ننتظر تسجيلك هـنـا

الأدارة ..♥ مَملكتنا مَملكة الياسمين، يلتهبُ الشجنُ ويَثْمِلُ الحرفُ بالآهات ، حروفُنا الخالدةُ كفيلةٌ بأنْ تأخُذَكم إلى عَالمِ السَحَر ، تَحْدِي بِكُم وتَمِيلُ فهي مميزةٌ بإدخالِ الحبِّ إلى القلوب ،ولكي لا تتَعرَضَ عُضويَّتكَ للايقافِ والتشهيِّر وَالحظر فِي ممْلكتِّنا .. يُمنع منْعاً باتاً تبادل اي وسَائل للتواصل تحْتَ اي مسَّمئ او الدَّعوه لمواقعِ اخْرى ، ولكم أطيب المنى ونتمنى لكم وقت ممتع معنا

❆ فعاليات عَبق الياسمين ❆  

❆ رمضان يجمعنا ❆
                                                          
                  



عبق التربية والتعليم ✿ خدمـةْ طُـلآبْ آلمدآرسْ و آلجـآمِـعـآتْ و لجميع اللغات ﹂ ✿

إضافة رد
#1  
قديم 14-04-2018, 12:56 AM
نسر الشام غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 612
 اشراقتي » Feb 2018
 كنت هنا » 10-02-2020 (05:29 AM)
آبدآعاتي » 14,858[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه Syria
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
 
افتراضي وهم الحضارة



وهم الحضارة


الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونصلي على محمد وآله وصحبه، وبعد:
فإن طبائع الإنسان ألينُ شيءٍ وأسهله في التطبع مع الأحوال والعوارض والظروف، وليس يمنع الإنسانَ من الانسياق مع الأحوال المختلفة غيرُ نفسه التي بين جنبَيْه، فيمكنه أن يتكيَّف مع الفقروالشدة والمرض، ويمكنه أن يتكيف مع جميع طبائع الناس باختلاف أجناسهم وأعراقهم ومذاهبهم الفكرية والاجتماعية؛ فيمكنه العيش في البادية، كما يمكنه العيش في الحاضرة والخلاء والقفار، لكن الذي يمنعه من ذلك كله في كثير من الأحوال نفسُه بذاتها الخيالية الغائبة في جذور الروح، فإن كانت هذه الأحوال تسرُّها سارعت في الانسياق والتطبع وقَبول هذه العوارض دون تفكير، وإن كانت تثقل عليها وتورثها الألم والضيق، نفَرَت واشمأزَّت وادَّعت عدم القدرة على التطبع والقبول.

من خلال هذا المعنى المفرد يمكن للمتأمِّل أن يستنبط من أمراض النفس البشرية كيلَ بعيرٍ، ويستطيع المفكر الحاذق الناظر فيها أن يُخرِج من أدوية هذه الأمراض ما يُطمْئِنُ القلوبَ الراغبة، ويفتح لها من المغاليق، ويكشف لها من المجاهيل - ما لا يكاد يعدُّه لسان، ولا يخطه قلم.

هي النفس التي إن لم تُسَقْ ساقت، وإن تُركت على سجيَّتها طلبت ما كان وما لم يكن، هي الشبح الموهم الذي يلاصق الإنسان فيجعله يسعد زورًا حينًا، ويتألم وهمًا أحيانًا كثيرة؛ يا ويحَ صاحبها إن لم يكبحها بزمام العقل، ويا ضيعةَ حاملها إن لم يزجرها بسوط العدل، تسيح به في غيابات الملكوت الفسيح، وتصعد به في أرجاء الكون الرحيب، لتُرديَه في أي مكان سحيق، بعد أن تلفَّه في أوهام الحزن، وتحليه بوساوس الظن والتلبيس.

منذ الأزل وهذه النفسُ في حِلف الشياطين المردَة، تفتك بملايين البشر، تهزهم هزًّا متخيلًا، وتعنفهم بقوة موهمة؛ حتى تطيش أفئدتُهم الضعيفة، وتخور قواهم البائسة القائمة على شفا جُرُفٍ هارٍ، وكأنها ريشة تعب ثبها الرياح في سماء واسعة، تميل بها البوارح صيفًا، وتعصف بها المعصراتُ شتاءً، إلى أن تجد نفسها في سيل جارف يُودِعها أعماقَ الأرضين، قبل أن تصير ترابًا يستحيل إلى عدمٍ بعد برهةٍ من الزمن.

