كون مالك بن الريب في بداية شبابه عصابةً من الفرسان من ثلاثين أو عشرين رجلاً ومن أشهرهم أبو حردبة المازني ابن عم مالك، وغويث من بني كعب بن حنظلة، وشظاظ الضبي وغيرهم، وكانوا يقطعون الطريق على قوافل التجار الأغنياء بين العراق والشام والحجاز ويأخذون جزءً من هذه القوافل ويعطونها للفقراء من قومهم حتى شاع خبرهم في أنحاء الدولة الأموية كلها، وتناقل الناس أخبارهم وشدة بطشهم، وتجنبوا المرور في طرقاتهم حتى قال فيهم أحد الشعراء محذراً منهم:
اللهُ نَجَّاكَ من القَصِيم
وبَطْنِ فَلْج وبني تَميم
ومن أبي حَردبةَ الأثيمِ
ومن مالكٍ وسيفه المسمومِ
ومن شظاظ الأحمر الزنيم
ومن غُوْيثٍ فاتحِ العُكومِ
فطلبهم مروان بن الحكم وهو حينها والي الحجاز من قبل معاوية بن أبي سفيان، وكلف مروان الحارث بن حاطب الجمحي وكان عاملاً له على بني عمرو من بني تميم وهم قوم مالك وأبي حردبة بالقبض عليهم، فطلبهم الحارث طلباً شديداً حتى ظفر بهم وأخذهم أسرى، وأمر عليهم رجلاً أنصارياً أن يذهب بهم إلى المدينة المنورة، فقدم الأنصاري رجال معه بأبي حردبة، وبقى وهو في رجالٍ أخرين ومعهم مالك، وأمر الأنصاري غلاماً له أن يحرس مالك، فتغافل مالك الغلام وأخذ سيفه وفك وثاقه وقتله، ثم حمل على الأنصاري وقتله أيضاً، وحمل مالك على كل من كان مع الأنصاري من الرجال فجعل يقتلهم يميناً وشمالاً حتى قتلهم جميعاً، ثم لحق بأبي حردبة وقتل من كان معه من رجال الأنصاري وركب مالك وأبو حردبة إبل الأنصاري ومن معه وساقوها إلى البحرين.
ثم إن معاوية بن أبي سفيان استعمل سعيد بن عثمان بن عفان أميراً على خراسان في عام 56 هـ فخرج سعيد ولما كان بالبادية بين المدينة والبصرة لقي مالك بن الريب ومعه نفر من أصحابه، فقال له: ويحك يا مالك مالذي يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العداء وقطع الطريق، فقال مالك: أصلح الله الأمير العجز عن مكافأة الإخوان، قال: إن أغنيتك واستصحبتك أتكف عما تفعل، قال نعم أصلح الله الأمير أكف كفا ما كف أحد أحسن منه، ويقال أن سعيداً لقيه في طريقه إلى خراسان في بلاد فارس، ثم إن مالك أعلن توبته وخرج مع سعيد بن عثمان مجاهداً غازياً إلى خراسان وحسنت سيرته ومات وهو مع سعيد شهيداً، ويقال بل مرض هناك ومات، ويقال أن الجن رثته والله أعلم. وذكر أبو سعيد السكري أن مالكاً شهد معركة طاسى ومعركة النهر ضد الترك مع سعيد بن عثمان في خراسان وكان له فيهما بلاءً عظيم.
ومن أخبار شجاعة مالك بن الريب أنه كان ذات ليلةٍ نائماً، وكان لا ينام إلا وهو متوشحاً بالسيف، وإذا هو بشيء قد جثم على صدره لا يدري ماهو فانتفض به مالك فسقط عنه، ثم انتحى له مالك بالسيف فضربه فقصمه نصفين، ثم نظر إليه فاذا هو رجل أسود كان يقطع الطريق في تلك الناحية فقال مالك في ذلك:
أَدلَجتُ في مَهمَةٍ ما إِن أَرى أَحَداً
حَتّى إِذا حانَ تَعريسٌ لِمَن نَزَلا
وَضَعتُ جَنبي وَقُلتُ اللَّهُ يَكلؤُني
مَهما تَنَم عَنكَ مِن عَينٍ فَما غَفَلا
وَالسَيفُ بَيني وَبَينَ الثَوبِ مَشعَرُهُ
أَخشى الحَوادِثَ إِنّي لَم أَكُن وَكَلا
داهِيَةٌ مِن دَواهي اللَيلِ بَيَّتَني
مُجاهِراً يَبتَغي نَفسي وَما خَتَلا
أَهَوَيتُ نَفحاً لَهُ وَاللَّيلُ ساتِرُهُ
إِلا تَوحيتُهُ وَالجَرس فَاِنخَذَلا
أَوقَدتُ ناري وَما أَدري إِذا لَبدٍ
يَغشى المُهَجهَجَ عضَّ السَّيف أَو رجلا
لَمّا ثَنى اللَّهُ عَنّي شَرَّ عَدوَتِهِ
رَقَدتُ لا مُثبِتاً ذُعراً وَلا بَعِلا
قال الجاحظ وكان الذي قتله مالك رجل من الزنج يقال له أفلح كان يقطع الطريق عشرين عاماً فقتله مالك.