حرص الإسلام على بناء مجتمعٍ قويٍّ قادرٍ على مواجهة التحدِّيات والأزمات المختلفة، مجتمع حضاري راقٍ، يرحم القويُّ فيه الضعيفَ، ويعطف الغنيُّ على الفقير، ويُعطي القادرُ ذا الحاجة، كما يحرص على بناءِ مجتمعٍ أخلاقيٍّ متقاربٍ ومتحابٍّ ومتعاونٍ على الخير وفعل المعروف؛ ومن ثَمَّ جَاءَ بمنهجٍ رائع في بناء المجتمع البشريِّ كُلِّه، وجَعْل كلَّ فردٍ فيه متعاونًا مع غيره على الخير العام، مُغِيثًا له حال الحاجة والاضطرار.
إنَّ قيمة التكافل بين الناس، وخُلُقَ إغاثة الملهوف من الأمور التي لا يقوم المجتمع المسلم إلَّا بها، إنَّها قيمٌ إنسانيَّة اجتماعيَّة راقية، وقد سبق الإسلام في تطبيقها على أرض الواقع سبقًا بعيدًا، فكانت النماذج الرائعة في الصدر الأول من الإسلام خير مُعَبِّرٍ عن هذا الخُلُق الكريم.
ولقد سلك التشريع الإسلاميُّ لتشجيع المسلمين على التمسُّك بذلك الخُلُق طُرُقًا متنوِّعة، واتَّخذ وسائل متعدَّدة؛ ذلك لأنَّه دين عمليٌّ يربط الفكرة بالعمل، كما يربط كذلك النظريَّة بالتطبيق، وليس مجرَّد خيال يُدَاعِب أحلام المصلحين، ومِنْ ثَمَّ كانت هذه الوسائل التي اعتمدها الإسلام في ترسيخ هذا المعنى ابتداءً في أذهان المسلمين، ولذلك -أيضًا- جاءت النصوص متوافرة، تؤكِّد هذا المعنى وتُعضِّده، كما كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم تطبيقًا عمليًّا للعمل التكافليِّ والإغاثيِّ.
"إنَّ الإسلام قد أولى الطبقات الضعيفة في المجتمع اهتمامًا خاصًّا، فشرع لهم من الأحكام والوسائل ما يكفل العمل الملائم لكلِّ عاطل، والأجر العادل لكلِّ عامل، والطعام الكافي لكلِّ جائع، والعلاج المناسب لكلِّ مريض، والكساء المناسب لكلِّ عريان، والكفاية التامَّة لكلِّ محتاج، وتشمل هذه الكفاية المطعم والملبس والمسكن، وسائر ما لا بدَّ له منه على ما يليق بحاله بغير إسرافٍ ولا إقتارٍ لنفس الشخص، ولمن هو في نفقته"[1].
وإذا أردنا حصر النصوص من القرآن والسُّنَّة والآثار التي تؤكِّدُ هذا المعنى العظيم وجدناها من الكثرة بمكان، ومنها ما هو صريح في الحثِّ على التعاون والتكافل، وما هو سبيل للوصول إلى هذا الهدف من خلال وسائل أخرى غير مباشرة.
وقبل أن يأمر الإسلام المسلمين بالتكافل وإغاثة الملهوفين، وضع لهم الأساس الفكريَّ لقيمة التكافل، فعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[2]. وهذا في الواقع أدقُّ مَثَلٍ في تصوير ما يجب من أحوال المسلمين بعضهم مع بعض.
[1] يوسف القرضاوي: ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده ص137 بتصرف.
[2] البخاري: كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (5665)، ومسلم واللفظ له: كتاب البرِّ والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتوادهم وتعاضدهم (2586).