والعجب كل العجب كيف تكون هذه النفس التي يسعى البشر سعيًا لإسعادها - السببَ الأول في تعاستهم وحزنهم، والضنك النازل بهم؟! تناقض عجيب! أو غبن فاحش في صفقةِ بيع خاسرة، يسرع المبتاع إليها بلذَّة التملك مغمض العينين، ليُفِيق وقد أضاع رأسَ ماله وعاد إلى الديار بخُفَّي حُنَين.
وتلك عادة الحياة في كل مبدوء بلذَّة، قضى الحق ألا يُختم إلا بالتعاسة والحزن والفقد والألم، وتلك عادة الحق في كل سهل قضى ألا يستحيل إلا لوعر؛ عادة متكررة، وواقع دائم بدوام الوجود وتكرر الأحياء.

فكيف بك - أيها الآدمي - بعد أن علمتَ هذا كلَّه تنساق خلف نفسك مكبَّلًا بقيود الخيال، مصفَّدًا بسلاسل الوهم؟! كيف بك أن تقع في ذلك وقد عهدتك مدعيًا اليقظة، مزهوًّا بنفسك، معجبًا بقولك ورأيك وفعلك؟ أم أنك شامخ شموخَ الزُّور كسائر أحوالك الظاهرة والباطنة، متعنت تعنتًا لا يؤدي في ختامه لغير الانكسار والضياع والندم؟!

قد قضى موجِدُ هذا الوجود كلِّه أنْ لا سعادة إلا في مخالفة تلك النفس التعيسة الجاهلة الطائشة، التي تحسب كلَّ لامع مَعدِنًا نفيسًا، لا سعادة قط ترجى في متابعتها، فاقطع الشك باليقين، واحمل زادك الذي لا يكون حمله إلا متعبًا، ولا تجد طعمه إلا مرًّا علقمًا، احمله ولا تتردَّد في التلذُّذ بالتعب الذي لا يعقبه غيرُ الراحة واللذة والفخر، واجعل تلك النفس متفرجة في هامش الحياة، لعلها تراودك يومًا وتتغزل بك قائلة: قد كنتَ صادقًا وكنتُ مخطئة، فاحذر حينها أن تسمع همسها الغرور؛ فإنها ليست تريد إلا سلبَك ما حصلتَه، وترجع بك إلى ركن الألم والضيق والضنك؛ هي الحياة هكذا، لا يسعد فيها إلا من وضع نفسه جانبًا، وسار في الأيام كما يريد سيدُه.

وفي هذه الأزمان التي نحن فيها بين غريب المخترَع، وعجيب المبتكَر، وفاتن المحدَثات، شرعت هذه النفسُ البشرية في إذلال أصحابها، والأصحاب في طوعها كالقِنِّ الضعيف في يد سيده القويِّ؛ لا أحد قط يجرؤ على السؤال أو الاعتراض، أبدًا لا أحد يستطيع؛ لأن النفوس البهيمية امتلكت قيادَ العالم، وأحكمت قبضته، ولا يسع المخالفَ إلا الانفرادُ والانعزال بعيدًا في فجِّ جبل أو شِعب من الشعاب، وإن لم يفعل وجد نفسه حتمًا تسوقه بالسلاسل سوقَ الكلاب؛ بينهاتف محمول ذكي، وبطاقة بنك إلكترونية، يقول بها هكذا، فتأتيه باللحوم والخضر والفواكه وأنواع الملذَّات، لتحمل في سيارة فاخرة مكيفة، إلى قصر مشيد؛ لتنمي في صاحبها الجسد والتراب، وتهوي بالروح إلى أسفل سافلين!

