمل أنه أكثر من ذلك قليلاً أو أقل؛ ولكنه ذكر الرقم دون الكسور استسهالاً، والله أعلم. وقد يتعجَّب بعض القرَّاء من حرصنا على الوصول إلى الإحصاء الدقيق لعدد المسلمين في المرحلة المبكرة من الإسلام، ولعلهم يقولون: لا بأس أن يكون واقد بن عبد الله رضي الله عنه مثلاً، أو إياس بن البكير رضي الله عنه، أو غيرهما، قد أَسْلَم في العام الرابع من البعثة أو السابع، أو العاشر، فالمهم أنه ممن أَسْلَم في مكة، ومن المهاجرين بعد ذلك؛ ولكن الواقع أن الفارق مهم، ويحتاج إلى تدقيق! لأنني في الحقيقة على قناعة تامَّة أن الله رضي الله عنه قد اختار هذه المجموعة المتقدمة في الإسلام لتكون ناصرةً ومؤيدةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُوقن كذلك أن دراسة سيرة هؤلاء الصفوة على وجه التحديد ستُخْرِج لنا كنوزًا لا تُحصى من الفوائد والدروس، ولعله من المناسب جدًّا أن نُخصِّص دراسات وافية عن حياتهم، وطرق تربيتهم، وطريقة تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم معهم؛ بل ينبغي أن نعرف تفاصيل حياتهم بعد هذه الفترة المبكرة، وكيف ختموا قصتهم في الدنيا؛ إنهم لم يشاركوا فقط في عمل جليل من أعمال الإسلام، كغزوة، أو مشروع، أو مؤسسة، إنما كانوا نواة لبناء الأمة الإسلامية ذاتها. ثم إنه ينبغي التنبيه على أن إسلام الصحابة قبل إسلام عمر رضي الله عنه يختلف عن إسلامهم بعده! وسيأتي الحديث لاحقًا عن إسلام عمر رضي الله عنه، وسنعرف أن الأمر صار أكثر قبولاً عند كثير من شباب مكة ورجالها بعد أن رأوا عمر رضي الله عنه في الصفِّ المسلم، وهذا الذي دعا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى أن يقول عن إسلام عمر رضي الله عنه: "إِنَّ إِسْلاَمَهُ كَانَ نَصْرًا" [5]. وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه إن شاء الله. ونقطة أخرى ينبغي لفت النظر إليها، وهي اهتمام الأرقم رضي الله عنه في روايته بذكر عدد الرجال دون النساء، وواقع الأمر أن مردَّ ذلك إلى أنه كان يذكر موقفًا تاريخيًّا مهمًّا معتمدًا على عدد الرجال وحدهم، وهو موقف الإعلان الذي قام به المسلمون بعد إسلام عمر رضي الله عنه، ومِن قبله حمزة رضي الله عنه؛ حيث خرج المسلمون -للمرة الأولى- في صَفَّين متجهين إلى الكعبة، ومُعلنين إسلامهم أمام الجميع، وبالطبع لن تخرج النساء في هذا الإعلان؛ لكي لا يتعرضن للإيذاء من مشركي مكة؛ لذا كان تقدير الخروج من عدمه معتمدًا على عدد الرجال دون النساء، وهذا الذي دعا الأرقم رضي الله عنه إلى أن يذكر عدد الرجال فقط. __________________ [1] الحاكم (6130)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والطبراني: المعجم الكبير (911)، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 4/5. [2] البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، (3381). [3] البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، (3382). [4] البخاري: أبواب المساجد، باب نوم الرجال في المسجد، (431). [5] الطبراني: المعجم الكبير (8832)، وحسَّن إسناده صالح بن طه عبد الواحد، انظر: سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام 1/163، وذكر الهيثمي روايات أخرى وقال عن جميعها: رواه الطبراني من طرق، وفي بعضها عاصم بن أبي النجود، وهو حسن الحديث، وبقية رجالهما رجال الصحيح، وبعضها منقطع الإسناد، ورجالها ثقات. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9/78.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الساعة الآن 05:58 PM
|