ألم أقل لك: إن اتباع النفس لا يعقبه إلا الألم؟ انظر إليهم جميعًا، وأرواحهم طائشة، وأفئدتهم مكسورة، ووجوههم شاحبة، يكابرون في ادِّعاء عبادة الإله، نعم، هو إله الباطل الذي لم يعد أحدٌ في هذا العالم الرحبِ يقول له: لا، فإن قال: لا، اتُّهم بالخبل والجهل والتطرف والطيش، أو أُودع في سجن العدم والتهميش، حتى هؤلاء الذين يدَّعون عبادة الإله الحق، سوغوا كلَّ هذه الأباطيل طاعةً لأنفسهم ولوهمِ الحضارة.

هي هكذا، حضارة موهمة مزيفة، شيطانة لعابة، مخادعة ماردة، نقولها هكذا مجردة من التلون والمراوغة، هكذا نقولها بلا جزع ولا تردُّد ولا شك، هي حضارة شيطانة لعابة مخادعة ماردة، استهوت النفوس المهيأة لاتباع الملذات والشهوات، استهوَتْها فاتبعتها طائعةً ذليلة، بلا تفكير ولا روية، حتى انتقلنا بين هُنَيْهة وأخرى، من عالم الفطرة السليم، إلى عالم الوهم والكذب، أصبحنا بين الغسق والفجر في عالم لا يرحم، طبقاتُه شتى، قلة تملك كلَّ شيء، وكثرة لا تملك أي شيء! ذئاب وشِياه، والمصيبة أن الشياه متبِعة، لا تحاول الفرار والهرب، بل تقصد الذئاب الجائعة منقادةً مختارة طائعة، يا للعجب! إنها النفس التي أخبرتُك عنها، إنها النفس التي تبحث عن شهواتها ولو كانت محلاة بسمِّ حتفها.

من طبع هذه النفس البشرية اللهثُ وراء رغباتها، تلهث لهثًا حثيثًا بسرعة خارقة، تحصِّل هذا فتتركه لتحصِّل ذاك، تريد أن تفعل كل شيء في وقت واحد، تنقضُّ من هنا إلى هناك، جشعة جائعة متعطشة؛ فجاءت هذه الحضارة المسرعة أيما إسراع لتزيدها في تخبُّطها وتسرعها وطيشها؛ طائرة توصلك إلى أقصى البلاد في ساعات قليلة، وهاتف يوصل صوتك وحروفك إلى غاية ما يكون في لحظة واحدة، فتسارَعَ الناس وتخبطوا، وتَخالَطوا وتداخَلوا، حتى إذا نظرت إليهم رأيت الشبق يقطر من عيونهم وأفئدتهم وقلوبهم؛ قد انتقلوا من عالم البشر إلى عالم البَهْم.

انظر إلى البيوت التي جُعلت لحفظ ذوات الخدور، تخرج منها العذارى - نعم هن عذارى - مع إحسان الظن بالناس، يخرُجن من تلك البيوت التي كان يلزم أن تكون لهن خدورًا، يخرجن متعطراتٍ مائلات عاريات، إلى أين؟! نعم إلى ذاك الذئب الوسيم الذي رأينه على صفحة "الفيسبوك"، أو إلى ذاك الغني الذي صادَفْنَه في مواقع الدردشة، حتى ذاك الرجل الأسيف الذي لا يفارق المسجد، تخرج بناته وصدورهن وأفخاذهن عارية، لا يستطيع أن يقول: لا! لأن الحضارة أنهكَتْه ولم تترك فيها عرقًا ينبض بالغَيرة، فهو لم يعد يطمع إلا في سلامة أعصابه من الاحتراق! لا نستجلب له عذرًا، لكنني أعلم أن وطء الحضارة شديدٌ، فهي تثير في الإنسان شيئًا لا يمكن ضبطه من غير عصمةٍ ربانية، إنها تثير فيه غريزة الحيوان التي لا تقف حتى تودع صاحبها في معرض الفضيحة والعار.

أعتذر من القارئ الكريم، لكن عاطفتي تغلبني وتضطرني لأن أقول: أكره هذه الحضارة البائسة، أكرهها لأنها فرَّقت البيوت، وقطعت الأرحام، وهتكت الأعراض، وكشفت الغطاء عن كل مستور، حتى فروج النساء أضحت أرخص من الطماطم الفاسدة؛ هاجت الشهوات في العروق، ولم يعد يوقفها حياءٌ ولا خوفُ فضيحة، حتى ذابت الغيرة وماتت ودُفنت في مقبرة الحضارة، كما دُفن الحياء والشهامة والرجولة من قبلُ!

إذا استرَقَ الإنسان من حياته شهورًا في قرية بعيدة، بعيدة عن كل ضجيج وصراخ ولهث وراء الملذات، يجلس فيها متأملًا مسبِّحًا، ذاكرًا عابدًا، نابذًا وراءه الدنيا بكل ضنكها ومكدراتها وشهواتها، بين الأشجار والمياه العذبة، وزقزقة العصافير والطيور المغردة، معفرًا وجهه بأصله الترابِ - فإنه لا ريب تعود له آدميته، حينها فقط يمكنه الخروج إلى عالم البهم هذا المسمَّى حضارةً، ليرى الفطر الممسوخة، والعقول المشوهة، والقلوب المكلومة المحرومة، فليصرخ حينها بأعلى صوته لعله يُسمِعُ، ولن يُسمِعَ، ولن يَسمَعَه أحدٌ؛ لأن الشبق والغباء غلَّف العقول والقلوب، فلا أحد يسمع، بل ولا أحد يريد أن يسمع، قد وضعوا أصابعهم في آذانهم، واستغشَوا ثيابهم، وأصَروا واستكبروا استكبارًا.

قبل يوم خرجتُ أتنزه في بعض المدن القديمة في الجنوب الشرقي للمغرب، ودخلت قصرًا شامخًا قديمًا مبنيًّا بالطين وجذوع النخل، لم تكد السنون تؤثِّر فيه أثرًا، فكدت أبكي لما شعرت بتلك الراحة التي تغمر القلب، فتنقله من زمن الضيق والعذاب، إلى زمنٍ جميل سهل عذب، بقيت أتأمل تلك الجدران الطينية الرائعة، التي تحيي في النفوس بساطتها، وتَرجِعُها إلى أصل فطرتها، وتلقي فيها من بذر التواضع ما يرجع فيها بعضًا من آدميتها، وقارنت تلك البنايات والقصور الرائعة بجدران زماننا الإسمنتية البائسة، فألفيت فارقًا عظيما، وبونًا شاسعًا، شتان بينهما! بل يشهد الله أن غبطة الأجداد حلَّت بقلبي، وقلتُ غيرَ متردد: قد عشتم واللهِ حياةً آدمية، عشتم رجالًا تحملون الأثقال، لا كالدُّمى التي أضحت تَعجِز عن حمل خمسة كيلوغرامات! هكذا كانوا يعيشون بالفطرة في الفطرة وعلى الفطرة، وكان لكل شيء لذةٌ وذوق، أما الآن، فَقَدْ فَقَدَ كلُّ شيء لذَّتَه، وأضحى كل شيء باردًا لا طعم له؛ حتى الأخلاق بقيت في تلك البيوت الطينية الرائعة مدفونةً في حجراتها، تنتظر مَن يبعثها مرة أخرى للوجود، أما هذه الجدران الإسمنتية الشاحبة، فقد جلبت معها الشحوبَ في الأخلاق والوجوه والطباع، بل وجلبت معها الشرَّ كله، والعذاب والضنك بحذافيره.

أمَا آن لنا بعدُ أن ننكر هذه الحضارة البائسة؟!
أمَا آن لنا أن ننتبه لمدى الجرم الذي نرتكبه في مطاوعة غزلها العاهر؟!
متى نعود لتلك الأيام الصافية بفطرة الله التي فطر الناس عليها؟!
أم أننا سنظل نلهث وراء مطالبِ هذه النفس الخبيثة التي بين جنبَيْنا، والتي ما تفتأ تحصِّل لذَّة إلا واشرأبَّت لأخرى؟! فنبقى ندور ونحوم حول رحى الشهوة وراحة الجسد ورغده، حتى يفنى فينا كلُّ جميل من خصال البشر؟

أرى الناس مِن حولي تذوب أخلاقهم يومًا بعد يوم، وتسوء أحوالهم ساعة بعد أخرى، وتتحول وجوههم من وجوه آدمية بريئة، إلى سباع وذئاب متوحشة، كلُّ همِّها وكل شغلها في جمع المال ثم المال ثم المال؛ لأن دنيا الزمن لا قيمة لها من غير مال، وكأنها حرب ضروس بين أعداء طال فيهم مكثُ الغل والحقد الدفين؛ لا أحد يرحم أحدًا، لا رحم وُصلت، ولا قرابة فقيرة أُكرمت، ولا آباء بر بها، ولا أبناء رُبوا على الأخلاق ومكارمها والرحمة، ذهب حقُّ الجار مع تيار الكهرباء، وذهبت المبادئ مع مجاري الصرف الصحي، فإلى أين؟
نعم، حتمًا إلى الهاوية.

أقارن زمنًا قديمًا ونحن صغار في بيت الجدة رحمها الله، في تلك القرى الجميلة المتواضعة بسفح وادي تدغى، التي يغلب عليها السكينة والهدوء والرحمة، أقارنه بين زمننا هذا، فكأنني أقارن الجنة بجهنم، كل شيء كان جميلًا، حتى الوجوه كانت منشرحة هادئة؛ أتذكَّر كيف كانت حركة الجوارح متزنة، لا خبل فيها ولا عجلة، أتذكر كيف كانت الأصوات حانية، إنْ خالطها شوب فإنما يخالطها مكرٌ بريء، أتذكر كيف يجتمع الجميع على كوب الشاي، وخبز الفرن الطيني، وسمن بلدي أصيل، وزيت زيتون، يجتمع الجميع بهدوء قلب لا يستنفرهم شيء، في ودٍّ وسكينة، وحب ورحمة؛ ثم أرى كيف تحوَّل كل شيء، وكيف انغلق كلٌّ على نفسه؛ حتى لا يفسد عليه أحد خَلْوَتَه مع شهوته بمخترعات الحضارة؛ لأنه لم يعد أحد في حاجة للأنس بأحد، فقد ملأت الملذات المتراكمة كل الفراغ، بل قد أحدثت فراغًا جديدًا وملأته؛ فمن ذا الذي يستلذ اليوم بكأس شاي يدفعه للتأمل؟! الكل قد حشر وجهه في شاشة هاتف يهتف بصاحبه إلى صنوف الشهوات، تلك الشهوات التي كان إدراكها يومًا من تمام المـحال، أضحت اليوم بين لمسة وهمسة وعبارة، تحضر كليلة طائعة خانعة، تقول: هأنذا، فافعل ما بدا لك، فلست أقول: لا؛ فإن الحضارة جعلتني سهلة ميسورة رخيصة متوفرة.

هي مفاسد الحضارة لا تنقضي، ولست أعجب منها، ولكنني أعجب ممن يُسخِّر نفسه للدفاع عنها، وجعلها من الوسائل التي تحتمل الخير والشر، فقد كتبت يومًا عن شؤمها وبؤسها، فجاء بعض مَن يظهر عليه وسمُ التدين فأنكر عليَّ، وقال بأنها إن استعملت في الخير وبالقدر المحمود، فلا شيء فيها، ولست أراك إلا منغلقًا غاليًا متطرفًا!

فأجبته بأنه لو كان الأمر متعلقًا بك - وأنت الصالح الذي يقاوم غنجها! - فلا بأس، لكنها أمَّة من الصبايا والعذارى والمغفلين، الذين أفسدَتْهم هذه الحضارةُ، وبات الأهلون في عجز كامل عن تقويمهم، بل إن الأهل أنفسهم أضحوا يحتاجون من يقوِّمهم!
ولو كان الأمر متعلقًا بك وحدك أيها الرشيد، لكان الأمر هينًا، لكنه مصير عالم بأسره من الأرواح المتطايرة؛ فلم يجد صاحبنا جوابًا، بل هرب هروبًا تسوقه فيه شهوتُه، ويحدوه فيه حادي طلب لذة النفس وشهوتها، ويقوده فيه عقلٌ مغلق بوهم الحضارة؛ ألم أقل لك: إنها النفس التي تَهوِي بصاحبها إلى أسفل سافلين، وهو مغمض العينين طائع لا يقاوم بأدنى بنت شفة؟!

وهؤلاء الرفاق الذين يتحدثون عن خيرها، أيُّ خير مع ذهاب المبادئوالأخلاق عن أي خير تتحدثون، يرحمكم الله؟! أم أنكم أيضًا سكارى بوهم الحضارة، فيكون كلامنا معكم ضربًا من ضروب العبث؟ أمَا لكم عقول تعقلون بها؟! أما لكم قلوب تفقهون بها؟!
إني أرى نفسي في دوامة يخذلني فيها أقربُ مَن أرجو نصرته، هؤلاء القائمون بأمر الشريعة كانوا أحرى أن يدركوا مفاسد هذه الحضارة، وهم يكررون في دروسهم ومحاضراتهم قاعدةَ المصالح والمفاسد، وتقديم المصالح على المفاسد، أوَ لم يروا أن مفاسد الحضارة طغَت على كل خيرها ومصالحها؟! أو أن المصالح التي يتحدثون عنها هي مصلحةُ تلك النفس التعيسة الطائشة الجاهلة؟ وقد أخبرتك عن أحوالها وشديد جرمها، وهذا أيضًا من مصائب الحضارة، لما بات أهل الفكر غارقين في وهمها، لا يُطيقون لها ردًّا ولا بيانًا، ما أشدَّك على النفوس أيتها الحضارة! وما أشدَّك أيتها النفس على القلوب والعقول المخدَّرة!!

قطعت قبل يومين مسافةً طويلة مشيًا على الأقدام، في طريق مملوء بالدراجات والسيارات، والكل يعجب من فعلي، وكأنهم ظنوا بي جنونًا، ولا ضير، فقد كان كل أجدداهم مجانين! لكنني شعرت بفطرة كنت أعهدها قديمًا، لكنها ذابت مع أمواج الحضارة، فشعرت وكأني أستعيدها، وفي ذلك الوقت عرضَتْ لي فكرة الكتابة في وهم الحضارة؛ لأنني استشعرت كم نحن ضائعون ومحرومون بوهم الحضارة؛ فقدَ الناسُ لذَّةَ الحياة وطعمها، وتحوَّلوا إلى آلات كهربائية، ودمى من السيليكون، لا تُحس فيهم أبدًا نبضَ الإنس، وهو وعد إبليس الذي صدق عليهم، ﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء: 119].




 توقيع : نسر الشام


رد مع اقتباس
قديم 14-04-2018, 12:59 AM   #2


الصورة الرمزية Queen♚
Queen♚ متواجد حالياً

 
 عضويتي » 516
 اشراقتي » Dec 2017
 كنت هنا » اليوم (07:18 PM)
آبدآعاتي » 17,083[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 الاوسمة »
وسام وسام وسام وسام 1 
 
افتراضي مرحبا بك في منتديات عبق الياسمين!




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 

رد مع اقتباس
قديم 14-04-2018, 01:03 AM   #3


الصورة الرمزية همس الروح
همس الروح متواجد حالياً

 
 عضويتي » 525
 اشراقتي » Dec 2017
 كنت هنا » اليوم (09:38 PM)
آبدآعاتي » 1,469,052[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » القراءة..والرياضة.. والطبخ
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 MMS ~
MMS ~
 الاوسمة »
وسام وسام انفاس الياسمين وسام المئوية الرابعة بعد المليون وسام مشارك بيوم التأسيس السعودي 
 
افتراضي رد: وهم الحضارة




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : همس الروح





رد مع اقتباس
قديم 15-04-2018, 04:53 AM   #4


الصورة الرمزية وهج الكبرياء
وهج الكبرياء غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 494
 اشراقتي » Dec 2017
 كنت هنا » 06-02-2021 (12:33 AM)
آبدآعاتي » 380,417[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 MMS ~
MMS ~
 الاوسمة »
وسام وسام وسام وسام 
 
افتراضي رد: وهم الحضارة




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : وهج الكبرياء





رد مع اقتباس
قديم 15-04-2018, 05:53 AM   #5


الصورة الرمزية مـدى
مـدى غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 543
 اشراقتي » Jan 2018
 كنت هنا » 08-07-2018 (12:24 AM)
آبدآعاتي » 40,188[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » التصميم - الكتابة - القراءة
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 MMS ~
MMS ~
 الاوسمة »
وسام وسام وسام وسام 
 
افتراضي رد: وهم الحضارة




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 

رد مع اقتباس
قديم 18-04-2018, 01:24 PM   #6


الصورة الرمزية مرافئ الذكريات
مرافئ الذكريات غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 25
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » 18-09-2023 (09:13 PM)
آبدآعاتي » 492,533[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  جده
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 MMS ~
MMS ~
 الاوسمة »
وسام وسام وسام وسام 
 
افتراضي رد: وهم الحضارة




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : مرافئ الذكريات




*


رد مع اقتباس
قديم 18-04-2018, 01:40 PM   #7


الصورة الرمزية البدر
البدر غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 58
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » اليوم (02:00 PM)
آبدآعاتي » 1,309,967[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 MMS ~
MMS ~
 الاوسمة »
وسام وسام انفاس الياسمين وسام صندوق الهدايا 
 
افتراضي رد: وهم الحضارة




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : البدر





رد مع اقتباس
قديم 18-04-2018, 02:06 PM   #8


الصورة الرمزية عبير الليل
عبير الليل متواجد حالياً

 
 عضويتي » 39
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » اليوم (08:08 PM)
آبدآعاتي » 3,301,158[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » كتابة الشعر والخواطر # التصوير
 اقامتي »  قلب أبي
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 MMS ~
MMS ~
 الاوسمة »
وسام المئوية الثالثة بعد المليون االثالثة وسام صور رمضانية المئوية الثانيه بعد الثلاثه مليون وسام فخامة شيف 
 
افتراضي رد: وهم الحضارة




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : عبير الليل




لااحلل نقل مدونتي وكتاباتي ..
كونوا اسمى من ذلك آحبتي ]





نحن وإن جار الزمان لبرهة.. نبقى الكبار وغيرنا أقزام
ما ذنبنا إن كان يشعر أننا أرقى.. وأن مكانه الأقدام






رد مع اقتباس
قديم 20-04-2018, 02:47 PM   #9


الصورة الرمزية ذبحني غلاك
ذبحني غلاك غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 40
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » 20-03-2024 (04:09 AM)
آبدآعاتي » 338,476[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 MMS ~
MMS ~
 الاوسمة »
وسام رد وارف النبض وسام رد جليل وسام جواهر الحرف وسام 
 
افتراضي رد: وهم الحضارة




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : ذبحني غلاك













رد مع اقتباس
قديم 23-04-2018, 01:37 PM   #10


الصورة الرمزية همس الورد
همس الورد غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 44
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » 12-06-2022 (02:04 AM)
آبدآعاتي » 320,332[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  في قلب اهلي واحبابي
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
 الاوسمة »
وسام وسام وسام فعالية لبيك اللهم لبيك وسام 
 
افتراضي رد: وهم الحضارة




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : همس الورد









[/CENTER]



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع ¬ آلمنتدى ✿ مشاركات ¬ آخر مشآرگة ✿
الحضارة الرومانية الاستاذ عبق التراث والآثار ✿ 34 04-01-2024 09:13 PM
تطورات تعلم الكتابة في الحضارة المصرية و السومرية مـدى عبق التراث والآثار ✿ 29 12-12-2023 07:27 PM
رمضان يتوهج.. ويسجل لينقذ ستوك سيتي من الخسارة بالبريميرليج أمير الليل عبق الرياضي ✿ 12 08-01-2023 11:33 PM
- فأس الحضارة.! يَمَامْ.! سولاف الخواطر والقصيد وغيم حرف ممنوع المنقول با اقلامكم فقط✿ 29 23-10-2022 03:32 AM
بعد الخسارة المحلية.. الريان يضاعف جراح الهلال في الآسيوية الريفيه عبق الرياضي ✿ 9 13-02-2021 05:53 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 09:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.